01-01-02 جواهر الحکم المجلد الاول ـ اللوامع الحسينية ـ مقابله – الجزء الثانی

اللوامع الحسينيه – الجزء الثانی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم

الحاج سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 161 *»

اللمعة الثانية عشرة

في علم اللّه سبحانه و تعالي. قال اللّه تعالي «الا انّه بكلّ شي‏ء عليم». «و لايعزب عن علمه مثقال ذرّة في الارض و لا في السماء و لا اصغر من ذلك و لا اكبر الاّ في كتاب مبين». «قال فمابال القرون الاولي قال علمها عند ربّي في كتاب لايضلّ ربّي و لاينسي». «و كلّ شي‏ء احصيناه في امام مبين». «تعلم مافي نفسي و لا اعلم مافي نفسك انّك انت علاّم الغيوب». «و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الاّ هو». «و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء وسع كرسيّه السموات والارض». «قل رب زدني علماً». «ام تنبّئونه بمالايعلم في الارض ام بظاهر من القول». قال انا اعلم مالايعلمه اللّه قال7 «يعلم الشريك و اللّه لايعلم ذلك». قال مولينا الصادق7 «لم‏يزل اللّه عزّوجلّ ربّنا و العلم ذاته و لامعلوم و السمع ذاته و لامسموع و البصر ذاته و لامبصر و القدرة ذاته و لامقدور فلمّااحدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور» الحديث. قال7 «كان اللّه و لاشي‏ء غيره و لم‏يزل عالماً بمايكون فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه». قال كتب الي ابي الحسن7 يسأله عن اللّه عزّوجلّ كان يعلم الاشياء قبل ان‏خلق الاشياء و كوّنها او لم‏يعلم ذلك حتّي خلقها و اراد خلقها و تكوينها فعلم ماخلق عند ماخلق و ماكوّن عند ماكوّن فوقّع بخطّه «لم‏يزل اللّه عالماً بالاشياء قبل ان‏يخلق الاشياء كعلمه بالاشياء بعد ماخلق الاشياء» هـ و قال كتبت الي الرجل7 اسأله انّ مواليك اختلفوا في العلم فقال بعضهم لم‏يزل اللّه عالماً قبل فعل الاشياء و قال بعضهم لانقول لم‏يزل عالماً لانّ معني يعلم يفعل فان اثبتنا العلم فقداثبتنا معه في الازل شيئاً فان رأيت جعلني اللّه فداك ان‏تعلّمني من ذلك مااقف به عليه و لااجوزه فكتب بخطّه7 «لم‏يزل اللّه عالماً تبارك و تعالي ذكره» قال كتبت الي ابي‏جعفر7جعلت فداك ان رأيت ان

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 162 *»

‏تعلّمني هل كان اللّه جلّ‏وجهه يعلم قبل ان‏يخلق الخلق انّه وحده فقداختلف مواليك الي ان قال فكتب «مازال اللّه عالماً تبارك و تعالي ذكره» و قال في الخطبة «و كلّ عالم فمن بعد جهل تعلّم و اللّه لم‏يجهل و لم‏يتعلّم احاط بالاشياء علماً قبل كونها فلم‏يزدد بكونها علماً علمه بها قبل ان‏يكوّنها كعلمه بعد تكوينها» الي ان قال «خلق علم ماخلق و خلق ماعلم لا بالتفكير في علم حادث اصاب ماخلق و لاشبهة دخلت عليه فيما لم‏يخلق لكن قضاء مبرم و علم محكم و امر متقن» قال سألت اباالحسن الرضا7 أيعلم اللّه الشي‏ء الذي لم‏يكن ان لوكان كيف كان يكون او لايعلم الاّ مايكون فقال «انّ اللّه تعالي هو العالم بالاشياء قبل كون الاشياء قال عزّوجلّ انّا كنّا نستنسخ ماكنتم تعملون و قال لاهل النار ولو ردّوا لعادوا لمانهوا عنه و انّهم لكاذبون فقدعلم عزّوجلّ انّه لو ردّهم لعادوا لمانهوا عنه و قال للملائكة لمّاقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبّح بحمدك و نقدّس لك قال انّي اعلم ما لاتعلمون فلم‏يزل اللّه عزّوجلّ علمه سابقاً للاشياء قديماً قبل ان‏يخلقها تبارك و تعالي» و قال7 لمّاسأله المأمون عن قوله تعالي «ليبلوكم ايّكم احسن عملاً انّه عزّوجلّ خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته و عبادته لا علي سبيل الامتحان و التجربة لانّه لم‏يزل عليماً بكلّ شي‏ء» قال قلت لابي‏عبداللّه7 أرأيت ماكان و ماهو كائن الي يوم القيمة أليس كان في علم اللّه تعالي فقال «بلي قبل ان‏يخلق السموات و الارض» و قال سألت اباعبداللّه7 هل يكون اليوم شي‏ء لم‏يكن في علم اللّه قال «لا بل كان في علمه قبل ان‏ينشئ السموات و الارض» و قال سألت اباعبداللّه7 هل يكون اليوم شي‏ء لم‏يكن في علم اللّه بالامس قال «لا من قال هذا فاخزاه اللّه» قلت أرأيت ماهو كائن الي يوم القيمة اليس في علم اللّه قال «بلي قبل ان‏يخلق الخلق» قال سألت اباعبداللّه7 فقلت لم‏يزل اللّه يعلم قال «انّي يكون يعلم و لامعلوم» قال قلت فلم‏يزل اللّه يسمع قال «انّي يكون ذلك و لامسموع» قال قلت فلم‏يزل اللّه يبصر قال «انّي يكون ذلك و لامبصر» ثمّ قال «لم‏يزل اللّه عليماً سميعاً بصيراً ذات علاّمة بصيرة» هـ و قال

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 163 *»

7 «من زعم انّ اللّه عزّوجلّ يبدو له في شي‏ء لم‏يعلمه امس فابرأ منه» و قال7 في تفسير قوله تعالي «يمحو اللّه مايشاء و يثبت و عنده امّ‏الكتاب» قال «لكلّ امر يريد اللّه فهو في علمه قبل ان‏يصنعه و ليس شي‏ء يبدو له الاّ و قدكان في علمه انّ اللّه لايبدو له من جهل» قال سألت اباعبداللّه7 عن قول اللّه عزّوجلّ «اولم‏ير الانسان انّا خلقناه من قبل و لم‏يك شيئاً» قال فقال «لامقدّراً و لامكوّناً» قال و سألته عن قول اللّه تعالي «هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‏يكن شيئاً مذكوراً» فقال «كان مقدّراً غيرمذكور» و قال7 «و علم اللّه السابق المشيّة» قال7«فبعلمه كانت المشيّة و بمشيّته كانت الارادة» الي ان قال «و العلم متقدّم و المشيّة ثانية» قال7 «أتدري ما المشيّة» قال لا قال «هي الذكر الاوّل» قال «أتدري ما الارادة» قال لا قال «هي العزيمة علي مايشاء» الحديث و اجمع الملّيّون علي علمه سبحانه و المسلمون علي احاطته بكلّ كلّي و جزئي و ذاتي و عرضي و صغير و كبير و دقيق و جليل و مجمل و مفصّل و الفرقة المحقّة علي انّ العلم هو ذاته سبحانه و هو مذهب اهل‏البيت: قطعاً و الشاكّ فيه كالشاكّ في الضروريّات فاذا علمت هذه الاخبار المتخالفة فاعلم انّ الواحد لايصدر عنه الاّ الواحد و المتعدّد من المتعدّد و الشجرة الطيّبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كلّ حين باذن ربّها تثمر بالثمرات المختلفة الوانها و المتّحدة حقيقتها فاذا ذاقها المؤمن يجد حلاوة كلّ منها في كلّ منها فاستمع لمايتلي عليك من الكلام فانّه من اسرار الملك العلاّم المستنبط من كلمات الائمّة الكرام حفظنا اللّه و ايّاك من شرّ الاوهام و زلل الاقلام و دناءة اللئام و يلمع من هذه اللمعة المنيرة اشراقات من الانوار المشرقة من صبح الازل.

الاشراق الاوّل: اذا صحّ انّ العلم هو الذات تبارك و تعالي فانقطع الكلام و خاب المرام و بطل مااقترحه بعض الاوهام انّ علمه تعالي حصولي او حضوري او فعلي او كشفي او انكشافي فيكون من مقولة الكيف او الفعل او الانفعال او الاضافة تعالي ربي و تقدّس عن ذلك علوّاً كبيراً فانّه تعالي كيّف

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 164 *»

الكيف بلاكيف و اوجد الفعل و جعل بين الزوجين مودّة و رحمة و الّف بين قلوبهما و ادار الانفعال علي الفعل و التأثّر بالتأثير فيكون بكن فلايجري عليه ماهو اجراه سبق العدم وجوده و الاشياء كونه و امتنع غيره عنده فلايلحقه شي‏ء من احوال الامكان و ليس عندك الاّ الاكوان فاذن بطل اقتضاء المعلوم للعلم الذاتي لانّه السابق علي الاقتضاء فكان عالماً و لامعلوم لانّه هو و هويّته لايطلب بهويّة غيرها و اثبات العلم بوزان اثبات الذات و الوجود فكما انّ ازليّة الوجود عندنا علي تأويل نفي العدم كذلك عالميّته علي تأويل نفي الجهل و هو قوله7 نورٌ لاظلمة فيه علمٌ لاجهل له و حيوةٌ لاموت فيها فمهما جعلت علمه سبحانه من باب الاضافة المستدعية للمضاف و المضاف‏اليه فقدابطلت ازله او وحدته فاذن لااضافة و لامضاف و لامضاف‏اليه و نتيجة ذلك انّه علم بحت و نور صرف لاتعلّق و لااستنارة اذ لاانارة في الكنز المخفي و النور الازلي و شمس الازل اذ الانارة في الصبح و هو صبح الازل فصحّ انّه عالم و لامعلوم و قادر و لامقدور و سميع و لامسموع و بصير و لامبصر كماقال مولينا و سيّدنا الصادق الامين7 و من قال غير هذا فهو خارج عن زمرة المسلمين بل و لئن لم‏يكن لنا بدّ من التعبير فقلنا انّ علمه هو عين المعلوم فاتّحد العلم و العالم و المعلوم بمعني واحد من غير اعتبار فرض المغايرة فانقطعت مادة مابنوا عليه امرهم في اثبات الاعيان لانّها ان ذكرت في رتبة الذات جاءت الاقتضاء و هي تستلزم الكثرة و ان لم‏تكن موجودة مكوّنة لكنّها ذكريّة صلوحية و هو الامكان و يمتنع من (عن خ‏ل) الازل فاشتمل ماذكرنا ضروري المذهب و الاخبار المتواترة المئول اليها مايخالفها لو فرض ذلك.

الاشراق الثاني: تذوّت الشي‏ء بماتقوّمت ذاته و تحصّلت به و تأصّلت عنده فان كانت اموراً شتّي فتتوقّف الكينونة عليها مجتمعة و تعدم بدون جزء منها والاّ فعلي ذلك الواحد فهو ان كان في رتبة الاحد فليس الاّ ذاك و لايدخل في العدد و ان كان في رتبة الواحد فالذات متقوّمة بذلك و الكثرات المستجنّة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 165 *»

الصلوحيّة الذكريّة فالتئمت ماهيّته منها فالذوات امّا احد او واحد كالوحدة الانبساطيّة كالهيوليات و الاسطقسّات و مجامع الصفات او مركّب اي واحد شخصي و لا رابع لانّه مقتضي الحضرات الخلقيّة المنبئة عن الفعليّة و كلّ مايذكر مع الشي‏ء بعد تذوّته و تأصّله و تحقّقه مطلقاً كاللوازم مطلقاً و الشرايط و الاعراض و الصفات فهي خارجة زائدة و علامتها ان لاتذكر مع الذات في رتبتها فكلّ مايذكر معها فيها فهو هي و خلافه خلافه فيها و ان اجتمع معه في مرتبة من مراتبها و مقام من مقاماتها فاذا اثبتت صفة في الذات فانّما هي الذات او جزء الذات كالناطق في مثل جاء زيد الناطق و التسمية بالصفة انّما هي للتعبير و التفهيم والاّ فليس الاّ الذات وحدها و لذا قالوا و اتّفقوا انّ علم الشي‏ء بنفسه عين نفسه و هناك اتحدّ العلم و العالم و المعلوم فكلّ مافي الذات عينها و ان عبّرته بالف تعبير فاذا صحّ هذا فالعلم بالغير ليس الاّ ذكره للعالم اي مذكوريّته و تلك المذكوريّة علي انحاء منها مذكوريّة عينيّة احاطيّة عيانيّة بجميع اطوارها و احوالها و اوطارها و شئونها و صفاتها و مراتبها و مقاماتها و بداياتها و نهاياتها و عللها و اسبابها و شرايطها و اعراضها و كلّ مالها و هو علم الاحاطة او مشاهدته دون العلل و الاسباب و هو علم الاعيان منها مذكوريّة جبروتيّة معنويّة عينيّة منها مذكوريّة صوريّة ملكوتيّة ظلّية شبحيّة منها مذكوريّة صوريّة جسميّة و مابينها من المراتب اذ الغير لايخلو عن ذلك و العالم لايخلو عن العلوّ و السفل و التساوي و المذكوريّة لاتخلو امّا انّها في رتبة الذاكر و مقامه او في رتبة المذكور و الاوّل امّا بكونه بعينه في رتبة الذاكر او بمثاله و شبحه و ايته و دليله و المذكوريّة امّا حال وجود المذكور المعلوم او عدمه و الثاني امّا بالاضافة او الامتناع الصرف اي مطلقاً فلايتصور قسم اخر بوجه ابداً فان كان حال وجوده في رتبة الذاكر بعينه في احدي المراتب جاء المحال البديهي الاستحالة امّا في الخالق الواجب فيكون كلّ ممكن و مكوّن باجماله و تفصيله و كماله و نقصانه و خيره و شرّه هو عين الواجب سبحانه سبحانه سبحانه و لايقول به احد حتّي من قال بانّ بسيط الحقيقة كلّ الاشياء و الاعراض عن بيان قبحه اولي و امّا في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 166 *»

المخلوق فاظهر و ان كان حال وجوده بشبحه في رتبة الذاكر ففي المخلوق الغير المحيط ممكن بل متحقّق من سعته من النقصان و امّا في الواجب سبحانه و تعالي فممتنع لاستلزام عدم الاحاطة لكون الانتزاع الشبحي لايصار اليه الاّ بعد العجز عن الاحاطة العينيّة قطعاً مع مايلزم من الكثرات الغيرالمتناهية علي الاوضاع المختلفة فيبطل الوجوب مع مايلزم علي فرض حدوثها من كونه تعالي محلاً و متأثراً منفعلاً و علي فرض قدمه من تعدّد القدماء الالهة الغيرالمتناهية مع ذلك كلّه و ان كان حال عدمه بالاضافة في رتبة الذاكر فممتنع في الواجب ايضاً لانّ الامور الاضافيّة وجوديّة كمابرهنّا سابقاً فيلزم مالزم من الثاني من الترديد و ان كان حال عدمه مطلقاً فممتنع مطلقاً اذ المذكورية صفة وجوديّة موصوفها يجب ان‏يكون اقوي و اشدّ و النسبة بينهما نسبة السبعين و المعدوم الصرف لايصلح لذلك بل الامر بالعكس و ان كان العكس ايضاً لايمكن فرضه و لانّ العلم ان لم‏يطابق المعلوم لم‏يكن كذلك و عدم المطابقة بين الوجود و العدم المحض ممّاقضت الضرورة به و قدقال تعالي ام تنبّئونه بمالايعلم و القول باجتماع النقيضين و صحّتهما في حق الحق سبحانه لايتوجّه هناك لانّ المعلوم المذكور غيره من الامكان فلايجري فيه كماسبق و لانّه لوكان مذكوراً حال عدمه في رتبة الذاكر فلايخلو امّا ان‏يذكر فيها من حيث عدميّته او وجوده فالاوّل لايخرج عن القسمين امّا بالعين او بالظلّ و الثاني يستلزم خلاف المفروض لاستدعاء الظلّ ذاالظلّ و الاوّل يكون العدم عين حقيقة الوجود الصرف و ذلك غيرمعقول و نقص محض و لا مكان للعدم المحض لانّه الحدّ و لاتمايز في الاعدام ولعمري انّ اجراء الاحكام الوجوديّة علي العدم المحض ممّا لايرتكبه الجاهل فضلاً عن العاقل فضلاً عن الفاضل فضلاً عن الحكيم فضلاً عن العارف و هو ظاهر وليس هذا بجهلٍ لانّه انّمايكون اذا صلح للمعلوميّة لكونه ضدّ العلم يجب تحقّقهما معاً في الظهور و تأخّر الجهل في الواقع فلو فتحت هذا الباب لزمك ان‏تثبت العجز للّه تعالي العياذ باللّه حيث لم‏تتعلّق القدرة بخلق الشريك و اجتماع النقيضين و ارتفاعهما و مااظنّك ترضي به و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 167 *»

فرق بين العلم و القدرة مع انّ وجود العلم لايستدعي المعلوم ليلزم من عدمه الجهل كالقدرة فهو جلّ‏وعلا لم‏يزل عالماً و العلم ذاته و لامعلوم فلمّابطلت هذه الشقوق فلم‏يبق الاّ الواحد و هو ان‏تكون مذكورية الغير في رتبة الغير لا في رتبة العالم الذاكر فهو سبحانه عالم و ذاكر قبل المذكورين المعلومين.

الاشراق الثالث: اذ قدعلمت انّ وجود الغير يمتنع في رتبة الاخر والاّ لم‏يكن ايّاه بل هو غيره و هو هو و الغير ليس بغير و كلاهما خلاف المفروض فلم‏يثبت الغير الاّ بعد تأصّل غيره و تحقّقه فكذلك ذكر الغير لايتحقّق الاّ متأخّراً عن ذكر نفسه والاّ يكون ذكره في ذاته عين ذكر غيره و لايتصوّر ذلك الاّ في السافل للسافل لانّه عين ذكر الغير فثبت ان‏يكون ذكر الغير متأخّراً عن ذكر الذات و الثاني لايكون الاّ فيها و الاوّل يكون فيمابعدها فاذا صحّ القدم للذات سبحانه و تعالي لم‏يكن ذكر الغير الاّ في الحدوث والاّ فيلزم مااجمع المسلمون علي فساده و ذلك لانّ الممكنات المفروضة الذكر في ذاته سبحانه هل هي مذكورة بذكر ذاته مع ذكر ذاته حين ذكر ذاته بمايذكر ذاته ام متأخّرة عنه فعلي الاوّل يكون ذكر الممكنات عين ذكر الواجب سبحانه لانّه يذكر نفسه و يذكر غيره فان كان ذكر غيره هو بعينه ذكر نفسه فلم‏يكن هو ايّاه بل غيره و لم‏يكن غيره ايّاه بل هو هو بل هو و غيره هو بل غيره و هو غيره و النقض بالشمس فانّها تذكر الاشعّة حين ذكر نفسها باطل جدّاً لانّها تذكر نفسها قبل اشعّتها بسبعين الف سنة ثمّ تذكرها في مراتبها كما لايخفي علي اولي الحجي الاّ اذا ادّعي بانّ الاشعّة عين الشمس و لايدّعيه الاّ جاهل بالامر اذ لم‏يتغيّر الشمس بتغيّرها ولو سلّم فليس الذكر حينئذ الاّ اجمالاً و هو مخالف لذكر التفصيل من حيث هو و ان ذكر الاجمال في التفصيل و العكس فافهم فبطل القول بانّ اللّه يعلم الاشياء و يذكرها بعين ذكر نفسه فيجب بعد ذكر ذاته فان ادّعيت انّه يذكرها ايضاً بذاته اي بعلم ذاته فقدجزّأته تعالي و جعلت له حالتين مع انّه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 168 *»

يستحيل ذلك عقلاً في البسيط اذ حين ذكر ذاته بذاته و عدم غيره هل كان متحقّقاً ثابتاً ام لا و الثاني يبطل القدم و الازليّة و علي الاوّل يقع في رتبة غير رتبة الازل و الذات لمكان التخلّف و الذاتي لايتخلّف عن تأصّل الذات الاّ ماكان من باب اللوازم الذاتيّة و هي غير الملزوم حقيقةً فثبت بالبرهان الذي لايردّه الاّ جاهل بالامر ان ذكر الغير خارج عن حقيقة ذاته المقدّسة و غيره ايضاً حيث جعله اية لتوحيده من هياكل التوحيد فاذا نقول ذكر الغير اي معلوميّته للّه سبحانه الخارج عن حقيقة ذاته المقدّسة هل هو عارض لذاته ام مستقلّ بنفسه ام موجود بفعله حين فعله فان اخترت الاوّل جعلته محلاً و هو يستلزم التأثّر فان كان الحالّ حادثاً فمااقبحه و ان كان قديماً فاشدّ و يلزم ان‏يكون الحق محاطاً لسعة وقته له و لتلك المعلومات المذكورة و هو الازل و ان اخترت الثاني فلايصحّ لانّ المعلوم تابع للعالم في وقوع علمه عليه فان قدم كان مامرّ و ان حدث لايكون مستقلاً فتعيّن الثالث و هو ان‏يكون ذلك الذكر الثاني بفعل منه فكان ذكره تعالي للحادث بعين وجوده فيكون العلم الثاني هو عين المعلوم اذ العلم لولم‏يكن مطابقاً و واقعاً علي المعلوم لم‏يكن علماً فاذا صحّت المطابقة لزم مضافاً علي ماقلنا ان‏يكون الذات تعالي و تقدّس محدودة بحدود الخلايق و متغيّراً بتغيّراتهم.

فان اختلج ببالك انّ حكم الازل وراء حكم الامكان و المطابقة شرط في الامكان فينفي عن الازل قلت لك انّ حكم الازل علي الامكان بحكم الامكان و مااقتضته كينونات الممكنات فلايحكم عليهم بمااستحال عندهم الاّ اذا ادخلهم في حكم الوجوب و اخرجهم عن الامكان ألم‏تتأمّل في القدرة فانّها كالعلم عين ذاته تعالي مع انّ المقدور حادث مع انّها لم‏تتعلّق بالمحال كمامرّ فاذن مابالكم تجوّزون المعلوم في حقيقة ذاته تعالي و ماتجوّزون المقدور مع انّ العلم عين القدرة و هي عين العلم فكماامتنع القدرة بالمحال امتنع العلم قال تعالي ام تنبئونه بمالايعلم و الممكنات باسرها ممتنعة في رتبة القديم تعالي شأنه فحكمها حكم شريك الباري هناك فاللّه سبحانه عالم اذ لامعلوم و قادر اذ لامقدور و سميع اذ لامسموع و هو الان علي ماهو عليه كان لم‏يسبق له حال حالاً

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 169 *»

ليكون اوّلاً قبل ان‏يكون اخراً و يكون ظاهراً بعد ان‏يكون باطناً فاذاً مااشنع قول من جعل العلم اعمّ من القدرة بادّعاء انّ اللّه يعلم مالاتتعلّق القدرة به مخالفاً لصريح قوله تعالي ام تنبّئونه بمالايعلم فانّ القدرة ان كانت ذاتيّة فقداختلفت الذات بالعموم و الخصوص و ان كانت فعليّة فان جرّدت الذات عنها كفرت و ان جعلتها قسمين فليكن العلم ايضاً كذلك لانّ حكم القدرة الذاتيّة عين حكم العلم الذاتي بلافرق فاذا صحّ التقسيم فيتساوقان ايضاً في الفعليّة اذ كلّ ممكن معلوم فهو مقدور نعم ينقسم الامكان باعتبار اقتضاء الحكمة في اظهاره في عالم الاكوان الي خمسة و هو ليس من جهة عدم عموم القدرة بل يفعل ماينبغي كماينبغي فماعمّ العلم و خصّت القدرة فانّ الذات لم‏تختلف و الظهور حسب المظاهر فاذا خفي لعدم المظاهر لايحكم بخصوصه و عموم ماوجدت له فافهم فاذا صحّ عدم تعلّق القدرة بشي‏ء صحّ عدم تعلّق العلم والاّ وقع الاختلاف فيمايجب الايتلاف.

فان قلت نحن نعلم المحال و العدم المحض و اللّه سبحانه اولي بذلك قلت قال امامك و مولاك كلّ‏ماميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم ولكنّك تكذب لشهادة ام بظاهر من القول و اللّه سبحانه بري‏ء عنه و تخلق افكاً لشهادة و تخلقون افكاً و تلحدون في الاسماء و هو لايناسب القديم الغني بالذات فظهر جليّاً بعون اللّه انّ ذكر الحق للاشياء انّما هو متأخّر عن ذكر (ذكره خ‏ل) نفسه كماصرّح به الامام7 فلمّاوجدت الاشياء وقع العلم منه علي المعلوم و الوقوع لايصلح للذاتية والاّ تأخّر من تقدّم من حيث تأخّره و بالعكس و قوله7 كماسبق قلت لم‏يزل اللّه يعلم قال انّي يكون يعلم و لامعلوم الي ان قال لم‏يزل اللّه عليماً سميعاً بصيراً ذات علامة بصيرة فافهم النفي و الاثبات ان كان لك في العلم ثبات فليس غير اللّه الاّ خلقه و اسمه و صفته فهو عالم و لامعلوم و لاتقل انّ الصدق حينئذ مجازي و هو يصحّ السلب عنه لانّا نقول بل العلم الاضافي الثاني مجاز بالاضافة الي الاوّل وان كان حقيقة بالاضافة الي ذاته اذ الارتباط متأخّر و الاستحقاق حاصل للمتقدّم و الحكم من الحكيم علي المستحق اوّلاً فافهم و علي

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 170 *»

ماذكرنا صريح الاخبار المتقدّمة في هذا الشأن تدركه ان‏كنت من سنخ الانسان بقي الكلام في كيفيّة تعلّق علمه سبحانه بالاشياء قبل الايجاد و بعد الايجاد و بيان انّ الايجاد بعلم و اختيار لا بايجاب و اضطرار كمايتوهّم من ليس له اعتبار لكونه من اهل الاعتبار لكن معرفة ذلك من اصعب مايرد علي العلماء الابرار اذ كم زلّت فيه الانظار و كم حاموا حول الاغيار و كم مزجوا الصفو بالاكدار و لانّه لايدرك الاّ بالحكمة و هم طلبوا بالمجادلة فظهر لهم ماطلبوا بمقتضي مااتوا به من الشرايط لانّه المعطي بالسؤال (للسؤال خ‏ل) امّن يجيب المضطرّ اذا دعاه و يكشف السوء.

الاشراق الرابع: قال شيخنا و استادنا اطال اللّه بقاه و جعلني في كلّ محذور فداه لمّاسئل عن قوله9 اللّهمّ زدني فيك تحيّراً.

«و لي في مثل هذا المقام كلام في بيان هياكل التوحيد و اثر تعلّق العلم بالمعلوم اذا استخرجت الكنز منه عرفت انّ ماطلبه9 لا غاية له بل هو وراء مالايتناهي بمالايتناهي و انّ الامكان المطلق الذي هو ظلّ الكينونة التي هي علمه بخلقه هو منشأ الحيرة المطلوبة فابذل جهدك في فهمه لتحظي بمكنون علمه فانّ العاثر عليه اعزّ من الكبريت الاحمر و لاتعد عيناك عنه فليس وراء عبّادان قرية و هو:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قال العبد المسكين احمد بن زين‏الدين الاحسائي في بيان مايمكن العبارة عنه من صفة تعلّق علم اللّه بالمعلومات من حيث هي معلومات اذ بدون تلك الحيثيّة لا سبيل للممكن اليه و تلك الصفة صفة رسم لا صفة قدم فانّ القديم يتعالي عن الحدوث بكلّ اعتبار و العبارات تعبير و تفهيم و ان كان ذلك النظر بعين منه فانّ ذلك النظر و تلك العين من المعاني و هي فينا من المعاني السفلي و هي من المعاني العليا كالشعاع من المنير و تلك العليا هي التعيّن الاوّل و هو اوّل مظاهر الذات فافهم.

فاقول اعلم انّ اللّه سبحانه علم المعلومات بعلمه الذي هو ذاته اذ لا شي‏ء غيره بمايمكن في ذواتها و مايمتنع

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 171 *»

في رتبة الامكان و هو اذ ذاك عالم اذ لامعلوم و علمه بها هو كينونة الذات علي ما هي عليه ممّا له لذاته بلااختلاف و لاتكثّر و هو الربوبيّة اذ لامربوب فاقتضت ذواتها بما هي مذكورة به في كلّ رتبة من مراتب الوجوب و الجواز من الازل الي الحدث الي الابد الذي هو ذلك الازل مايمكن لها و يمتنع في الامكان في كلّ رتبة بحسبها من صفة الكينونة التي هي ربوبيّة تلك الاقتضاءات و تلك الصفة هي نور الكينونة و ظلّها و تلك الاقتضاءات هي سؤال المعلومات مالها من تلك الصفة فحكم لها ثانياً حين سألها بسؤالها بماسألته في كلّ رتبة بما لها فيها و هذا الحكم هو تلك الصفة التي هي ظلّ الكينونة و هو الربوبيّة اذ مربوب و بها قام كلّ مربوب في كلّ رتبه بحسبها و تلك المعلومات بكلّ اعتبار لا شي‏ء الاّ انّها لا شي‏ء في الازل بمعني الامتناع الاّ بما هي شي‏ء في الحدوث بمعني الامكان في الامكان و امّا في الامكان فهي شي‏ء بما شاء كما شاء يعني انّها شي‏ء بذلك الحكم و هو ظلّ الكينونة فاعطاها بحكمه و مشيّته ما سألته من الوجود و امكن فيها مااقتضته من الامكان و ان لم‏تقتضه في الوجود فما لم‏تقتض وجوده في الوجود تقتضي وجوده في الامكان و هاتان الرتبتان اقتضاء مايمكن لها من تلك الصفة المذكورة لانّه اذا شاء اقتضت ما في الوجود في الامكان و ما في الامكان في الوجود لانّ ذلك هو مالها من تلك الصفة التي هي المشيّة التي بها الاقتضاء و ذلك حكم الاختيار الربوبي فلم‏تقتض الاّ ماشاء لانّ مشيته هي الربوبية اذمربوب و هي صفة الربوبية اذلامربوب كما مرّ و لم يشأ الاّ ما اقتضته مشيته و تلازمهما في التحقق الظهوري و تقدّم المشيّة علي الاقتضاء ذاتاً كمثل تلازم الفعل و الانفعال في التحقّق الظهوري كالكسر و الانكسار و تقدّم الكسر علي الانكسار ذاتاً و ان تساوقا في التحقّق الظهوري و تلك الربوبيّة اذ لامربوب التي هي الكينونة كما مرّ هي علمه بمخلوقاته اوّلاً و صفتها التي هي ظلّ الكينونة و ظلّ الربوبيّة اذ لامربوب علمه بمخلوقاته ثانياً قال تعالي اشارة الي الرتبتين و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بما شاء فما شاء من علمه يحيطون بشي‏ء منه كما شاء فافهم و هذا العلم الذي لايحيطون بشي‏ء منه اي الكينونة هو

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 172 *»

من علمه بذاته الذي هو ذاته كيدك منك كما في رواية حمران بن اعين عن ابي‏جعفر7 و كما في رواية هشام بن الحكم عن ابي‏عبداللّه7 و له المثل الاعلي في السموات و الارض و هو العزيز الحكيم سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين. فتفهّم هذا الكلام راشداً موفّقاً».

