01-06 جوامع الکلم المجلد الاول – رسالة في جواب الميرزا جعفر النواب ـ مقابله

رسالة في جواب المیرزا جعفر النواب

 

من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم

الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 112 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحساۤئي انه قد ورد عليّ من جناب عالي الجناب و سلالة الاطياب و الباب المستطاب و لب الالباب المولي الافخر ذي العقل الانور الاسعد جعفر بن المرحوم الميرزا احمد المشتهر بالنواب فتح اللّه عليه ابواب هداه و اراه مبدءه و منتهاه و اخذ بيده الي رضاه و زوّده بمدد التوفيق لسعادة آخرته و دنياه و زاده في جزيل احسانه اليه و اولاه و كفاه شرّ عداه و حفظه من كل قاصدٍ اليه باذيّة و رعاه بحرمة محمد و آله الهداة اۤمين رب العالمين مساۤئلُ دقيقة خفيّة عميقة طلب من محبّه الداعي له جوابها فشرعت في الجواب امتثالاً لامر ذلك الجناب علي سبيل الاشارة و الاختصار اعتماداً علي صفاۤء ذاته الوقّادة و فكرته النقّادة و جعلتُ كلامه الشريف متناً و الجواب شرحاً ليخصّ كل شي‌ء من السؤال بما يحتاج اليه من المقال علي حسب مقتضي الحال فاقول و باللّه الاسْتعانة.

قال ايده اللّه بمدده و رضاه ان يفيد معني الكشف و ان المكشوف له هل يرشح علي النفس من حاۤقّ حقيقة ذاتها و تعاينه منها او من كتاب آخر.

اقول اعلم وفقك اللّه ان معني الكشف هو كشف الحجب التي علي النفس الناطقة القدسيّة التي من عرفها فقد عرف ربّه و الحجب علي اقسام: منها حجب عقليّة و هي المعاني المعقولة و معني كونها حجباً ان المعاني فيها كثرة معنويّة و تشخّصات عقليّة غير متمايزة بالصُّوَر و ان تمايزت في المعني و لونها البياض و لها اوقات دهرية و امكنة نوريّة فبسبب وجود امكنتها و اوقاتها و تعدّدِها تكون حاجبةً للنفس عن مشاهدتها البساطة الحقيقية و منها حجب رُوحيّة و هي مبادي صور تلك المعاني العقلية و تسمّي في الاصطلاح بالرقاۤئق و هي متمايزة في الجملة بنوع من التصوير لان صورها غير تامة التخطيط و لونها اصفر و هي اشد

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 113 *»

حجباً من المعاني و منها حجب نفسانية و هي صور تلك المعاني العقلية بتمام تخطيطها فهي تاۤمّة التمايز و لونها اخضر و هي اشد حجبا من الرقاۤئق و منها حجب طبيعية و هي مراكب تلك الصور النفسانية الذائبة و حواملها الماۤئعة و هي اشد من الصور حجبا و لونها احمر و منها حجب هيولانيّة و هي اوعية تلك الطبيعية و اشد حجباً منها و لونها كمِدٌ وَ جميع هذه الحجب اوقاتها الدهر و امكنتها النور كالعقلية الّا انها تترتب في العلوّ و الشرف و التجرد علي حسب ترتيبها كما ذكرنا و منها حجب مثالية و هي هذه المقادير التي تدركها الابصار و تري في المرايا و غيرها و هي بين الدهر و الزمان فاعلاها متعلق بالدهر و اسفلها منغمس في الزمان و معني هذا انها في الدهر بذاتها و في الزمان بالتبعية لما تتعلّق به من الاجسام و مكانها بذاتها وراۤء محدد الجهات و بتبعيتها في جوفه لتعلّقها بالاجسام و هي اشد ممّا سبق حجباً و لونها خضرة عميقة تميل الي السواد و منها حجب جسمانية و هي الاجسام من العلوية و السفلية الجمادية و الناميّة و الحيوانية و لونها السواد و هي اشد حجباً مما سبق و وقتها الزمان و حيّزها المكان و هو مقصد المتحرك و منها حجب عرضيّة كالالوان و الحركات و الاضافات و النسب و الشؤن و الاعراض و المطالب و الشهوات و الالام و ما اشبه ذلك مما هو راجع الي النفس و النساۤء و البنين و الاموال و غير ذلك و هي اغلظ الحجب و اكثفها و اشدّها حجباً و لونها السواد الحالك الذي لايهتدي فيه الساۤئر الا بمصباحٍ مضيۤ‌ء و سراج منير فهذه ثمانية حجب كلّما كان اسفل كان اغلظ و منها حجاب النفس و هو محيط بجميع تلك فهو اوّلها و آخرها و اوسطها و كلّها و اصعبها خرقاً و فيه جميع الوان الموجودات و له جميع امكنتها و اوقاتها فافهم فهذه الحجب الثمانية كلّما خرقتَ منها حجاباً انكشف لك ما وراۤءه حَتّٰي تَصِلَ الي حجاب النفس فاذا خرقته عرفت ربّك و تجلّي لك في فؤادِك بنور عظمته و اعلم ان مطلوبك عندك كما قال الشاعر:

