رسالة في العلم فی جواب السيد ابی الحسن الجيلاني
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 18 *»
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين
الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمّد و اله الطّاهرين
امّا بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زينالدّين انه قد سأل سيّدنا الاكرم عن مسئلة عويصة في العلم و جوابها و كشف سرّها من مخزون العلم الذي كتمه اهل العصمة عن غيرهم لانه من غامض العلم الذي لايزيد البيان الا غموضاً و هو السّر المعمّي المنمنم لتوقف معرفته علي تعقّل الدّهر و افراده من الزّمان و افراد السّرمد منهما ثمّ انه اجاب نفسه و كتب لي جوابه و كان فيه شيء غير مطابق و كلّه تحت الجواب بمراحل طويلة لان هذا الجواب الّذي كتب لايكشف سرّ السّؤال لاختلاف المراتب فاحببت ان اكتبه و اجعله بمنزلة المتن و يكون عن مسئلته الاصليّة كالشّرح و لكن يجب ان اقدّم امام ذلك وصية و هي اوصيك ايها النّاظر ألاتقف علي الالفاظ و العبارات فان كنت تعرف الفرق بين القلب و الفؤاد و الفرق بين نظرهما و استعملت في كلامي نظر الفؤاد فزتَ ببلوغ المراد و الا فاقطع الخطاب و لاتطلب الرِّيّ من السّراب فان كنت عطشانا لهذا المورد فقد ضرب دونه الف حجاب و اللّه سبحانه الموفّق للصّواب.
اصل السّؤال معناه اذا كان كلّ شيء فقد كتب في اللّوح قبل خلق الخلق و منه ايمان المؤمن و كفر الكافر فكيف يجوز ان يأمر النّبي صلی الله عليه و آله بالايمان من يعلم انّه لايؤمن و انّه قد كتب انّه كافر في اللّوح المحفوظ الّذي ليس فيه محو و لا اثبات و لا تغيير و لا تبديل ثم كتب سلمه اللّه تعالي لعلّ سبب تكليف النّبي صلی الله عليه و آله الكفّار بالايمان مع انّه يعلم انّه لايؤمن انّ للشخص وجودين تكويني و تشريعيّ و لابدّ ان يظهر كلاهما في الزّمان و في عالم الملك و الشهادة كما في قوله تعالي و ان منكم الّا واردها و ظهور وجود التّكويني لايحتاج الي النّبي صلی الله عليه و آله اي تكليفه و الا لماخلق .
اقول ان قوله و لابدّ ان يظهر كلاهما في الزّمان اراد بانّ الوجودين لابدّ
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 19 *»
ان يكونا في الزّمان و هذا حقّ و لكن التّشريعي الظّاهري و امّا التشريعي الاول و التّكويني الاوّل يجب ان لايوجدا في الزّمان لما بينهما من التّنافي و نشير اليه انشاءاللّه فيما يأتي
و قوله و ظهور الوجود التّكويني لايحتاج الي النّبي صلی الله عليه و آله اي تكليفه يعني به ان الوجود التكويني و ان احتاج الي النّبي صلی الله عليه و آله في الظّهور من جهة العلّية لكن من جهة التّكليف لايحتاج اليه و هو في الظّاهر تام لكن في الحقيقة غير تامّ لان الايجاد التكويني تكليف باطن و ايجاد ظاهر و التشريعي ايجاد باطن و تكليف ظاهر فان اريد ان التكويني لايحتاج الي النّبي صلی الله عليه و آله و تكليفه بالايجاد و الانوجاد علي ما تعرفه العوام فحسن و ان اريد الحقيقة فايّ حاجة اشد منه الي تكليفه له و اللّه سبحانه يقول انّما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون.
و قوله ايده اللّه و الا لماخلق ، فيه ما سبق من وجهين الاوّل ما ذكرنا من ان الايجاد تشريع و التشريع ايجاد و الثاني ان اللّه يقول في حق المضلّين و الجاحدين مااشهدتهم خلق السّموات و الارض و لا خلق انفسهم تعريضاً بان الهادين الشّاهدين اشهدهم خلق السموات و الارض و اشهدهم خلق انفسهم فالنّبي صلی الله عليه و آله امامهم و قد اشهده اللّه خلق نفسه بكلا المعنيين و لايلزم الدّور لان الاحكام التّضايفيّة لايلزم فيها الدّور مع انّ كلّ واحد متوقف علي وجود الاخر كالابوّة و البنوّة لان الممنوع من الدّور ما تقدم احدهما علي الاخر و امّا ما ساوق احدهما الاخر فلا شكّ في الصحّة.