انتهي كلامه اعلي اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه و هو كلام جامع لكلّ مااردنا بيانه في كيفيّة تعلّق العلم بالمعلومات قبل خلق المعلومات باحسن عبارة و الطف اشارة و علي‏هذا فافهم ماورد في الاخبار انّه تعالي عالم بالاشياء قبل كونها و علمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها و ماورد انّ اللّه لايبدو له عن جهل فانّ الايجاد علي حسب الارادة الاوّلية و المحبّة فعل المحبّ و الارادة اثر المراد و الشهود اثر الغيب فتتحرّك النقطة بنفسها بفاعلها الذي هو نفسها بالذات فتمتدّ الفاً فتقطع حروفاً فتجتمع كلمة فيظهر منها الدلالة و كلّ ذلك لا ارتباط للذات بها الاّ انّها اخذت بناصيتها فاين الجهل لكونه متأخّراً عن العلم فاذا صحّ انّ ذكر النفس بها يمتنع ان‏يكون ذكر الغير فيتأخّر الذكر و قال مولينا الرضا7 أتدري ما المشيّة قال لا قال هي الذكر الاوّل فاين تذهبون فان كان الذكر الاوّل في المشيّة فاين في الذات ذكر للغير و التجوّز هنا ليس محله لعدم القرينة و كون العلم مستدعياً و الاجماع علي تحقّقه في الذات لايصلح لذلك المنع من كونه تعالي اضافة و اضافيّاً و العلم ليس الاّ هو سبحانه و تعالي و هو لايستدعي سواه و القول بقدم المشيّة ممّايكذّبه العقل و النقل كماسيجي‏ء ان شاء اللّه تعالي مع مايلزم من الكثرة و القول بانّه الكلّ في وحدته فيعلم كلّ الاشياء عند علمه بنفسه علي ماهو عليه و علي ماهم عليه كلام قدعلمت فساده و بطلانه مع انّ هذا كلام شعري سوفسطائي فانّ ماعليه الحق الغنا و الاستقلال و التفرّد و الوجوب و الكمال و ماعليه الممكن الفقر و الاضمحلال و الكثرة و المشاركة و الحدوث و النقص هل ترخّص نفسك في تجويزها بانّ العلم باحدهما عين العلم بالاخر مع شرط المطابقة بين العلم و المعلوم فان قلت

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 173 *»

به فقداضحكت الثكلي و ان قلت لا فقدعدّدت القدماء و ان قلت احدهما في الازل و الثاني في الحدوث فقدقلت بالحق و ان قلت ذكر الاشياء في الذات بالاجمال لا التفصيل ليلزم ماذكرت فان قلت انّ الاجمال من حيث هوهو عين التفصيل من حيث هوهو من كثرة الاختلاف و التغيّر و التعدّد و التكثّر فقدكابرت عقلك بل حسّك فلو سلّمنا فهل الكثير من حيث هو واحد ام بالعكس كذلك قل ماشئت و ان قلت بالفرق بين الاجمال و التفصيل كماهو المشاهد فلزم الجهل علي زعمك في خصوصيّات تلك الخصوصيّات التي في التفصيل و ان التزمت بذلك فقدخرجت عن ضرورة الاسلام و كفرت كفر الجاهليّة الاولي.

الاشراق الخامس: قال رسول‏اللّه9 جفّ القلم بماهو كائن اعلم ايّدك اللّه انّ جميع احوال السافل حاضرة لدي العالي من ابتداء وجوده الي فناء حدوده من الاوّل الي الاخر الذي هو ذلك الاوّل فالتقدّم و التأخّر في السافل لايرجع الي العالي فاذا قلت لك زيد قائم فقدسمعت صوتي المخصوص الواقع علي طبل اذنك في ساعتك هذه و ادخلت صورة معناه في الحسّ المشترك قبل خلق السموات و الارض بالف سنة و تصوّرته في نفسك اي صدرك قبلها (قبل خلقهما خ‏ل) باربعة الاف سنة او بالفي سنة علي اختلاف الروايتين و ادركت معناه بعقلك قبل خلقهما بستّة الاف سنة او بسبعة الاف سنة و ادركت حقيقته بسرّك فيمالايتناهي بمالايتناهي و ذلك لانّ ظهور العالي شي‏ء واحد فليس حيث اختلفت المظاهر اختلف الظهور فماوقع في زمان ادم مثلاً و مايقع عند النفخة عند النفس هو يوم واحد و مشهد واحد فليس عند النفس امس و غد و مستقبل و حال و كذا التقدّم و التأخّر الذي لها بالاضافة الي عاليها الي مالانهاية له فلمّاكان الحق سبحانه وراء مالايتناهي بمالايتناهي فيمالايتناهي كانت الاشياء كلّها حاضرة لديه و موجودة عنده لايفقده في ملكه و ملكوته و جبروته و لاهوته و امكانه فليس عنده تقدّم و لا تأخّر و لا اوّليّة و لا اخريّة و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 174 *»

ظهور و لا بطون و لا ارتباط و لا نسبة لا قبل الخلق و لا بعد الخلق و لا مع الخلق و الازمنة الثلثة انّماتعتبر بالنسبة الي المخلوقين المربوبين و هو معني قوله7 علمه قبل كونه الخ و قوله لاكان خلوّاً من الملك قبل انشاء الملك و لايكون منه خلوّاً بعد ذهابه فانّ القبليّة و البعديّة راجعة اليها و الينا فانّ ماسيكون بعد الف سنة لم‏يكن عندنا الان زمانه لانّا لم‏نصل اليه و نحن سائرون الي الاخرة و لابدّ ان‏نصل اليه احياء و امواتاً لانّا في سفينة المكان و هي في بحر الزمان فهو يسير بنا و نحن قاعدون امااشعرت انّ امس الماضي كان هو يومنا و يومنا هذا و الامس هو غدنا فسار بنا نهر الزمان عن يومنا حتّي كان امس الي غدنا حتّي كان يومنا فالمستقبل عندنا لم‏يكن و كان عند اللّه سبحانه في وقته و مكانه و حدوده انّهم يرونه بعيداً و نراه قريباً فالمراد من قبل انشائه كالغد عندنا و بذهابه كامس عندنا لانّ المراد انّه يذهب اين يذهب و من دخله كان امناً و ليس حيث لم‏يدخله عادماً و ليس حيث لم‏يعدم ازلاً فالحق حقّ علي ماهو عليه في القدم و الازل لا بمعني المكان و الخلق خلق علي ماهوعليه في الحدوث و الحق خلو من خلقه و خلقه خلو من الحق سبحانه مع انّه مع كلّ شي‏ء و لايفقده شي‏ء و لايفقد هو شيئاً و ليس حيث لم‏يفقد يوجد في ذاته تعالي ربّي و تقدّس بل كماقال موسي 7 علمها عند ربّي في كتاب لايضلّ ربّي و لاينسي و قدعلمنا ماتنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ قال عيسي7 تعلم مافي نفسي و لااعلم مافي نفسك انّك انت علاّم الغيوب اثبت العلم المتعلّق من قوله تعالي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول و هو ماشاء ان‏يحيطوا به في قوله تعالي و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء و العلم الاوّل هو الشمس المضيئة في قعر بحر القدر لاينبغي ان‏يطّلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلّع عليها فقدضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنّم و بئس المصير و منه امر نبينا9 بالاستزادة في قوله تعالي قل ربّ زدني علماً و منه حصل له التحيّر اللهمّ زدني فيك تحيّراً لانّه بحر لا ساحل له و به بدت القدرة بل هو عين القدرة الظاهرة في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 175 *»

قوله علیه السلام  بدت قدرتك يا الهي و لم‏تبد هيئة فشبّهوك و هو العلم السابق الذكر الاوّل للاشياء بل اتيناهم بذكرهم.

تذنيـب: اعلم انّ العلم من حيث هو ليس الاّ هو لانّه نور محض و ذات بحت فلايعتبر معه غيره ألاتري الشمس و السراج فانّ نورهما ليس الاّ ذاتهما فلايستدعي النور من حيث هو مستنيراً و (او خ‏ل) مستضيئاً و لايقتضي اتّصالاً و لا اقتراناً و لا تطابقاً و لا توافقاً و لا وقوعاً و لا اتّحاداً و هذا ضروري و العلم من حيث تعلّقه بالمعلوم اي العلم بالشي‏ء يجب ان‏يكون مطابقاً له و واقعاً عليه و مقترناً به و متّحداً معه فلولا الاوّل يجب ان‏يعلم كلّ شي‏ء بكلّ شي‏ء و لولا الثاني و الثالث يجب ان‏يعلم كلّ احد كل شي‏ء بنسبة مقامه و ان لم‏يلتفت و لولا الرابع يجب ان‏يعلم الشي‏ء بكلّ احواله بالتغيّر (بالتغيير خ‏ل) اذا علم بحال و التوالي كلّها باطلة و الملازمة ظاهرة و انكار الامرين مكابرة واضحة و احدهما مناقشة فاسدة و انا اراك تعلم ذاتك و حقيقتك التي انت بها انت من غير انت و تعلم المعاني و الكليّات و الرقائق و الصور و الجزئيّات و الاشباح و الجسمانيّات و الفلكيّات و العنصريّات و الجواهر و الاعراض فاخبرني عن حقيقة علمك بهذه الامور المختلفة هل هو الذي علمت ذاتك به او علمت المعاني او الرقائق او الصور او غيرها او هو عينها علمتها بها ام بشي‏ء غيرها فاختيار الاوّل يورث المحذور الاوّل و اختيار الثاني يوصلك الي المنزل و اختيار الثالث يحتاج الي البيان الكامل و هو امّا ان‏يكون ادراكك اياها او فعلك لها فالاوّل ما المراد منه امّا ان‏يراد به قبول النفس لارتسام الصورة او نفس الصورة او حضور المعلوم لدي العالم و حصوله عنده او اشراق العالم عليه فان كان الاوّل فهناك امور ثلثة انفعال و صورة و مقابل خارجي فالعلم اي منها و مانسبته الي المعلوم فان قلت هو الانفعال فلم‏يتطابق لعمومه و هو كلام قشري و الحقيقة هي انّ الانفعال هي القابليّة و لاتكون الاّ بعد وجود المقبول و هي ليست شيئاً الاّ به و هي جهة الاختلاف و التضادّ لا الايتلاف و الاتّحاد و العلم ليس الاّ ظهور المعلوم للعالم و هو واحد و الاختلاف انّما هو لقوابل ذلك الظهور فالانفعال و القابليّة هي جهة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 176 *»

احتجاب المعلوم عن العالم فلايكون علماً به لانّه انكشاف المعلوم و ظهوره لا احتجابه ولكن ذلك الظهور و الانكشاف لمّا لم‏يتمّ ظهوراً الاّ بالانفعال فاعتبر ذلك في الصورة فلايكون العلم الاّ الصورة لا من جهة الانفعال و ليس الانفعال الاّ الصورة من جهة نفسها فاذاً مااسخف من ذهب الي الفرق بين الانفعال و الصورة و جعل العلم من مقولته و ان كان فرق لكن لا من جهة مانحن بصدده فانّ الانفعال حجاب و غطاء لا كشف و هو ليس الاّ الظهور و الصورة حاكية لها من غير الاشارة التي نشأت من جهة القبول و الانفعال كرّرنا لتفهم المراد فانّه طريق الرشاد و ان قلت هو الصورة فهل هي المعلوم ام لا فان قلت بلي فهل هو مطلقاً ام يخصّ بالمعلوم الذهني حيث الجأك الدور و التسلسل الي القول به فان قلت بالاوّل فقدنطقت صدقاً و قلت عدلاً و حقّاً و ان قلت بالثاني فاذا غاب عنك المقابل فمامعلومك ان كان ذلك فمابالك لاتعلمه اذا تغيّر فاذاً ماطابق العلم المعلوم و مااقترن به و بطلانه ضروري كمامرّ فمابقي الاّ القول بانّ الصورة هي المعلومة و هي العلم بها و هي ليست الصورة المتّصلة بالمقابل و انّما هي المنفصلة التي هي كتابك من اللوح المحفوظ المكتوب المنقوش في رقّ مكان تلك المقابلة و زمانها و جهتها و رتبتها و التي عندك هي شبح ذلك الشبح و لذا يتغيّر و يتبدّل ماعندك و عند غيرك من ذلك الشبح من جهة القبول مع بقاء الكتاب علي حاله و انتزاعكما عنه حيث التفتّما مثلاً اليه في زمانه و مكانه فمعلومكما هو ماعندكما و لذا يختلفان في العلم بذلك الشبح و الواحد لايختلف و امّا الصورة المتّصلة فلاسبيل لك اليها لانّها من مشخّصات المقابل و حدوده فلاينفك عنه مادام وجوده في الظهور فمعلومك هو شبح الشبح و هو علمك به فاتّحد العلم و المعلوم فلااقسم بمواقع النجوم و انّه لقسم لوتعلمون عظيم و ان قلت هو المقابل فهل هو عندك في الخارج حين وجوده فيه عندك او عندك في الذهن او العقل فان قلت بالاوّل فقد اتيت بالحق الواقع و ان‏قلت بالثاني فلايصحّ قطعاً لانّ صقعه صقع الصورة المجرّدة عن المادّة الجسمانيّة فلاتقع المواد الجسمانيّة و الصور المقارنة فيه فلولا ذلك لِمَ لم‏تبصر

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 177 *»

وتدرك اذا اغمضت عينك و لاتحسّ اذا بطلت احدي حواسّك مع انّ النفس موجودة بوجود العقل فكلّ ما لايدخل في الشي‏ء بذاته لايدخل بالواسطة قطعاً و لاينبغي التشكيك فيه ابداً فافهم و ان كان حضور المعلوم لدي العالم و حصوله لديه فان كان المعني العام فلم يتطابق (يطابق خ‏ل) لعدم المطابقة بين الخاص و العام فلايتميّز علم عن علم و هو باطل كما مرّ و ان كان الخاص فلايكون الاّ عين ذلك الحاضر و هو حكم الاشراق لدي اهل الاذواق فالحصول هو عين الحضور و العكس و الفرق للجهل بالواقع فان حصول الصورة في الذهن ليس الاّ حضورها لديه فثبت بدليل الحكمة و المجادلة بالتي هي احسن هو انّ العلم عين المعلوم و نزيدك بياناً فنقول انّ المغايرة علي اقسام تغاير التضادّ و التناقض و تغاير التباين من التناسب و التجانس و التماثل و التشاكل او تغاير الاثريّة و المؤثّريّة او تغاير التحاوي و التساوق و التضايف و التلازم او الملازمة او الشرط و المشروط او التتمّة او التكملة و اشباه ذلك و لايصحّ كلّ ذلك في العلم و المعلوم امّا الاوّل و الثاني فظاهر و امّا الثاني فلعدم اولويّة احدهما بكونه علماً و الاخر معلوماً لعدم كشف احدهما عن الاخر و كذا الثالث و الرابع و امّا الخامس فيلزم من تأثّر المعلوم الجبر في اللّه سبحانه من تأثيره حدوث العلم و كون المعلوم غير معلوم و تكون الرءوس اسفل و الارجل اعلي و البواقي كلّها تستلزم عدم المطابقة و الموافقة المشروطتان في العلم فاين اللازم من الملزوم و اين الوجود من الماهيّة و اين المكان من الزمان و كلاهما من الجسم فبطلت المغايرة بجميع انحائها و جاء الاتّحاد و هو حكم اللّه علي العباد.

اشارة قرءانيّـة: قال اللّه تعالي و ما كان له عليهم من سلطان الاّ لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شكّ و لو اخذ بظاهر الاية لزم تقدّم العلم المعلوم الحادث علي العلم القديم و القول بتأويلها علي المطابقة غيرمطابق لانّ المطابقة ان كانت حادثة جاء ماقلنا او علي المطابق غيرلائق لانّ العلم المطابق ان كان نفس العلم السابق جاء مااردنا و ان كان غيره فهو ان كان حادثاً فهو معلوم و فيه الكلام و ان كان قديماً و هو غيره تعدّدت القدماء علي انّ المطابق

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 178 *»

عند القائل مسبوق فهو معلوم فهو نفس العلم و لو كان غيره جري ماقلنا فافهم فهّمك اللّه و ايّانا من مكنون العلم.

تكميـل: فاذ قد علمت انّ العلم هو نفس المعلوم فالعلم الازلي هو الذات البحت لم‏يزل عزّ و جلّ و العلم المتعلّق الواقع هو نفس الحوادث فله مراتب اعلاها العلم الامكاني في اعلي الخزائن من خزائن الشي‏ء الواحد و بعده العلم العيني و بعده العلم الجوهري و بعده العلم الهوائي و بعده العلم المائي و بعده العلم الناري و بعده العلم الهبائي و بعده العلم الظلّي و بعده العلم المادي و بعده العلم الفلكي و بعده العلم العنصري و بعده العلم الترابي و بعده العلم الجمادي و بعده العلم النباتي و بعده العلم الحيواني و بعده العلم الانساني و بعده العلم الجمعي و بعده و قبله العلم الاسمي الوجودي و هكذا غيرها من المراتب كلّ ذلك دفعة واحدة ليس علمه تعالي باحدها اسبق بالنسبة الي الاخري لانّه استوي علي العرش فليس شي‏ء اقرب اليه من الاخر بل هو اقرب الي كلّ شي‏ء في مكانه و زمانه و جهته و رتبته من نفسه قرباً لايتناهي فاحاط بكلّ شي‏ء علماً لايعزب عنه مثقال ذرّة في الارض و لا في السماء و لايشغله علم شي‏ء عن علم شي‏ء و الجزئي و الكلي و المجمل و المفصّل و الذاتي و العرضي كلّها عنده سبحانه في العلم سواء اذ عنده مفاتح الغيب لايعلمها الاّ هو و يعلم ما في البرّ و البحر و ماتسقط من ورقة الاّ يعلمها و لاحبّة في ظلمات الارض و لارطب و لايابس الاّ في كتاب مبين فليس في علمه غد و لا امس و لا متي و لا الان و علمه بالاشياء قبل كونها كعلمه بها بعد كونها لانّه لم‏يفقد خلقه و لم‏يخل من مكان و احاط بكلّ شي‏ء علماً في مكانه و وقته قبل ان‏يكون و بعد ان كان و بعد ان يفني فيوم فنائه عند اللّه تعالي هو يوم بقائه و هو يوم قبل اصداره فحكم علي الاشياء علي ما هي عليه كما سألته و طلبت منه بماسألهم ان‏يسألوه حين سؤالهم و طلبهم و اختيارهم حكم التكوين و التشريع قبل ان‏يخلقهم و يذرأهم و هو قوله7 لكنّه حين كفر كان في ارادة اللّه ان‏يكفر فافهم هذا السرّ المكنون و الدرّ المخزون فاعلم منه قوله7 جفّ القلم بماهو كائن و سنوضحه فيما

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 179 *»

بعد ان‏شاء اللّه تعالي فعلي ماذكرنا جمعت الاخبار المختلفة كما في اوّل اللمعة فلنقطع الكلام و ان اطلنا لكنّه من جهة عظم هذه المسألة و كثرة الشبهات و زلّة كثير من الاقدام و طغيان الاقلام و العلّة في ذلك انّهم مامشوا علي طريقة اهل الحق: و اختاروا علي النور و الهدي الظلام اعاذنا اللّه و ايّاكم من شرّ الاوهام و جعلنا من المقتفين لاثار ائمّة الانام فانّه خير مصير و مقام.

اللمعة الثالثة عشرة

في صفات الافعال. قال اللّه تعالي «و لاتقولنّ لشي‏ء انّي فاعل ذلك غداً الاّ ان يشاء اللّه». «لم‏يرد اللّه ان‏يطهّر قلوبهم للتقوي». «و كلّم اللّه موسي تكليماً». «لايكلّمهم اللّه يوم القيمة و لايزكّيهم». «أفمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً» قال مولينا الرضا7 «انّ المشيّة و الارادة من صفات الافعال فمن زعم انّ اللّه لم‏يزل شائياً مريداً فليس بموحّد» و قال7 «انّ الارادة من الخلق الضمير و ما يبدو له بعد ذلك من الفعل و امّا ارادة اللّه فاحداثه لا غير لانّه لايروّي و لايهمّ و لايفكّر بل يقول للشي‏ء كن فيكون بلا لفظ و لا كيف لذلك كما انّه لا كيف له» و قال علي7 «انّ المشيّة و الارادة و الاختراع معناها واحد و اسماؤها ثلثة» و قال7 «العلم غير الارادة الاتري انّك تقول سأفعل كذا ان‏شاءاللّه تعالي و لاتقول سأفعل كذا انّ علم اللّه فقولك ان‏شاء اللّه دليل علي انّه لم‏يشأ» و قال7 «لم‏يزل اللّه عالماً قادراً ثمّ اراد» و لهذه اللمعة اشراقات:

الاشراق الاوّل: اعلم انّ الصفة من مقتضيات الموصوف فان كان هو الذات كانت ذاتيّة و ان كان هو الفعل كانت فعليّة و دليل الاوّل عدم المفارقة مع بقاء الذات و الثاني مع بقاء الفعل دون الذات و لمّا اضمحلّ اعتبار الفعل بالنسبة الي الذات اتّصفت الذات بها و بضدّها فتقول زيد قائم و قاعد مع انّ هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 180 *»

لايحمل علي الذات قطعاً فانّ الذات من حيث هي قد سبقت القيام و القعود اي القائمية و القاعدية فلايلحقها اللاحق و الاّ لكان سابقاً لمامرّ انّ كلّ شي‏ء في مقامه فيلزم من ذلك سبق اللاحق و لحوق السابق فلمّا بطل ذلك فلاشكّ انّ القائم انّما صدق عند صدور القيام بفعله فان قلت انّه اسم للذات المتّصفة بالقيام ليكون مدلوله مركّباً كما توهّم فهو باطل لاستحالة تركيب الشي‏ء من نفسه و من اثره او اثر اثره ليصدق علي المجموع اسم واحد مع انّ الذات علي ما هي عليه لايتغيّر بتغيّر الاثار و لايتقلّب بتقلبّها بل يمتنع فرض ذلك لكونها في صقع غير صقع الاثر و الثاني عدم عند الاوّل فاين التركيب و مع ذلك كلّه يستلزم المقارنة و هي تستدعي المناسبة في الملتقي و المشابهة و الاّ لامتنع الاتّصال فيكون الاثر من حيث هو ذاتاً و العكس فاذا لم‏يكن الاسم في رتبة الذات ثمّ حصل في رتبة الفعل فالاسم للفعل و لذا حكم النحاة في المشتقّات القائم بها المبدء انّها اسم الفاعل و قد قالوا: انّها من صفات الافعال كالحديث المتقدّم و قد قالوا: انّ الاسم صفة لموصوف فكان القائم صفة الفعل و اسم الفاعل و الفاعل ليس هو الذات للحوقه فاتّحدت العبارتان لانّ الفاعل هو ظهور الذات بالفعل و ان كان الظهور عين الظاهر فالفاعل هو موصوف كلّ هذه الصفات و مسمّي لتلك الاعتبارات و مدار التعلّقات و وجه الذات الثابت الباتّ و استنادها الي الذات من باب انّ الذات قد غيّبت الصفات فكان القائم في جاء زيد القائم صفة زيد تابعاً له في اعرابه فمرفوعيّته بفاضل مرفوعيّته و من شعاعه و هو المقامات و العلامات و الايات فانتهت الاثار الي الفاعل و هو انتهي الي نفسه رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و ليس اللّه غاية شي‏ء ابداً و انّ الي ربّك المنتهي لانّ الغاية موصوفة و كلّ موصوف مصنوع و صانع الاشياء غير موصوف بحدّ مسمي لم‏يتكوّن فيعرف كينونيّته بصنع غيره و لم‏يتناه الي غاية الاّ كانت غيره لايزلّ من فهم هذا الحكم ابداً و هو التوحيد الخالص فارعوه و صدّقوه و تفهّموه و ليس بين الخالق و المخلوق شي‏ء و اللّه خالق كلّ الاشياء لا من شي‏ء كان و اللّه يسمّي باسمائه و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 181 *»

هو غير اسمائه و الاسماء غيره فافهم موفّقاً فالاثر المفعول يقف علي باب المؤثّر الفاعل فيدعو اللّه سبحانه بماجعل لهم من اسمائه من ذلك الباب الهي وقف السائلون ببابك و لاذ الفقراء بجنابك يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه.

الاشراق الثاني: كلّ‏ما يدخله الفاء حصل هناك الصقعان لبداهة عدم تأخّر الشي‏ء عن نفسه و كلّ‏ما هو كينونته للارتباط و لاجل الاخر فليس بذاتي و كلّ ما يثبت و ينفي غيرحقيقي و كلّ مايحتاج الي ملاحظة زائدة فغير متأصّل ذاتي اضافي و الكلّ معلوم و محقّق بعلم بديهي و لايحتاج الي دليل لا «انّي» و لا «لمّي» فالمشيّة ان كانت هي ماهو المعروف المعقول عند ذوي العقول من انّها مبدء المشاء و مدار الايجاد فلاشكّ في صدق جميع ماذكرنا من الاصول عليه قال تعالي و لو شاء اللّه لجمعكم علي الهدي و لو شئنا لنذهبنّ بالذي اوحينا اليك مع انّه سبحانه ماشاء و قال ايضاً اولئك الذين لم‏يرد اللّه ان‏يطهّر قلوبهم و قول الصادق7 فقولك ان‏شاء اللّه دليل علي انّه لم‏يشأ مع انّه قال7 خلق المشيّة بنفسها و تقول علم و قدر ثمّ اراد فبعلمه كانت المشيّة و لاتقول علم فقدر او فسمع و بصر لعدم الترتّب بخلاف العلم و القدرة مع الارادة اذ لايذكر الاّ بعد ثمّ او الفاء لفظا او معني و لاريب انّ الارادة في رتبة الذات مستغن عنها و انّما هي عند الايجاد فالذات عند اثرها و تأثيرها تريد و تشاء لامطقاً و لذا قالوا انّ كلّ حادث مسبوق بالارادة فاثبتوا بذلك قدمها مع انّه صريح في حدوثها و كذا الارادة لاتكون الاّ و المراد معه و اي حدوث اعظم من ذلك فانّها قد جمع اغلب احواله من الترتيب و التعقيب و الاقتران و الانتفاء و الاثبات و امثال ذلك و الفرق بين المشيّة و الارادة بجعل الاوّل قديماً و الثاني حادثاً من اسخف الاقوال و اقبحها و اشنعها و قد قال مولينا الرضا7المشيّة و الارادة و الاختراع معناها واحد و اسماؤها ثلثة فافهم و اتقن فان ارادوا بها العلم بالاصلح فباطل ايضاً لماعلمت انّ العلم بالشي‏ء لايكون في رتبة الذات سلّمنا فهل هي العلم الازلي الذي تثبتونه له تعالي ام غيره فان كان هو فقد نفيتم العلم بغير الاصلح عن اللّه سبحانه و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 182 *»

بزعمكم الجهل و لاشكّ فيه و التفصّي بالعدم محال لوجوده في الامكان و مع ذلك كلّه رجع القول بقدم المشيّة الي اللفظ و سمّيتم العلم مشية و لا نزاع في ذلك نعم لنا المؤاخذة في التسمية و السبب الموجب بتكرّر اسم العلم مع كون الاسماء توقيفيّة فان كان العلم هو المطلق و الارادة هي العلم بالاصلح و كلاهما عين الذات فقد جعلتم الذات سبحانه و تعالي عامّاً و خاصّاً و هما صفة الحدوث مع لزوم الكثرة و ان كان هو العلم المطلق و سمّيتموه الارادة اذا كان بالاصلح فقد سبق الكلام فيه و ان كان هو العلم مطلقاً فرجع الحكم ايضاً الي اللفظ و الكلام الكلام فمالكم كيف تحكمون و القول بلزوم الدور و التسلسل لولا قدمهما مدفوع لقوله7 خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها فمااحتاج ايجادها الي مشيّة اخري كما تقولون في الزمان و الوجود و القول بانّها صفة فهي ان‏تقومّت بغير موصوفها لم‏تكن صفة له و ان تقوّمت به يكون الحق محلاً للحوادث و لو لم‏تكن قديمة باطل ايضاً لتسليم الصفتيّة و تقوّمها بموصوفها و لايلزم ان‏يكون التقوم بقيام العروض ليلزم ذلك و لا التحقّق ليلزم المقارنة و انّما هو بقيام الصدور فليس بين المقوّم و المتقوّم اتّصال و لا اقتران و لا افتراق و لا انفصال و لا حلول و لا اتّحاد كالكلام للمتكلّم مع قيامه بالهواء قيام تحقّق و قيام عروض و قيامه بالشخص قيام صدور كالضارب و امثال ذلك مع انّه صفة للشخص لا لمايتقوّم به بالتحقّق او بالعروض فالقول بقدم المشيّة و الارادة قول ماصدر عن ذي‏لبّ راجح و زناد في العلم قادح بل اقتصر علي العبارات و حجبته عن ادراك الاشارات و قد اجمع اهل بيت العصمة و الطهارة: علي ذلك و المفصّل بجعل المشيّة المنصوص‏عليها بالحدوث في الاخبار بالمشيّة الفعليّة لاالذاتيّة من اين عرف ذلك ان كان من الاخبار فكذب محض اذ ليس فيها مايؤمي الي ذلك الاّ موضوعاً و ان كان من العقل فهو لايحيط بذات الحق سبحانه ليعرفها و يخبر عما هي عليه فان كان ادرك ذلك من جهة الوصف و الاثار فهي لاتشهد الاّ بذاتية العلم و القدرة و الحيوة و امثالها مما لايصحّ سلبها عنها و تشهد بحدوث الارادة و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 183 *»

المشيّة شهادة قطعيّة يقينيّة فالاثر يدلّ علي ارادة المؤثّر ايّاه حين احداثه لاحين لم‏يكن كما تعرفه العقول و ان قيل بانّ القول بالقدم قول من حيث لايشعر قلنا ان جاءك خبر من اللّه سبحانه و تعالي فقل كما في القرب و البعد و الظهور و الخفاء بجهة واحدة و الاّ فقل ماشـئت لانّك مجنون و كذا الكلام في الكلام و كلّ ما يتعلّق بالغير كالعلم اذمعلوم و القدرة اذمقدور و السمع اذمسموع و البصر اذمبصر الي غير ذلك من الاحوال و الصفات فافهم.

الاشراق الثالث: الاسم هو الصفة لانّه من السمة قال7 الاسم صفة لموصوف و كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كلّ صفة علي انّها غير الموصوف و شهادة كلّ موصوف علي انّه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث و بيانه انّ التسمية لحاجة الدعوة و الاسم عند التجلّي للغير بالغير و الذات هي  هي فهناك الاحديّة و هنا الواحديّة فلوكان الاسم عين الذات لكانت مقترنة لاقتران التجلّي مع المتجلّي و اقتضاؤه ايّاه فهما مقترنان فاذا حصل الاقتران حصلت الكثرة فجاء الحدوث فالمسمّي المقترن بالاسم حادث و المعني المتحصّل من اللفظ مخلوق و الذات الظاهرة في المظاهر و المرايا و القوابل مصنوعة و اللّه سبحانه فوق ذلك كلّه و لايصل اليه شي‏ء جلّه او قلّه سبحان من هو هكذا و لا هكذا غيره فالمسمّي علي ضربين مسمّي هو عين الاسم و هو المقترن بمعني انّه لايحكي و لايدلّ الاّ علي ماظهر به فيه و هو كماتري و مسمّي هو الغير المقترن و التسمية تعبيرية و الاوّل وجه للثاني و لمّا كان الوجه مضمحلاً و مستقهراً لدي ذي‏الوجه يتبادر الاطلاق اليه نفي ذلك بقوله7 و الاسم غير المسمّي كما في الحديث المتقدّم لانّ ارادة ذلك كفر و لمّا كان المستفاد من قوله انتهي المخلوق الي مثله هو ماذكرنا اشار اليه بقوله اسم اللّه غير اللّه و كلّ شي‏ء وقع عليه اسم شي‏ء فهو مخلوق ماخلا اللّه فامّا ماعبّرته الالسن او عملت الايدي فهو مخلوق و اللّه غاية من غاياته و المعنّي غير

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 184 *»

 الغاية و الغاية موصوفة و كلّ موصوف مصنوع و صانع الاشياء غير موصوف بحدّ مسمّي لم‏يتكوّن فيعرف كينونيّته بصنع غيره و لم‏يتناه الي غاية الاّ كانت غيره لايزلّ من فهم هذا الحكم ابداً و هو التوحيد الخالص فارعوه و صدّقوه و تفهّموه باذن اللّه فظهر انّ المسمّي ثلثة و العبارة (الحقيقيّة خ‏ل) الظاهرة انّ المعني بالاسم هو الذات و انّ المسمّي هو التأثير و الكلمة التامّة التي لايجاوزها برّ و لا فاجر و الاسم هو الاثر اي الدلالة الناشية من تلك الكلمة المتحصّل منها المعاني الكثيرة و الحقيقة الظاهرة هو ماذكرنا انّ المسمّي ثلثة فالمقترن هو عين الاسم و المحكي عنه بالنقش هو المسمّي الثاني و المقصود بالتعبير من غير اشارة هو الاوّل و لا اوّل و لمّاكان الثاني هو صرف ظهور الاوّل بنفسه و لاتري له جهة انّية و هويّة اختصّ باسم الاسم المطلق و الثالث مع انّه الاسم حقيقة لماظهرت انيّته و برزت هويّته و خفيت مائيّته و لم‏يطلق عليه الاسم علي جهة الاطلاق و الاوّل لما كان هو الظاهر الذي لا شي‏ء اظهر منه لانّه ابطن منه و هو المغيّب لكلّ السوي اختصّ بمسمّي الاسم كالقائم اذا اطلق لايراد به الاّ ذات زيد مع انّه ليس موضوعاً لذاك و هذا سرّ الاثبات و النفي فالمسمّي هو اللّه و الاسم هو تجلّيه و ظهوره و هو غير المسمّي و الموجودات هي المستضيئة بذلك الاسم فقام باسمه ماكان و مايكون الي انتهاء الوجود و لا انتهاء ماعندكم ينفد و ماعند اللّه باق فافهم.