كم ذا تموِّهُ بالشعبَين و العَلَمِ   و الامرُ اوضحُ من نارٍ علي علمِ
اَرَاكَ تسألُ عن نجدٍ و انتَ بها   و عَن تهامة هذا فعلُ متَّهمِ

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 114 *»

و الدليل علي ذلك و هو ان الكشف لَك انما هو عن حقيقةِ ما اوْدَعَ اللّه فيك قوله تعالي و اتقوا اللّه و يعلمكم اللّه و قال تعالي و لمّا بلغ اشدّه و استوي آتيناه حكماً و علماً و كذلك نجزي المحسنين و المحسن مَن اجتمع قلبه فيما يراد منه و في الحديث القدسي ما معناه قال اللّه تعالي مَن اخلص للّه العبوديّة اربعين صباحاً تفجّرت ينابيع الحكمة من قلبه علي لسانه فان كان مؤمناً كانَ هُديً له و ان كان كافراً كان حجة عليه و مِن الدليل انّ مطلوبك كامِنٌ فيك ما روي عن اميرالمؤمنين (ع‌) قال ليس العلم في السماۤء فينزل اليكم و لا في الارض فيصعد اليكم و لكن العلم مجبول في قلوبكم تخلّقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم و مثل معناه ما روي عن عيسي بن مريم (ع‌) فالكشف ليس من شي‌ء غيرك و لايرشح عليك الا منك و لهذا تري المعلِّم اذا اورد عليك معني لاتدرك الّا ما في وسعك لان الاستاذ منبّه و مذكّر لك ما نسيتَ من فطرتِك التي خُلِقْتَ عليها و في هذا كفاية.

قال ايّده اللّه تعالي : و ان يفيد ايضاً ان الصلوة المقررة في الشريعة مأخوذة من اي شي‌ء و لِم شرِعَتْ علي ما شرعت عليه و لم جعلت خير موضوع.

اقول ان الصلوة مأخوذة من اربعة معان : الاول هي مأخوذة من الرحمة فامر اللّه عبده بها رحمة له و فعل العبدِ لها ترحّم من اللّه تعالي و طلب منه سبحانه لما اعدّ لمن امتثل امره من الرحمة في الدنيا بدفع البلايا و ادرار الرزق و الانساۤء في العمر و المحبة في قلوب اولياۤء اللّه و قضاۤء حواۤئجه للدنيا و الٰاخرة و في الٰاخرة بغفران ذنوبه و ادخاله الجنّة التي هي دارُ رِضاهُ و مجاورة اولياۤئِه (ع‌) الثاني من الاستغفار لانها سبب لمغفرة ذنوبه لانها عمود الدين اذا قبلت قبل ما سواها و ان رُدَّت رُدَّ ما سواها و لان الملاۤئكة تستغفر للمصلّي لانها هي سبيل اللّه و فرع سبيل اللّه قال اللّه تعالي اخباراً عن ملاۤئكته الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يؤمنون به و يستغفرون للذين آمنوا ربّنا وسعتَ كل شي‌ء رحمة و علماً فاغفر للذين تابوا و اتّبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم الٰايات، و شرح ذلك لاتسعه هذه الكلمات القليلة و الاشارة تكفي اهلها ان شاۤء

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 115 *»