قال ايده اللّه تعالي: و امّا ظهور وجود التشريعي فيحتاج الي تكليف النبي صلی الله عليه و آله بل هو من اسباب وجوده كما سئل الامام عليه السلام هل يردّ الدّواء من القدر شيئاً قال عليه السلام ذلك من القدر.
اقول: هذا لا اشكال فيه بقي فيه بيان انّ الدّواء من القدر فاعلم ان القدر يجري في الافعال كالحكم الوضعي عند اهل الاصول لانّه سبحانه اذا كان يفعل بالاسباب وجب في الحكمة انّه اذا وجد مقتض او مانع ان يخلق ما يقتضيانه عندهما و الا كان قاسراً و تعالي في عزّ جلاله عن ذلك لو اراد خلاف ذلك سبّب لما اراد سبباً يوجده ارجح من ذلك او من ذاته المقدّسة لانه سبب من لا سبب له
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 20 *»
و سبب كلّ ذي سبب و مسبّب الاسباب من غير سبب فاذا وجد سبب او مانع اقوي من الاوّل عمل بمقتضي الاقوي تحقيقاً للاختيار و نفياً للاضطرار لئلاتكون للناس علي اللّه حجة و ايجاده عند السّبب الاول قدر منه و ايجاد خلاف ذلك عند وجوب سبب اقوي قدر منه فمن هنا قال عليه السلام ذاك من القدر.
قال سلمه اللّه تعالي: و كذلك التّكليف سبب ظهور ايمان المؤمن و كفر الكافر فان النبي صلی الله عليه و آله اذا دعاهم الي الايمان فان اجاب صار مؤمناً و ان لميجب يصير كافراً فبالطّاعة يصير المؤمن مؤمناً و بعدمها يصير الكافر كافراً و الا قبل التكليف و الطاعة لميحكم بايمانه و لا بكفره فالمؤمن مؤمن حين التّكليف و الكافر كافر حين التّكليف .
اعلم ان التّكليف سبب ظهور ايمان المؤمن من جهة الوجود و سببه الاخر قبول الدّعوة فكلّ مكوّن لايكون في اقلّ من علّتين امر اللّه فاجاب و دعا فاجاب فكان الشيء بالدّعوتين و الاجابتين و الدّعوة الاوّل دعا اللّه سبحانه فاجاب المخلوق فدعاء اللّه افاضته الوجود علي من سأله الافاضة و تفصيل هذه الجملة ان الافاضة دعاء اللّه لمن اجاب اي اجابة اللّه لمن سأل و السّؤال اجابة العبد لمن دعا اي قبوله لما افاض فمن اجاب خلقه اللّه من طينة عليّين و هي هياكل التوحيد و هي طينة الطاعة و هي فطرة اللّه و هي الصورة الانسانيّة و من عصي خلقه اللّه من طينة سجّين و هي هياكل الثّري و هي طينة المعصية و هي تبديل خلق اللّه و تغييره و هي الصّورة الحيوانية و صورة المسخ و طينة خبال و يصدق علي هذا قوله فان اجاب صار مؤمناً و ان لميجب يصير كافراً و يصدق قوله فبالطّاعة اه، اي بقبوله الخطاب و الايمان حتي خُلِق من طينة الطّاعة التي هي شعاع الرّحمة المكتوبة صار الشخص المخاطب حين اجاب مؤمناً باجابته و بالعكس بالعكس هذا محصّل كلامه .