الاشراق الرابع: قال اللّه عزّوجلّ فللّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ذر الذين يلحدون في اسمائه لمّا كانت البينونة هي بينونة الصفة لا العزلة و قد علمت انّ الصفة هي الاسم كان توجّه المعلول الي علّته و الاثر الي مؤثّره بماجعله فيه من ظهوره و تجلّيه الذي هو اسمه و قدعلمت انّ التجلّي و الظهور بنفس المظهر و المتجلّي‏له كما عن اميرالمؤمنين7 بل تجلّي لها بها فكان توجّه الكل اليه سبحانه و تعالي باسمه الذي هو باب فيضه اليه و باب فقره الي اللّه و مقام غناه و هو صفة اللّه و اسمه و وجهه الذي يتوجّه به اليه الاولياء الباقي الذي لايفني و الدائم

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 185 *»

الذي لايبلي فكان الداعي عين المدعوّبه و الواصف حقيقة الصفة و المخاطب نفس الخطاب كما اشار الي الاوّل مولانا الحجّة صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه اللهمّ انّي اسألك بمعاني جميع مايدعوك به ولاة امرك و المعاني هي الصفات القائمة بالغير و ولاة الامر هم اولوا الامر المقرون طاعتهم بطاعة اللّه و رسوله في قوله تعالي اطيعوا اللّه و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم و ما دعوا اللّه به هي اسماؤه الحسني و امثاله العليا و بكلّ اسم دعاك به ملك مقرّب الدعاء ثمّ قال7 فجعلتهم اي ولاة الامر معادن لكلماتك اي محالّ و مواقع الكلمات التامّات التي لايجاوزهنّ برّ و لا فاجر و تلك هي التي انزجر لها العمق الاكبر و خضعت لها السموات و الارض و هي فاعليّة الحق سبحانه و تعالي في الاشياء الموصوف لكلّ الاسماء الواحد المتعدّد بالوجوه حسب تعدّد المتعلّقات في‏الاداء كماتقول قائم و قاعد و اكل و شارب و نائم و يقظان و هذه المعادن هي المعاني كالقيام للقائم و القعود للقاعد و الحركة للمتحرّك و الاكل للاكل و اركاناً لتوحيدك و اياتك التي ارانا اللّه سبحانه ايّانا في الافاق و في انفسهم و يوضحه الاتيان بالسين الاستقباليّة في سنريهم اياتنا الاية. و الجمع للفرق و الفصل في عين الجمع لتكون الكثرة في الوحدة كالنقطة في الالف و الحروف العاليات المجتمعة في الكلمة الكليّة بعين الوحدة كما نبيّن لك ان‏شاء اللّه تعالي و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان فاينما تولّوا فثمّ وجه اللّه و لو ادليتم بحبل الي الارض السابعة السفلي لهبطتم الي اللّه و لمّا اثبت انّ المعاني هي ولاة الامر الداعين باسمائه جعلهم نفس تلك الاسماء فقال7 لا فرق بينك و بينها اي المقامات في التعريف و التعرّف و المعرفة فمن عرف قائماً عرف زيداً الاّ انّهم اي تلك المقامات التي هي الذوات المتأصّلة و الحقايق المستقلّة ذات الذوات و الذات في الذوات للذات قال امير  المؤمنين7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا اي بمعرفتنا و قد علمت انّ الصفة هي الاسم فكان الداعي عين المدعوّبه فاذا ثبت ذلك في الكلي يثبت ايضاً في الجزئي لانّه مثاله لا فرق بينه وبينه الاّ انّه تابعه و نوره فمن

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 186 *»

توجّه في عبادته الي ذات الحق سبحانه بدون الاسم فقد رجع الي نفسه المجتثّة من اراد اللّه بدأ بكم نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها و من توجّه فيها الي نفس الاسم و الوجه بايقاعها عليه فقد كفر و لم‏يعبد شيئاً اذ الوجه بدون الاصل و الاسم من غير المسمّي ليس بشي‏ء و من توجّه فيها الي الاسم و المسمّي فقد اشرك و جعل الاسم اصلاً هذا خلف و من توجّه فيها الي اللّه سبحانه وحده بالوجه و الاسم الذي امره اللّه ان‏يدعوه به فذاك التوحيد الخالص و هو معني قوله7 من عبد اللّه بالتوهّم فقد كفر و من عبد الاسم دون المعني فقد كفر و من عبد الاسم و المعني فقد اشرك و من عبد المعني بايقاع الاسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرّ امره وعلانيته فاولئك اصحاب اميرالمؤمنين حقّاً و هنا كلام اخر يضيق صدري باظهاره و لايضيق بكتمانه.

الاشراق الخامس: اذا قلت ايّاك نعبد و ايّاك نستعين فاعلم انّ الخطاب هو عين المخاطِب (بالكسر) و المخاطب هو ظهور المعبود عزّ و جلّ لك بك و ذلك الظهور هي جهة توجّهك اليه و تجلّيه لك فان نسيت نفسك و ذاتك و غيرك و التفتّ الي الظاهر بل الحق سبحانه بلاكيف و لا اشارة صحّ قولك و خطابك و ان‏وجدت لك انّية او لاحظت الوجه او الخطاب او المخاطب من حيث هو كذلك فقدبعدت عن ساحل القرب و وقعت في لجّة البون و البعد بل الشرك فاذا قطعت الالتفات عن كلّ ذلك تراه قد دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فانت اذا كالحديدة المحماة بالنار فيتجلّي لك الحق سبحانه بلسانك فتسمع الكلام من الفوق و التحت و اليمين و الشمال و الخلف و القدام و هو سماعك ايّاه من قائله و هو المراد مما ورد انّ مولينا الصادق7كان يصلّي فاذا وصل في القراءة الي قوله ايّاك نعبد و ايّاك نستعين وقع مغشيّاًعليه فلمّا افاق سئل عن ذلك قال7 لازلت اكرّر هذه الاية حتّي سمعت من قائلها صدق و اللّه ابن رسول اللّه9 فانّ القائل ماظهر له بذاته لامتناعه و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 187 *»

استحالته لكونه شأن العالي مع السافل او المتساويين و انّما ظهوره بقوله و هو التجلّي الاعظم الذي تجلّي سبحانه بفعله له به فنسي نفسه و اندكّت جبل انّيته فبقي في الوجدان بجهة واحدة فبطل التماسك لانّه انّما يكون بجهتين فخرّ مغشيّاًعليه ٭ غيّبني اذا بدا ٭ اما انه خرّ لانّه ساجد تحت عرش ربّه حينئذ و هو حالهم مع اللّه التي هو فيها هو و هوهو بمعني الظهور و التجلّي الفعلي لانّه حينئذ هوهو و هوهو لا كما زعمه بعض اهل الضلال من عين الاتّصال لانّه كفر و زندقة و محال و ماقيل انّ لسان مولينا الصادق7 ذلك الوقت كان كشجرة الطور قد اخطأ في التشبيه و لو عكس الامر لكان له وجه مع انّ الامر اعظم من ذلك لانّ المكلّم في الشجرة حكاية عن الحق سبحانه انّما كان رجلاً من الكروبيّين من شيعته7 من الخلق الاوّل و ذلك الرجل كان يحكي عنه عن اللّه سبحانه قال7 انا مكلّم موسي في الشجرة و قال ابن‏ابي الحديد عليه مقامع من حديد في هذا المعني شعراً:

ياايّها النار التي شبّ السنا   منها لموسي و الظلام مجلّل
يا فلك نوح حيث كل بسيطة   بحر يموج و كل بحر جدول

فافهم و ثبّت فاذا عرفت ذلك عرفت انّ المخاطب ليس هو المقصود بالخطاب لانّه ليس هو الذات البحت و الاّ لكانت له حالتان فيثبت به الحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث نعم لاتتوجّه اليه سبحانه الاّ بذلك فهو الوصلة و السبب كما اذا قلت ياقائم او ياقاعد يامتكلّم فتوجّه اليه سبحانه بالاسماء من غير نظر و التفات اليها فلاترجع الي اللّه الاّ بها و لم‏تزل تقطع التفاتك عنها و هو قوله7 حتّي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها.

تنبيـه: اعلم انّ الاسماء الالهيّة كلّها مشتقّة و مباديها هي الفعل لكونه الاصل في الاشتقاق و لانّ الاسماء له و القول بجامديّة اسم الجلالة سخيف و لايلزم من ذلك عمومها و عدم افادتها التوحيد اذ الوضع ليس للمفهوم الذهني حتّي يعمّ و لايشترك المخلوق معه سبحانه في الصفات و الاسماء و ان كانت فعليّة كما

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 188 *»

اشرنا اليه و قداشار مولينا الصادق7 الي هذا و ما ذكرنا قبل ذلك علي التفصيل فهو اولي بالذكر و القبول و قدسأله هشام «اللّه» مما هو مشتقّ قال7اللّه مشتقّ من اله و الاله يقتضي مألوهاً و الاسم غير المسمّي فمن عبد الاسم دون المعني فقد كفر و لم‏يعبد شيئاً و من عبد الاسم و المعني فقد اشرك و عبد اثنين و من عبد المعني دون الاسم فذاك التوحيد افهمت ياهشام قال زدني قال7 انّ للّه تسعة و تسعين اسماً فلو كان الاسم هو المسمّي لكان كلّ اسم منها الهاً و لكنّ اللّه معني يدلّ بهذه الاسماء و كلّها غيره ياهشام الخبز اسم للمأكول و الماء اسم للمشروب و الثوب اسم للملبوس و النار اسم للمحرق افهمت ياهشام فهماً تدفع به و تناضل به اعداءنا و الملحدين مع اللّه جلّ و عزّ غيره قلت نعم قال فقال نفعك اللّه به و ثبّتك ياهشام قال هشام فو اللّه ماقهرني احد في التوحيد حتّي قمت مقامي هذا.

اللمعة الرابعة عشرة

في زيادة القول في الاسماء و تحقيق القول فيها. قال اللّه عزّوجلّ «بسم اللّه الرحمن الرحيم قل ادعو اللّه او ادعوا الرحمن ايّاًما تدعوا فله الاسماء الحسني». «فللّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ذر الذين يلحدون في اسمائه» قال7 «نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها» و قال7 «اللهمّ انّي اسألك باسمك بسم اللّه الرحمن الرحيم» و قال7 «يا واحد يا احد يا قل هو اللّه احد» و قال7 «يا كهيعص و يا حمعسق» و قال7 «انّ البسملة اقرب الي الاسم الاعظم من سواد العين الي بياضه» و قال7 «انّ الاسم الاعظم في ثلثة مواضع من القرءان في اية الكرسي قوله تعالي اللّه لااله الاّ هو الحي القيّوم و في ال‏عمران في قوله تعالي الم اللّه لا اله الاّ هو الحي القيّوم و في طه في قوله تعالي و عنت الوجوه للحي القيّوم» و لهذه اللمعة اشراقات:

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 189 *»

الاشراق الاوّل: كلّما خرج في عالم الكون و الوجود حكي مبدأه في البروز و الشهود بالانحاء المختلفة علي اطوار متفاوتة فكلّ سافل اسم للعالي كما مرّ و هو علي قسمين كلّ و كلّي و لمّا كان العالم هو كرة واحدة متساوية الاجزاء في الفقر و الاستدارة علي القطب كانت لها استدارة واحدة بسيطة علي مبدئه و لمّا كان واقفاً علي باب فقره الذي هو جهة غناه كان دليلاً عليه و واصفاً له بماوصف نفسه له فكان الكلّ اسماً واحداً بخلاف ما لو كان واقفاً علي باب استغنائه الذي هو جهة فقره فانّه حينئذ ليس اسماً و انّما هو عكس و حجاب نعم يدلّ دلالة التعاكس و التضادّ فذلك الاسم الواحد الكلّي مشتمل علي اجزاء كلّ منها اسم تامّ و قداشار سيّدنا و مولينا الصادق7 الي ذلك و اجزائه و اركانه و حدوده اشارة لطيفة دقيقة قلّ العاثر عليها و المهتدي اليها و انا اذكره هنا مع قليل من البيان ليظهر لك معني الرحمن علّم القرءان خلق الانسان علّمه البيان قال7 انّ اللّه خلق اسماً و هو الكلمة التامّة و الشجرة الكليّة و الكرة المحيطة و هي العالم من حيث هو اي ماسوي اللّه المدلول عليه بعين العلم و بلامه و ميمه المتفرّد بعلمه الحق سبحانه و هو علمه سبحانه بخلقه علي ماهم عليه و هو شي‏ء واحد بسيط بالحروف غيرمصوّت اذ الحروف بعض من احواله فلايجري علي الكلّ ما لايجري علي الجزء و كذا باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسّد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ لانّ منه ما لا صبغ له لانّه نور محض منفي عنه الاقطار اي الابعاد مبعّد عنه الحدود لكونها من لوازم القابليّات و المقبول بمعزل عنها محجوب عنه حسّ كلّ متوهّم و هو اعمّ المشاعر فالاجسام تنتهي الي الاشباح و هي تنتهي الي الارواح و هي تنتهي الي الانوار و هي تنتهي الي الاسرار و هي تنتهي الي الامكان فلاغاية له و لانهاية انّما هو ابداً دائماً سرمداً قائم بمدده تعالي من نفسه فانقطع عنه كلّ حسّ حتّي نبيّنا9 امر بالاستزادة منها في قل ربّ زدني علماً اللهمّ زدني فيك تحيّراً. مستتر غيرمستور اذ لشدّة ظهوره استتر و لكمال استتاره ظهر فاستتر عن الاوهام لانقطاعها لديه و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 190 *»

اظهر من كلّ شي‏ء فجعله كلمة تامّة يتمّ بها الوجود و يتميّز الشاهد من المشهود و يظهر بها الحق المعبود علي اربعة اجزاء و هي بسم اللّه الرحمن الرحيم و سبحان اللّه و الحمدللّه و لا اله الاّ اللّه و اللّه اكبر و اللّه البديع الباعث الظاهر و العبارة الظاهرة انّ اوّلها هي عالم الوجود المطلق و صبح شمس الازل و الحق المخلوق به و عالم الامر و السرّ المقنّع بالسرّ و فلك الولاية المطلقة و الازليّة الثانية و الكاف المستديرة علي نفسها و الكينونة الاوّليّة و ثانيها عالم الجبروت و حجاب اللاهوت و نور اللّه في الملك و الملكوت و ثالثها عالم الملكوت و حجاب الجبروت و رابعها عالم الاجسام محلّ النقش و الارتسام و كلّ واحد منها حرف لذلك الاسم و تلك الكلمة و تلك الاجزاء انّما كانت معاً ليس منها واحد قبل الاخر في الظهور في الزمان و الاّ فالتقدّم و التأخّر الذاتي ممّا لاشكّ فيه فاظهر منها ثلثة اسماء و هو اللّه العلي العظيم لفاقة الخلق اليها في مقدار (مدار خ‏ل) معاشهم في الصعود و النزول في التكوين و التشريع و لولا ظهورها لبطل النظام و عدم القوام و لم‏يكن الايجاد بتامّ بل لايتصوّر بدون المجموع و لابواحد منها الاّ اذا ارتفعت القوابل من حيث هي كذلك و حجب واحداً منها و هو الاسم المكنون المخزون الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و هو الاسم الاعظم الذي تفرّد به الحق سبحانه ليس لمخلوق منه نصيب و انّما حجبه لعدم احتمال الناس ايّاه و عدم فاقتهم اليه في عين الاحتياج اليه فهذه الاسماء التي ظهرت فالظاهر هو اللّه و هو الاسم الاوّل منها تبارك و هو الثالث و تعالي و هو الثاني و انّما اتي بهذه الاسماء ليورث التقديم و التأخير لبيان مايعرفه العوامّ للخصّيص ان الظاهر في الكلّ هو اللّه سبحانه و تعالي اما انّه المعني بالاسم ليكون أيكون لغيرك من الظهور ماليس لك و اما انّه المسمّي فيكون الثاني و الثالث ظهوره و مظاهره و ليكون كل ميسّر لما خلق له و لبيان انّ احدهما هو عين الاخر

 

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 191 *»

و سخّر سبحانه لكلّ اسم من هذه الاسماء الثلثة اربعة اركان و هي مابه قوام هذه الاسماء الثلثة من ركن الخلق الموكّل به جبرائيل المستمد من الركن الاسفل الايسر من العرش النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة و ركن الرزق الموكل به ميكائيل المستمد من الركن الايمن الاعلي من العرش النور الابيض الذي منه ابيضّ البياض و منه ضوء النهار و ركن الحيوة الموكل به اسرافيل المستمد من الركن الاسفل الايمن من العرش النور الاصفر الذي منه اصفرّت الصفرة و ركن الممات الموكّل به عزرائيل المستمد من الركن الايسر الاعلي من العرش النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة فلكلّ من الملائكة الاربعة اجنحة ثلثة فذلك اثناعشر ركناً ثمّ خلق لكل ركن منها ثلثين اسماً فعلاً منسوباً اليها لانّ كلّ ركن انّما خلق في عشر قبضات و دارت كلّ قبضة منها ثلث دورات (و كلّ خ‏ل) من كلّها بتربية بديع الارضين و السموات فحصل ثلثون اسماً و هي الفعل اي وجوه الفعل المشيّة المنسوب الي تلك المراتب المتعلّق بها فافهم و تلك الاسماء هو الرحمن الرحيم الملك القدّوس الخالق البارئ المصوّر الحي القيّوم لاتأخذه سنة و لا نوم العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبّار المتكبّر العلي العظيم المقتدر القادر السلام المؤمن المهيمن البارئ المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم الرزاق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الاسماء و ماكان من الاسماء الحسني حتّي تتمّ ثلثمأة و ستّون اسماً و ذلك بملاحظة ثلثين في اثني‏عشر فكان لكلّ واحد من الاركان الاربعة تسعون اسماً فهي نسبة لهذه الاسماء الثلثة اي منسوبة اليها و مستندة اليها و معتمدة عليها و هذه الاسماء الثلثة اركان بها قوام الخلق و العالم من الموجودات المقيّدة فلولاها لفنيت و عدمت و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم و حجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلثة فظهر بها لماظهر كما ظهر فانّ السافل حجاب للعالي و هو غيب فيه لا كالشجرة في النواة فافهم و ذلك قوله تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن ايّاًما تدعوا فله الاسماء الحسني و هو مقام الجمع لانّهما الاسمين الاعلين الذين اذا افترقا اجتمعا و اذا اجتمعا افترقا فاذا قلت

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 192 *»

النقطة الوجوديّة و النقطة تحت الباء فالمراد بها ذلك الاسم المحجوب المكنون المخزون و كذا النفس الرحماني الاولي فاذا قلت النقطة و النفس جاء الفرق لكنّه في عين الجمع فلاسمي اللّه و الرحمن هيمنة و تسلّط علي كلّ الاسامي ما من اسم الاّ و هو مقهور تحت سلطنتهما و هيمنتهما و سنزيدك بياناً ان‏شاء اللّه‏تعالي فترقّب.

الاشراق الثاني: قال اللّه عزّوجلّ قل هو اللّه احد فقدّم الهويّة علي الالوهيّة و قدّمها علي الاحديّة لانّ «هو» اسم اللّه الاعظم و قيل انّه المسمّي و لذا لم‏يعدّ من الاسماء الحسني و قدقال اميرالمؤمنين7 في يا هو يا من لا هو الاّ هو انّه قال له رسول اللّه9 انّه الاسم الاعظم هـ لانّه متمّم للاسماء و مقوّم لها و قد ظهر به القاف الجبل المحيط بالدنيا فاتّصل الاوّل بالاخر و الظاهر بالباطن فهو الاوّل و الاخر و الظاهر و الباطن و قد قالت الشمس السلام عليك يا اوّل و يا اخر بعد ما قال تعالي و هو العلي العظيم و انّه في امّ الكتاب لدينا لعلي حكيم فظهر طائفاً حول جلال القدرة و قد وجد عند جلال العظمة فهو معني اللّه و غيب فيه و هو حجابه كما انّ اللّه غيب في العلي و معناه و هو حجابه قال الحجّة روحنا فداه و عجّل اللّه فرجه و صلّي اللّه علي محمّد المنتجب و علي اوصيائه الحجب و قد اشار الي ماذكرنا مولينا الرضا7 بقوله الي ان قال و لكنّه اختار لنفسه اسماء لغيره يدعوه بها لانّه اذا لم‏يدع باسمه لم‏يعرف فاوّل مااختار لنفسه العلي العظيم لانّه اعلي الاشياء (الاسماء خ‏ل) كلّها فمعناه اللّه و اسمه العلي العظيم هو اوّل اسمائه علا علي كلّ شي‏ء و بيانه مجملاً هو انّك اذا جرّدت اسم اللّه لم‏يبق الاّ هو لانّك ان جرّدت الالف يكون للّه الخلق و الامر فيظهر مفاد «الله» منه و هو كونه جامعاً لجميع الكمالات و منزّهاً عن جميع النقائص و ظاهراً بالالوهيّة المطلقة فاذا جرّدته عن اللام يكون له ما في السموات و الارض فاذا جرّدت اللام ايضاً يكون «ه» و هو تثبيت الثابت المحض و التوحيد المطلق الذي ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره لشهادة الهاء

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 193 *»

الصوري علي ذلك و هو اوّل رتبة الثانية في مقام الفاعليّة فيشار بها الي كونها ازليّة ثانية و حامل الولاية المطلقة هنالك الولاية للّه و لمّا انّه مقام العلم اذمعلوم و السمع اذمسموع و القدرة اذمقدور و المحبّة اذمحبوب اشبعت «الهاء» اي اكّدت فحصلت من ذلك «الواو» فهي اشباع «الهاء» من جنس حركتها فهي تأكيدها فوجد المقدور و المعلوم حين ظهر بل وجد العلم و القدرة لانّ العلم يقتضي معلوماً و القدرة مقدوراً و قدعلمت انّ الاثر ليس الاّ تأكيد المؤثّر كما تقول في ضربت ضرباً قعدت قعوداً ام جلوساً فتكون «الواو» في المقام ناشئة عن «الهاء» و لذا كانت من اخر العوالم الحرفيّة بعكس «الهاء» و كانت ستّة لبيان المراتب الاثريّة و قوامها بمؤثّرها لانّها العدد التامّ و قدتمّ التكوين في ستّة ايّام و التشريع في ستّة شرايع لتطابق الذات و الصفة و لان‏يتّصل اخر «الهاء» بها لكونه محض الارتباط و قدلحق بالاوّل لفنائه في بقائه و حيوته في موته و الاّ فهو في الحقيقة متّصل بالواو فيكون العدد الكامل الجامع بين اوّل الفرد اي الثلثة و اوّل الزوج اي الاربعة و هو السبع المثاني الذي اعطي نبيّنا9 لتحقيق علم البيان و المعاني فكان «هو» هو الاسم الاعظم لكونه مظهر الكلي الاقدم المحيط بكلّ وجود و عدم بل هو المسمّي حقيقةً فلمّا تمّ اظهر كلمة «كن» فغاب «الواو» و لانمحاق الاثر عند سلطان المؤثّر فظهرت العين بعين ظهور «كن» ففصّلت الاسماء الحسني الي مافصّلت فتمّت فظهر القاف الجبل المحيط بالعالم فاستخرجت الميم ففصّلت الحاء كما انّ السين فصّلت العين فاستنطقت منها حم عسق و قدورد انّ علم علي7كلّه في عسق و قد برهنّا سابقاً انّ العلم هو عين المعلوم و عدوله7 عن اللقب المشهور الذي لقّبه اللّه سبحانه به الي الاسم الشريف لسرّ خفي يظهر لك بعد التعمّق فيما ذكرنا و نذكره الان بان هو لمّاتنزّل من عالم الوحدة الي الكثرة و من المسمّي الي الاسم ظهر العلي العظيم حاملاً للواء الحمد و مستوياً علي العرش بالمدد معطياً كلّ ذي‏حقّ حقّه و سائقاً الي كلّ مخلوق رزقه فهو اوّل الاسماء في مقام الاسماء لانّه اعلي كلّ شي‏ء و علا علي كلّ شي‏ء و قام به كلّ شي‏ء و هو قائم

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 194 *»

باللّه القائم بالهوية فلاتعجب انّ الثاني هو الاوّل فهو الاوّل و الاخر و الظاهر و الباطن و هذا ليس تكريراً لما ذكرنا اوّلاً بل هو تأسيس فالعلي هو اسم للّه و اللّه هو اسم لهو و كل عال مسمّي لسافله فلايوصف اللّه بهو كما لايوصف العلي باللّه فتقول هو اللّه العلي العظيم من غير عكس ابداً و هو قوله تعالي و هو اللّه العلي الكبير فاذن فافهم معني قوله تعالي و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابّة من الارض تكلّمهم انّ الناس كانوا باياتنا لايوقنون و قال اميرالمؤمنين7 علّمني رسول اللّه9 الف باب من العلم يفتح من كلّ باب الف باب غير انّ الناس يقرءون اية في كتاب اللّه و لايعرفونها و هو قوله تعالي و اذا وقع القول الاية و هذا سرّ التقديم في قل هو اللّه احد قال7 الهاء اشارة الي تثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغائب عن درك الحواس و لمس الناس فاشار بابي هو و امّي اشارة لطيفة شريفة دقيقة الي انّ «ه» كرة مجوّفة اي الواو كرة و الهاء خمسة اربعة منها و هي الكلمة اي الباطن و الباطن من حيث هو باطن و الظاهر و الظاهر من حيث هو ظاهر قطبٌ لتلك الكرة بالخامس و لا محور لها و الكرة تنقسم الي ستّة كرات متطابقات مقعّر كلّ منها يماسّ محدّب الاخري و مركز الكلّ و قطبها واحد في الحركات الذاتيّة و امّا العرضيّة فقدتختلف فبلغ القسمة الي اقسام كثيرة نشير اليها فيمابعد ان‏شاء اللّه تعالي و امّا الهاء فهي و ان كانت قطباً الاّ انّها ايضاً كرة مركزها الخامس و الاربعة قطب و تلك الاربعة كرات متطابقات عاليها قطب لسافلها و قطب الاعلي هو نفسها لانّها قد استقرّت في ظلّها فلايخرج منها الي غيرها و الاربعة هي واحد لا اختلاف بينها و العدة مختلفة فالهاء هي حرف ليلة القدر و لها حكم العماء و تحفظ صورتها عند التربيع و التكعيب و ان علت المراتب لانّها سرّ الوحدة السارية في الاكوان و الاعيان و الامكان و ان كثرت و تزايدت و تعاليت و تسافلت فهي ماورد في الدعاء يا ابا الخمس بحق الخمس و اباء الخمس و ابناء الخمس فالاوّل هو النون و الثاني لي خمسة اطفي بهم حرّ الجحيم الحاطمة و الثالث هو قوي الهاء لانّه ادم الاوّل من الالف الف و الرابع هو كفّ الحكيم اي

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 195 *»

يد القدرة الظاهرة في مظاهرها الخمسة لكونها العيون المنفجرة و البروج المزيّنة بها السماء فاذا اضيف اليها العرش و الكرسي اي ظهور موسي بعصاه تمّت الكلمة بالحروف النورانيّة فظهر الوجه فاينما تولّوا فثمّ وجه اللّه فقام المنادي من اعلي الوادي فوق مقام اوادني انّ هذا صراط علي مستقيماً فاتّبعوه فاجابته القوابل بدواعي الاقتضاءات و السنة الاستعدادات مجتمعة الكلمة متّفقة اللغات بان «صراط علي حقّ نمسكه» يا بارئ السموات يا داحي المدحوّات فافيض عليهم من الفيوضات الوهّابيّة و العطايا الجواديّة و الايادي الرجائيّة عن يمين الخزائن الغيبيّة فاستقرّت و اتّصلت القابليّات بالمقبولات و الصور بالهيوليات فقامت بالامر الكائنات فهو الاسم الذي اشرقت به السموات و الارضون و صلح به الاوّلون و الاخرون فكانت المراتب الاربعة في الدعاء رتبة واحدة و العيون عيناً غير متعدّدة و هو قوله تعالي رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح بامره علي من يشاء من عباده فَهِم من فَهِم و اللّه ولي التوفيق فكان هو اوّل الاسماء و اخرها و ظاهرها و باطنها و سرّها و لبّها فهو الاوّل و الاخر و الظاهر و الباطن.

الاشراق الثالث: فاللّه حجاب «هو» و اول ظهوره في الالوهيّة الظاهرة بالمعبوديّة فتوجّهت اليه العباد في ايّاك نعبد في مناجاتهم و دعائهم في تذلّلهم و انكسارهم و لاشيئيّتهم فظهر صفات القدس و في تسميتهم ايّاه سبحانه باسمائه اللائقة بجلال قدسه ممّا وصفه لهم بهم فظهرت صفات الاضافة و في طلبهم العلم المنادي بالعمل و الهاتف به بلسان قابليّة الاعمال فظهرت صفات الخلق فاستقرّت كلّ هذه الصفات الثلثة علي اطوارها تحت هيمنة اللّه فكان جامعاً لها فكان اعلي الاسماء و اشرفها و اعظمها و مسمّي لماسواها اذ ليس وراء اللّه و وراءكم يا سادتي منتهي ماشاء اللّه كان و مالم‏يشأ لم‏يكن فلمّا استولت سلطان الالوهيّة و ملأت الامكان احتجبت بالرحمانيّة و اقيم العباد في مقام ايّاك نستعين استوي علي العرش خاصّة فلاشي‏ء اقرب اليه من شي‏ء

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 196 *»

فاجاب ما سألهم في الالوهيّة ان‏يسألوا بالعبوديّة بطلب العلم الهاتف بالعمل في العبوديّة فاعطي كلّ ذي‏حق حقه و ساق الي كلّ مخلوق رزقه اي المضاف اليه و هو قوله تعالي و اعطي كلّ شي‏ء خلقه ثمّ هدي فجاء ماقال سيّدي و مولاي روحي فداه يا من استوي برحمانيّته علي العرش فصار العرش غيباً في رحمانيّته كما كانت العوالم غيباً في عرشه محقت الاثار بالاثار و محوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار فاعان كلّ مستعين و اجاب كلّ مضطرّ و اقام الكلّ علي الصراط المستقيم فقبض قبضة بيمينه و اخري بشماله و ان كان كلتا يديه يمين المبيّن في قوله تعالي فمن يرد اللّه ان‏يهديه الاية و من يرد ان‏يضلّة الاية و هذا صراط ربّك مستقيماً قد فصّلنا الايات لقوم يعلمون فكان استقامة المعوجّ في الاعوجاج و المظلم في الظلمة قلب المؤمن بين اصبعي الرحمن فطلب السائلون الواقفون ببابه الفقراء اللائذون بجنابه الصراط المستقيم لانّه مقتضي الرحمن فوسع الكافر في الجحيم و المؤمن في النعيم اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم فتوجّهت العباد اليه تعالي في هذا المقام بالاستمداد والاستعانة فظهرت الصفات الاضافيّة و الخلقيّة فكلّ الاسماء علي اختلاف جهاتها تحت هيمنة هذين الاسمين الاعلين اللذين اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا قال اللّه تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن ايّاًما تدعوا فله الاسماء الحسني فلذا اختصا باللّه سبحانه و اجابهم لمّاقالوا و ما الرحمن أنسجد لما تأمرنا بقوله الحق الرحمن علّم القرءان خلق الانسان علّمه البيان فالاحديّة هي صفة الاحد و هو الحق المحتجب عن خلقه بظهوره لهم بالالوهيّة فهي الحجاب الابيض الاعلي و الواحدية هي صفة الواحد و هو الحق المحتجب عن خلقه بظهوره لهم بالرحمانيّة و هي الحجاب الاصفر و النور المشرق في جهة الشرق فبعد حجاب الرحمانيّة تكثّرت الحجب و تقابلت الاسماء لتقابل جهات الرحمانيّة فظهر اسم الرحيم و المنتقم و مالك يوم الدين و هو قوله تعالي نبّي‏ء عبادي انّي انا الغفور الرحيم و انّ عذابي هو العذاب الاليم فلذا اقيم الخلق في مقام الرجاء صراط الذين انعمت عليهم بمقتضي الرحيم و الخوف غير

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 197 *»

 المغضوب عليهم و لا الضالّين بمقتضي مالك يوم الدين فظهر بهما اسم الجمال و الجلال و الغفّار و القهّار و المحيي و المميت و الموجد و المهلك و المنوّر و المظلم و امثالها من الاسماء المتقابلة و كلّها جداول تجري من عين الرحمن هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح اجاج و هما الطتنجان و من كلّ تأكلون لحماً طريّاً لبقاء وجودكم و كينونتكم و تستخرجون حلية تلبسونها لصبغ ظاهركم و زين صورتكم علي الجهتين اما علي مقتضي الاصالة و التبعيّة اي ملاحظة التتميم لحكم التكميل ليكون اللحم الطري من الماء العذب الفرات المعاني الكليّة و الرقائق المعنويّة و الهياكل الصوريّة و الاشباح البرزخيّة يتغذّي به الانسان السالك الي عالم المعاني و البيان في سفره و اثناء طريقه ليتقوّي الي الوصول و لم‏يسكن في زاوية الخمول ليكون له بمنزلة البرقة و البراق و الرفرف فافهم و الحلية كتابته في كتاب الابرار في علّيين في الاجسام و الاشباح و الاظلّة و الارواح و الانوار و الاسرار في الملك و الملكوت و الجبروت و اللاهوت او علي مقتضي الاستقلال الذي هو عين الاضمحلال بالركون علي الشجرة المجتثّة التي مالها من قرار فيما لايزال ليكون اللحم الطري الاغتذاء بعكوسات تلك المراتب اي احكام الانكار و الشكّ و الجهل و الريبة و الوسوسة و السفسطة و الحلية هيكل النفاق المتكوّنة من الابخرة الصاعدة من طينة خبال جهنّم بل من السجّين كلاّ انّ كتاب الفجّار لفي سجّين فتمّت الفاتحة و الخاتمة و الماضية و الاتية من الاسماء المتقابلة المتعادية باتمام الفاتحة و علي من يعرف الكلام الفاتحة فدار الدور علي الكور و الكور علي الدور و الحمد للّه ربّ العالمين الي اخر السورة فافهم.