اللّه تعالي الثالث من الدعاۤء و هو باطن الا انّا نشير اليه و هو ان اللّه سبحانه دعا عباده الي القرب من رحمته بهذه العبادة الخاۤصّة بنياتهم و تكبيراتهم و قراۤءتهم و ركوعهم و سجودهم و السنتهم و هيئاتهم و حركاتهم و سكونهم دعاۤء لايكون دعاۤءٌ اشمل منه و لا اقرب استجابة لانهم دعوه بالسنتهم و عيونهم و ايديهم و ارجلهم و قيامهم و قعودهم و سجودهم و جهرهم و اخفاتهم و جميع جوارحهم و ظاهرهم و باطنهم و شاهدهم و غاۤئبهم الرابع انها مأخوذة من الصلة لانها صلة اللّه لعبده بمدده و من الوصلة لانها سبيل اللّه الي عبده فيما يمده و سبيل العبد الي اللّه في دعاۤئه و قابليته لمدده و في اعماله و من الوصل اي اتصال رحمة الرب سبحانه بعبده و اتّصال عبده بقربه فهي معراج المؤمن الي قريب المسافة لمن قصده كما يحب سبحانه و تعالي فهذه اربعة اوجه اخذت الصلوة منها علي سبيل الاجتماع بمعني ان كلّاً منها ملحوظ لا انها علي سبيل الترديد بمعني انها اخذت من احدها. و هنا وجه آخر و هي ان الصلوة اخذت من الولاية و انما لم‌ادخله فيها لان شرحها يخرجنا عما نحن فيه و في ذلك مفسدة اذ مثل ذلك لايستودع القرطاس اذاً لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم صلي اللّه عليهم و علي شيعتهم و محبيهم قال (ع‌) ابي اللّه ان يعبد الّا سراً.

و قوله ايده اللّه تعالي: و لم شُرِعت علي ما شُرِعَتْ عليه ، فاعلم ان الوجود الفاۤئض عن اللّه تعالي كان علي احوال مختلفة و هيئات متعدّدة و كله خير و اللّه سبحانه يحب الخير و يجازي علي كل خيرٍ ما يليق به و يناسب له و لما كان الانسان جامعاً لصفاتِ ما فِي العالم من ملكٍ و جنّ و طير و وحش و حوت و نبات و معدن و جماد و غير ذلك و اعراضها و كان سبحانه يحب كل صفة حسنة من جميع خلقه من حيوان و نبات و جماد لانه جميل يحب الجميل و فعله الجميل و قد اعدّ لكلِ ذي حسن ثواباً و كان الانسان اقرب خلقه اليه و احبّهم عليه و لاجله خلق ما خلق فاحب ان يوصله الي جميع افراد محبته و ثوابه دقيقها و جليلها و اجري عادته في الجزاۤء علي حسب الاعمال كلّفَهُ بهذه

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 116 *»

الصلوة التي جمعت جميع الاشارات الي جميع ما في الخلق كلهم ففي الخلق مثلاً ملاۤئكة قيام كقيام الصلوة و فيهم راكعون كركوعها و فيهم ساجدون كسجودها و فيهم قاعدون كقعودها و فيهم متشهدون كتشهدها و فيهم مكبّرون كتكبيرها و فيهم قارئون كقراۤءتها و فيهم منتقلون كانتقال المصلّي من حالة الي اخري و بالجملة فلم‌يكن احد من الملاۤئكة له تسبيح او حال الّا و في الصلوة له مثال و كذلك غير الملاۤئكة فالمخلوقات منهم متحرِّك كحركة الهُوِيِّ و القيام و ساكن كالطمأنينة و مُنْشَأٌ كالسجدة الاولي و مقضِيٌّ كالرفع منها و ميّتٌ كالسجدة الثانية و مبعوثٌ كالرفع منها و قاۤئم كالراجع بعد الموت في الرجعة و هكذا و محاسَبٌ كالمتشهد و لمفروغ من امره كالمسلِّم و هكذا و الغيب كالنية و الشهادة كصورتها و بالجملة فهي مشتملة علي كل هيئة في العالم فمن اتي بها علي ما حُدَّ له بلغ بها كل مرتبة من الخير فاراد اللّه سبحانه و له الحمد ايصال الانسان الي كل خير قال تعالي و لقد كرّمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممّن خلقنا تفضيلاً و كان من اعظم ما كرمهم به و فضّلهم ان كلّفهم بهذه الصلوة التي هي اقرب الاعمال اليه و احبّها لديه ، و قوله سلمه اللّه تعالي و لم جُعِلت خير موضوع يعرف مما ذكر.

قال سلمه اللّه تعالي : و ان يفيد معني سبق رحمة اللّه علي غضبه.