و امّا ما وعدنا به من الاشارة الي جواب ما سئل عنه فاعلم ان الجواب يحتاج الي تمثيل و اشارة و قد قدمت اليك بالاتقف علي ما ذكر فان العبارة تقصر عن هذا المطلب امّا التّمثيل فاقول لو اراد اللّه ان يجعل هذه الصّخرة انساناً
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 21 *»
كان قادراً علي ذلك فاذا فعل ذلك يوم الجمعة مثلاً الحاديعشر من جميٰٰدي الثانية سنة الثالثة و العشرين بعد المأتين و الالف من هجرة محمد بن عبداللّه صلی الله عليه و آله خلق له روح انسان و لمتكن له روح انسان قبل ذلك اليوم فاذا اراد انيجعله في ذلك اليوم انساناً خلق له روحَ انسان فاذا خلقها كان قد خلقها قبل خلق السّموات و الارض و قبل اليوم الذي جعله فيه انساناً لانه بعد السموات و الارض باربعة الاف عام و قبل ان يريد اللّه ان يجعل الصخرة انساناً ماخلق له روح انسان و امّا الاشارة فالكافر قبل الانكار للاسلام ليس بكافر في الزّمان و لا في الدّهر بالنّسبة الي الزّمان فاذا انكر كان كافراً في الزّمان و في الدّهر اما الايمان و الكفر في الزّمان فيكون ما كان منهما مع ما اقتضاه لا قبله و لا بعده مثلاً لما انكر ابولهب الاسلام كان كافراً مع انكاره لا قبله و لا بعده و كان في اللّوح المحفوظ انه كافر قبل خلق الخلق و لا يتغيّر ما في اللّوح المحفوظ و لو انه حين دعاه النبي صلی الله عليه و آله اجاب كان مؤمناً مع الاجابة لا قبلها و لا بعدها و كان في اللّوح المحفوظ انه مؤمن قبل خلق الخلق و ذلك لان الدّهر ماضيه عين مستقبله في الشيء الواحد فقولك تكون الرّوح بعد فناۤء الزّمان باربعة آلاف سنة هو نفس قولك كانت الرّوح قبل وجود الزمان باربعة آلاف سنة و قولك كان عمل زيد قبل جسمه بالف سنة نفس قولك يكون عمله بعد جسمه بالف سنة و كان روح زيد قبل عمله بثلاثةالاف سنة نفس قولك تكون روحه بعد عمله بثلاثة الاف سنة فالرّوح قبل العمل مثلاً في الماضي الّذي هو نفس المستقبل بثلاثة الاف سنة و هي بعد العمل في المستقبل الّذي هو نفس الماضي بثلاثة الاف سنة فاذا عرفت ان سبق الدّهر انما هو بالطّول اي بكثرة العدد كالاربعة بالنّسبة الي الثلاثة و ان سابقه عين لاحقه بلامغايرة لا في الواقع و لا في الفرض اذا كانا في رتبة واحدة كالاربعة و الاربعة و كالخمسة و الخمسة و كالاثنين و الاثنين فاذا عرفت ذلك عرفت ان كفر ابيلهب انما كتب في اللّوح المحفوظ حين كفر و نظيره اذا قلت لك اذا قبلت كلامي عرفت فانك حال الخطاب ادرك
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 22 *»
سمعك لفظي و فهمه قلبك حين انا تكلّمت به قبل خلق الخلق باربعةٰ الاف عام و هذا معني قول جعفر بن محمد عليه و علي اۤبائه و ابنائه افضل الصّلوة و السّلام و لكن حين كفر كان في ارادة اللّه ان يكفر فيصير ملخّص جميع ما ذكرت و كررت لك ان ابالهب لميكتب في اللّوح انه كافر الا بعد ان كفر فلمّا كفر كان في اللّوح المحفوظ كافراً قبل خلق السموات و الارض باربعة الاف سنة فكان دعاء النّبي (ص) له بالاسلام قبل ان يكفر و قبل انيكتب عليه الكفر في العلم الزماني و غيره فلما كفر كان مع كفره العلم الزّماني بكفره لا قبله و لا بعده و العلم الدّهري قبله و بعده قبل خلق الخلق باربعة الاف سنة و السنة دور الافلاك بالثّلث مائة و ستّين اسما ثلثمائة و ستّين دورة حركة اسم منها فلجبرئيل تسعون اسماً لها تسعون حركة في السّنة و لميكائيل تسعون اسماً لها تسعون حركة في السّنة و لاسرافيل تسعون اسماً لها تسعون حركة في السّنة و لعزرائيل تسعون اسماً لها تسعون حركة في السّنة فلجبرئيل في الكون الجوهري ثلاثون اسماً و في الكون المائي ثلاثون اسماً و في الكون الزّماني ثلاثون اسماً و لميكائيل و اخويه كذلك في الاكوان الثلاثة فاذا اطلق الف سنة يراد به ما ذكر و الحمد للّه ربّ العالمين و صلي اللّه علي محمّد و آله الطاهرين.
و كتب العبد المسكين احمد بن زينالدّين في الثامن من جميٰدي الثانية سنة الثالثة و العشرين من بعد المأتين و الالف في يزد سنة ١٢٢٣ حامداً و مصلياً و مستغفراً.