الاشراق الرابع: قد هان الخطب علي و سهل الامر في ابداء الاسرار و اظهار مكنونات الانوار لكنّها بعبارة يبعد عنها الاغيار و ينجلي بها عنها الاكدار فان وفّق احد لفهمها من الابرار فقدادّيت الامانة امتثالاً لربّي الكريم الستّار و الاّ فهي مخفية تحت الحجب و الاستار فابذل جهدك و شمّر عن ساق جدّك(جهدک)ربّما

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 198 *»

تخطب واحدة من تلك الابكار و اسأل اللّه التوفيق لذلك بالعشي و الابكار اذ قدعلمت مبدء الاسماء و الصفات و منشأ التجلّيات و الشئون و نسبة مراتب الاسماء في الدرجات و انّها تدور علي واحد في كلّ الحالات بجميع الجهات مع اختلاف الحيثيّات و الاعتبارات لانّه الحافظ صورته في التربيعات و التكعيبات اللتين هما منشأ تكثّر الوحدات لكن له وجوه علي حسب المتعلّقات و لها اختلفت التطوّرات و هو قوله تعالي و ان من دابّة الاّ هو اخذ بناصيتها انّ ربّي علي صراط مستقيم علي ظاهر الظاهر و علي الظاهر ايضاً و هو القائم علي كل نفس بماكسبت فلم‏تجد موجوداً او معدوماً مكوّناً او مذكوراً ذاتاً او صفة اسماً او معني جوهراً او عرضاً مجرداً او مادّيّاً بجميع جهاته و حيثيّاته و اعتباراته و كمّياته و كيفيّاته و حقائقه و مجازاته و حقائق حقائقه و مجازات مجازاته و كلّ ماله و به و منه و اليه و فيه و عنه و عليه و لديه و بالجملة كلّ حادث في كلّ حاله الاّ و متقوّماً باسمٍ من اسمائه تعالي يربّيه و ينشئه و يقيمه في مكانه و زمانه و جهته و رتبته و كيفه و كمّه و ذلك الاسم هو باب فيضه من استمداداته عن مبدئه و امداده ايّاه فالاسماء تختلف حسب اختلاف المتعلّقات علي قسمين كلي و جزئي و هما حقيقيّان و اضافيّان و ان كان الحقيقي من قبل الجزئي لايكاد يتحقّق فتكثّرت الاسماء فكلّ جنس يخصّ باسم و كلّ نوع يخصّ باسم و كلّ شخص يخصّ باسم فالاسم المختصّ بالجنس لها هيمنة و تسلّط علي كلّ الاسامي المختصّة بذلك النوع و الصنف و الشخص الي مالانهاية له و كذا المختص بالنوع كلي و قيّم علي ماتحته و هكذا و هو قوله7 في الدعاء و باسمك الذي رفعت به السموات و باسمك المكنون المخزون المكتوب الطاهر الذي الخ و باسمك السبّوح القدّوس البرهان الذي الخ و باسمك الذي ترتعد منه فرائص ملائكتك و بالاسم الذي مشي به الخضر الخ و باسمك الذي فلقت به البحر و باسمك الذي به احيي عيسي بن مريم الموتي و باسمك الذي دعاك به حملة عرشك و باسمك الذي دعاك به ذوالنون و باسمك الذي دعتك

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 199 *»

 به اسية و باسمك الذي دعاك به ايّوب و باسمك الذي دعاك به يعقوب و باسمك الذي دعاك به سليمان و باسمك الذي سخّرت به البراق لمحمّد9 الي غير ذلك من الاسماء و هذه الاسماء اجماليّة و تفصيليّة و قدشرح ذلك بمالامزيد عليه في مقام الاجمال في مقام التفصيل في الدعاء بعد كلّ ركعتين في صلوة الليل اسألك يا اللّه يا رحمن يا رحيم و باسمائك الحسني و امثالك العليا و نعمك التي لاتحصي و باكرم اسمائك عليك و احبّها اليك و اقربها منك وسيلة و اشرفها عندك منزلة و اجزلها لديك ثواباً و اسرعها في الامور اجابة و باسمك المكنون المخزون الاكبر الاعزّ الاجلّ الاعظم الاكرم الذي تحبّه و تهواه و ترضي به عمّن دعاك فاستجبت له دعاءه و حقّ عليك ان‏لاتحرم سائلك و بكلّ اسم هو لك في التورية و الانجيل و الزبور و الفرقان العظيم و بكلّ اسمٍ دعاك به حملة عرشك و ملائكتك و انبياؤك و رسلك و اهل طاعتك من خلقك ان تصلّي علي محمّد و ال‏محمّد و ان‏تعجّل فرج وليّك و ابن اوليائك و تعجّل خزي اعدائه فاشار الي الكلّ بعبارة مختصرة مجملة بابي هو و امّي.

تبييـن: و نحن نشير الي بعض الاسماء مفصّلاً لتعلم منه الباقي لكن اجهد في معرفة الاشارات و لاتجمد علي العبارات فانّها لاتوصل الاّ الي المجازات فنقول انّ الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الاجلّ الاكرم علي جهة الاطلاق هو «هو» لما اشرنا و المراد به هو (هنا خ‏ل) ما لوّحنا من حكم الكرة و هو المدار في كلّ الاغيار و به يدور الليل و النهار من ايّام الشأن و الايلاج و الادوار و الاكوار في الاطوار و الاوطار و اليه انتهت محيطات افلاك الانوار ماادري ما اقول و هو هو في الاعلان و الاسرار و هو السرّ المقنّع بالسرّ المجلّل بالسرّ المستسرّ بالاسرار و هو الكلي القيّم القيّوم المحيط علي الكل في عالم الاغيار و دام الملك في الملك ثمّ بعده في الاحاطة و الكليّة اسم الجلالة اللّه الظاهر بالمعبوديّة التي هي اوّل الفرق في ايّاك نعبد و اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله فاحاط بكلّ الاسماء و الصفات و هو العظيم الاعظم بالاضافة الي باقي التجلّيات في عالم الامكان و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 200 *»

الاكوان و الاسرار و الانوار و الارواح و الاشباح و الاجسام و الاعراض قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون ثمّ بعده في الاحاطة الرحمن علي مامرّ من البيان ثمّ تقابلت به الاكوان فتقابلت الاسماء (و خ‏ل) لمّا استدارت الاكوان علي كرتين متعاندتين متخالفتين احديهما علي التوالي و الثانية علي التعاكس كانت قطب الدائرة علي التوالي الاسم الاعظم المقوّم لها في رتبتها و مابعدها من الكرات النوريّة منتسبة اليه لكونها الكلمة الطيّبة التي هي كالشجرة الطيّبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء فتستند الي اللّه تبارك و تعالي و قطب الدائرة علي خلاف التوالي اي التعاكس نفسها من حيث هي لكونها الساجدة للشمس من دون اللّه فلنظرها الي نفسها استقلّت فاجتثّت فلاتستند الاّ الي نفسها فالكرات الدائرة بعدها بها و اليها و الاسماء تنسب اليها فانقسمت الاسماء تحت حجاب الرحمانيّة الي قسمين اسماء حسني فهي للّه و الي اللّه و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها. و كلمة اللّه هي العليا. و للّه المثل الاعلي و اسماء سوءي فهي للجهل و اليه و جعل كلمة الذين كفروا السفلي و ذر الذين يلحدون في اسمائه ان هي الاّ اسماء سمّيتموها انتم و اباؤكم ماانزل اللّه بها من سلطان و ذلك كما انّ تلك الذوات الخبيثة المجتثّة عكس تلك الذوات الطيّبة النوريّة كذلك تلك الاسماء الخبيثة ظلّ لتلك الاسماء الطيّبة و كلاهما كلّيان و جزئيّان و الثانية لاتتناهي فلانحيط بها.

فلنذكر الاوّل من القسمين و هو البديع و يقابله المرتاب في الالف و الباعث و يقابله المتوهّم في الباء و الباطن و يقابله المجتثّ في الجيم و الاخر و يقابله الاسفل في الدال و الظاهر و يقابله المخيّل في الهاء و الحكيم و يقابله العابث في الواو و المحيط و يقابله المختال في الزاء و الشكور و يقابله الكفور في الحاء و غني‏الدهر و يقابله فقرالزمان في الطاء و المقتدر و يقابله العاجز في الياء و الربّ و يقابله المفسد في الكاف و العليم و يقابله الجهول في اللام و القاهر و يقابله المهين في الميم و النور و يقابله الظلمة في النون و المصوّر و يقابله المهمل في السين و المحصي و يقابله الناسي في العين و المبين و يقابله المنكر في الفاء و القابض و يقابله المسوّل في الصاد و الحي و يقابله الميّت في القاف و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 201 *»

المحيي و يقابله المبطل في الراء و المميت و يقابله النكد في الشين و العزيز و يقابله الذليل في التاء و الرازق و يقابله الحادم في الثاء و المذلّ و يقابله الفاسق في الخاء و القوي و يقابله الضعيف في الذال و اللطيف و يقابله الغليظ في الضاد و الجامع و يقابله الناقص في الظاء و رفيع الدرجات و يقابله اسفل السافلين في الغين و هذا اخر مراتب الاسماء الكليّة و مقابلاتها و كلّ اسم كلّي و تحته من الاسماء مالايتناهي و امّا كونها تسعة و تسعين فهو جهة ظهور القاف المتنزّلة من مراتب الكاف كما مرّ و كذا مقابلاتها و اما كونها ثلاثمأة و ستّين فلاتمام دور القمر في الجوزهر بعكس مقابلاتها و امّا كونها الالف فلتمام الالف و انّ يوماّ عند ربّك كالف سنة ممّا تعدّون الم‏تر انّ الالف هي الالف و هو (هي خ‏ل) مراتب تطوّرات الاسم الاعظم في مراتب الاسماء و يشير اليه اسمها اي بيّناتها فافهم ان كنت تفهم و لذا قال اميرالمؤمنين7 انا الذي كتب اسمي علي البرق فلمع و علي الودق فهمع و علي الليل فاظلم و علي النهار فاضاء و تبسم و قال في الزيارة فمااحلي اسماءكم و قال نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها قال اللّه تعالي و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ذر الذين يلحدون في اسمائه بسيرهم في المراتب المعكوسة ناكسوا رءوسهم عند ربّهم الواقفين في مقام السراب المغرقين او السابحين في البحر اللجّي الذي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض قال مولينا الباقر7 مامعناه من امن بان سبيل اللّه هو علي7 و القتل في سبيل اللّه هو القتل في سبيل علي له ميتة و قتلة و اوضح من ذلك قوله تعالي قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون بملاحظة بيّنات الاسم الشريف فافهم التلويحات في طي الاشارات في طي العبارات تأخذ النصيب من المعلي و الرقيب قال مولينا7:

انّي لاكتم من علمي جواهره
  كيلا يري العلم ذوجهل فيفتتنا
و قد تقدّم في هذا ابوحسن
  الي الحسين و وصّي قبله الحسنا
و ربّ جوهر علم لو ابوح به
  لقيل لي انت ممّن يعبد الوثنا

 

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 202 *»

و لاستحلّ رجال مسلمون دمي
  يرون اقبح مايأتونه حسنا

و ممّا يشير الي ماذكرنا قول سلمان ياقتيل كوفان لولا قال الناس لسلمان واه واش رحم اللّه قاتل سلمان لقلت فيك كلاماً اشمأزّت منه القلوب يامحنة ايّوب قال7 أتدري مامحنة ايّوب؟ قال لا قال لمّاكان عند الانبعاث عند المنطق شكّ و بكي قال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي اللّه تعالي اليه ياايّوب أتشكّ في صورة انا اقمته انا ابتليت ادم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول امر عظيم و خطب جسيم فو اللّه لاذيقنّك من عذابي او تتوب علي بالطاعة لاميرالمؤمنين7 و هو سرّ شكّ يونس و يعقوب و ثبات عزم اولي العزم اذ لمّا ظهر سرّ الاسماء في القائم مقام الحق في الاداء عظم ذلك علي الانبياء و الملائكة السعداء حيث فقدوا الجهات من القدام و الوراء فثبت من ثبت و عصي من عصي و لقدعهدنا الي ادم من قبل فنسي و لم‏نجد له عزماً فتركوا الراجح و الاولي لامتثال امر الامر في المقام الاعلي فافهم ان وفّقت لهذا و اعرف سرّ التسبيح في الركوع و السجود سبحان ربّي العظيم و بحمده و سبحان ربّي الاعلي و بحمده سبحان من خضعت له الاشياء كلّها لا اله الاّ هو العزيز الحكيم.

الاشراق الخامس: الاسم الاعظم الاعلي علي اقسام و هي معنويّة و لفظيّة و كذا الاسماء كلّها فالاوّل علي انحاء قد علمت بعضاً منها و لانعيد و منها الكلمة التامّة المؤلّفة من اربعة احرف غيبيّة وشهوديّة وهي سبحان اللّه و الحمدللّه و لا اله الاّ اللّه و اللّه‏اكبر كما اشار اليها مولينا الكاظم و الاسماء اللفظيّة صور و شبح للمعنويّة و اسم لها لاتدلّ الاّ عليها فاسم اللّه اسم للظاهر بالالوهيّة الذي هو اسم اللّه و هكذا الرحمن فاعرف مسمّاهما ان كنت من سنخ الانسان كما اوضحت لك باكمل تبيان و لمّا كانت للاسماء تناسب بمسمّياتها كان كلّ اسم لمايناسبه و لمّاكانت اللغات علي انحاء شتّي ماظهر لنا الاّ قليلاً منها اختلفت جهات المناسبات فمنها ماتناسب باللغة الحقيقيّة و منها باللغة الحقّية فيصرف اهلها الي مايأنس به منها لاغيرها فيشمئزّ اذا سمع غيرها في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 203 *»

ذلك المعني لانّكم مااوتيتم العلم الاّ قليلاً و امّا العارف باللغتين و الواقف بين الطتنجين يعرفهما و اسرارهما و يتكلّم بهما لمن سبقت له العناية منهما فيراهما الشخصان متعارضين فيحتاج الي طرح ماينافيه من البين او ارتكاب تأويل بعيد شين و سرّ ذلك مااستجنّ في القلوب من الرين و المين و ان كانا عرضيين لكنّهما جعلا في الاكثر ذاتيتين حفظنا اللّه و ايّاك بالائمّة المصطفين و منه قوله7 يا قل هو اللّه احد و اسألك باسمك بسم اللّه الرحمن الرحيم و يا كهيعص و يا حمعسق فاضطربوا في المراد منها و ماعلموا انّ ذلك هو مفاد ساير الاسماء كقولك يا اللّه يا رحمن يا ربّاه علي اللغة الحقّية الالهيّة فانّ مجموع الكلمة الاولي اسم تام ان قلت من الاسم الاعظم صدقت اذ القاف اشارة الي القدرة الكاملة المبدئة بالكاف او اسم اللّه الجامع للاسماء كلّها علي جهة الشمول و الاحاطة الظاهرية عند تمام الاسماء الحسني و اللام اسم لذلك الاسم الاعظم الاضافي الكلي الجامع للاسماء الثلثين كما مرّ في الحديث او انّ القاف هو اسم اللّه الحي و اللام اسم اللّه العليم فيكون الاسم الشريف قل هو اللّه جامعاً لجميع مراتب الاسماء في الصعوديّة و النزوليّة معيناً لمواظبه و مداومه علي السفرين السفر من الخلق الي الحق بـ «قل» و السفر في الحق بالحق بـ «هو» و السفر من الحق الي الخلق بـ «الله» و السفر في الخلق بالحق بـ «الاحد» اي ملاحظة الوحدة في الكثرة كما هو شأن الاحد الذي به قوام الكثرة (الكثرات خ‏ل) فافهم و كن من اهل الثبات و يدلّ علي ماذكرنا لفظ القاف و اللام اذ قد تمّ بهما الاسفار الاربعة و دلّ الاسم علي مسمّاه بكمال المناسبة فكان القاف هي اسم رفيع الدرجات و اللام هو الجامع فافهم فهّمك اللّه و امّا البسملة ففيها روايتان احديهما تشعر بانّها الاسم الاعظم في عالم التدوين و ثانيهما عن الرضا7 انّها اقرب الي الاسم الاعظم من سواد العين الي بياضه و اجري كلامه بابي هو و امّي في التشبيه مجري ظاهر الظاهر علي مقتضي الطبيعة من غير ملاحظة الامور الخارجيّة فشبّه الاسم الاعظم بالبياض و البسملة بالسواد لكونه لون الحيات و الممات المناسب للروح و الجسد فانّ الاسم الاوّل الحي و الثاني المميت و لانّ البياض لون الماء

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 204 *»

الذي به حيوة كلّ شي‏ء في مقابلة الارض و انّ البياض بسيط و السواد مركّب فناسب التشبيه بحكم ظاهر الظاهر و يحتمل العكس فيجري مجري الباطن و امّا الاقرب من الملاصقة فقرب المداخلة و الغيبوبة كما انّ الانطباع اقرب من لمح البصر فيكون البسملة ظاهر الاسم الاعظم و هو سرّها و لبّها و ذلك هي الالفات المحتجبة في البسم و اللّه و الرحمن فالالف الاولي هي اللينيّة التي طولها الف الف قامة و بها قوام الحروف كلّها و هي مطويّة في النقش و الخط و اللفظ للاشارة الي امرين احدهما الي الاسم المكنون المخزون الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره المحتجب عن الخلق لعدم فاقتهم اليه في عين افتقارهم اليه كما مرّ و هذه الاشارة بالمظهر اي المحلّ اي موقع النجم مهبط التجلّي و الهيكل الالهي و ثانيهما الي الاحديّة المحضة الظاهرة للخلق بالخلق و المتجلّية لهم بهم و هو الاسم الاعظم للمقيّدات و قطب تلك الكرات الدائرات و وجه الذات البحت الباتّ و هو و ان‏لم‏يفقد الاّ انّه لايجد نفسه و لم‏يوجد عند من يجد نفسه لانّه دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فلايمكن الوصول اليها الاّ بماقال امير المؤمنين7كشف سبحات الجلال من غير اشارة و محو الموهوم و صحو المعلوم فلذا انطوت الالف المشار اليه في البسملة لفظاً و خطاً و هو الاسم الاعظم الذي يدركه و يحصّله الانسان بالرياضات و المجاهدات فيتصرّف بها في الكائنات قال تعالي اطعني اجعلك مثلي انا اقول للشي‏ء كن فيكون و انت تقول للشي‏ء كن فيكون انا حي لا اموت تكون حيّاً لا تموت و الالف الثاني هي الالف المتحرّكة القائمة الغائبة في اللّه خطّاً و نقشاً لا لفظاً و هي التي طولها الف الف ذراع و هي الوهيّة الحروف الاختراع الثاني كما يأتي ان‏شاء اللّه تعالي و هي الاشارة الي الاسم الاعظم الثاني الظاهر و انّما خفي خطّاً لا لفظاً للاشارة الي ماقال مولينا الباقر7 في الصمد بمفهوم المخالفة فينظر الي ماقال سيّدالشهداء روحي و اهلي له الفداء و عليه الاف التحيّة و الثناء يامن استوي برحمانيّته علي العرش فصار العرش غيباً في رحمانيّته او انّه خفي نقشاً لئلاّتصل اليه الاوهام و الاذهان و ظهر لفظاً لمشاهدته العارفون بظهوره

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 205 *»

بحقائق الايمان و الايقان لانّه من الاسم الظاهر لا المكنون كالاوّل و الالف الثالث (ظ) هي المتحرّكة المبسوطة التي طولها الف الف شبر و هي المحتجبة في الرحمن خطاً لا لفظاً لما ذكر في الالف الثاني حرفاً بحرف لكون الثاني نفس الاوّل قال اللّه تعالي و انفسنا و انفسكم فقال الم فالالف اشارة الي الاوّل القائم و الذي في اللام هو مانحن فيه قد ظهر فيها بصورته لكمال القرب بخلاف الميم فانّ الالف قد ظهر فيها راكداً لكمال بعده و هو الالف المذكور في الرحيم فتمّ الاسم الاعظم بالالفات الثلث و بالرابعة ايضاً و هي صورة معني البسملة فكان اقرب اليها من سواد العين الي بياضه فافهم.

امّا الرواية الدالة علي انّها هي الاسم الاعظم او مطلقاً فلمّا ثبت من تطابق التكوين و التدوين و لمّا كان الاسم الاعظم هو اوّل مظاهر الحق سبحانه في التكوين و البسملة اوّل مظاهره في التدوين لانّه قدتجلّي لعباده في كلامه و هي اوّل تجلّيه سبحانه في كلامه و لذا كلّ امر ذي‏بال لم‏يبدء فيه بها فهو ابتر عند ترتّب الاثر كما انّه لاشي‏ء اذا لم‏يبدء بها مطلقاً اذ الكلمات و العبارات كلّها ظهورات البسملة فلاتفقدها ابداً فافهم هو الاسم الاعظم و قدتمّ بها الحروف الاربعة المشار اليها في كلام مولينا الكاظم7 فكانت هي الكلمة التامّة الكلّية الحرف الاوّل هو لا اله الاّ اللّه اي سبحان اللّه اي التوحيد الحق في مراتبه الاربع بل المأة و ستّون و هو معني بسم اللّه الرحمن الرحيم لكونه الاحدية الظاهرة في الواحديّة و الثاني هو محمّد رسول اللّه اي الحمدللّه اي القائم بالتوحيد و هو الالف القائم المحتجب في بسم اللّه الرحمن الرحيم و الثالث علي ولي اللّه و الائمّة اولياء اللّه اي لا اله الاّ اللّه علي حدّ قوله تعالي و اذا قيل لهم لا اله الاّ اللّه يستكبرون و قال الحجّة عجّل اللّه فرجه فبهم ملأت سماءك و ارضك حتّي ظهر ان لا اله الاّ انت و هو الالف المبسوط المحتجب في الرحمن قال تعالي و عباد الرحمن الذين يمشون علي الارض هوناً الاية و هم اصحاب اليمين و قالوا اتّخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و هو قوله تعالي الرحمن علي العرش استوي. و اعطي كلّ شي‏ء خلقه ثمّ هدي و امره اليكم انّما

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 206 *»

 امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون فافهم و الرابع اوالي من والوا اي اللّه اكبر من قوله7 عريض الكبرياء لكونها ظاهر العظمة و هي ظاهر الجلالة و هي ظاهر البهاء و الجمال فيدخل فيه نور الستر المتجلّي لموسي علي جبل طور سيناء الي اخر المراتب و هو الالف الراكد المذكور في الرحيم و هو ظهور الالف القائم انّما ركد هنا دون الرحمن ليدلّ علي انّ الثالث هو عين الاوّل بخلاف الثاني فانّه ظهور من ظهوراته و لمعة من لمعاته فافهم او كن كما قال الشاعر:

فان كنت ذافهم تشاهد ماقلنا   و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنّا
و ما ثمّ الاّ ماذكرناه فاعتمد   عليه و كن في الحال فيه كما كنّا

فاذا استنطقت البسملة خطّاً يخرج اسم الحي الذي هو الاسم الاعظم كما مرّ و اذا استنطقتهما لفظاً يخرج الواحد فاذا تمّمتها بالاحد اي بالالف يظهر سرّ الاسم الاعظم فيخرج اسم الواسع و الودود و ينجلي عن وجه يا كهيعص حجاب المقصود و اذا استنطقت كلماتها المفصّلة تنطق بالسبع المثاني فيظهر وجه اللّه الباقي و يده العليا و يخرج اسم الوهّاب و الجواد فتنال بهما اعلي المراد و اذا استنطقت تربيع الكلمة الاولي منها مع باقيها تنفجر لك العيون الاثني عشر و تخرج الاسماء الاثني عشر التي هي الاركان الاثني عشر للاسم الاعظم الاكبر الذي هو بالحروف غير متصوّت كما مرّ و اذا استنطقت حروفها باسمائها و مسمّياتها تخرج يس و القرءان الحكيم و هو الاسم الاعظم و هو الالف المبسوطة المحتجب في الرحمن المتجلّي باثاره علي كرة القمر علي فلكه جوزهر فصارت له دورتان في احديهما قام الظهور فلايتزايد و يتناقص له النور نعم هو الزيادة من الدهور فتنجلي به كلّ الظلمات و تضمحلّ الغواسق المدلهمّات و اشار اليه بقوله تعالي و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابّة من الارض تكلّمهم انّ الناس كانوا باياتنا لايوقنون فافهم و في اخريها علي الزيادة و النقصان الي ان‏انخسف عند حيلولة الارض بينه و بين الشمس فبقي في الحيلولة الي شهر رجب اي انتشار الالف القائم بين الواوين الواقف بين الطتنجين فيأخذ في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 207 *»

الانجلاء فتردّ له الشمس مرّة اخري حتّي تملأ الارض نوراً و ضياء كما كانت ظلمة محضة اذا اخرج يده لم‏يكد يراها و هو قوله تعالي و واعدنا موسي ثلثين ليلة نصف السين و اتممناها بعشر و هو قوله تعالي و الفجر و ليال عشر و لتمام الثلثين فيكون المجموع ثمانين و هو الاشارة الي النسبتين في العود كالبدء كما بدءكم تعودون و هو مقدار طواف النور حول جلال القدرة الي ان‏وصل الي جلال العظمة ثمانين الف سنة و هنا اسرار كثيرة طويناها و ان ذكرناها لئلايخرجنا عما نحن فيه فافهم راشداً و اشرب عذباً صافياً و اذا استنطقتها بعد ردّ فروعها الي اصولها و الشئون الي مباديها باعتبار القوي اي الروح العددي مع ملاحظة النقطة التي هي تحت الباء تنطق بالعين وهو قوله تعالي كن فيكون فظهر الاسمان الاعلان المحتجبان في كن فتحقّقت الكاف فاستدارت علي نفسها فجرت العيون الاربعة منها فعين الماء الغيرالاسن من الميم في البسم و اللبن الغير المتغيّر طعمه من الهاء في اللّه و العسل المصفّي من النون في الرحمن و الخمر الذي هو لذّة للشاربين من الميم في الرحيم فظهر منه اسم العليم و فوق كلّ ذي‏علم عليم و قدعلمت انّ العلم عين المعلوم ففي العين اشارة و تلويح و الاولي بيان الاسماء المندرجة تحت ذلك الاسم الاعظم و بيان مراتب ذلك الاسم الاقدم و الاوّل يعرف بمتعلّقات الاسماء لماقال مولينا فما خفي في الربوبيّة اصيب في العبوديّة قال اللّه تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق الا انّه بكلّ شي‏ء محيط اي موجود في حضرتك و غيبتك الحديث و ذلك انّ مراتب الموجودات سبعة و هي الايّام السبعة و الاصول السبعة و كلّ يوم تمّ بعشر ساعات اي كل اصل خلق من عشر قبضات فتمّ عدد بسم اللّه الرحمن الرحيم و كلّ اصل يربّيه اسم فهذه الاسماء كلّها تحت هيمنة ذلك الاسم الكلّي و الثاني انّ اسم اليد و الوهّاب و الجواد تطوّرات ذلك الاسم و تعيّناته بل و مراتبه و لاشكّ انّ الثابت المشار اليه بالهاء في هو له ظهور تامّ في كلّ هذه المراتب فتستنطق منها العين فيتولّد منها كن و يصحّ الخبر عن فيكون و الثاني التلويح هو بيان نسبة قوّة و شرف ذلك الاسم

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 208 *»

الكلّي علي ماسواها من الاسماء و هي السبعون لقوله7 انّ الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر و معني ذلك انّ العلة هي الفاعل و هو ظهور الذات فلمّا ظهرت تثلّثت الظهور بالفاعل و الفعل و المفعول فحدث من الفاعل الحرارة و من المفعول البرودة و من الاوّل و الثاني الرطوبة و من الثاني و الاوّل اليبوسة فتسبّع الفاعل فجري الحكم في كلّ مابرز منه لكونه علي مثاله قل كلّ يعمل علي شاكلته و الفاعل لايوجد في رتبة ذاته و انّما هو في رتبة فعله التي هي رتبة مفعوله و الاّ لم‏يكن هو ايّاه فكان الفاعل مفعولاً و المفعول فاعلاً فاذا تنزّل في الرتبة الثانية يزيد علي المفعول بقوّة سبعين فافهم و لكنّه دقيق لاتهتدي اليه الاّ بالمشافهة او تطويل المقال و ذكر المقدّمات الكثيرة و الان ليس لي ذلك الاقبال و ليس الكتاب ايضاً علي ذلك المنوال حسبي اللّه في كلّ حال و اليه اعتصم في المبدء و المئال.

تذنيـب: اذ قد علمت انّ الاسماء اللفظيّة هي اسماء الاسماء لاتدلّ الاّ علي الحادث لانّ المخلوق ينتهي الي مثله و يلجأه الطلب الي شكله و الادوات انّما تحدّ انفسها و الالات تشير الي نظائرها فاذا صحّ ذلك صحّت المناسبة بين ذلك الاسم و مسمّاه لما تقرّر عندنا من المناسبة بين الاسم و المسمّي و المشابهة بين اللفظ و المعني فاذا عرفت ذلك فاعلم انّ الحروف لها ملاحظتان الاولي من حيث الافراد فهي اذن كلّ حرف اسم من اسماء اللّه تبارك و تعالي علي المعني الذي ذكرنا لك فافهم و قداشرنا الي بعض ذلك بانّ الالف اسم للبديع و الباء اسم للباعث و الجيم اسم للباطن و الدال اسم للاخر و علي هذا القياس الي اخرها كما تقدّم و ابان عن ذلك الامام7 بقوله «ا ب ت ث» الالف الاء اللّه و الباء بهجة اللّه و التاء تمام الامر بقائم ال محمّد صلّي اللّه عليهم اجمعين و الثاء ثواب المؤمنين علي اعمالهم الصالحة «ج ح خ» فالجيم جمال اللّه و جلاله و الحاء حلم اللّه عن المذنبين و الخاء خمول ذكر اهل المعاصي عند اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 209 *»

 «د ذ» الدال دين اللّه و الذال من ذي الجلال «ر ز» فالراء من الرءوف الرحيم و الزاء زلازل يوم القيمة «س ش» فالسين سناء اللّه و الشين شاء اللّه ماشاء و اراد مااراد و ماتشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه «ص ض» فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس علي الصراط و حبس الظالمين عند المرصاد و الضاد ضلّ من خالف محمّداً و ال محمّد: «ط ظ» فالطاء طوبي للمؤمنين و حسن مآب و الظاء ظنّ المؤمنين باللّه خير و ظنّ الكافرين به تعالي سوء «ع غ» فالعين من العالم و الغين من الغني «ف ق» فالفاء فوح من افواح النار و القاف قرءان علي اللّه جمعه و قرءانه «ك ل» فالكاف من الكافي و اللام لعن اللّه الكافرين في افترائهم علي اللّه الكذب «م ن» فالميم ملك اللّه يوم لا مالك غيره ويقول عزّ و جلّ لمن الملك اليوم ثمّ تنطق ارواح انبيائه و رسله و حججه فيقولون للّه الواحد القهّار فيقول جلّ جلاله اليوم تجزي كلّ نفس بماكسبت لاظلم اليوم انّ اللّه سريع الحساب و النون نوال اللّه للمؤمنين و نكاله بالكافرين «و هـ» فالواو ويل لمن عصي اللّه و الهاء هان علي اللّه من عصاه «لا ي» فـ لام‏الف  لا اله الاّ اللّه كلمة الاخلاص ما من عبد قالها مخلصاً الاّ وجبت له الجنّة و الياء يد اللّه فوق خلقه باسطة بالرزق سبحانه و تعالي عمّايشركون. و هذا تفسير الحروف في المزدوجة من حيث الاسميّة.