اقول ان اللّه سبحانه لم‌يخلق شيئا فرداً لا ضدّ له بل كلّ ما خلق من شي‌ء خلق له ضدّاً ليدلّ بذلك علي ألا ضدّ له قال تعالي و من كل شي‌ء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون، هذا من جهة فعل الخالق سبحانه و امّا من جهة المخلوق فان الممكن يستحيل ايجاده لا ضدّ له و تعجز حقيقته عن ذلك و بيانه انه سبحانه اذا خلق شيئاً انْخلَقَ فكان ذلك الشي‌ء مركّبا من الفعل و الانفعال و تعجز حقيقته بدون ذلك فافهم فلمّا خلق الرحمة محبّة لها اوّلاً و بالذات خلق الغضب لانه من تمام قابليّة الرحمة للايجاد فخلق الغضب ثانياً و بالعرض لان الرحمة من فيض جوده فهو يريدها لذاتها و الغضب من خلف الرحمة فلايريده لذاته و انما يريده لتمام الرحمة فكان وجود الرحمة قبل وجود الغضب و اقرب الي فعله و محبته

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 117 *»

و كان يصف نفسه بالرحمة و ينسبها اليه فيقول انه هو الغفور الرحيم و لاينسب الغضب و لا ما يصدر عنه اليه فلايقول انه هو الغضبان و المعاقب و انما يقول انّ ربّك لشديد العقاب و انه لغفور رحيم فينسب الغضب و ما يصدر عنه الي الفعل و الرحمة الي ذاته فهذا معني سبقت رحمته غضبه و معني آخر و هو انه ماذكر الرحمة و الغضب او العقاب في كتابه في موضع الّا و يرجّح جانب الرحمة علي العقاب بوجهين اوْ ازيد و لانه يريد ان يعاقب فقال فتول عنهم فما انت بملوم ثم رحم فقال و ذكّر فانّ الذكري تنفع المؤمنين فسبقت رحمته غضبه في الوقوع في مقام وقوع الغضب و بالجملة فهذا شي‌ء لايخفي و الحمد للّه.

قال سلمه اللّه تعالي : و ان يفيد ايضاً ان اللّه تعالي لايغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاۤء.

اقول انما غفر اللّه للكافر لانه اذا انكر اللّه قد لايعرفه فيكون جاهلاً في انكاره و العدل يقتضي الّايؤاخذ من لايعلم و قد قال اللّه تعالي و ماكان اللّه ليضلّ قوماً بعد اذ هداهم حتّي يُبَيّن لهم ما يتّقون و غير ذلك و اما المشرك فانه عرف اللّه و اشرك معه غيره بعد المعرفة فلم‌يقبل منه و مراتب الشرك تتحقق في اربعة مواضع : الاول ان يجعل مع اللّه الها شريكاً في وجوب وجوده الثاني ان يجعل له شريكا في صفاته الذاتيّة الثالث ان يجعل له شريكا في فعله الرابع ان يجعل له شريكا في عبادته قال تعالي في الاول و قال اللّه لاتتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد و في الثاني ليس كمثله شي‌ء و في الثالث اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات و في الرابع و لايشرك بعبادة ربه احداً.

قال سلمه اللّه تعالي : و ان يفيد معني ما ورد عنهم عليهم السلام كثيراً من قولهم اللهم صل علي محمد و آل‌محمد كما صلّيت علي ابراهيم و آل ابراهيم.

اقول انّ العلماۤء اجابوا عن هذا السؤال باعتبار الظاهر باجوبة كثيرة و احسنها عند المحب الداعي ان المعني اللهم صلّ علي محمد و آل‌محمد الذين هم احب اليك من جميع خلقك و اقربهم الذين اصطنعتهم لنفسك و اختصصتهم لك كما انّك قد صليتَ علي من هو دونهم و لولاهم لماخلقته و لاقرّبتَهُ فكما

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 118 *»

انك قد صلّيت عليه و هو انزل رتبةً و شرفاً عندك فصلّ علي المقربين الاحبّين عندك فان الصلوة عليهم اولي من الصلوة علي غيرهم الذين هم دونهم و هذا معني ظاهر لايحتاج الي البيان و يحتمل ان يراد بٰال ابراهيم محمد و آله (ص‌) فيكون المعني كما انّك صلّيت عليهم مع ابيهم ابراهيم قبل ان توجدهم في الدنيا فصلّ عليهم بعد ايجادك اياهم بطريق اولي او بمعني مرّة بعد اخري و الكل محتمل هذا بيان ذلك باعتبار الظاهر و امّا باعتبار الباطن فالمراد من قولك اللهم صل علي محمد و آل‌محمد سؤال اللّهِ ان يصِلَ محمداً و آل‌محمد برحمته امّا من الصّلة او من الوصلة او من الوصلِ و حيث كانت رحمة اللّه لانهاية لها كان صلي اللّه عليه و آله باستعداده و بفضل اللّه الابتداۤئي و بدعاۤء جميع الخلق له (ص‌) بذلك لايزال سابحاً في بحار رحمة اللّه و لا غاية لذلك السير و لا نهاية في الدنيا و الٰاخرة و من اسباب ذلك التأهّل الخارجيّة دعاۤءُ الداعين له بالصلوة عليه و انما كان دعاۤؤُنا سبباً من الاسباب لاستحقاقه لان دعاۤءَنا له هو سبب اتّصالنا بالرحمة كما هو حكم المتضايفَين فلو لم‌ينفعه دعاۤؤنا له لم‌ينفعنا دعاۤؤنا له و ليس ذلك النفع الذي بسَببنا راجعاً الي ذاته و انما هو راجع الي ظاهره و مظاهره فافهم و ذلك كانتفاع الشجرة بورقها و انتفاع الورق من الشجرة فاذا تقرّر هذا فنقول ان الظاهر في الوجود الزماني قبل الباطن كما ان الباطن في الوجود الدهري قبل الظاهر مثلاً خلق الارواح قبل الاجسام باربعة اۤلاف عام هذا في الوجود الدهري و اما في الوجود الزماني فان جسم زيد خلقه اللّه قبل خلق روحه فانه كان نطفةً و كانت النطفة علقة و لم‌توجد الروح و انما هي في النطفة بالقوة في غيبها كالنخلة في غيب النواة بالقوة و كذا العلقة و المضغة و العظام و الاكتساۤء لحماً الّا انها في كل رتبة متأخرة تقرب درجة من القوة الي الفعل لكنه سيّال تدريجي حتي يتم الاكتساۤء لحماً و تتم الٰالات فتبدو الروح فيه كما تبدو الثمرة من الشجرة فكانت الارواح قبل ذلك مشعرة بالشعور الجبروتي و الملكوتي كذلك حركتها و كلامها و جميع افعالها كلها جبروتيّة ملكوتية و اما افعالها بعد ظهورها في الجسم فهي زمانية لم‌توجد الّا بعد وجود الجسم فقد

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 119 *»

ظهر بهذه الاشارة ان الباطن متأخر وجوده في الزمان الخارجي كما ان وجود الظاهر متقدّم في الوجود الزماني فاذا عرفت ذلك فاعلم ان اللّه سبحانه جعل محمداً و آلَه صلي اللّه عليه و آله اوعية رحمته في عالم الاسرار قبل خلق الخلق فلايصل شي‌ء من رحمته الي احد من خلقه باستحقاق و استيهال او بتفضّل ابتداۤئي او بدعاۤء احد من الخلق الا من فاضلِ ما وصل اليهم بواسطتهم و تقديرهم عن اللّه تعالي و ذلك في جميع مراتب الوجود من الدرّة الي الذرة و كان ذلك و كان من ذلك ما وصل الي ابراهيم و آل ابراهيم هذا حكم الباطن و باطن الباطن و اما في الظاهر فلمّا كان ابراهيم (ع‌) و آله موجودين قبل وجود محمد و ال‌محمد في الوجود الزماني و قد صلّي اللّه عليهم بتفضلٍ منه و استحقاقٍ منهم و بدعاۤء الداعين لهم من الملاۤئكة و الانس و الجن و غيرهم بان وصلهم من فاضل رحمته و كان ذلك بواسطة محمد و اهل بيته عليه و عليهم السلام حتي ظهرت فيهم آثار رحمته في احوال دنياهم و آخرتهم فقال سبحانه في حقّهم رحمة اللّه و بركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد و دلّت علي ذلك الكتب السماوية فلما ظهر محمد و اهل بيته صلّي اللّه عليه و عليهم اجمعين علّمهم ان يعلّموا عباده ما فيه نجاحهم و نجاتهم من الصلوة الكاملة علي محمد و آله صلي اللّه عليه و آله بان يقولوا اللهم صل علي محمد و ال‌محمد كما صلّيت علي ابراهيم و آل ابراهيم و معناه علي نحو ما تقدّم يعني اللهم صل علي محمد و ال‌محمد الذين جعلتهم اوعية صلاتك و رحمتك و بركاتك و سبيل نعمك الي جميع خلقِك الذين صلّيت بفاضل ما جعلتَ عندهم و وصلتهم به من رحمتك و بواسطتهم علي ابراهيم و آل ابراهيم الذين نوّهتَ بهم و باسماۤئهم في العالمين فكما صلّيتَ علي ابراهيم و آل ابراهيم حتّي جعلتهم بذلك شيعة مخلصين لمحمد و اهل بيته الطاهرين و جعلتهم باخلاصهم في التشيع ائمة للعالمين و آتيتهم الدين و هديتَ بهم الصراط المستقيم فصلِّ علي محمد و ال‌محمد الذين جعلتهم معادن رحمتك و خزّان بركاتك و سبيلك الي عبادك الذين انعمت بهم علي ابراهيم و آل ابراهيم و