و امّا تفسيره في ابجد و وجه كونها اسماء فكما عن رسول اللّه9«ابجد» الالف فالاء اللّه حرف من اسمائه وامّا الباء فبهجة اللّه وامّا الجيم فجنّة اللّه و جمال اللّه وجلال اللّه وامّا الدال فدين اللّه وامّا «هوّز» فالهاء الهاوية ويل لمن هوي في النار و امّا الواو فويل لاهل النار و امّا الزاء فزاوية في النار فنعوذ باللّه ممّا في الزاوية يعني زوايا جهنّم و امّا «حطّي» فالحاء حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر و مانزل به جبرئيل مع الملائكة الي مطلع الفجر و امّا الطاء فطوبي لهم و حسن مآب و هي شجرة غرسها اللّه بيده و نفخ فيها من روحه و انّ اغصانها لتري من وراء سور الجنّة تنبت بالحلي و الحلل و الثمار متدلية علي افواههم و امّا الياء فيد اللّه فوق خلقه سبحان اللّه عمّا يشركون و امّا «كلمن» فالكاف كلام اللّه لاتبديل لكلمات اللّه و لن‏تجد من دونه ملتحداً و امّا اللام

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 210 *»

فالمام اهل الجنّة بينهم في الزيادة و التحيّة و السلام و تلاوم اهل النار فيمابينهم و امّا الميم فملك اللّه الذي لايزول و دوام اللّه الذي لايفني و امّا النون فنون و القلم و مايسطرون فالقلم قلم نور و كتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقرّبون فكفي باللّه شهيداً و امّا «سعفص» فالصاد صاع بصاع وفصّ بفصّ يعني الجزاء بالجزاء كماتدين تدان انّ اللّه لايريد ظلماً للعباد و امّا «قرشت» يعني قرشهم فحشرهم و نشرهم الي القيمة و قضي بينهم بالحق فهم لايظلمون  هـ. و هذا مااشار اليه من بعض الاسماء الحسني و امّا الاختلاف فمن جهة غيبتها و شهادتها فانّها اسم بصورتها و معناها و مقامها فيختلف الاسماء المدلول‏عليها بها فالالف الاسم منه من حيث ظاهره و من حيث باطنه كما في «و» هو غيب لايدرك و يحيط بملك و لايملك و الباء ظاهر تسبيب و حكمه ترتيب و الاسم منه من حيث ظاهره بديع و من حيث باطنة جامع و الجيم جلال و جمال و جمع و اجمال و الاسم منه من حيث ظاهره جليل و من حيث باطنه موجد و الدال الاسم منه الدائم و هكذا الي اخر الحروف و لمّاكان كلّ حرف اسماً من اسمائه تعالي و هي المربية في العالم العلوي و السفلي كان كلّ مؤثّر علي مااستجنّ فيها من تأثير ذلك الاسم بحسبه اذا رتّبت علي مقتضي الوضع الواقعي و هو علي انحاء كثيرة معلومة عند اهله و نشير اليها فيما بعد ان‏شاء اللّه تعالي و الثانية و هي ملاحظة الاسماء اللفظيّة من حيث التركيب و هي علي اللغة الظاهريّة و الباطنيّة فالاولي هي الاسماء الحسني المأثورة عن ائمّة الهدي و الثانية هي تلك لكنّها علي خلاف المتعارف مثل يا قل هو اللّه احد و يا كهيعص و يا حم عسق و باسمك بسم اللّه الرحمن الرحيم و امثال ذلك و كلا القسمين لها خواص مختلفة تنفعل لها الاشياء اذااستعملت علي الوجه المقرّر عند العلماء من كيفيّة ترتيبها و استعمالها و ذكرها و حملها و نقشها باسمها او بمسمّاها او بقواها و اعدادها و بسطها بالبسط الحرفي و البسط العددي و بسط التضارب و بسط الترفّع باقسامه من الحرفي و العددي و الطبيعي و البسط

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 211 *»

الغريزي و الطبيعي وغيرذلك الي الاقسام الاثني‏عشر و استخراج الخدام العلوي و السفلي منها امّا من نفس الاسماء بملاحظة قواها و استنطاقها و الحاق الملحق العلوي و السفلي ففي الرتبة الاولي يخرج الملك الاوّل و في الثانية الثاني و في الثالثة الثالث و في الرابعة الخليفة و في الخامسة الرئيس الحاكم علي الكلّ في الطرفين و امّا برسم ذلك الاسم في الشكل و اخذ مفتاحه و مغلاقه و عدله و وفقه و مساحته و ضابطه و غايته و اصله الكلّي المحمول عليه المراتب و هو البيت المتّخذ من الجبال و من الشجر و ممّايعرشون و اسقاط عدد الملحق من العلوي و السفلي و الحاقهما و استنطاقه يخرج الملك الاوّل و الشيطان المقابل مع الاسم المشاكل و بحمل مغلاقه علي اصله الكلّي و الالحاق و الاسقاط و الاستنطاق يخرج الملك الثاني و شيطانه و بحمل عدله علي اصله الكلّي و الاسقاط و الالحاق و الاستنطاق يخرج الملك الثالث و يقابله شيطانه و بحمل وفقه علي اصله و الاسقاط و الالحاق يخرج الملك الرابع و شيطانه السافل و بحمل مساحته عليه يخرج الملك الخامس و شيطانه و بحمل ضابطه عليه كذلك يخرج الملك السادس و شيطانه و بحمل غايته عليه يظهر الملك السابع و شيطانه و هو الحاكم علي الجميع و الرئيس عليهم ملكاً و شيطاناً فتمّ السبع طرداً و عكساً فدارت السيّارات علي الاراضي السافلات و لقد اتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم من حشر في زمرة ولد السابع ادخله اللّه النار خذوه فغلّوه ثمّ الجحيم صلّوه ثمّ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه انّما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون وهكذا في جميع الاسماء و الاشكال و قدذكر في محالّها فليرجع اليه و نذكر ان‏شاء اللّه تعالي بعض القواعد فيمايأتي لتكون علي بصيرة فيما ذكرنا فافهم فانّي قد اشرت الي اغلب الاسرار ممّا لايتيسّر الاظهار الاّ انّها تحت الحجب و الاستار اوصيك ايّها الناظر بالتأمّل و السكينة و الوقار و لاتعجل اذا اظلم عليك بعض تلك الانوار و لاتسارع يا قرّة عيني الي الانكار فانّ ماذكرنا كلّها قد استفدنا من اثار الائمّة الاطهار عليهم سلام اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 212 *»

بالاعلان و الاسرار و لو شافهتك لاريتك مالاتدركه الابصار ببركة الاستضاءة من تلك الانوار ماكتموها عن الاغيار و مامزجوا الصافي بالاكدار حفظاً لها عن الاشرار عليهم سلام‏اللّه مااختلف الليل و النهار.

الباب الثالث

في الوجود المطلق و التعيّن الاوّل و الرحمة الكليّة و الشجرة الكليّة و النفس الرحماني الاولي و المشيّة و الارادة و الابداع و الاختراع و الكاف المستديرة علي نفسها و الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و الحقيقة المحمّدية و الولاية المطلقة و الازليّة الثانية و عالم فاحببت ان‏اعرف و المحبّة الحقيقية و الحركة بنفسها و صبح الازل و عالم الامر العلم المطلق مجمع الذوات الاحديّة و مقام الواحديّة البرزخية الكبري الغيب الثاني الرابطة بين الظهور و البطون غاية الغايات و نهاية النهايات مرجع الذوات و منتهي تعلّقات الصفات حقيقة الحقائق الظاهر الاوّل و التجلّي الاوّل و المتجلّي بالتجلّي القابليّة الاولي و الاسم الاعظم و الاسم المكنون المخزون المستقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره النور الازلي مؤيّس الايس مظهر الليس السرّ المقنّع بالسرّ البحر المحيط الاوّل عالم اللانهاية قطب دوائر البداية و النهاية القدرة الواسعة الرحمة الشاملة رتبة الواحديّة مقام العلم اذمعلوم و السمع اذمسموع و البصر اذمبصر و القدرة اذمقدور ينبوع الافاضة منبع الانارة ادم الاكبر الاوّل الواحد التامّ البسيط الكامل «بسم اللّه الرحمن الرحيم الا له الخلق و الامر تبارك اللّه احسن الخالقين». «انّما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و ماامرنا الاّ واحدة كلمح بالبصر و ما خلقكم و لابعثكم الاّ كنفس واحدة هو الذي جعل لكم من انفسكم ازواجاً و من الانعام ازواجاً يذرؤكم فيه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار و ماتشاؤن الاّ ان‏يشاء اللّه» قال مولينا اميرالمؤمنين7 «هو منشئ الشي‏ء اذ كان الشي‏ء من

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 213 *»

مشيته» و قال مولينا الصادق7 «خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها» و قال مولينا الرضا7 «الارادة من الخلق الضمير و مايبدو لهم بعد ذلك من الفعل و امّا ارادة اللّه فاحداثه لاغير لانّه لايروّي و لايهمّ و لايفكّر و انّما يقول للشي‏ء كن فيكون بلالفظ و لانطق و لاكيف لذلك كما انّه لاكيف له» و قال7 «المشيّة و الارادة و الابداع معناها واحد و اسماؤها ثلثة» و قال7«المشيّة خلق ساكن لاتدرك بالسكون» و قال مولينا الصادق7 «كنّا بكينونته كائنين غيرمكوّنين ازليّين ابديّين» قال اللّه تعالي «عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون» قال7 «نحن محالّ مشيّة اللّه و السنة ارادته» قال7 «نزّلونا عن الربوبيّة و قولوا فينا (في فضلنا خ‏ل) ماشئتم و لن‏تبلغوا» قال اللّه تعالي «سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق» قال مولينا الصادق7 «العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة فمافقد في العبوديّة وجد في الربوبيّة و ماخفي في الربوبيّة اصيب في العبودية قال اللّه تعالي سنريهم» الاية الحديث و تظهر من افق هذا الباب لاولي الافئدة و اولي الالباب لمعات من الانوار المشرقة من صبح الازل و لكلّ لمعة اشراقات:

اللمعة الاولي

في الحدوث و القدم و نسبة الوجود الي العدم و معني السابق و المسبوق. قال اللّه تعالي «كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه» و «قل اللّه خالق كلّ شي‏ء» قال7 «كلّ مايصدق عليه اسم شي‏ء ماخلا اللّه فهو مخلوق» و قال7 «كان اللّه و لم‏يكن معه شي‏ء» و تشير الاخبار الي انّه الان علي ماعليه كان و قال7 في الدعاء «و اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم» قال7 في الخطبة في النبي9«استخلصه في القدم علي سائر الامم اقامه مقامه في عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار» قال7 «و لم‏يكن خلواً من ملكه قبل انشائه» و لهذه اللمعة اشراقات:

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 214 *»

الاشراق الاوّل: قالوا الحادث ماسبقه العدم فهو مسبوق بالعدم اقول العدم ان كان شيئاً فهو امّا حادث او قديم فان كان الحادث قد سبقه العدم فتدور الكلام فيه علي فرض وجوده و حدوثه فتذهب السلسلة الي مالانهاية له و ان لم‏يكن شيئاً لايكون سابقاً لكونه صفة وجوديّة بالبديهة فيفتقر الي موصوف تقوم به امّا في الصدور او في التحقق او في الظهور او في العروض و كلّها مستحيلة اذ الاوّل يستلزم الحدوث و كيفيّته هي المتنازع فيها و البواقي تحتاج الي امور اقوي من نفسها وجوداً و تحقّقاً و ان قلت اني اتصوّر بعد ماوجد و تأصّل سبق العدم قلـت اثبات الشي‏ء للاخر فرع ثبوت المثبت‏له فان كان المثبت‏له ثابتاً فجاء ماقلنا و الاّ بطل الاثبات علي انّا قد ذكرنا لك سابقاً مكرّراً مردّداً انّ تصوره ممتنع لانّ الادراك اثر النفس و الاثر لايكون مناقضاً لمؤثّره و الاّ لايكون اثراً و لايتعلّق الشي‏ء الاّ بمايناسبه و يصلح له و لامناسبة بين الوجود و العدم المحض فيمتنع التصوّر فان كان قد وجد الاثر لا من شي‏ء فلاتسمّه عدماً فانّ العدم لم‏يوجد و لن‏يوجد و لم‏يتعلّق به جعل و هو سرّ قوله7 خلق الاشياء لامن شي‏ء كما يزعمون انّ‏اللّه خلق الوجود و الموجود من العدم و لامن شي‏ء كما يزعمون كما نبيّن لك و لعمري انّهم بين افراط و تفريط مع عموم قول مولينا الصادق7 كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و قوله7 في النفي انّه شي‏ء مع انّ العدم ان لم‏يكن شيئاً فلم‏يكن الحادث مسبوقاً بشي‏ء فلايسبقه شي‏ء فقد اثبتّم معني القدم للحادث من حيث لاتشعرون و السرّ في ذلك انّهم ماميّزوا بين الحق و الخلق و مااثبتوا لكلّ صفته فجعلوا بعض اياته ارباباً و اتّخذوا بعض مصنوعاته صانعاً و توهّموا الازل فراغاً واسعاً فجوّزوا و قدّروا الهاً اخر و انّه كان واقفاً ساكناً ثمّ تكلّم و نطق و فعل و يتصوّرون بينهما فضاء واسعاً خالياً و يسمّونه عدماً سابقاً فقالوا ماقالوا و حكموا ماحكموا.

ولو قلّدوا الموصي اليه امورهم   لزمّت بمأمون عن العثرات

و امّا ماورد في بعض الخطب و الادعية من انّه تعالي خلق الموجودات من العدم

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 215 *»

كقولهم كل ماسبقه العدم لحقه العدم و سبق الكون ازله و العدم وجوده و غيرها ممّايوهم صحّة ماذهبوا اليه في معني الحدوث فليس المراد منها كما توهّموا اذ لاتناقض في اخبارهم صلّي اللّه عليهم اذ الشي‏ء الواحد لايناقض نفسه بل المراد منها مالايخالف قولهم: ماتقدّم ان كلّ ما ميّزتموه باوهامكم الخ و النفي شي‏ء و لم‏يتصوّر احد شيئاً الاّ و قد خلقه اللّه قبل ذلك حتّي لايقال لم لم‏يخلق ذلك و العدم لاذكر له و لاوصف له عندهم فكيف يوصفونه الاّ انّهم: يطلقون العدم علي العدم الامكاني كما قال عزّ و جلّ هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‏يكن شيئاً مذكوراً قال مولينا الصادق7كان مذكوراً في العلم و لم‏يكن مكوّناً و هو الذكر المراد في قوله تعالي بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون و قال تعالي افلايذكر الانسان انّا خلقناه من قبل و لم‏يك شيئاً مع ثبوت مذكوريّته في العلم فمرادهم: بالعدم ليس العدم المطلق لعدم تعلّق العلم به مع ما برهنّا عليه من انّ العلم عين المعلوم و انّ العلم بالشي‏ء انّما يكون في مقام ذلك الشي‏ء كيف و قد اخبر الحق سبحانه عن ذلك بقوله ام تنبّئونه بمالايعلم و مااظنّك تدّعي للامام مقاماً فوق مقام الربوبيّة و ان كنت تدّعي لنفسك لانّك اذاً منقطع مجتثّ بخلاف المعصوم فانّه اخذ بحجزة نبيّهم و هو9 اخذ بحجزة اللّه.

قاعـدة: اذا اطلق العدم في كلمات هداة الامم فالمراد به احد الامرين بل هما معاً في‏المئال احدهما العدم الاضافي اي العدم في رتبة الاخر و ان كان هو وجودٌ مستقل كالجسم عند الروح و هو عند العقل و هو عند الوجود البسيط اي الدالّة (الدلالة خ‏ل) و هو عند المشيّة و هو عند اللّه سبحانه و تعالي فكل شي‏ء وحده لا معه غيره و الان علي ماعليه كان فهو عدم فهو وجود فهو نور فهو ظلمة فالعدم جزء قابليّة الوجود و به تأصّل في البروز و الشهود فلولا العدم لم‏يثبت لشي‏ء قدم و لولا الوجود لكان ذكر العدم ايضاً عدم و هو قوله تعالي الذي خلق الموت و الحيوة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 216 *»

 ليبلوكم ايّكم احسن عملاً فاذا تمّت خلقته بقي في الكون رتبته و هو مخلوق حادث و اللّه سبحانه هو الباعث الوارث و ثانيهما العالم العلمي الامكاني الاعيان الثابتة في العلم الحادث الخلقي فانّه كما ذكرنا مكرّراً عدم بالنسبة الي العالم الكوني كيف لا و قد قال الامام7 انّ اللّه لم‏يكن خلواً من خلقه قبل انشائه فحيث بطل مازعموا فالمستفاد من اثار اهل بيت العصمة و الطهارة انّ الحادث ماسبقه الغير و مفتقر اليه و معتمد عليه و متقوّم به موجود بايجاده و يأتي الاشارة الي بيانه ان‏شاء اللّه تعالي.

الاشراق الثاني: القديم يطلق عند اهل‏البيت: علي امور منها السابق بستّة اشهر حتّي عاد كالعرجون القديم و منهاالسابق علي الزمان و الزمانيّات اللهمّ انّي اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم اذا اريد المطلق يشمل الملكوت و الجبروت او يخصّ بالاجسام و لا شكّ انّ مباديها من عالم الغيب لامتناع اتّصاف الجزئيّات به و منها السابق علي المقيّدات في وعاء الثابت الباتّ استخلصه في القدم علي سائر الامم و هو قبل ان‏يذوق روح القدس الباكورة في جنان الصاقورة و هو قبل الدهر فانّ مبدأه من العقل اوّل ما خلق اللّه ملك له رءوس بعدد رءوس الخلائق اوّل ماخلق اللّه القلم و وجه التأخّر انّه من الملائكة المنزل عليه و هو لايكون الاّ عينه او انزل منه لامتناع تنزّل العالي الي السافل الاّ بنفسه الذي هو كنه العالي له كنهه تفريق بينه و بين خلقه و انّه قد ذاق الباكورة في الجنان الصاقورة من تلك الحديقة المعمورة فهو قبل القبل و له قبل فافهم و منها المستقل الثابت المتحقق المتأصّل الغير المستند الي شي‏ء و الغير المعتمد علي شي‏ء و الغير المتقوّم بشي‏ء و الغير الصادر عن شي‏ء و الغير الخارج من شي‏ء و الغير المنتهي الي شي‏ء و هو القديم الحق الثابت الازلي الابدي فعرفنا من تلويحات كلماتهم سلام اللّه عليهم صحّة اطلاق القديم علي كل سابق

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 217 *»

بالنسبة الي لاحقه سبقاً اضافيّاً ليكون القدم اضافيّاً و لمّا كان الاطلاق مجازياً احتاج الي قرينة و ان كانت حقيقة بعد حقيقة فلاينصرف الاطلاق الاّ الي القديم علي الاطلاق و لامانع من ذلك و لادليل علي امتناع ما هنالك و لمّا كانت الكرات الوجوديّة متطابقة مترتّبة فلاضير لو سمّيت العليا قديمة مع كونها حادثة مفتقرة زائلة هالكة و قولي قديمة اريد بها معناه الحقيقي المعروف مع حدوثها و فقرها و لاتنافي في ذلك لا ان‏يتوهم المجاز كما هو توهم اهل المجاز.

الاشراق الثالث: دع عنك العبارات و اعرض عن الالفاظ و المفهومات فانّها لاتوصل الي المعارف و لاتفتح بها ابواب الحقائق و اللطائف و لايدلّ الاّ علي الزخارف بل انظر الي المعاني الصرفة و الحقائق المحضة و اتّخذ منها بيوتاً فاسلك سبل ربّك ذللاً يخرج من بطون مشاعرك شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس و هدي و رحمة لقوم يؤمنون انظر الي حقيقة الحق في الكون ان الموجود اثنان واجب و ممكن و من جهة الاصدار و الايجاد فاعل و مفعول و لايكون فاعلاً الاّ بفعل و لمّا كانت صور الاعمال اي القابليّات كما نبيّن لك ان‏شاءاللّه تعالي مركّبة من جهات ستّة كما هو شأن الفروع بالنسبة الي الاصول و منها الوقت و هو امتداد الوجود كانت الاوقات مختلفة حسب اختلاف الموقّتين فوقت للفعل ظهور الفاعل و وقت للحقائق المجرّدة و وقت للصور الجسمانيّة الملتئمة من المادة و الصورة كذلك و انكار اختلاف هذه الثلثة مكابرة و انكار اختلاف اوقاتها بعد ثبوت انها من العلّة الصوريّة مجازفة فلم‏يبق الاّ ان نسمّي كل وقت باسم لتظهر غاية الاسم و تتميّز الاشياء فسمّينا وقت المادّيات زماناً و وقت المجرّدات دهراً و وقت الفعل سرمداً لما ظهر لنا من تلويحات الاخبار و دلالة صحيح الاعتبار كما نبرهن عليه في مقامه ان‏شاءاللّه و النقض باطلاق السرمد علي اللّه سبحانه مدفوع بارادة الفاعل كما تقول هو اللّه الخالق البارئ مع الاتفاق بانّهما من صفات الافعال و انّها غير الذات و حادثة بها و لاشكّ انّ هذه الاوقات الثلثة كلّها حادثة لكنّها علي الترتيب الوجودي الذي هو الشرع

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 218 *»

الكوني و الكتاب الالهي فحدث السابق قبل وجود اللاحق و زمان كونه سبق زمان كونه فكان السابق قديماً بالنسبة الي لاحقه فصار الحادث علي اقسام كالقديم احدها الحدوث الزماني و هو حدوث عالم الملك من الاجسام بمراتبها الثلثة من المحدّد الجهات الي الارض السابعة السفلي و معني حدوثها في الزمان انّها خرجت و حدثت مصاحبة له متّصلة معه الاتصال الذاتي المساوق لا انّ الزمان كان قبل حدوث الجسم و لا انّ الجسم كان قبل الزمان كما زعموا بالقول بانّ الزمان منتزع من حركة الفلك و ثانيها الحدوث الدهري اي القديم الزماني و هو حدوث عالم المجرّدات بمراتبها الخمسة في مقاماتها و امكنتها و حدودها بنحو ما مرّ في الزمان لانّه روحه و ثالثها الحدوث السرمدي اي القديم الدهري و هو حدوث الفعل بمراتبه الاربعة في مقاماته الخمسة في درجاته الثلثة و اركانه الاربعة في مقام المحبّة و رتبة الولاية و الحدوث الذاتي يشمل الجميع بجهتيه الحقي و الحقيقي فالقديم الازلي هو المتفرّد بالقدم و هو القديم السرمدي فانقطعت الحوادث دونه و عدمت الوجودات لديه و امتنعت الامكانات عنده كما امتنع شريكه فهو ابداً وحده في ديموميته و قيوميته و ازليته و لاشي‏ء معه كان اللّه و لم‏يكن معه شي‏ء و الان هو علي ما عليه كان و قديطلق الزمان علي مطلق الوقت كما قيل في قوله تعالي و كان عرشه علي الماء انّ الماء هو الزمان و هو نهر (بحر خ‏ل) يجري تحت جبل الازل و يسير الي ما لانهاية له و قد يطلق الدهر علي مطلق الوقت كما في قوله تعالي و ما يهلكنا الاّ الدهر الاّ انّ ما ذكرنا اوّلاً هو المعروف المشهور و في الكتب و الدفاتر مزبور و مسطور و عليه تحمل الاخبار و تؤل الاثار و امّا السرمد فلايعمّ ابداً و لايطلق الاّ علي ذلك الوجود و صرف الشهود كمانشرح لك ان‏شاءاللّه تعالي فيما بعد فافهم ماذكرنا و ترقّب لما سيأتي.

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 219 *»

الاشراق الرابع: الذي يقول انّ العالم حادث زماني ان اراد به الاجسام عالم الملك ان اراد اجزاءها و جزئيّاتها صدق و لاشكّ فيه و ان اراد مجموعه من حيث هو هو فلم‏يصدق فانّه من هذه الحيثيّة يدور علي العلة البسيطة لاالي جهة فله من حيث ذوبانه و اتّحاد الاجزاء المتباينة دورة دهريّة و سرمديّة فحدوثه دهري بخلاف الاجزاء فان دورانها علي جهاتها و تعلّقاتها كالشجرة فلايكون حدوثه زمانياً فيرجع الكلام في التفصيل الي ما تقدم من اختصاص كل حادث بما هو عليه في وقته من الزمان و الدهر و السرمد و ان اراد به العالم مطلقاً من حيث انّه كرة واحدة و اراد بالزمان ما هو ظرف للاجسام المعروف بين العوام من المدد الجسميّة فغلط فاحش و ان اراد به الوقت مطلقاً في عموم ارادة العالم فان اراد انه خلق في الوقت مصاحب معه و مساوق له في الظهور و البروز فحق لاشك فيه و ان اراد به الوقت اي المدة الفاصلة بين الوجود و الامكان ثم اوجد الاشياء فذلك الوقت اما ان‏يكون ازلاً او سرمداً او دهراً او زماناً فان كان ازلاً فهل هو اللّه سبحانه او غيره ظرف له فان كان الاول فما حصل فصل لانه ذاته تعالي و لافصل بين الشي‏ء و ذاته و ان كان الثاني كانت ذاته سبحانه مظروفة فغيرها احاط بها و وسعها و لقدمه تعدد القدماء و منه حدث التركيب الموجب للفناء و ان كان سرمداً كان حادثاً و يسأل عن معني حدوثه و كيفيته هل بفصل ام لا و لعمري ان ذلك لايعقل ابداً بوجه الاّ لمن جعل الازل اوسع من الواجب سبحانه و لو فرض ذلك يلزم الاتّصال المحال لاستلزامه زوال اللايزال فالقول بان بين اللّه و بين خلقه فصل غلط علي كلّ حال لانّ الفاصلة هي المانعة بالاستقلال و الفرق بينه و بين الحجاب واضح لمن عرف المقال مع مايلزم علي فرض حدوث الفاصلة و قدمها من المحال و الاختلال و لاتتوهم انا بعد ما منعنا الفصل اثبتنا الوصل كلا و ليس هناك اتصال و لاانفصال فان الاول يورث التشبيه و الثاني يستلزم الاعتزال و هذا شأن القادر الجبار ذي‏الجلال مع ان كل اثر ثابت له تلك الحال الم‏تنظر الي السراج و الاشعة و الشخص و مايصدر عنه من الافعال فان اتصلت انفصلت و ان انفصلت امتنع له الانفعال تأمل فيها فانها ايات اللّه تتلي

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 220 *»

عليكم بالغدوّ و الاصال مع ان الاتصال يستلزم الاستقلال و كون المتّصلين في صقع واحد في المبدء و المئال و الانفصال يحجب نفوذ النور في جميع جهات المعلول في كل الاحوال فانف عن ربّك الاتصال و الانفصال فانهما من صفات الحوادث و يورثان الاضمحلال فالحدوث الزماني بالمعني المعروف عندهم من اسخف الاقوال و هو باطل في كل حال بل لايتصور و لايتعقل فضلاً عن الاحتجاج و الاستدلال.

تبصـرة: و لاجل هذا القول السخيف استظهر رئيس المشكّكين في المقال و اورد عليهم شبهة حكموا بانّها غير مندفعة و لامرتفعة في حال من الاحوال و هي انّ الحوادث و المخلوقات لاتخلو ان وجدت بعد القديم بازمنة متناهية او غيرمتناهية و الاوّل يستلزم التحديد المستلزم للتركيب و الثاني ان لايوجد شي‏ء الي الان و الاّ يلزم تناهي الزمان هذا خلف فاضطربوا و تزلزلوا في حلّها الي ان اقرّوا بالعجز و ماقدروا ان يهيّئوا لها حشواً من الرأي و هي تلزمهم بعد القول بان بين اللّه و بين خلقه زمان فاصل كان اللّه فيه و لم‏يكن معه شي‏ء ثمّ خلق الخلق في زمان اخر لكن علي مااصّلنا و شيّدنا و ايّدنا اندفاع ما قال هيّن جدّاً بالمنع من الاتّصال اذ ليس بينه و بين خلقه وصل و لا له عليها فضل فاذا بطل الوصل بطل السؤال بالتناهي و عدم التناهي فاللّه سبحانه قبل الخلق و بعده بعين ذلك القبل و قبله بعين ذلك البعد فهو قبله بما لايتناهي و بعده بما لايتناهي و معه بما لايتناهي و خلقه في نفسه لايتناهي و هو سبحانه قبل ما لايتناهي بما لايتناهي فانّ التناهي و الابتداء و الاوّلية و الاخريّة كلّها من خلقه محدثة بصنعه فهو سبق النهاية و فعله سبق البداية التي هي عين النهاية فلايوصف بها اذ لايجري عليه ما هو اجراه اذن لاتّحد الخالق و المخلوق و الصانع و المصنوع و المنشئ و المنشأ (المشي‏ء و المشاء خ‏ل) تعالي ربّنا و تقدّس عن ذلك علوّاً كبيراً.

الاشراق الخامس: الحق الحقيق بالتحقيق و التصديق هو انّ اللّه سبحانه واحد احد في كينونة ذاته المقدّسة الشريفة و لاشي‏ء معه فيها و لايستند اليها و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 221 *»

لايذكر فيها ثمّ احدث الكائنات من الممكنات و المكوّنات في مراتبها و اماكنها و اوقاتها من غير سبق رتبة و مكان و وقت و الاّ لكانت قديمة و القول بتخلّل العدم بين الواجب و الممكن سوفسطائي لانّ العدم الصرف لايحضر (لايحجز خ‏ل) بين حاضرين (حاجزين خ‏ل) و لايتوسّط بين وجودين و لايتّصل بالوجود و لا يناسب الفقدان المحض الشهود و انما هو عدم و امتناع في الازل و هو لايتغيّر عمّا هو عليه فالعدم السابق هو الان باقٍ ما اتاه لاحق و لن‏يأتيه و الحادث هلاك محض و فناء صرف الاّ بالمحدث الموجد واقف ببابه سائل بفقره من جنابه لاشيئية له و لاتذوّت و لاتحقّق في حال من احواله من مبدئه و معاده و امكانه و وجوده و ماهيّته و كل ما له و به و منه و كل ذلك قائم به تعالي قيام صدور كالكلام للمتكلّم فانّه في كلّ حال و ان لاشي‏ء الاّ باصدار المحدث ايّاه لست اقول بقدم الاعيان الثابتة و لابقدم المشيّة و الارادة و لابقدم الامكان و لا بقدم العدم و غيرها بل اقول بحدوث كلّ ماسوي اللّه سبحانه لكنّه بفعله في اماكنه و اوقاته و لا كاللوازم الذاتيّة و لا كالاشراقات الشمسيّة و السراجيّة و لا كالتوليدات الاستجنانيّة و لا كالصور المرءاتيّة و لا كالامواج البحريّة و لا كما يقوله ذوق المتألّهين و لا كالصوفيّة المتعسفين بل لانّه سبحانه خلقه لا من شي‏ء و لالشي‏ء و اخترعه اختراعاً و ابتدعه ابتداعاً لابفصل وقت و تخلّل زمان و توسط عدم ذلك تقدير العزيز الحكيم.

ازالة وهـم: و لاتتوهّم انّي اقول بقدم العالم حاشا ربّي ان‏يكون له مشارك في القدم بل انّما بيّنت معني الحدوث و ان لامعني للحدوث الاّ هذا و لايتصوّر الاّ هكذا الاّ ان‏تقول بحدوث الاجسام الزمانيّة المفصّلة و قدم غيرها او قدم تلك المدّة و ذلك الوقت او العدم المتصوّر اذ لم‏يتصوّر الاّ شيئاً فيتصورون قبل الخلق فضاء واسعاً و يجعلون القديم في طرف منه و يسمّونه العدم ثمّ يتصوّرون خلق الخلق في اخر نهايات ذلك الفضاء و لاينبّئك مثل خبير و هذه كلّها امور موجودة و البراهين العقليّة و النقليّة عليها قائمة كما سبقت و تأتي ان‏شاءاللّه تعالي.

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 222 *»

تعجّـب: و بعض منهم ضاق عليهم المنهج لما في القول بالفصل و الوقت الموجود من القبايح تفصّوا منها الي القول بالزمان الموهوم و ليت شعري ماهذا هل هو شي‏ء واقعي حق صدق ام كذب و انتزاع وهمي فانّ المتصوّر في الذهن حين انتسابه الي الخارج لايخلو عنهما فان كان الاوّل فما نفعه هذا الوهم و ان كان الثاني فكما نقول و كذا الذي زعم انّ علّة الحاجة الي العلّة هي الحدوث و هو مسبوق بالعدم و العلّة متقدّمة علي معلولها فانّه فاسد لانّ الحاجة الي العلّة ان كانت عدميّة فلاتحتاج الي العلّة في عدميّتها لتحصيل الحاصل مع انّه لايتصور ابداً فان كانت وجوديّة فعلّتها اولي بذلك فاذا كان الحدوث هو العلّة فهل واجب ام لا و الثاني حاجته علّة الحاجة فان عدت الاوّل عدنا الي ان تنتهي الي نقص الحدوث فكان الحدوث وجودياً فهل هو واجب ام لا فان كان الاوّل فيتناقض و ان كان الثاني فما علّة حاجته الي العلّة فان عدتم عدنا حتي يتسلسل او تقول انّ العلّة هي نفس الحدوث فاذاً مايضرّك لو قلت بانّ علّة الاحتياج نفس المعلول فان قلت انّه عدم فلايكون علّة قلت كالحدوث حرفاً بحرف و هذا كلام الزامي لاحقيقي و كذا قول من زعم انّه ينصر القول بعدم الفصل بين الفاعل و المفعول بان علّة الاحتياج هو نفس الامكان فان فيه ان الامكان ان لم‏يكن شيئاً سقطت علّيته و لايصحّ فرض العلّية و المعلوليّة في العدمين مع انّه لاتمايز بين الاعدام و لااختلاف و لا تجري فيها الاحكام فان كان شيئاً كان الكلام في حدوثه و قدمه كما ذكرنا انفاً فان قلت انّه شي‏ء و هو اعمّ قلت قدسبق القول في مساوقيّته للوجود بل عينيّته معه فلانعيد.