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 120 *»

عظّمت شأنهم في عبادك و شرفتهم في بلادك بسببهم و بفاضل رحمتك لهم و صلتِك ايّاهم و باخلاصهم في اتّباعهم و التمسك بحبلهم و الحاصل المعني في الترتيب و العلّة علي نحو ما ذكر في الظاهر الّا انّ المراد هنا بالصلوة هي الرحمة التي وصلهم اللّه بها و اعلم ان اللّه سبحانه لَمَّا خلقَ محمداً و ال‌محمدٍ جعلهم خزاۤئن رحمته و نعمه بحيث لايصل منه شي‌ء من ايجادٍ او اِرفادٍ او سبب او غير ذلك من جميع مااوجده او يوجده الي احدٍ من جميع خلقه من الانس و الجن و الملاۤئكةِ و جميع الحيوانات و النباتات و الجمادات و الاحوال و الصفات و الرقاۤئق و الذرّات و الاطوار و الخطرات و النسب و الاضافات و غير ذلك الّا بواسطة محمد و اهل بيته عليه و عليهم السلام و كذلك لايصل الي اللّه شي‌ء من جميع الموجودات الّا بواسطتهم فهم الوَسائط بين اللّه و بين خلقه في كل حال و اعلي المخلوقات بعدهم اولوا العزم نوح و ابراهيم و موسي و عيسي علي محمد و آله و عليهم السلام خلقهم اللّه منْ شعاع انوارهم و فاضل طينتهم و نسبة ذلك الشعاع الذي خلقت منه انوار اُولي العزم و حقاۤئقهم الي انوار محمد و اهل بيته (ص‌) كنسبة واحدٍ الي سبعين هذا في الرتبة و اصل العنصر و امّا في الاحاطة فنور الواحد من اولي العزم نسبته الي واحد من السبعين الذين هم انوار محمد و آله صلي اللّه عليه و عليهم كنسبة واحد الي مائة الفٍ و هذا تمثيل و الّا فالحقيقة نور الواحد من اولي العزم نسبته الي انوار محمد و آله (ص‌) كنسبة سم الابرة الي عالم السموات و الارض فعلي هذا يكون المعني فكما صلّيتَ علي مَنْ هم بمنزلة سَمّ الابرة من نور عظمتك التي ملأت السموات و الارض و اركانَ كلِّ شي‌ء و نوّهْتَ بهم في العالمين و شرّفتهم و رفعتَ شأنهم بين عبادك اجمعين فصلِّ علي مَن هم مجموعُ انوار عظمتك و حملة جلال سلطنتِك و اوْعِية علمك و قدرتك و نوِّهْ بهم في الاولين و الٰاخرين و علي هذه الاشارة فقس كل شي‌ء و لمّا كان الوجود الزماني سابقاً علي الوجود الجبروتي و الملكوتي في الظهور في الزمان و كان وجود ابراهيم و آله عليهم السلام سابقاً علي وجود محمد و آله عليه و عليهم السلام و قد اثني اللّه

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 121 *»

سبحانه علي ابراهيم و آله في الوجود الزماني قبل ان يوجد محمد و آله صلي اللّه عليه و عليهم حَسُن ان يرتّب الوجود اللاحق علي الوجود السابق لا في قوّة الصلوة و ضعفها و لا في شرفها و سبقها و لا غير ذلك بل لما قلنا فافهم الجواب و تدبّر الخطاب راشداً.

قال ايّده اللّه تعالي : و ان يُفيد ايضاً ان اللّه تبارك و تعالي لم خصّ الانسان بارسال الرسل اليهم و انزال الكتب عليهم و لم‌يتركوا و انفسهم حتي يتحركوا بحسب طبايعهم كما هو سنته في سائر المخلوقات.

اقول انما ارسل الرسل الي الانسان لانّ الانسان كان جامعاً لطباع الملاۤئكة و طباع الشياطين و طباع ساۤئر الحيوانات و طباۤع سائر الخلق حتي الجمادات و المعادن و النباتات و كان الانسان اكرم خليقته عليه كما سمعت سابقاً و انما خلقه جامعاً لطباع جميع خلقه ليكون جامعاً لكل شيٍ‌ء فاذا اطاعه مع ما فيه من كثرة الطباۤئع المختلفة بلّغه اشرف الدرجات و ان عصاه و آثر هواه علي طاعة مولاه ابعده من رحمته و اقصاه و لما كان انما خلقه كذلك لاسعادِه لٰا لِابعاده جعل له عقلاً يهديه الي ما يحب اللّه و لاجل لطفه به و محبّته عليه ارسل اليه الرسل و المنذرين و الهداة ليبيّنوا له ما خفي عليه و يوضحوا له ما اشبه عليه و ليقوُّوه علي ما عجز عنه عقله او اشتبه عليه اقامة للحجة و ايضاحاً للمحجّة ليهلك من هلك عن بيّنةٍ و يحيي مَن حيّ عن بيّنةٍ و لو تركه و نفسه لغلبت نفسُه عقلَه فلم‌يتحرك الي اللّه لكثرة ما فيه من الطباع المختلفة مع ان عقله انما اتاه بعد بلوغه و قد تمكّنت فيه الشهوات و الطبائع المختلفات فلاجل ذلك اسبغ نعمه ظاهرة و هم الرسل و باطنة و هم العقول فاذا تقرر هذا قلنا انه سبحانه لم‌يخص الانسان بذلك بل جميع خلقه ارسل اليهم النذر و الرسل قال اللّه تعالي و ما من داۤبّة في الارض و لا طاۤئر يطير بجناحيه الّا امم امثالكم مافرّطنا في الكتاب من شي‌ء ثم الي ربّهم يحشرون و اذا ثبت ان كل شي‌ء امم امثالُنَا قال اللّه تعالي و ان من امّة الّا خلا فيها نذير فما من امّةٍ الّا و اتتهم الرسل تتري و هي سنّته في ساۤئر المخلوقات الي اللّه تعالي الّا بمعونة من اللّه بواسطة هادٍ اليه و داعٍ من قبَله يدعو

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 122 *»

اليه.

قال ايده اللّه تعالي : و قد ورد في كثير من الاخبار ان اللّه تعالي اوحي الي انبيائه عليهم السلام ان النبي المبعوث في آخر الزمان صاحب الناقة الحمراۤء فما تلك الناقة و ما حمرتها.

اقول اعلم ان الناقة الحمراۤء هي احسن النوق في نفسها و في لونها و لهذا يقال خير لي من حمر النعم يريدون به النوق الحمر و كان صلي اللّه عليه و آله يحب ركوبها ليطابق الظاهرُ الباطنَ فانه كما كانت الناقة الحمراۤء تحمله و انّها تأدّبت بٰادابه حتي انها ليلة عقبة ‌هرشا لمّا دحرج المنافقون الدُباب بين قواۤئمها نفرت و كادت ترمي رسول اللّه (ص‌) فقال لها اسكني يا مباركة فليس عليكِ بأس كذلك كانت طبيعته الكلية التي اشير اليها بالحجاب الاحمر لان نور الطبيعة احمر احمرّت منه الحمرة و هو احد انوار العرش و انما كان احمر لاجتماع نور العقل الابيض و نور الرّوح الاصفر فيها و امتزجا بالانحلال و الاصفر و الابيض اذا امتزجا بالانحلال كان عنهما الاحمر الاحمر الاتري انك اذا اخذت الكبريت الاصفر و الزيبق الابيض ثلثاً و ثلُثَيْنِ من الكبريت و وضعتهما علي النار المعتدلة كان منهما الزنجفر و كانت طبيعته التي هي الناقة المعنويّة تحمله و كان اذا فعل المنافقون به بعض افعالهم القبيحة نفرت طبيعته حتي يكاد يقتلهم ثم يتركهم و لهذا قال (ص‌) لمّا كتبوا الصحيفة و دفنوها في الكعبة قال (ص‌) و لقد اصبح نفر من اصحابي ما هم بدون مشركي قريش حيث كتبوا صحيفتهم و دفنوها في الكعبة و لولا كراهة ان تقول الناس دعا قوماً الي دينه فاجابوه فلمّا ظفِر بِعَدُوِّه قتلهم لقدّمتهم و ضربتُ اعناقهم و لكن دعهم فانّ اللّه لهم بالمرصاد و امثال ذلك فكان الظاهر طبق الباطن فافهم وفقك اللّه لخير الدنيا و الاخرة.