و حقيقة الامر انّ الاثر المعلول لايملك لنفسه شيئاً لاضرّاً و لانفعاً و لاموتاً و لاحيوةً و لا فقراً و لاغني و لاكمالاً و لانقصاناً بل كلّ ما له و به و منه و اليه و عنه من احواله و صفاته و اعتباراته و جهاته و حيثيّاته كلّها من العلّة و عنها و بها و الوجه في ذلك من العقل و النقل اما الاوّل فلانّ الاثر ليس شيئاً الاّ ظهور المؤثّر و هو قبل اشراق المؤثّر و تجليه ليس شيئاً و لاذكر له ابداً ليقتضي الاقتضاء او الفقر او السؤال او الطلب فلمّا ظهر المؤثر بظهوره اختلف ظهوره بالاعمال و الحدود المتأخّرة عن

 

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 223 *»

الظهور و المساوقة معه في الظهور فلمّا تمّ الظهور بقابليّة الحدود تمّ فقره و سؤاله مساوقاً له و لذا ترانا نقول انّ اللّه سبحانه امر الخلق ان‏يسألوه اذ لو لم‏يكوّنهم امتنع سؤالهم و طلبهم لفقرهم فسألوه ان‏يسألهم فاجابهم و سألهم لمّا اجابوه بان يسألهم فقال لهم الست بربّكم و هذا ظاهر ان‏شاء اللّه تعالي و اما الثاني فالايات و الاخبار فيه لاتحصي كقوله تعالي ادعوني استجب لكم و قوله7 اللهمّ انّي ادعوك كما امرتني فاستجب لي كما وعدتني و قوله7 و انا الفقير المسكين و المستكين الذي لايملك لنفسه نفعاً و لاضرّاً و لاموتاً و لاحيوةً و لا نشوراً و امثالها كثيرة فالعلّة هي علّة افتقار المعلول اليها و لاضير فيه كما هو الواقع فالحق سبحانه هو الذي امكن و افقر و كوّن و عيّن و قدّر و قضي و امضي فافهم و اشرب عذباً صافياً هنيئاً.

عبـرة: انظروا يا اولي‏الابصار الي الذين مااستمسكوا بالعروة الوثقي التي لاانفصام لها كيف تذهب بهم الريح يميناً و شمالاً فذهب طائفة الي انّ ماسوي اللّه سبحانه مسبوق بالعدم سبقاً زمانيّاً فبقي الحق سبحانه لم‏يوجد شيئاً ثمّ ابتدأ و اوجد العالم بارادة و الاّ يلزم ان‏يوجد حوادث لااوّل لها و هو يستلزم القول بفعليّة وجود الغير المتناهي المستحيل و الزيادة فيما لاتتناهي اذا تجدّد حادثاً و هو يستلزم التناهي هذا خلف و الجواب اما عن الاول فبالتزامها عند اللّه سبحانه و تعالي و منعها عند انفسها و عند بعضها مع البعض فانّها من الافراد الغير المتناهية و هي في نفسها متناهية اذ لايستلزم تناهي زيد تناهي افراد الانسان لو فرض انّها لاتتناهي و اللّه سبحانه محيط بما لايتناهي بما لايتناهي الم تنظر الي قوله9 جفّ القلم بما هو كائن و لاينافي هذا الجفاف جريانه و رطبيّته بالنسبة الي بعضها مع بعض و معرفته حظّ المؤمنين الممتحنين و ظهر من ذلك الجواب عن الثاني فان التجدّد و الزيادة انّما هي في افراد اللاتناهي فان ماسيكون كائن عند اللّه سبحانه و هو سبحانه احاط بما كان و ما هو كائن و ما سيكون من الازل الي الابد الذي هو نفس ذلك الازل دفعة واحدة و ان تجدّدت الاشياء و تزايدت بنسبة بعضها مع بعض و هو قوله9 بعد ما قال

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 224 *»

جفّ القلم و قال له السائل ففيم العمل قال اعملوا و كلّ ميسّر لما خلق له و قال7 فان الدعاء من القدر فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم.

ثمّ انّ هذه الفرقة اذا طولبوا بعلة تخصيص حدوث العالم بالوقت الذي حدث فيه دون غيرها من الاوقات التي يمكن فرضها مما لايتناهي قبله او بعده افترقوا الي قائل بالتخصيص لوجود علة ذلك التخصيص غير الفاعل و هي مصلحة تعود الي العالم فهو علي جهة الاولويّة دون الوجوب و الي قائل بالتخصيص علي سبيل الوجوب و امتناع الحدوث في غيره و الي قائل بعدم التخصيص خوفاً من العجز عن التعليل و هو غير مقيد بحين بل بفعل الفاعل و لايسئل عن لم و كلّ هذه طرق الضلالة و سبل الغواية و الجهالة و ان هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لاتتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله.

اما الاولي فلانّ تلك المصلحة اما موجودة او معدومة و الاوّل يسئل عن حدوثه و قدمه و عن مبدء حدوثه فان تسلسل الجواب تسلسل السؤال و الثاني هل هي من اقتضاء ذلك العدم او للعلم الازلي علي زعمهم بوجودها هناك و الاوّل ظاهر البطلان لان الاقتضاء وصف وجودي للمقتضي فيتناقض مع العدم الصرف و يستحيل و الثاني اما ان‏يعلم انه يوجدها في ذلك الوقت فرجع الامر الي الفاعل هذا خلف مع انّه ايضاً يسئل عن علّة التخصيص بذلك الوقت مع تساوي نسبته مع كل شي‏ء او يعلم بحصولها هناك اذا اوجد العالم فان كان لاعن جعل فغلط فان كان عن جعل جاء الخلف و ان كان بترتيب الاسباب و دوران بعضها علي بعض فهو ايضاً يرجع الي الفاعل الجاعل لانّه جعل الاسباب اسباباً حتّي ترتبت (يترتب خ‏ل) عليه المسبّبات و هو المالك لما ملّكهم و القادر علي ما اقدرهم عليه فافهم و تفطّن الاّ ان‏يقول بانّ الوقت موجود فيقتضي فهو كما ذكرنا و اما الثانية فتعرف مما قلنا بان علة الوجوب ان كانت راجعة الي الفاعل فيلزم الترجيح من غير مرجّح لتساوي النسبة بالنسبة الي الفاعل و ان كانت الي العالي فيلزم وجوده حين عدمه و لاوجوده حين وجوده

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 225 *»

و اما الثالثة فانهم قداستراحوا عن مؤنة النقض و الابرام و الجدال و الالزام بعد ما جوّزوا الترجيح من غير مرجّح و نفوا الحسن و القبح العقليين و جوّزوا التكليف بما لايطاق لم‏يبق الاّ ان‏يقال لهم اذن ليس الحق سبحانه حكيماً اذ وضع الشي‏ء في موضعه يوجب ان‏تكون للاشياء اقتضاءات لان الرحمن علي العرش استوي فتلك اما حسنة او قبيحة ان اللّه لايغيّر ما بقوم حتّي يغيّروا ما بانفسهم فافهم و سيأتي الكلام فيه ان‏شاء اللّه الرحمن.

و ذهبت طائفة اخري بعدم السبق الزماني لكنّهم قدالتزموا بما هو اقبح من الاولي و قالوا ان واجب الوجود بذاته واجب الوجود في جميع صفاته و احواله الاولية و ارادوا بها ما لايتوقف وجوده علي غير ذاته تعالي ككونه قادراً و فاعلاً و عالماً و هذا شرك باللّه سبحانه لان صفة الفعل الذي هو اسم الفاعل قدجعلوه عين الذات تعالي و تقدّس فتوجّه اليهم ما قال مولينا الصادق7روحنا له الفداء من عبد الاسم و المسمّي فقد اشرك و عبد اثنين.

تحقيق الحـق: فالحق انّ اللّه سبحانه خلق الخلق و احدث الحوادث لا من شي‏ء و لا في شي‏ء و انّما اخترعها و ابتدعها و لم‏يكن لها اصل من غير تخلّل عدم بين الحق سبحانه و بين خلقه و لااقتران و لا  اتّصال و قدقال7لم‏يكن اللّه خلواً من ملكه قبل انشائه و قال7 في هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‏يكن شيئاً مذكوراً اي كان مذكوراً في العلم و لم‏يكن مكوّناً و قدسبق منا انّ العلم الذاتي لا معلوم فيه و هذه المذكوريّة ليست الاّ في العلم الحادث اي العلم السابق بالاشياء الذي هو قبل الخلق و بعد الخلق و مع الخلق و قدصرّح بذلك انّه المشية فقال7 انّ علم اللّه السابق المشيّة و قداثبتوا حدوثها ببراهين جدليّة و لوّحوا باشارات حكميّة و قدقال مولينا الصادق7كنّا بكينونته كائنين غير مكوّنين ازليّين ابديّين و قدقال اميرالمؤمنين7 انا الازليّة الثانية و صاحب الازليّة الاوّليّة و قال7 في الدعاء كان قديماً قبل القبل في ازل الازال و اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم و قوله7 استخلصه اللّه في القدم علي سائر الامم و قال

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 226 *»

7 و لايقال كان بعد ان لم‏يكن فتجري عليه الصفات المحدثات و لايكون بينها و بينه فصل و لا له عليها فضل فيستوي الصانع و المصنوع و يتكافي المبتدع و البديع و امثالها من الاخبار كثيرة جدّاً مع انّ العقل القاطع الضروري يشهد بامتناع الفاصلة و استحالتها و ان يكون الازل غير ذاته سبحانه مع مايلزم حينئذ من تعطيل الحق سبحانه عن الافاضة و بسط الجود من غير مانع اذ لامانع للواجب في فعله بعد عدم المصلحة الاّ الشريك و المصلحة المسبّبة عن اقتضاءات الاسباب بما رتّبها اللّه سبحانه قبل الخلق معدومة فلم‏يكن المانع الاّ الضد و هو سبحانه متعال عن ذلك و لعمري ان هذا هو القول بان يد اللّه مغلولة اذ لافرق بين من يدّعي ذلك في هذه الاوقات او قبلها من الاوقات للخلق و الايجاد اسألك يا هذا هل‏كان اللّه سبحانه قبل ذلك الوقت المدعي تعباناً فاستراح او ناقصاً فكمل او منتظراً فانجز او ممنوعاً فاهمل (فامهل خ‏ل) سبحانه سبحانه سبحانه عمّا يقوله الجاهلون رحمته واسعة و قدرته بالغة و جوده عظيم و خيره عميم لايتفاوت له وقت دون وقت او زمان دون زمان او عدم فان نوره يمحق الظلمات و قدرته تطرد العدمات مالكم لاتعقلون و كأنّ منشأ اشتباه بعض العلماء منا انّما هو لظواهر بعض الاخبار و الايات الدالة علي سبق العدم و اثبات الاوّلية لاوّل العالم مع انّها كلّها شرح لما ذكرنا و بيان لما اصّلنا و استنادنا بعد العقل القاطع الضروري تلك الاخبار المتقدّمة فان غيرها يؤل اليها و لا كذلك العكس و الطرح بعد الصحة تكذيبٌ و منعها تكذيب اخر للقاعدة القطعيّة الالهيّة و التقيّة ممّا لاسبيل لها اليها و هي مثل قوله7 كان اللّه و لم‏يكن معه شي‏ء و قال7 ان قيل كان فعلي تأويل ازليّة الوجود فبطل الزمان الفاصل و قوله تعالي او لايذكر الانسان انّا خلقناه من قبل و لم‏يك شيئاً و قال تعالي هل اتي علي الانسان حين من الدهر فاثبت مذكوريّته في الامكان و لا شيئيّته في الاكوان و امتناعه و عدمه في الازل فبطل الوقت الفاصل و قدقال مولينا الرضا7 اما الواحد فلم‏يزل واحداً كائناً لاشي‏ء معه بلا حدود و لا اعراضٍ و لايزال كذلك و قال7 في تفسير اللّه اكبر و كان ثمّة شي‏ء فيكون اللّه اكبر منه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 227 *»

 وليتهم تأمّلوا في قوله7 كان قبل القبل بلاقبل و بعد البعد بلابعد فلو كان بينه و بين خلقه زمان كان قبلاً بذلك القبل و لم‏يصدق بلا قبل و لايكون القبل عين البعد و مثل قوله7 و لاقوي بعد ما كوّن الاشياء و لاكان ضعيفاً قبل ان‏يكون شي‏ء و قال7 في هذا الحديث و لاكان خلواً من الملك قبل انشائه و لايكون منه خلواً بعد ذهابه فاعتبروا يا اولي الابصار انّكم خلقتم للبقاء لاللفناء و انّما تنتقلون من دار الي دار و الجنّة و النار لانفاد لهما و لاانقطاع ابداً دائماً سرمداً لااله الاّ هو العلي الكبير و امّا الاجماع المدّعي فالقدر المسلّم هو ان الخلق لم‏يكن ثمّ كان و ان اللّه قبل الخلق و بعد الخلق و اما هذا التفسير اي القبليّة الزمانيّة فمما اخترعه بعض جهال المتكلّمين و تبعهم في ذلك طائفة من العلماء من غير تعمّق في كلمات الائمّة الهادين فوقعوا فيما وقعوا من الظن و التخمين و لايغرّنك كثرة روايتهم الاخبار فان الرواية من غير الدراية مسقطة عن الاعتبار حديث تدريه خير من الف ترويه اذ ربّ حامل فقه و ليس بفقيه و ربّ حامل فقه الي من هو افقه منه فان وفّقت لمعرفة ماذكرنا و وقفت علي حدود مااصّلنا فقد اهتديت فان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‏ء ممّا تجرمون و الاّ فلاتنكر فذره في سنبله و ردّه الي اهله لئلاّتكون من قوله تعالي بل كذّبوا بما لم‏يحيطوا بعلمه و لمّا يأتهم تأويله.

اللمعة الثانية

في العلل الاربع و القيامات الاربعة. قال اللّه سبحانه و تعالي «أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّيك رجلاً» و قوله تعالي «و ماخلقت الجنّ و الانس الاّ ليعبدون»، «كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف» و لهذه اللمعة اشراقات:

الاشراق الاوّل: لمّا اقتضت الاشياء مقتضياتها المسبّبة من هياكلها و هيئاتها

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 228 *»

القائمة باصولها و عناصرها و اسطقساتها المتأصّلة بمؤصّلها و موجد ارتباطاتها حصلت ثلثة لاتتمّ الاّ بها و لذا تثلّثت لتثلّث مباديها و المقتضي قسمان احدهما فرع و الاخر اصل و دليلهما القوة و الفعل فما اقتضاه من حيث فعليّته و كماله فاثر معلول و ما اقتضاه لمظهريّته و محليته فعِلّة او شبه علّة كالسراج للانارة و الشجرة للاثمار و الثاني في الحقيقة ليس مقتضياً و انّما هو ظهوره و هو غيره فآل الامر الي واحد و لمّا كان الفعل لايقصد الاّ لمقتضاه و ترتّبه عليه و الاّ فهو هو و مايخصّه يخصّه لم‏يصل الي الغير منه شي‏ء فلايتصوّر فعله لولاه سيّما من الفاعل المختار لا الذي يفعل بالاضطرار ان سلّمناه بالفرض و الاعتبار فتقوّم ايجاده و احداثه بالاربعة و ان تقوّم وجوده بالثلثة و الرابعة به و لمّا كان المفيد للشي‏ء يكون علّة له كانت العلل اربعة في كل مايصدر عن الفاعل المختار و لايمكن غير ذلك و دعوي امكانه غير مسموعة و التمثيل بالبسيط الصادر عن المختار للمتخلّف عن العلتين غريب جدّاً بعد اتّفاقهم بانّ الممكن كله زوج تركيبي و ليس الاّ بالمادّة و الصورة و كلاهما حادثان ففاعله هو فاعل اجزائه فاين التخلّف فثبت بالبرهان المعقول عند كل انسان ان كلّ ما برز في الوجود و خرج الي الشهود يكون مصاحباً بهذه الاربعة الحدود حدّ الي الشرق و حدّ الي الغرب و حدّ الي الجنوب و الاخر الي الشمال و المجموع علل و ان كان احدها معلول و هي الفاعليّة و الماديّة و الصوريّة و الغائيّة فافهم و لكل منها اجزاء و شرايط و متممات و مكمّلات علي سبيل منع الخلو فيها كما يأتي بيانه ان‏شاء اللّه تعالي.

الاشراق الثاني: في العلّة الفاعليّة العلّة ما بها افادة المعلول و قوامه و تمامه من حيث هو معلول في المراتب الاربعة فهي اعم من الفاعل مطلقاً فكلّ فاعل علّة و كل علّة مرتبطة بالمعلول و المفعول مستند الي الفاعل فبينهما التساوق و التضايف و ان كان احدهما متقدّماً بالذات الاّ ان في عالم التقدم و العلوّ له التفات الي المتأخّر السافل و العلوّ المطلق يقتضي بلااقتضاء عدم المعلول

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 229 *»

السافل و ان كان ذكراً اذ كلّما تنزّه ذيل العالي عن لوث الغير علي اي انحائه اكمل و اعلي بل الكمال علي الاطلاق لايكون الاّ هذا و المخالف غافل ذاهل او معاند او جاهل فالذات المنزّهة عن كلّ شوب الكثرات منزّهة عن الفاعليّة و العلّية في كل الحالات كيف لا و ان الفاعليّة مقام الواحديّة و لاريب انّها متأخّرة عن مقام الاحديّة و متفرّعة عليه و ثبوتها دونها لايمكن ابداً و دعوي احدية الفاعل لاتصدر الاّ عن الجاهل الا تري اني اذا سألتك عن الفاعل أهو من صفات الذات ام لا مايمكنك تختار الاوّل و الاّ لما قلت لم‏يفعل كما مرّ فثبت انّ العلّة ليست هي الذات البحت فلم‏يدّع انّها العلّة الاّ من اخذته العلّة شفاها اللّه سبحانه بالرأفة و الاّ بالرحمة الواسعة فالفاعل هو ظهور الذات بالفعل لاالذات فانك لاتسمّيها فاعلة الاّ حال الفعل و ظهورها به كالكاتب و النجار فالاسم للظهور لانّ الاسم هو الظهور و الاسم غير المسمّي و عالم اللفظ طبق عالم المعني اذ الذات ليست سهلة المؤنة حتّي تختلف باختلاف الاثار بل الاسماء مختلفة باختلاف الاطوار و الذات لم‏تزل واحدة في الاكوار و الادوار و الاسماء تتزايد و لاوقوف ما اختلف الليل و النهار من اليوم المتحقّق من صبح الازل و الليل من الغاسق المدبر المقبل فلانهاية للاسماء لانّه ماتجلّي في صورة مرّتين لانّ الطرق الي اللّه بعدد انفس الخلايق و الذات ليست الاّ واحدة بدونها فالفاعل هو ظهور الذات فاذا نسبت الظهور الي الظهور فيكون الاوّل نفس الثاني اذ لاينتهي الظهور الي الذات قطعاً و التسلسل باطل كذلك فلم‏يبق الاّ ما ذكرناه فظهور الذات لظهورها ليس الاّ بنفسها و هو لايستند الي الذات ابداً اذ الشي‏ء لايستند الاّ الي مبدئه و هو ماظهر له به فيه و ليس للغير في الغير الاّ الغير فلو كان الشي‏ء بذاته في غيره لم‏يكن ايّاه و لما كان الغير غيراً ايضاً فالمستند هو الجهة التي بها الاستناد و ليس الاّ ظهور ذات المستنَد (بالفتح) للمستنِد (بالكسر) لانّ الشي‏ء انّما ينتهي الي نفسه و لاريب في انتهاء المستنِد الي المستنَد فلو كان هو الذات ما صحّ الانتهاء الي النفس ابداً فافهم هذاالسرّ المكنون لكنّه دقيق جدّاً و هو لعمري اوسع من الارض و السماء لايعلمه الاّ العالم او من علّمه ايّاه العالم فان

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 230 *»

قلت الفاعل هو الذات كذبت بل كفرت بل اشركت و ان قلت غيره اعزلت و اطلب الحق بينهما

هذا الذي ترك الاوهام حائرة   و صيّر العالم النحرير زنديقا

لكنّك لو طلبت الحق من اهل الحق الذين ائتمنهم اللّه امر الخلق تجده واضحاً و نوراً لايحاً و برهاناً قاطعاً و بدراً لامعاً و اللّه ولي التوفيق و بيده ازمّة التحقيق.

تبيـان: فاذا تأمّلت حق التأمّل و امعنت حق النظر و حدّدت البصر رأيت ان ليس للذات ظهور سوي الفعل لكون الظهور حركة الي المظهر و المحرك (خ‏ل) هو الظاهر و هي ليست الاّ الفعل فلمّا ظهرت الذات فالظاهر بالظهور هو الفاعل و الظهور هو الفعل و المظهر هو المفعول و المجموع في الظهور الاوّل متّحد و انّما هو شي‏ء واحد فكان الظهور عين الظاهر و هو عين المظهر في الفاعل فكان الفاعل هو عين القابل لاكما يزعمون اهل الظن و التخمين من الكلية في كلّ فاعل و قابل ليجروا حكم الوحدة في كلّ ذرّة بل هذا الذي ذكرنا لتصحيح حدوث الفاعل و بيان مخلوقيّته في نفسه فاتحاده بجهة قبول ذاته و فاعلية الحق ايّاه تعالي ذكره و فعله تعالي للمقرر و المحقق من انّ كلّ حادث له مؤثر و كل مؤثر له تأثير لانّ الفاعل هو عين مفعوله القابل لفعله بحكم الوحدة بل لنا ان‏نتمشّي هذا الكلام بعمومه مع ملاحظة الصدق اللفظي بين الموجودات الواقعة في السلسلة الطوليّة الاّ انّ الافهام لادراكه قاصرة و ربّما يفهمون خلاف المرام و يستوجبون بذلك غضب الرحمن مع اني لوّحت اليه سابقاً و انفاً ايضاً يفهمه من امامه التسديد و التأييد.

الاشراق الثالث: يااخواني اسمعوا مااتلو عليكم من غرايب الكلام لتعلموا

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 231 *»

و تشاهدوا انّ من التمس غير باب الهدي باباً فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق فانهم قالوا الفاعل قسمان مختار و مضطر و كل منهما ثلثة اما الاول فالاول منها الفاعل بالقصد و هو الذي يصدر عنه الفعل مسبوقاً بارادته المسبوقة بعلمه المتعلق بغرضه من ذلك الفعل و يكون نسبة اصل قدرته من دون انضمام الدواعي و الصوارف الي فعله و تركه في درجة واحدة و الثاني الفاعل بالعناية و هو الذي يتبع فعله علمه بوجه الخير فيه بحسب نفس الامر و يكون علمه بوجه الخير كافياً لصدوره عنه من غير قصد زايد علي العلم و داعية خارجة عن ذات الفاعل و الثالث الفاعل بالرضا و هو الذي يكون علمه بذاته الذي هو عين ذاته سبباً لوجود افاعيله التي هي عين علومه و معلوماته بوجه اي اضافة عالمية بها هي بعينها نفس افاضة لها من غير تعدد و لاتفاوت لا في الذات و لا في الاعتبار  الاّ بحسب اللفظ و التعبير و مثّلوا للثالث بالنفس بالقياس الي تصوراتها و توهماتها و (خ‏ل) بالنسبة الي قواها الجزئية و تركيبها حتي تنتزع الطبايع من الشخصيات و تستنبط النتايج من المقدمات اذ ليس لتلك القوي ادراك ذواتها لكونها جسمية و التجسم من موانع الادراك و ليس بالاستخدام لانه لايتمّ الاّ بادراك جزئي لمايستخدم و مايستخدم فيه فالنفس تدرك الالات المنبعثة عنها بنفس ذاتها المدركة و مثّلوا للثاني بفاعليتها بالقياس الي مايحصل منها بمجرد التوهم و التصور كالسقوط من الجدار المرتفع الحاصل منها من تخييل السقوط و القبض الحاصل في جرم اللسان المعصر للرطوبة من تصورها للشي‏ء الحامض و للاول بفاعليتها بالقياس الي مايحصل منها بسبب البواعث الخارجية كالكتابة و المشي و غيرهما و اما الثاني فالاول منها الفاعل بالطبيعة و هو الذي يصدر عنه فعل بلاعلم منه به و لااختيار و يكون فعله ملائماً لطبعه و الثاني الفاعل بالقسر و هو الذي يصدر عنه فعل بلاعلم منه به و لااختيار و يكون فعله علي خلاف مقتضي طبيعته و الثالث الفاعل بالتسخير و هو الذي يصدر منه فعله بلااختياره بعد ان

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 232 *»

‏يكون من شأنه اختيار ذلك الفعل و عدمه و مثّلوا للثالث بفاعلية النفس الصالحة الخيرة لفعل القبايح و للثاني بفاعليتها للحرارة الحمائية و المرض و السمن المفرط و الهزل و للاوّل بفاعليتها لحفظ المزاج و افادة الحرارة الغريزية في البدن و الصحة و امثال ذلك.

و هذا ملخص ماقالوا لكنهم اقتصروا علي القشور و جمدوا علي الظواهر مع مايدّعون من كونهم اصحاب الحقايق و المعارف و لم‏يفرّقوا بين الاختيار و اثره و لم‏ينظروا الي النبي و خبره و لا الي الامام و اثره و لم‏يعرفوا ان الاختيار هو اثبات الميلين اي ثبوتهما المتعارضين المتخالفين في الشي‏ء الواحد فان كان قدرته قوية يظهر منه اثار الميلين و الاّ فالغالب غالب و المغلوب يحتاج الي معين خارجي و الحجر ينزل باختياره بلافرق الاّ انه في صعوده يحتاج الي معين فيصعد حسب قوة المعين و الفرق بين المعين و القاسر بيّن و سريان نور الوجود الذي هو عين الادراك و الشعور و الشهود في كل اقاليم الممكنات ظاهر فالاختيار في كل مخلوق متحقق  الاّ انه علي حسب القرب و البعد و الخفاء و الظهور و لمّا كان الجماد اخر مقامات النزول اختفي فيه ذلك النور فاحتجب عن الغيور و ظهر منه فيه كما قال7 ان الرعد صوت ملك اكبر من الذباب و اصغر من الزنبور فاين الاضطرار و كيف يمكن ان‏يكون الممكن مضطراً في التشريع و التكوين و سنشرح لك ذلك باوضح براهين فبطل التقسيم و لايكون الفاعل الاّ مختاراً و لايكون القابل  الاّ كذلك لكونه فاعل فعل الفاعل قال اللّه تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون فلاتحرق النار الاّ بالاختيار و لايحترق الحطب الاّ بالاختيار و لاينبعث منها الاحراق الاّ بالاختيار فلاجبر و لاقسر و لااضطرار لا في الفاعل و لا في القابل قال اللّه تعالي قلنا يا نار كوني برداً و سلاماً علي ابرهيم الاّ ان‏تقول انه مجاز لكنه لايناسب اهل المجاز الناظرين الي الحقائق الواقفين بباب الجواز فلاتسمي المعين قاسراً و لاالمظهر جابراً و كيف يمكن في الشي‏ء ان‏يجري في الشي‏ء خلاف مقتضي طبعه أيمكنك ان‏تجري الانجماد في الماء مع السيلان و التبريد في النار مع الحرارة فان قدرت علي الجبر فعلت مع انكم لاتجوّزون قلب الحقايق و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 233 *»

تحكمون باستحالته و عدم تعلق القدرة فان صح الجبر فمابال المنع و العلم و الاختيار لايجب ان‏يكونا مثل ما في الانسان او البهائم و كل فاعل انما يفعل بعلم منه به و اختيار و اما الفاعل بالطبيعة و الاستخدام لاشك انهما بالاختيار و ذلك الفعل اثر الغالب من تلك الطبيعة كما تقول ان العسل يؤثر الحرارة و كذا القرنفل لكونهما حارّان مع تركيبهما و مثال اختيار كالجايع الذي لولا يأكل يموت و اختياره للاكل دون الترك مع استجماع الشرائط و فقد الموانع و اما الفاعل بالقسر فهيهات ان‏يكون له اثر و خبر انما هو شي‏ء يتفوّهون به و لايعقلون و اما الفاعل بالعناية الذي يكون محض علمه سبب الايجاد ففيه ان العلم ان كان هو نفس العالم و عينه فلايقتضي شيئاً غير ذاته و قدعلمت ان العلة مقتضية للمعلول و مرتبطة به و بينهما تناف ظاهر فلو صحّ فليقولوا ان الذات بذاتها تقتضي الايجاد و لايصح ذلك لاستلزامه النسبة و الارتباط و هو ينافي الذات البحت الباتّ علي انك علمت سابقاً ان العلم بالشي‏ء عين ذلك الشي‏ء فلو ادعي ذلك يكون المصادرة ثم ان التقييد بوجه الخير ان كان تعليليّاً وقعوا فيما فرّوا منه و ان كان بيانياً نسأل عن الشرور أكان عالماً بها ام لا فان قلت لا كفرت و ان قلت بلي فكيف يخلق مايعلم انه يحصل به القبايح و المفاسد و ليس هناك داع سوي العلم الاّ ان‏تقول ان العلم بالخلق كان مسبوقاً فوجب فعله فاذاً نفيت الاختيار لانه مايقدر ان لايخلق ما علم لا ماعلم انه يخلق و قد دلّ القاطع علي بطلانه اذن ماالفرق بينه و بين السراج الذي مايقدر ان يكتم شيئاً مما عنده من النور و لايبرزه في الخارج مع ان مابرز هو عين ماكتم الاّ ان‏يكون الكل علي جهة واحدة فاذاً اين الاختيار و لم سميتموه مختاراً و السراج موجباً ان كان الفرق بالعلم و هو فيه بمنزلة النور مع انّا قد قلنا لك ان السراج لايضي‏ء الاّ عن علم بحسبه فان قلت يقدر ان لايوجد بعض معلوماته فالترجيح لابد من داع خارجي حيث استوي الحكمان في العلم و لم‏يتفاوت في حدّ ذاته فاذن لامعني للفاعل بالعناية و اما التمثيل بالواقع عن الجدار بمجرد التصور فليس في موقعه لان ذلك انما هو بسبب غلبة سلطان الوهم بحيث يحصر شعوره و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 234 *»

التفاته فيه و يقبل عليه لانه نسي كل ماعداه كالفريسة للاسد و ليس هذا فعلاً بالعناية و اما الفاعل بالرضا فليس ممايتفوه به العقلاء لانه يقتضي اما ان‏يكون المفعول عين ذات الفاعل او يكون الفعل عن غير علم لما برهنّا سابقاً ان علم الشي‏ء بنفسه لايجوز ان‏يكون عين العلم بغيره الاّ ان‏يكون كل غيره هذا خلف. فاذاً كان صدور الغير عنه كالفعل بالطبيعة كالسراج و الاشعة و النار و الاحراق مع ان هذا لايعقل فان نظر الشمس الي ذاتها غير نظرها الي شعاعها و التفاتها اليها لوجوب تطابق العلم و المعلوم فاذا ادرك الذات يدركها بما هي عليه و الصفات و الاثار بما هي عليه و ما هي عليه نقيض ما هي عليه او ضدّه و الفاعل بالرضايستلزم اجتماع النقيضين او الضدين و هو باطل بلاريب و مين و مخالف لما عليه الائمة المصطفين فليس الفاعل الاّ مختاراً و لااختيار الاّ مع الارادة و لا ارادة الاّ و المراد معه و تمام القول يأتي في اللمعة الثالثة ان‏شاءاللّه تعالي.

الاشراق الرابع: قيام الشي‏ء بالاخر يتصور علي اربعة انحاء الاول القيام الصدوري فالمقوّم له هي العلة الفاعلية و هو الذي يكون ظاهره و مظهره و صادر من اثر فعله بل لاشي‏ء الاّ بظهور فعله الوحداني المنبسط علي اعيان القوابل كالدلالة الناشئة عن الكلمة و الصادرة عنها الواقعة علي اراضي قابليات القلوب فتطوّر باطوارها و ربّما يناقضها كالماء النازل عن سحاب الكلمة تحت سماء المتكلم الواقع علي الاودية فسالت اودية بقدرها او الوحدة الحقيقية كقيام نفس الكلمة بالمتكلم و هذا القيام ليس فيه اتصال كالسراج و الاشعة لضرورة كون المتصلين في صقع واحد و لاانفصال لمكان الصدور و لاالتشابه و التجانس و التساوي و العزلة و البينونة و الاقتران و الاجتماع و الافتراق و لاالحلول و الاتحاد كالصورة بالمقابل. الثاني القيام التحققي و هو اعم من العلة المادية و يشمل قيام اللوازم بالملزومات و الماهيات بالوجودات و الشرايط بالمشروطات و كل ما افتقاره بالركنية و العضدية كالهواء للكلام و المرءاة للصورة و المعني للدلالة و فيه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 235 *»

الاقتران و الانتساب و الاتصال لاالبينونة و العزلة بل البينونة و العزلة في بعض مواقعها و قيامه في وجوده لاايجاده قبل انوجاده و يقال له القيام العضدي و الركني. الثالث القيام الظهوري و هو قيام ظهور الشي‏ء بالاخر لاذاته و هو اما بسافله في الطولية المحضة او في الطولية العرضية كظهور الحقايق في المعاني و ظهورها في الصور المجردة و ظهورها في المواد الجسمية و ظهورها في الاجسام التعليمية او بشرايطه كظهور نورالشمس بالجدار او بلوازمه الذاتية كظهور الوجود بالماهية ثم ان انواع الظهور مختلفة و القاعدة فيه ان المظهر ان كان اثراً هو عين الظهور و ان كان تنزلاً ذاتياً كالمرءاة الحاكية للظهور المنفصل لاالمتصل فان نسبته اليها نسبة الماء الي الثلج و انحصر الظهور فيهما و لاظهور سواهما و اما ظهور المتساويين فلاقيام مما نحن بصدده. الرابع القيام العروضي و هو التحققي الثانوي لاالاولي و الفرق بينهما اذاً ظاهر اذ الاول لتتميم الاول و لاوجود له في نفسه الاّ بتبعية ماقام به و كينونته تشهد بذلك كاللوازم للملزومات و الماهيات للوجودات و الشرايط بالمشروطات و الهياكل بالاسطقسات بخلاف الثاني فان جزئيات افراده ليست بتلك المثابة و لاتتميم فيها بل و لاتكميل بحسب اللزوم و الحتم و لاالتبعية الكينونية لمكان التخلف و ان كان الحكم ثابتاً للكل من حيث هو كالالوان و المقادير الغير الذاتية و الاضافات و غيرها من المقولات التسع المعروفة عندهم العرضية الغير الذاتية لانها علي قسمين قسم قيامه تحققي و الاخر عروضي و القاعدة هي مااشرنا لك و هذه المراتب و القيامات كلها اعراض و مقومها جوهرها فاختلفت الجواهر و انتهت الي مبدء المبادي و نور الانوار و ذات الذوات و الاعراض اليها فاستدارت علي نفسها علي خلاف التوالي و هي دارت عليها علي التوالي و اللّه سبحانه منزه من ان‏يكون جوهراً او عرضاً.

تحقيـق: و لايجب ان‏يثبت هذه الاربعة في كل شي‏ء حادث الاّ بنظر دقيق بملاحظة ان كل شي‏ء فيه معني كل شي‏ء فماثبت له القيام العروضي ثبت له

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 236 *»

كلها الاّ ان ظهوره بذاته لابسافله. لايقال ان الظهور هو التجلي و هو فعل المتجلي فيكون بسافله او بشرايطه او بلوازمه لانا نقول ذلك ظهور العالي للسافل لا هو له و الشرايط ان كانت للوجود فغير مانحن بصدده و ان كانت للظهور فللمشروط صقع اعلي هو ظاهر فيه و لايتأتّي ذلك للاعراض لتسافل رتبتها فشرط ظهورها هو عين شرط وجودها فافهم الاّ ان‏تجعلها عالماً منفرداً كعالم الاجسام و هو طور اخر و ماثبت له القيام الظهوري فلايثبت له الاّ القيام الصدوري و التحققي الاّ ان في بعضها بنفسها و في الاخر بجزئيها و الثاني باوله و الاول بنفسه و ماثبت له القيام التحققي و العضدي ثبت له الصدوري و اما العروضي فعلي معناه اللغوي في مثل الماهية و الوجود و الصورة و المادة و الفصل و الجنس و مااشبه ذلك و اما في اللوازم و الشرايط فلا.

الاشراق الخامس: في العلة المادية و الصورية المادة للشي‏ء علي جهة الاطلاق هو اثر كن اي الست بربكم و محمّد9 نبيكم و علي اميرالمؤمنين وليّكم و الائمة الاحد عشر من ولده و فاطمة سلام الله عليها و عليهم اولياءكم و ائمتكم و الصورة هي فيكون و قولهم بلي في الظاهرية و نعم في بعض المراتب الباطنية و تلك المادة هي الحكم الجاري من الدرة الي الذرة في الكون الجوهري و الكون المائي و الكون الترابي و الكون الهوائي و الكون الناري في اطوارها و احوالها حسب صبغها بالرحمة فالاول الاول و الثاني الثاني و هو قول رسول‏اللّه9 انمافضّلت علي الخلق لانّي كنت اوّل من اجاب سؤال ربي حين قال الست بربكم فكان السائل هو المسئولون و هو قولهم:في سؤال الرب تعالي في بين النفختين لمن الملك اليوم فاجاب للّه الواحد القهار. نحن السائلون و نحن المجيبون و المادة واحدة و الاختلاف اما من صبغ الرحمة و عكسها و ننزّل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خسارا. له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب.

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 237 *»

كقطر الماء في الاصداف درّ   و في بطن الافاعي صار سماً

و هو قوله9 يا علي مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و قال تعالي عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و لاشك ان المادة تختلف باختلاف الصور و هي مدار التمايز فالمادة هي النور و هي الاب و الصورة هي الرحمة و هي الامّ قال7 ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخ المؤمن لابيه و امّه ابوه النور و امّه الرحمة قال رسول‏اللّه9 انا و علي ابوا هذه الامّة اي امة الدعوة لا الاجابة خاصّة فافهم ان‏شاءاللّه تعالي او من اختلاف المادة بالرشح و الاصل فالخطاب الشفاهي الاولي الصادر من الحق سبحانه بغير واسطة في السؤال و الامر قبله محمّد9 و كانت منه الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء اعلي عليين تؤتي اكلها كل حين من الرشحات الفائضة عن تلك اللجة الاحدية و طمطام يمّ الوحدانية و القطرات النازلة من تلك الشجرة شجرة البحر اي شجرة المزن فتمّت بذلك الامر الاولي و الخطاب السرمدي هياكل التوحيد اربعة عشر هيكلاً قداشار اليها الامام اميرالمؤمنين7 بقوله نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره ثم رشح من ذلك الخطاب خطاب اخر فكان مادة النبيين بصبغ الرحمة الرشحية قال اولست بصاحب سرّك قال7بلي ولكن يرشح عليك مايطفح منّي و هكذا الي نهايات الوجود و غايات اشعته و ان لا غاية لها فالصورة صورتان الصورة الوحدانية هي الصورة الانسانية و الصورة الشيطانية هي الصورة البهيمية و المادة واحدة بالرشح و الاصل و الرشح التكويني و التدويني و الشرع الوجودي و الوجود الشرعي فقد عمّ الحكم في كل شي‏ء من الاكوان و الاعيان من الطيب و الخبيث و النور و الظلمة و الامر و النهي و التصفية و التنزيه و الثواب و العقاب و كل فروعها و احوالها فالمادة واحدة و الصورة واحدة و الاصل و العكس و الموافقة و المخالفة بها تكثرت الوجوه فافهم فقد اخبرتك بالسرّ المستسرّ بسرّ في حكم المادة و الصورة من

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 238 *»

جهة الاصل و المبدء من حيث الجملة و بيّنت لك اصلهما و مبدأهما و اوائل جواهر عللهما بطريق الباطن و التأويل و الظاهر و مابقي الاّ جزئيات احكامها نشير اليها فيما بعد ان‏شاءاللّه تعالي.

تنبيـه: قدعلمت منا سابقاً ان الاسم ليس للشي‏ء من حيث هو لانه هو و الاسم جهة الغير فبطل ماقيل ان وضع الاسامي‏قد يكون باعتبار الذوات و الماهيات كالانسان و باعتبار العوارض كالكاتب و ربما لم‏يوضع لها بحسب جوهر ذاتها اسم فانه كلام خارج عن التحقيق و ناظر الي ظاهر الامر المعروف بين العوام و قدسبق في الاسماء ماينبّهك علي فساد هذا القول و ان كان هو المتبادر الظاهر اذ لافرق بين الكاتب و الانسان فيما وضعا له الاّ بالعموم و الخصوص و ليست التسمية الاّ بالاضافة و القياس الاّ انها في الاعلام لايلتفت اليها لشدة ظهورها فخفاؤها لظهورها لاعدمها لعدمها ولكن قد يعبر عن ذات الشي‏ء من حيث ظهوره بعبارة في المرتبة الثالثة من الاطلاق و المادة من حيث هي ليست الاّ الاولي فلايمكن التعبير عنها الاّ بالاضافات الملحوظة في حدّ ذاتها لان الاسم للصورة و المادة لااسم لها فالاسماء التي يعبر عنها بها كلها من جهة الاضافات كالمادة و الاصل و العنصر و الاسطقس و الركن و العضد و الحقيقة من المبدء و الموضوع و المحل و الهيولي فمن جهة صلوحها للاشكال و الظهورات سمّيت هيولي و من جهة انها حاملة للصور سميت موضوعاً و من حيث انها متحصصة بالصور سميت مادة و من حيث انها اخر ماينتهي اليه التحليل سميت اسطقساً و من حيث انها اول مايبتدي عنها التركيب سميت عنصراً و من حيث انها الجزء الاعظم المقوم للشي‏ء سميت ركناً و من حيث ان الصورة متقومة بها و متحققة بعدها سميت عضداً و من حيث انها مبدء الاشتراك في المختلفين سميت جنساً و من حيث انها مبدء النشو و التخليق سميت اباً و من حيث ان الشي‏ء منها يتكوّن سميت اصلاً و من حيث وحدتها و بساطتها و حصول الكثرات بالصور سميت نوراً و من حيث تشعبها بالحدود و الصور سميت شجرة و من حيث ذوبانها و عدم تمايز اجزائها سميت بحراً و من جهة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 239 *»

التمايز المعنوي و الحدود الغيبية سميت هباء و من جهة تساوي نسبتها مع كل الصور سميت الحقيقة من المبدء و امثال ذلك مما يعبر عنها من جهة اضافتها و تلك الاضافات كثيرة و منها تتشعب الاسماء الحقيقية و اللفظية تابعة لها و ماذكرنا انموزج لتتمكن من التصرف في الباقي و معرفتها عظمية النفع لكونها مفتاح الابواب المغلقة و الاحكام المعضلة في الاخبار و الاصول الكلية و لعمري انها باب ينفتح منه الف باب و لكل باب ينفتح الف باب كما اشار اليه اميرالمؤمنين7 و اعجب من الكل قوله7 غير انهم يقرءون اية في كتاب اللّه و لايعرفونها و هي قوله تعالي و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابّة من الارض تكلّمهم ان الناس كانوا باياتنا لايوقنون.

اللمعة الثالثة

في العلة الغائية و ان الايجاد و الاصدار لايكون الاّ لغاية و مصلحة و ابطال من زعم بالاتفاق و من نفي الغاية و من قال انها هي الذات او انها محض علمه و امثالها من الكلمات الواهية و الاعتقادات السخيفة. قال اللّه تعالي «أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً و انكم الينا لاترجعون. فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف» و قال سيدتنا و مولاتنا فاطمة الزهراء علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها الاف التحية و الثناء في خطبتها الي ان قالت «ابتدع الاشياء لا من شي‏ء كان قبلها و انشأها بلااحتذاء مثال كوّنها بقدرته و ذرأها بمشيته من غير حاجة منه الي تكوينها و لافائدة له في تصويرها الاّ تثبيتاً لحكمته و تنبيهاً علي طاعته و اظهاراً لقدرته و تعبداً لبريته و اعزازاً لدعوته ثم جعل الثواب علي طاعته و وضع العقاب علي معصيته ذيادة لعباده عن نقمته و حياشة لهم الي جنته» الخطبة و لها اشراقات:

الاشراق الاول: الغاية هي ما لاجله فعل فلايخلو من احد الحالين

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 240 *»

المتقدمين و الشي‏ء كما ذكرنا بعد ماتحقق لابدّ له من اقتضاء يترتب عليه مقتضاه و الاّ لكان عدماً و لايترتب عليه شي‏ء لاالعدم الامكاني لمكان الترتب كذلك الاّ ان انحاء الترتب في القوة و الضعف و الخفاء و الظهور و القلة و الكثرة و تعلق الادراك به و عدمه مختلفة لان الموجود اما عالٍ او سافل او مساوٍ فالاول يقتضي الثاني و الثاني يوصف بوصف الاول و الثالث يؤثر المشخص فيه ما لايؤثره غيره فالمجموع له اقتضاء غير الاجزاء و غير الاخر و المؤثر الوجودي لايؤثر الاّ وجودياً و حصل المطلوب و مابقي في عدم الاقتضاء الاّ العدم هذا حال الشي‏ء و اما طالب الشي‏ء فلايخلو اما انه شاعر به ام لا و الثاني غير مانحن فيه و الاول لايخلو اما ان‏يطلبه للملائمة او للمنافرة او كليهما او لا هذا و لا ذاك فان كان الاول فهي الغاية و ان كان الثاني و الثالث فيستحيلان و ان كانا هي الغاية و وجه الاستحالة لزوم اجتماع الضدين او النقيضين حيث لاواسطة جامعة أتري البرودة من حيث هي يطلب الحرارة كذلك و بالعكس و اما مايتراءي منه ذلك بحيث سمّوه قسراً فهو و ان كان خلاف المفروض لكنه بواسطة جامعة مصلحة كما ذكرنا و نذكر ان‏شاءاللّه تعالي و ان كان الرابع فهو في حيز الامكان و الطلب لابد له من مرجح و داعٍ و ذلك لاتكون المنافرة فتكون الملائمة و ان كانت بالعرض ليصحّ مايخالف شي‏ء منها محبتك المبيّن بقوله7 و كلتا يديه يمين فتكون المنافرة هنا عين الملائمة و الموافقة لاتقل ان المرجح هو الارادة لانها لاتكون الاّ بالمراد و لاتتعلق الاّ بالمناسب الملائم دون المناكر المنافر فان قلت هب انها كذلك الاّ ان المريد لايلتفت الي جهتها قلت ان نسبة الارادة واحدة و التعلق لابد له من نسبة تخصّصها به دون غيره و تلك ان كانت ذاتية امتنع غيره و ان كان عرضية فتلك ان كانت من ذات المريد من حيث هي هي عادت الاستحالة و ان كانت من نفس الارادة و ليست فيها فثبت انها من جهة المراد و هو الغاية المطلوبة فثبت بالبرهان الذي لايمنعه الاّ العميان انّ كل مايصدر من الفاعل المختار لايصدر الاّ لغاية الاّ ان الغايات تختلف فالذي يفعله السفيه يتصور له غاية الاّ انها لاشي‏ء

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 241 *»

بالنسبة الي العاقل فيريه عبثاً و اما الافعال الطبيعية و العادية فمن قال انها اختيارية اثبت لها غاية و المانع مانع و كأنه مكابر.

تقسيـم: ثم ان الحركة الارادية المنبعثة عنها الشي‏ء المراد ان كان مبدؤها شوق فكري و طابق فهو الصحيح و ان طابق الشوق التخيلي و هو العبث و ان كان محض التخيل كان جزافاً و ان كان التخيل مع طبيعة او مزاج كان قصداً ضرورياً او طبيعياً و ان كان التخيل مع خلق و عادة و ملكة نفسانية داعية الي ذلك الفعل من غير روية و هي العادة هكذا قيل و لايخلو كل ذلك عن غاية الاّ ان الغايات علي حسب مراتب الطالبين و الفاعلين فافهم.

الاشراق الثاني: اتفق لبعض القاصرين كلام لمحض الظن و التخمين و زعم ان وجود العالم انما يكون بالاتفاق و ذلك لان مبادي العالم اجزاء صغار صلبة لايتجزي لصلابتها و هي مبثوثة في خلأ غير متناه و هي متشاكلة الطبايع مختلفة الاشكال دائمة الحركة فاتفق ان تصادمت منها جملة و اجتمعت علي هيئة مخصوصة فتكوّن منها هذا العالم ولكنه زعم ان تكوّن الحيوان و النبات ليس بالاتفاق و زعم الاخر ان الاجرام الاسطقسية بالاتفاق فما اتفق ان كانت هيئة اجتماعية علي وجه يصلح للبقاء و النسل بقي و ما اتفق ان لم‏يكن كذلك لم‏يبق و لمّا اشتدّ انغمارهم في الامور السفلية حجبتهم الكثرة عن مشاهدة الوحدة و ظهور الباري سبحانه في الايات الافاقية و الانفسية فاحتجوا علي مطلوبهم بحجج اوهن من بيت العنكبوت لايسمن و لايغني من جوع منها ان الطبيعة لارويّة لها فكيف يفعل لاجل غرض و منها ان الفساد و الموت و التشويهات و الزوايد ليست مقصودة للطبيعة مع ان لها نظاماً كاضدادها فعلم ان الجميع غير مقصودة للطبيعة و لمّا كان نظام الفساد كالذبول ضرورة المادة من دون ان‏يكون مقصودة للطبيعة فلاجرم نحكم بان نظام النشو و النمو ايضاً بسبب ضرورة المادة من غير قصد و داعية كالمطر الذي نعلم جزماً بانه كائن لضرورة المادة بتصعيد الشمس و ثقل الماء و نزوله فاتفق ان‏يقع في مصالح

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 242 *»

فيظن ان الامطار كانت مقصودة لتلك المصالح و ليس كذلك بل لضرورة المادة و منها ان الطبيعة تفعل افعالاً مختلفة كالحرارة التي تحلّ الشمع و تعقد الملح و تسوّد وجه القصار و تبيّض وجه الثوب و امثال ذلك من الخرافات.

اما علموا انه لايكون شي‏ء في الارض و لا في السماء الاّ بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انه يقدر علي نقض واحدة منها فقد كفر او اشرك فان اقرّوا بان للعالم صانعاً و للكون مدبراً بيده ملكوت كل شي‏ء لايملك لنفسه نفعاً و لاضراً و لاموتاً و لاحيوةً و لانشوراً فماضرّهم ان‏يجعلوه حكيماً منزهاً عن السفه فاعلاً للمصلحة هو الذي اعطي الطبايع فعلها و حباها قواها و تأثيراتها و هو المالك لما ملّكها و القادر علي مااقدرها عليه و جعلها اسباباً يترتب عليها مسبباتها لا انه حيث سبّبها رفع يده عنها بل هي بعد واقفة بباب اذنه فان اذن لها ترتب عليها مقتضاها و الاّ فلا فالقول بان الطبيعة لاروية لها غلط بل الطبيعة انما اختارت مااختارت بما اختارت مع كمال الشعور لاجل اغراضها المتباينة و غاياتها المتخالفة فلاتفعل الاّ ذلك الفعل لغرضها و ميلها و لا له حاجة سواها سواء طابقت نفع الغير كالنار للطبخ مثلاً او خالفت كالنار لاحراق بيت المؤمن المسلم و هو معني ان اللّه تعالي سبّب الاسباب يعني اجابهم ماسألوه ان‏يسألهم بالمقبولات بقوابل الاعمال و دواعي الاحوال و هي بعد بيده لاتفعل الاّ باذنه و هو قوله7 للحمّي ألم‏يأمرك اميرالمؤمنين الاّتقربي الاّ عدواً او مذنباً لتكون كفارة لذنوبه فمابال هذا الرجل فاذن كيف لاتكون لها روية بلي (بل خ‏ل) انما تفعلها كما تحب لا كما تحب و ان ضرّك و هذا هو حقيقة الجواب و ان لم‏تصل اليه لدقّة مأخذه و صعوبة مسلكه فنقول ان الطبيعة ان عدمت الروية لكنه ماعدمها خالق الطبيعة و البرية فيجريها علي مايحب بما جعله فيها بامره فاذا اراد منعها مااعطاها لا رادّ لقضائه و لامانع لحكمه كما منع النار من الاحراق و الماء من التبريد فاللّه سبحانه هو الذي يجريها حسب مايري من المصالح و الاغراض ذلك تقدير العزيز العليم قل من بيده ملكوت كل شي‏ء و هو يجير و لايجارعليه ان كنتم صادقين سيقولون اللّه قل أفلاتذكرون فكل اقتران و كل اتصال و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 243 *»

كل انفصال و كل وضع و كل اضافة و كل طور انما هو لغرض و مصلحة و هي ايات اللّه تتلي عليكم و كأين من اية في السماء و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون يستنبط منها العارف احكاماً الهية و اوضاعاً غيبية و منها كان اغلب الهامات الانبياء و وحيهم يصدّقني من عرف بعض احوال الكلام و اقترانات الاشياء الاّ ان الجاهل بالامر لمّا اخطأه التسديد و التأييد زعم انه بالاتفاق ولو شئت لاخبرتك ببعض الاستنباطات من الاتفاقيات بحيث حار عقلك و طار لبّك و تقطع بانها صنع الحكيم القادر العليم.

و اما القول بنظام الذبول و الزيادات و التشويهات و الموت الغير المقصودة للطبيعة الخ فغلط فاحش فان الجاعل كما جعلها تنمو بالمدد و جعلها تذبل اذا نقص فهي حال اعطاء المدد غايتها النمو بفاعلها و خالقها و في حال نقصانه الذبول بل الحق سبحانه ماخلق فرداً قائماً بذاته فماخلق شيئاً الاّ و مكّنه من ضده و ان كان بالذات و بالعرض فخلق النمو و مكّنها من الذبول و خلق الحيوة و مكّنها من الموت و خلق الصحة و مكّنها من الفساد و خلق الطاعة و مكّنها من المعصية و الضدان هما غاية الشي‏ء المركب بجهتيها و واقفان علي باب المدد و الاذن الاّ ان لكل منهما اجل محدود و وقت معلوم و ما منا الاّ له مقام معلوم و هذا هو الحكم في السلب و الايجاب و النفي و الاثبات كما مرّ فتوجه الغاية الي النفي كما تتوجه الي الاثبات لان النفي شي‏ء و هو ماهية الايجاب و قوام وجوده و اما الزيادات و التشويهات فلاريب انها مقصودة لكنها لايلزم ان‏تكون مقصودة للاخري و التشويه حسب امداد الطبيعة و احكام الاتها كما هو المعلوم.

و اما القول بفعل الطبيعة الواحدة افعالاً مختلفة فهو شطط من الكلام و لايليق بالعلماء الاعلام فان الطبيعة قدتكون مركبة فتفعل بجهاتها كالنار الفاعلة للاحراق و التيبيس و الهواء الفاعل الواسط بين الضدين و الماء الواسط بين الضدين و المركب المركب من هذه البسايط و ربما اذا صفت تفعل في كل الطبايع كالمولود الفلسفي و اما الطبيعة من حيث وحدتها لاتفعل الاّ في واحد و اما هذه الاختلافات فمن جهة القابل دون الفاعل كاشراقك في المرايا

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 244 *»

قال اللّه تعالي و ما امرنا الاّ واحدة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و الكلام عليهم كثير و الاعراض اولي و هذا كله لو اعترفوا بحدوث العالم و اثبتوا الصانع و الاّ فالكلام معهم قدتقدّم في ابطال مذهب الدهرية.

الاشراق الثالث: و طائفة اخري نفوا الغاية عن فعل اللّه سبحانه اصلاً و رأساً و اثبتوا بالسنتهم الحالية عبثاً و جوّزوا الترجيح من غير مرجح او جعلوا الارادة هي المرجحة متمسكين بحجج واهية و ادلة ضائعة باطلة و مردّ الكل الي امثلة جزئية منها ان الفلك متشابه الاجزاء و تعينت فيه نقطتان للقطبية و دائرة لان‏يكون منطقة و خط لان يكون محوراً دون سائر النقاط و الدوائر و الخطوط مع انه كان جائزاً بحسب الذات ان‏يكون القطبان غير تينك النقطتين و كذا المحور و الدائرة و منها ان لكل فلك حركة خاصة الي جهة معينة مع جواز وقوعها الي كل واحدة منها و كذلك حدودها من السرعة و البطؤ مع تساوي النسبة و منها اختصاص كل كوكب بموضع من الفلك مع تساوي المواضع في الطبيعة فالعقل يجوّز وقوعه في موضع اخر و منها اختصاص العالم بمقدار خاص دون ما هو اعظم منه و اصغر مع جوازهما عند العقل و غير ذلك من الخرافات و السرّ في ذلك وقوفهم و لواذهم بباب الحق من جهة فقرهم لجهة غناهم في مقام المجادلة و هم اصحاب الصورة الشخصية الهائمون في مقامات عشرين فيها ظلمات و رعد و برق فلاحظوا الجزئي و احتجبوا عن الكلي فالهيهم التكاثر حتي زاروا المقابر.

ألم‏يعلموا ان تلك الامثلة الجزئية لاتثبت الحكم الكلي اذ لقائل ان‏يقول ربما تكون الحكم و المصالح في هذه الجزئيات خفية لم‏تصل اليها عقولكم مع انا نعارضكم بالامور الجزئية بل الكلية المترتبة علي اكمل صنع و احسن نظام و ابلغ حكمة فما المرجح و ان كان الامر كما ذكرنا و اين عقولهم الجزئية المغيرة بالنكراء و الشيطنة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 245 *»

و فهم اسرار الملكوت و الاستضاءة بانوار الجبروت و مجرد تشابه اجزاء الفلك لايستلزم ذلك اذ لو سلّمنا ذلك لعله من جهة الامور الخارجية العرضية او الذاتية الثانوية من ترتب العلل و المعلول و الحركة و امثال ذلك مع ان التشابه ممنوع و البساطة المدعاة علي اطلاقها غير مسلمة و وقوع الكيفيات فيها ثابت و اختلاف الوان الكواكب لذلك شاهد واضح و برهان لائح و كلية التسبيع في الكل متحققة واقعة و الاثنينية ظاهرة باهرة ولو كان لي مجال و للقلب اقبال لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان و لأريتك من صنع الخالق البارئ مايدلّك علي كمال الاحكام و الاتقان و قدذكرنا شرذمة منه في بعض اجوبتنا للمسائل واللّه الموفق و الهادي الي سواء الطريق و هذا الاجمال مغنٍ عن تطويل المقال.

و اما اختصاص العالم بالمقدار الخاص ان ارادوا حجم الافلاك و صغرها و كبرها فمن جهة الاسباب الالهية و ادارة الاسباب علي المسببات و حصول المقارنات و الاوضاع و الاضافات حسب مااستجنّت في طبايع الارواح العاليات حسب مااستكنّت في اسرار الحروف المقطعات حسب ماجرت الافاضة من بحر الجود و انتشرت بفوارة الوجود و قبلتها القوابل بالاعمال فسالت اودية بقدرها حسب ما اراد الحق سبحانه بارادة الحتم و الابرام اعملوا فكل ميسر لما خلق له و كل عامل بعمله و ان ارادوا كمية اجزاء العالم و حدودها و اوضاعها و اضافتها و اقتراناتها فهيهات متي وقف و متي سكن حتي يسأل عن وجه التخصيص و انما الكاتب الابداع بقلم الصنع و الاختراع من دواة الجود و العلم في لوح الكائنات و المبدعات يكتب فيما لايزال فلا جفاف لذلك المداد و لا انقطاع في اللوح من جهة الاستعداد و لاتعب للكاتب لسرّ الامداد و هذا رزقنا ماله من نفاد و هو رءوف بالعباد كل يوم هو في شأن قالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. كلما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و مع ذلك كله فقد جفّ القلم بما

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 246 *»

هو كائن.

و اما مامثّلوا لهذا المذهب السخيف بطريقي الهارب و رغيفي الجائع و قدحي العطشان فليس كما توهموه اذ الاغلب يوجد المرجح للمختار في الاختيار من انواع الميولات سيما في هذه الامثلة ولو فرض اعدامه في نظره في عالم الشهادة فاين انت من عالم الغيب من المرجحات الكونية و المناسبات الوجودية و لو لم‏يشعر لنقصانه في العلم بغواشي حجب الطبيعة و الاعمال فنسي مامضي عليه في الحال و الاستقبال اتمّه له جابر الكسير و معطي الفقير ليتمّ له مااختاره و هو عين اختياره قال اللّه سبحانه له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر اللّه و قال7 لو كشف الغطاء لمااخترتم الاّ الواقع و قال رسول اللّه9 اعملوا فكل ميسر لما خلق له و كل عامل بعمله و الحاصل ان المختار متي كانت نسبة المعلول اليه امكانية من دون داعٍ و مقتضٍ لصدوره يكون صدوره عنه ممتنعاً لامتناع رجحان المساوي فالتجويز ليس الاّ قولاً باللسان دون تصديق بالقلب و ذلك الداعي هو الغاية فافهم.

الاشراق الرابع: و طائفة اخري لمّانظروا الي فساد تلك الدعوي و لم‏يجدوا بدّاً من اثبات الغاية قالوا انها هي الذات تبارك و تعالي لانه تامّ الفاعلية فلو احتاج في فعله الي خارج لكان ناقصاً في الفاعلية و كل ما يكون فاعلاً اولاً لايكون لفعله غاية اولي غير ذاته اذ الغايات كسائر الاسباب تستند اليه فلو كان لفعله غاية غير ذاته فان لم‏يستند وجودها اليه لكان خرق الفرض و ان استند اليه فالكلام عائد فيما هو غاية داعية لصدور تلك الغاية المفروضة حتي ينتهي الي غاية هي عين ذاته فذاته تعالي غاية للجميع كما انه فاعل لها لان واجب‏الوجود اعظم مبتهج بذاته و ذاته مصدر لجميع الاشياء و كل من ابتهج لشي‏ء ابتهج بجميع مايصدر عن ذلك الشي‏ء من حيث كونها صادرة عنه فالواجب تعالي يريد الاشياء لا لاجل ذواتها من حيث هي بل من حيث انها صادرة عن ذاته فالغاية له في ايجاد

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 247 *»

العالم نفس ذاته المقدسة و لست ادري ان هذه الغاية كانت حاصلة له تعالي قبل الاحداث بالقبلية الذاتية ام لا فان حصلت فكان الاحداث تحصيلاً للحاصل و الاّ لكان مستكملاً بايجاده و ان كان من حيث الصدور و الايجاد او ليس الاّ انبساط ذاته و قوله و ذاته مصدر لجميع الاشياء و كل من ابتهج بشي‏ء الخ فيه ما مر ان الفاعل و المصدر كيف يكون عين الذات مع انهما لايثبتان الاّ متأخراً عنها و اسألك هل يتحقق الفاعلية بدون الفعل ام لا ان قلت بلي فصدق المشتق بدون المبدأ هذا خلف و ليس هو كالعلم لمكان التخلف مع بقاء الكينونة و ان قلت لا فاقول هل الفعل عين الذات او غيرها فان قلت عينها ناقضت و ان قلت غيرها فقديم او حادث اختر ماتريد لاتقل هب يكون الفعل حادثاً لكن الفاعل قديم لانا نقول المشتق فرع المبدء و الاصل في الاشتقاق هو الفعل فيكون الفاعل حادثاً بالطريق الاولي و الاّ لزاد الفرع علي الاصل و هذا دليل المجادلة و اما دليل الحكمة فهل تجد في رتبة الفعل الاّ ظهور الذات و هل تجد الاّ الذات الظاهرة فكيف ترخص نفسك ان‏تكون الذات هي الحركة لان الظهور هي الحركة و ماهذا الاجزاف في المقال الاّ انك لاتدرك كيف يكون الفاعل حادثاً و قائماً بالمبدء لا انك تدرك خلافه و ليس لمن لايعلم حجة علي من يعلم فترقب لمانذكر ان شاء اللّه تعالي في كيفية اصدار الصادر الاول و ان لوّحنا اليه سابقاً و اما الابتهاج المدعي فهل هو جديد ام قديم فان اخترت الثاني يكون عابثاً تعالي ربي و ان اخترت الاول فوقعت فيما فررت منه فلايكون ذات الشي‏ء غاية لفعله لانها متأخرة و الذات متقدمة فيجب ان‏يكون متأخرة حال كونها متقدمة و التقدم الذكري لايترتب عليه شي‏ء الاّ الانبعاث للفعل و قدسبق منا ـ  كما هو التحقيق  ان الغاية هي مقتضي الشي‏ء المعلول و مايترتب عليه و كيف يكون مقتضي الاثر في رتبة ذات المؤثر اذ الغاية هي ما لاجله فعل فان كانت مترتبة علي ذلك الفعل فكما قلنا و ماالزمنا و ان لم‏تترتب بطل الفعل اصلاً لعدم المدخلية فتعدم المعلولية هذا خلف فالغاية ابداً في نفس المعلول و متأخر عنه و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 248 *»

القول بانها منقسمة (مُنتهٍ خ‏ل) الي ما هو عين الفاعل او في نفس الفاعل كالفرح او في نفس القابل او في شي‏ء اخر قول ماصدر عن معدن الحقيقة و لعدم النظر في الحقيقة و الاّ فهي ليست الاّ في نفس المعلول الشي‏ء و من اقتضائه علي المعنيين فهي في الحقيقة معلول من جهة و علة من اخري فالفرح انما حصل بوقوع الشي‏ء علي مايلايم و كذا النوم و الجلوس فانهما من مقتضيات السرير و من لوازمه الذاتية من حيث الصلوح فجعل الغاية عين الفاعل من حيث هو من الغرايب و اغرب منه بالنسبة الي اللّه سبحانه و اغرب منه جعلها عين ذاته تعالي سبحانه سبحانه سبحانه عما يقولون بلي يجوز ان‏يتمشي هذا القول في الموجب علي الظاهر كالاشعة للسراج و الاحراق للنار و لعمري ان الذي ذكرنا في غاية الوضوح و نهاية الظهور اوضحت الامر لتبين الرشد من الغي.