قال حفظه اللّه تعالي: و ان يفيد و يبيّن المراد من التقوي التي يُوصَي بها في كلام مولانا و مقتدانا صلوات اللّه عليه من قوله اوصيكم بتقوي اللّه و لمَ حَصَر اللّه قبول الاعمال بها في قوله انما يتقبل اللّه من المتقين اللهم اجعلنا من

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 123 *»

المتقين و اجعلها زادنا ليوم الدين انتهي كلامه اعلي اللّه مقامه.

و اقول ان التقوي التي يوصون بها عليهم السلام لها ثلاث مراتب : احديها تقوي اللّه فيما يتعلّق بذاته و صفاته و افعاله ألاتُشْرِك به احداً في ذلك و لاتصفه بغير ما وصف به نفسه و لاتظنّ به الا الظن الحسن فانّه عند ظن عبده به ان خيراً فخير و ان شرّاً فشرّ و لاتكره شيئا من قضاۤئه و اَن تعتقد انّ الصالح فيما يقدّره و يجريه و ان لم‌تحبّه النفس لانّها امّارة بالسوء و امثال ذلك و تعلم انّه مطّلع علي السراۤئر و وساوس الصدور فتتجنّب كلّ ما يكره فهذه تقوي اللّه بالنسبة الي ما يكون له منك و الثانية تقوي النفس بان توقفها علي حدود اللّه و لاتُرَخِّصْهَا في معاصي اللّه و لاتحرمها حظّها و سعادتها من طاعة اللّه و توقفها بالمجاهدة علي الفريضة العادلة التي لا افراط و لا تفريط مثلاً تكون شجاعاً لا جباناً و لا متهوِّراً و تكون كريماً لا بَخيلاً و لا مبذِّراً مُسْرِفاً و تكون ذكِيّاً لا بليداً و لا مجربزاً و هكذا في جميع احوالك تسْلُكُ الحالة الوسطي المعتدلة في جميع الشؤن فهذه تقوي النفس فانك اذا فعلتَ ذلك بها فقد اتّقَيْتَ اللّهَ فيها و الثالثة تقوي العباد في كل ما تكون معهم من اموالهم و اعراضهم و دماۤئهم و نساۤئهم و مساكنهم و مجالسهم و غير ذلك ليتحقّق اسلامك عند اللّه فان المسلم من سلم الناسُ من يده و لسانه و الي هذه المراتب اشار سبحانه في كتابه في تعليم عباده المؤمنين طريق الزهد و التقوي قال تعالي ليس علي الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتّقوا و آمنوا و عملوا الصالحات و هو تقوي اللّه تعالي ثم اتّقوا و آمنوا و هو تقوي النفس ثم اتّقوا و احسنوا و هو تقوي الناس فالمراد بالتقوي التي يوصيكم عليه السلام بها هي هذه التقوي في هذه المراتب الثلاث و للتقوي معني باطن و هو انّكم تتقون ولاية الغير و ايّاكم و الميل اليها فانه عليه السلام يوصيكم بذلك.

و امّا حصر قبول الاعمال فيها فله معنيانِ احدهما انّ التقوي التي لايقبل العمل الا بها هي هذه التقوي الباطنيّة و هي تقوي ولاية الغير فانّ من لَمْ‌يتّقِها لم‌تقبل اعماله و ان اتي باعمال الخلاۤئق نعم قد يُناقش و يحاسب علي المعاصي

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 124 *»

و لكن اعماله تقبل و لايحبط منها شي‌ء و المعني الثاني ان القبول للاعمال التي اوجب اللّه علي نفسه للفضل و الرحمة فَانّما هو مع التقوي في المراتب الثلاث المتقدّمة و امّا مَن نقصَ منها فاللّه سبحانه اكرم مِن ان يَرُدّ عملاً صالحا اتَي به محبُّ عليّ (ع‌) لمَعاصٍ وقعت منه و لكن لايحتم علي اللّه سبحانه الا له الخلق و الامر بيده الخير و هو علي كل شي‌ء قدير و لا حول و لا قوّة الا باللّه العليّ العظيم .

و فرغ من هذه العجالة مؤلفها العبد المسكين احمد بن زين‌الدين بن ابراهيم في البلد المحروسة يزد حرسها اللّه من حوادث الزمان ليلة الاثنين السابعة من شهر شوال سنة ١٢٢٢ اثنتين و عشرين و مأتين و الف من الهجرة النبوية علي مهاجرها السلام حامدا مصليا مستغفرا.