فان كنت ذافهم تشاهد ماقلنا   و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنا
و ما ثمّ الاّ ماذكرناه فاعتمدعليــ   ـه و كن في الحال فيه كما كنّا

ازالة وهـم: لعلك تنظر في بعض الاخبار و تراه بظاهره يخالف هذا الاعتبار كقوله تعالي و اصطنعتك لنفسي و قوله تعالي لولاك لماخلقت الافلاك و لولا علي لماخلقتك و قوله تعالي خلقتك لاجلي و خلقت الخلق لاجلك و قوله7نحن صنايع ربنا و الخلق بعد صنايع لنا و امثالها مما يدل بظاهرها علي مراد القائل بانها عين الفاعل لكنك لو تأملت حق التأمل و امعنت النظر وجدت ماذكرنا لكنك بشرط ان‏تلاحظ قوله تعالي فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف و ماخلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون و تلاحظ ايضاً قوله عزوجل مازال العبد يتقرب الي بالنوافل حتي احبّه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها الحديث و قوله عزوجل ياابن آدم اطعني اجعلك مثلي و قوله7 في النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات اللّه العليا و قوله7 اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده مع انا للّه و انا اليه راجعون و علي مراد القائل انه سبحانه صنعه لغاية ذاته فان اراد بها ابتهاج الذات بحيث لولاها لم‏يحصل او انه من لوازم الذات و مقتضاءاته و كلا

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 249 *»

الحكمين باطلان اما الاول فللاستكمال و الثاني فلبطلان الجعل و الافتقار الي ثالث اذ المرتبط مفتقر الي ثالث فافهم فيكون اللّه سبحانه غاية له في انوجاده بايجاده تبعاً لوجوده فاختصه اللّه سبحانه بنفسه الظاهرة له به و لا شك في ذلك فان الانيات و لوازم الماهيات من الخطاب و الحضور و الغيبة و غيرها من الحدود لا غاية لها الاّ ذات اللّه و نفسه الظاهرة فيها بها و كل ذلك علي حد قوله7 رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته . سبحان ربك رب العزة عما يصفون.

الاشراق الخامس: كل ما في الخلق له و كل ما له اليه و كل ما اليه عنه لاينزل من القدم الي الحدوث شي‏ء و لايصعد منه اليه شي‏ء انقطع الاتصال و انتفي الانفصال فعدم الخبر الاّ بالذكر و الاثر و هو ذكر الذاكر و وصف المؤثر.

قدطاشت النقطة في الدائرة   و لم‏تزل في ذاتها حائرة

و كل ما لغيره في غيره و كل ما لم‏يثبت لشي‏ء وقتاً او حالاً لم‏يثبت له ابداً لانّه قدتمّ بدونه فيكون الاخر ثابتاً في خارجه قال مولانا الرضا7 كل ما في الخلق يمتنع في خالقه فاذا عرفت هذا فاسألك انّ العلة الغائية من مبادي الكون و اسبابه ام لا فان قلت لا كابرت الحسّ و الوجدان و البرهان و ان قلت بلي قلت هل هي مع الكون او قبله او بعده فان قلت قبله بالذات بحيث لها استغناء عن الكون و الشي‏ء و لا ذكر له فيها بوجه من الوجوه فقدابطلت قولك هذا خلف و ان كان قبله في التعلق و الذكر و التصور كالواحد قبل الاعداد في التقريب و ان قلت انّها بعده فقدابطلت عليّته فان قلت معه بحكم المساوقة من دون التحاوي مع الحواية فقدقلت حقاً و اثبتّ العلية فانّها قبل المعلول لاتسمّي و عنده جاءت التسمية فان كانت منبئة عن تجدد وضع في المسمي فقدصحّ والاّ فكذب و لا وجه للمنع في الاول و الاثبات في الثاني و قدقلنا انّ الاسماء اللفظية بازاء الاسماء المعنوية فان قلت اسمّي الذات علة مع قطع النظر عن

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 250 *»

المعلول كلياً خالفت العقل و النقل و ان قلت من حيث صدور المعلول عنه فقداثبتّ الاضافة و المقارنة و هي في رتبة دون رتبة الذات لتأخرها و ثبوت الذات فلم‏يبق الاّ التساوق و المعلول اعم من ان‏يكون ذكراً او عيناً فتكون العلة متأخرة عن الذات و الغائية و ان كانت متقدمة في التصور لكنّها متأخرة في الوجود و التحصّل فانقطعت نسبتها عن الذات اللّهم الاّ ان‏تكون الذات ناقصة تتمّها و هذا ايضاً بالنسبة اليها مستحيل و مرجعها الي بعض الاضافات و الاوضاع فان الطلب متأخر عن ذات الطالب و ان تساوق مع نفسه فتكون الغاية راجعة الي الخلق و الحق سبحانه منزّه عن كل مايستند الي الخلق و يرتبط به بالذات و بالعرض.

تحقيق الحـق و ترجيح الصـدق: انّ العلة الغائية هي محبة المعرفة اي المعروفية اي العلم الهاتف بالعمل ليتّصلوا بذلك باعلي مقامات القرب و يكملوا في مراتب الحب و تسعهم عناية الرب و يصلوا به اعلي درجات الكمال و ينتفعوا من الفيض الابدي و الامر السرمدي و الي اللاّيزال فالغاية هي اظهار الرحمة و بسط عوائد الكرم و المنة ليستكمل بها الناقصون و يستغني بها المعدمون فهي خلق راجع الي خلق و لايستند الي ذات الحق سبحانه شي‏ء فهي اولي للخلق و اخصّ لهم لا له سبحانه و هو الجود المحض اذ الجود علي مااشار اليه صاحب الاشارات هو افادة ماينبغي لا لعوض و لعل من يهب السكين لمن لاينبغي له ليس بجواد و العوض يعمّ الثناء و المدح و التخلص من المذمة و التوصل الي ان‏يكون علي الاحسن او علي ماينبغي فمن جاد ليشرف او ليحمد او ليحسن به مايفعل فهو مستفيض غير جواد و كلامه الي هنا صحيح اذ الحق سبحانه ماتعلق به شي‏ء بعد الخلق من الاحوال و الصفات الذاتية زائداً علي ماكان قبل الخلق قال مولانا اميرالمؤمنين7 و لم يكوّنها لتشديد سلطان و لا لخوف من زوال و نقصان و لا للاستعانة بها علي ندّ مكاثر و لا للاحتراز بها من ضدّ مشاور و لا للازدياد بها في ملكه و لا لمكاثرة شريك في شركته و لا لوحشة كانت منه فاراد ان‏يستأنس اليها ثم هو ينفيها بعد تكوينها لا لسأمٍ دخل

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 251 *»

 عليه في تصريفها و تدبيرها و لا لراحة واصلة اليه و لا لثقل شي‏ء منها عليه لايملّه طول بقائها فيدعوه الي سرعة افنائها لكنه سبحانه دبّرها بلطفه و امسكها بامره و اتقنها بقدرته ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه اليها و لا استعانة بشي‏ء منها عليها و لا لانصراف من حال وحشة الي حال استيناس و لا من حال جهل و عمي الي علم و التماس و لا من فقر و حاجة الي غناء و كثرة و لا من ذلّ و ضعة الي عزّ و قدرة الخطبة و هو لعمري كلام جامع و ان اتي بمايفهمه العوام فانّ فيه اسراراً لايعلمها الاّ العلماء الاعلام و اما قوله و العالي لايكون طالباً امراً لاجل السافل حتي يكون ذلك منه جارياً مجري الغرض فانّ ماهو غرض لقديتميز عند الاختيار عن نقيضه و يكون عند المختار انّه اولي و اوجب حتي انّه لو صحّ ان‏يقال فيه انّه اولي في نفسه و احسن ثم لم‏يكن عند الفاعل لم‏يكن غرضاً فاذاً الجواد و الملك الحق لا غرض له و العالي لا غرض له في السافل فليس بصحيح فانّ الغرض لم‏يتعلق بالشي‏ء في ذات اللّه سبحانه و انما هو في خلقه بفعله و خلقه في ذاته بجميع شئوناته عدم محض و ممتنع صرف ذكراً و عيناً فلم‏يكن هناك شي‏ء اولي من شي‏ء لامتناع الاشياء فيها و هي انما كانت في الخلق للخلق بالخلق فصار البعض اولي عند اللّه و احسن و بعضها اقبح احبّ شيئاً و كره الاخر و رضي عن شي‏ء و ابغض الاخر فان انكرت اثبات هذه الاوصاف للّه سبحانه كذّبت الرسل و الكتب و ان اثبتّها في ذاته تعالي كفرت كفر الجاهلية الاولي و لايلزم من فعل الشي‏ء للغير استكمال الفاعل به بل قديكون ذلك عاراً عليه و انّمايفعله لمحض الجود و لايلتفت الي شي‏ء نعم اذا كان الاختيار و الفاعلية في مقام الذات فكما قال لكنه ليس كذلك لانّ الملك دام في الملك و رجع من الوصف الي الوصف و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود و من العجب انّه اراد تخليص نفسه من سوء الاستكمال و توهمه اوقعها في قبح اعظم و قول اشنع و قال انّ تمثّل النظام الكلي في العلم السابق مع وقته الواجب اللائق يفيض منه ذلك النظام علي ترتيبه في تفاصيله معقولاً فيضانه و ذلك هو العناية

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 252 *»

و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور ألم‏يعلم انّ الكثرات الغير المتناهية العلمية تقدح في الوحدة البسيطة و القول بانّ الوحدة في الكثرة ان كان كالشجرة في النواة او هي و اغصانها هو قولنا انّه كفر و زندقة و الاّ فسفسطة صريحة.

عود في التحقيـق بطور انيـق: دع عنك يا اخي هذه الاوهام الباطلة المظلمة الغير المستشرقة باشراقات انوار الائمة الطاهرة عليهم سلام اللّه مادامت الدنيا و الاخرة فانّها كلّها سبل الضلالة و لاتتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله و انّما اتينا بها هنا ارشاداً للمسترشدين و هداية لهم في معرفة تحريف المبطلين و كيفية التخلص عنها بهداية الائمة الطاهرين و الاّ فالقول واحد لكونه من الرب الواحد و العلم نقطة كثّرها الجاهلون و هو كماقال سبحانه كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف فالغاية هي المحبة و المعرفة الخلقيّتان لا الابتهاج الذاتي الذي توهّمه اشباه الانسان و هي خلق جعلها للخلق و غاية هذه الغاية نفسها و لاتنتهي الي الذات سبحانه و تعالي فانّها ليست غاية لشي‏ء و الاّ لم‏يكن لا كالاشياء لوجوب تشابه المتصلين في الملتقي انّ الي ربك المنتهي فهو لايتناهي و يحيط بمالايتناهي بمالايتناهي فالغاية في الايجاد و الاحداث هو ظهور العالي للسافل بالقاء مثاله فيه ليهتدوا به اليه و يراه بعينه فانّها رؤية حق فيفني في بقائه و يسكر في صحوه فيبقي في فنائه و يصحو في سكره فيحيي بالحيوة الابدية و يقوي بالقوة السرمدية و يظهر مثالاً له في العوالم الكونية و العينية و الشرعية و الوجودية فيخاطب بانّي سمعك الذي تسمع به و بصرك الذي تبصر به و يدك التي تبطش بها الي ان استأهل للقول بانّك مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي الي ان‏ينتهي الي القول بانّ ظاهرك للفناء و باطنك انا فيقال له انه ذات اللّه العليا و شجرة طوبي اطعني اجعلك مثلي انا اقول للشي‏ء كن فيكون و انت تقول للشي‏ء كن فيكون انا حي لااموت تكن حياً لاتموت و هذه هي الغاية

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 253 *»

القصوي و المقام الادني و المقصد الاقصي و لمّاكان العود عين البدء كمابدأكم تعودون فتكون هي الغاية في البدء لكنّها غاية الظهور في الظهور بالظاهر في مقام الفاعل و الذات منزه عن ذلك كلّه سبحان ربك رب العزة و قداشرنا الي الكل بقولنا في بعض الاشارات انّه لمّاظهر ماظهر لماظهر بماظهر تثلث ماظهر الخ فالغاية للظهور و هي ماذكرنا ولكنّك اعلم انّ السافل هو عين الظهور المحتجب بالظهور فالذات ابداً في غيبها و الظهور في عمائها.

سرّ خفـي و علم الهـي: اعلم لو كنت تعلم انّ العلة الفاعلية و الغائية قداتّحدتا مطلقاً في الفعل البدوي لا الالتي (الاتي خ‏ل) او مطلقاً لانّ الفاعل ليس الاّ نفس الظهور للذات الظاهرة في الافاق و الانفس و المظاهر انّما اوتي بها لاجل ذلك الظهور و تشعشع لمعان ذلك النور و تلك هي حدّ الغيور و اصطنعتك لنفسي و خلقتك لاجلي. نحن صنايع ربنا لا ذات اللّه جلّ و علا لتنزهها عن ان‏يكون غاية و ان كان هو غاية كل ذي‏غاية فالغاية لظهور الظهور لا نفس الظهور و هو اي الثاني ظاهرية الحق سبحانه لماظهر له به و لمّاكان كل يعمل علي شاكلته كان كل السوافل و المظاهر علي هيكل الظهور الذي هو هيكل التوحيد قال7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره فتحققت العلة الصورية فاقترنت و اتصلت و لمّاكان السافل ليس الاّ العلم و العمل اذ قيمة كل امرء مايحسنه من العمل فقوام العمل بالعلم و هو مادة المواد و اسطقسّ الاسطقسّات و ليس الاّ علم العالي بالسافل الذي هو نفس السافل و علم السافل بالعالي الذي هو نفس العالي و انما هو ذلك الظهور الهاتف بالعمل الطالب للمظهر كان ذلك مادة له فهو نور الانوار فتحققت العلة المادية فاقترنت فاجتمعت الاربعة المتناسبة في الاكوار الثلثة (و الاكوار الثلثة خ‏ل) في الادوار الاربعة فصاح الديك و نعق الغراب و هدرت الحمامة و انتشرت اجنحة الطاوس في الجبال العشرة فتمّ الامر بالباء ثم بالميم و ظهر سرّ ذلك في الم ببيان انّ الالف هي عين الباء فافهم.

كشف غطـاء: و نزيدك توضيحاً لانّ المقام من مزالّ الاقدام فكم زلّت

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 254 *»

للاعلام فيه الاقدام فاعلم انّ الظهور هو الفاعل اي الظاهر اي الكلمة التامة و ظهورها هي الغاية و هي الدلالة و الودق الغدق المغدق الهاطل من سحاب التجلي الاول و ظهور المقابل في المرءاة الاولي و ذلك هي مادة المرءاة اي نفس الصورة و الزجاجة محلها و تلك الصورة كهيئة الظهور الاّ انّها تختلف بالقوابل نعم ماقال:

و عينك عيناها و جيدك جيدها   ولكنّ عظم الساق منك دقيق

فافهم لئلايشتبه عليك الامر ولو سألتني عن حقيقة الامر،

اخاف عليك من غيري و مني   و منك و من زمانك و المكان

و التلويح اليه انّك ماعلمت البيان من الرحمن في حقيقة الانسان يظهر لك سرّ العلة الفاعلية فاذا تفطّنت لمعاني ذلك البيان سطع نور العلة الغائية فانّها و ان كانت متأخرة في الظهور لكنّها مقدمة في الذكر فاذا اتيت المدينة وجدت العلة المادية فاذا دخلتها من بابها او من ظهرها تنكشف حقيقة العلة الصورية فانتهت الامور الي الواحد الا الي اللّه تصير الامور. انّا للّه و انّا اليه راجعون. و الخلق بعد صنايع لنا. و خلقت الخلق لاجلك. و هنالك الولاية للّه الحق. و ننزّل من القرءان ماهو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً فافهم راشداً ماالقينا عليك من اسرار الحق و الكبريت الاحمر و لاتقل انّ العلة الفاعلية هي عين العلة المادية مطلقاً او الصورية كذلك فانّه كفر و زندقة بل لمااشرنا اليه كماتوهمه بعض الجهال من اهل العناد لمّاسمع ذلك من الاستاد ادام اللّه ظلاله علي رءوس العباد والسلام.

اللمعة الرابعة

في المحبة و بيان قوله تعالي «فاحببت ان‏اعرف». قال اللّه تعالي «قل ان كنتم تحبّون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه و يغفر لكم ذنوبكم ان اللّه يحبّ التوّابين و يحبّ المتطهرين» قال7 «المحبة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 255 *»

حجاب بين المحب و المحبوب» و قال7«قلوب خلت عن ذكر اللّه فاذاقها اللّه حبّ غيره» و لهذه اللمعة اشراقات:

الاشراق الاول: اعلم ان الالفاظ و العبارات لاتوصل الاّ الي المفاهيم الذهنية التي هي دلالة اللفظ المتشخصة بالعوارض الغيبية من الصفاء و الكدورة و المقابلة و عدمها و تمامها و نقصانها فتتكثر بعدد الالتفاتات الذهنية و ليس المراد الاّ الواحد و العلم نقطة كثّرها الجهال هذا حكم المقابلة الاولية في العوالم اللفظية فماظنّك بالذي قابل المقابل سيما بعد تعبيره باللفظ غير الاول مع القطع بان اكثر المعاني لاتعبر و لا كل ما يعبر يقدر المعبر علي التعبير علي وجه و لا كل ما هكذا يصح ان‏يتلفظ و لا كل مايصح ان‏يتلفظ يتّضح المطلب و هكذا كل ما بعد بعد وجه اصابة المراد فمن اقتصر علي العبارات حرم عن الاشارات و التلويحات و ماعرف الاّ قشور بعض الصفات و احتجب عن مشاهدة الذوات في حلية الصفات و لنعم ماقال ان اغلب الناس قتلاء العبارات و من نظر الي حقيقة المعاني قاطعاً التفاته عن المباني يقف علي السرّ الالهي في اللبّ الانساني فاذن يدرك البيان ببدايع المعاني فبعد ماالتفت الي اللفظ تتزايد له المعاني و يتصل بالامال و الاماني فيعرف التلويحات و الاشارات و يتفطن لدقايق الاوضاع و الاضافات و الاقترانات و كيفية اداء العبارات و الي ماذكرنا اشار ربّ البريات و اوحي ربّك الي النحل منتحل العلم لكونه محله علي معني و كان عرشه علي الماء في الحقيقة الاولية و الحقايق بعد حقايق الي اخر اكوارها في ادوارها ان اتخذي من الجبال الالفاظ لكونها محل المعاني و ظاهرها و محيط بها كالجبل المحيط بالدنيا ق و القران المجيد، بيوتاً اصولاً و قوانين و من الشجر المعاني لتشعبها بالجهات عن اصل واحد و مما يعرشون من الارتباطات و الاضافات بين الالفاظ و المعاني بحكم المناسبة الذاتية او بين الالفاظ اي الكلمات بعضها مع بعض من المنطوق و الصريح و غيره و دليل الاشارة و دليل الاقتضاء و فحوي الخطاب و لحن الخطاب لاحظاً

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 256 *»

للمعاني راعياً الميزان القويم و القسطاس المستقيم ثم كلي من كل الثمرات  بالنظر و التتبع في الكلمات و الاشارات من اهل الحق و الثبات او مطلقاً اذ عندك الميزان الباتّ فاسلكي سبل ربك ذللاً بالنظر الي الميزان و ربط المناسبات و النظر في الحقايق و التلويحات الكونية الوجودية و اللفظية و الملائمات البرزخية و المقارنات الحرفية و الموافقات العددية و المرابطات التعبيرية و مقامات التأدية من العبارة و اقتضاء المقام يخرج من بطونها اي تلك الاحكام الكلية شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس و هدي و رحمة من امراض جهالتهم الي نور العلوم الكلية من الابواب التي تنفتح منها الف باب فاذا فهمت هذه القاعدة الكلية في معرفة الاحكام اللفظية فاستعملها في كل مقام و انظر الي الحقيقة ثم اعمد الي اللفظ في المرابطات سيما في معرفة مطالبنا فانها من الكتاب و السنة و مااجمعت عليه الامة و لاينفتح ابواب الاحاديث الصعبة المستصعبة الاّ بهذا المفتاح القوي و الاّ «فكل يدعي وصلاً بليلي» و كأين من اية في السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون فنقول هل تجد في ذاتك تجدداً و حركة ام لا فان قلت نعم فهل قبل التجدد كنت انت ام لا فان قلت لا صدقت و ان قلت نعم كذبت فان الذات لاتتوقع شيئاً من حيث الكينونة و التحقق غيرها فان توقعت فلم‏يكن مافرضناه هو هذا خلف فاذا ليس في الذات الاّ هي و هي من حيث هي ليست الاّ هي و كل مايتأخر فهو المتأخر و الاّ لايكون الاّ المتأثر فان المتأخر تأكيد المتقدم في السلسلة الطولية كقولك ضربت ضرباً و قعدت جلوساً فانت في كينونتك انت ثم تميل الي شي‏ء بحركة قلبك اليه لكنها في غاية السرعة لانها في اعلي مراتب اللطافة بالنسبة اليك و هو اول ذكرك للشي‏ء و ذلك هو المشية قال7أتدري ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول و هي الارادة قال7 الارادة من الخلق الضمير و مايبدو له بعد ذلك من الفعل و هو الاختراع قال7 المشية و الارادة و الاختراع معناها واحد و اسماؤها ثلثة و من حيث ان الميل لايكون الاّ للملايم و اليه يسمي حباً و محبة فالمحبة هي ذلك الذكر الاول و هي

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 257 *»

سرّ الوجود و ظهور الحق المعبود فيعبر عنها حسب الارادات باسماء مختلفة.

الاشراق الثاني: و لمّا كان هذا الذكر الاول المسمي بالارادة يختلف في الشدة و الضعف و الزيادة و النقصان و له مراتب كثيرة غير محصورة لكن كلياتها تجتمع في تسعة مرتبة اول التربيع و الجذر المستنطق بكمالي الشعوري و الظهوري في احب الاسماء و اكرمها سميت كل مرتبة باسم يغاير الاخري و ان اجتمعت في اسم المحبة و كل ذلك مظاهر ذلك الذكر و مقاماته حسب المذكورية فالاولي يسمي ميلاً و هو انجذاب القلب الي مطلوبه و الثانية تسمي ولعاً و هو اذا قوي و دام ذلك الانجذاب و الثالثة تسمي صبابة و هو اذا اخذ القلب في الاسترسال الي من يحب فكأنه انصب كالماء اذا فرغ لايجد بداً من الانصباب و الرابعة تسمي شغفاً و هو اذا تفرغ له بالكلية و تمكن ذلك منه و الخامسة تسمي هوي و هو اذا استحكم في الفؤاد و اخذه عن الاشياء و السادسة تسمي غراماً و هو اذا استولي حكمه علي الجسد و السابعة تسمي حباً و هو اذا نما و زالت العلل الموجبة للمنع للميل و الثامنة تسمي ودّاً و هو اذا هاج حتي تفني المحب عن نفسه و التاسعة قيل انها تسمي عشقاً و هو ما اذا طفح حتي فني المحب و المحبوب و في هذا المقام يري محبوبه و لايعرفه و الوجه في ذلك ان الشي‏ء له شئون ذاتية و شئون عرضية و شئون اضافية و وضعية و حقيقة صرفة و لطيفة محضة المجردة عن الشؤن المنزهة عن الاعتبارات صور الهية و مثل ربوبية خالية عن المواد عارية عن القوة و الاستعداد تجلي لها بها فاشرقت و طالعها فتلألأت و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و تلك الشؤن هي سبحاتها و هياكل تنزلاتها و اذا التفت اليها كانت في عوالم غربتها و هجرتها و عدم الوصول الي مسكنها و موطنها و اذا غفلت عنها فهي في انسها و كمالها و ذلك الذهول المطلوب لايكون الاّ بالميل الي عاليها كما انها ليست الاّ هو فاذا مالت الي العالي و نظرت اليه اخذت تنجذب تلك السبحات و تنكشف الاضافات فاولاً يذهل عن غيره من الشؤن العرضية و بينها تلك المراتب

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 258 *»

الاولية عن الميل الي الهوي ثم يأخذ في الذهول عن نفسه بمراتبه من الغرام الي الودّ ثم يذهل عن العالي المنظور اليه و يتصل به اتصالاً عيانياً من حيث فقدانه و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فان المحبة حجاب بين المحب و المحبوب لاقتضائه التثليث و هو ينافي الحبيب ففي الاول كان نظرها الي كرة كلية ذات حركات وضعية و لها دورات عرضية و في ثخنها (تحتها  خ‏ل) الافلاك فالكرات الكلية و الجزئية مع متمماتها و عوالمها و تداويرها و قراناتها و اوضاعها المستندة المتقومة باقطابها و محاورها و في الثاني نظرها الي نفسها من حيث متمماتها الحاوية و المحوية و في الثالث نظرها الي القطب النقطة الحقيقية المقومة للكرة مع قطع النظر عن نفس الكرة و لواحقها الذاتية و العرضية و في الرابع تخرق حجاب النقطة و تنظر في اول نظرها من سمّ الابرة حتي تخرق حجاب النهاية و اخذ في اللانهاية فلا غاية و لا نهاية ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فلحق الاول بالاخر و الباطن بالظاهر.

الاشراق الثالث: حبّك للشي‏ء جهتك اليه و استدارتك عليه فان كانت ذاتية تدور لا الي جهة و لا وضع و لامحور لها فان كانت الاستدارة علي خلاف التوالي كان ذلك عين محبوبك لك فانه قدتجلي لك بك فهو محبك و محبوبك احبك بك و احببته به فنظرت اليه به و نظر اليك بك و هذه لعمري هي المحبة الصادقة لا زوال لها و لااضمحلال بل هي باقية ببقاء المحبوب فيما لم‏يزل و لايزال فلايزال هو متجلي له به و جاذبه عنه و هو فانٍ فيه و منجذب اليه كانجذاب الحديد للمقناطيس بلا كيف و لا اشارة و هذا هو الاستيناس في ظلال المحبوب احب محبه بعين محبته له فمحبة المحبوب لمحبه في هذه السلسلة اقدم احب جماله بجلاله فنظر جلاله الي جماله بعين جماله كما نظر الي جلاله بعين جماله و لست ادري عرفت مرادي من هذا البيان المردد المكرر ام لا و هذا عكس مايزعمون فان جهة العالي و ميله الي السافل لو كان في رتبة العالي لكان السافل عالياً فيجب ان‏يكون في رتبة السافل لا بحيث يلزم

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 259 *»

العكس من كون العالي سافلاً بل العالي عالٍ و السافل سافل فالظهور السافل بالسافل من حيث كونه عالياً و هو المحبوب المتقدم محبة لمحبه (محبه خ‏ل) علي محبه و محبة السافل للعالي بالعالي من حيث كونه سافلاً اعرفوا اللّه باللّه و قال من قال و لقد اجاد في المقال:

رأت قمر السماء فذكّرتني   ليالي وصلنا بالرقمتين
كلانا ناظر قمراً ولكن   رأيت بعينها و رأت بعيني

و اما حبّ الشي‏ء نفسه عين نفسه و هذا معني محبة الحق للخلق و محبة الخلق للحق يحبهم و يحبونه فتامّ المحبة من لايري سوي المحبوب و كاملها من يفقد المحبوب بالاشارة لانه دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فاتحد المحب و المحبوب و المحبة الاّ انه هو هو و نحن نحن و لمّا كان الايجاد انما كان بالمحبة سرت و جرت المحبة في كل موجود و مكوّن غايب و مشهود فماثم شي‏ء موجود ام معدوم جوهر ام عرض لفظ ام معني الاّ بها فهي شمس عالم الوجود لانها نار الشجرة الغير الشرقية و لا الغربية الماسّة زيت تلك الشجرة الصافي الذي يكاد يضي‏ء في عالم الشهود و لو لم‏تمسسه تلك النار في فلك الاسم الودود فبحرارتها استقام كل مزاج و هي منشأ كل سرور و ابتهاج فهي مادة المواد و صورتها الاتصال بالمراد و ببرودتها ظهر ذلك النور بمافيها من القابلية و الاستعداد فكل محبة تستلزم الاتصال و كل اتصال يلزمه الانفصال فبالاتصال يسكن المحب و بالانفصال يتحرك سريعاً فلولا الاتصال بطلت المحبة لكونها فرع مشاهدة الجلال و الجمال فلا محب و لا محبوب و لولا الانفصال تمت و انتهت و ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فهو دائماً يسير الي محبوبه و دائماً يتجلي له محبوبه فاذا سكن عنده تجلي له في مقام اعلي فيشتد سيره و يعظم ميله.

كلما جاء كأس يأس مرير   جاء كأس من الرجا معسول

فبالحب سكن السواكن و تحركت المتحركات فالساكن لسرعته لاتري لها حركة خلق ساكن لايدرك بالسكون مع انه عين الحركة و تري الجبال تحسبها

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 260 *»

 جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب. صنع اللّه الذي اتقن كل شي‏ء و تلك الحركة لتلك الحرارة و الداعية المشوّقة السارية في كل الذرات من باب الايات و هي اثر حب اللّه قدسري في خلقه ليكمل به ميولاتهم اليه مع تباين اطوارهم و قدضجّت اليه الاصوات بفنون اللغات و اجتمعت لديه العقول المتباينة المتخالفات و هو سرّ توحيده و اية تفريده.

و في كل شي‏ء له اية   تدلّ علي انه واحد

و هي تلك المحبة السارية في كل اقطار الوجود و بها امتاز العابد من المعبود و لولاها لم‏يكن شي‏ء موجود او هي سرّ الايجاد و علة الانوجاد و جهة الاتصال و مادة الانفصال تسرع بالاشياء الي مباديها و توصلها الي اصولها و جواهرها و تعرّفها مقامها و رتبتها اجمل لك المقال بانها عين الكمال في المبدء و المئال و السلام علي اهل الوصال.

تنبيـه: العالي لايزال يحب السافل و يلتفت اليه من حيث هو كذلك لولاه لا سبيل للسافل اليه و السافل ليس الاّ عين محبة العالي و محبوبيته له و محبيته فالقول بان العالي لايلتفت الي السافل بظاهره باطل اذ السافل ليس الاّ التفاته فوجوده نقض لقولهم نعم التفات الانتفاع منتفٍ و كذا الذكر عند الذات هذا في السلسلة الطولية من الازل الي الابد الذي هو نفس ذلك الازل فكل سافل ساير الي جهة العالي و مشتاق اليه و راغب فيما لديه و منقطع اليه و لايريد سواه و لايطلب غيره من حيث هو و كذا العالي بالنسبة اليه الاّ ان محبة العالي مقدمة فاحبه بماجعل فيه من محبته فاحبه بمحبته له لا العكس و محبة السافل تقتضي الدوران و الاستدارة الابدية علي نفسها لانه يطلب العالي في سيره لفرط شوقه و كلما يصعد اليه يرجع قهقري عند نفسه فيطلب الغير في مقامه و لايمكن الوصول اليه فلذا لم‏يزدد الاّ حباً و شوقاً و شغفاً و غراماً و ولعاً و لايزال يتجدد و له تجلي المحبوب و لاينزل اليه ابداً

قذفتهم الي الرسوم فكل   دمعه في طلوله مطلول

الطرق الي اللّه بعدد انفاس الخلايق و ان اللّه لايتجلي في صورة مرتين لا بذاته

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 261 *»

حاشا ربي بل بتجليه فهم من فهم و عرف من عرف ان جمال المحبوب له ظهورات حسب مراتب المحبين المشتاقين الولهين الفانين ثم لجماله جمال و لجمال جماله جمال و هكذا و للكل طالب و مشتاق لكن لايطلب جماله الاّ جماله و لايريد وصاله الاّ جلاله و لايبصر نوره الاّ طرفه.

اعارته طرفاً رءاها به   فكان البصير بها طرفها

و لو كان لك بصر حديد او القيت السمع و انت شهيد علمت عياناً و شاهدت احساساً انه مااحبه الاّ نفسه لا كمايقوله اهل الضلال فان كلمات اهل الحق و الباطل متشابهة في ظاهر الحال بل لماذكرنا و اصّلنا لايري فيه نور الاّ نورك و لايسمع صوت الاّ صوتك و تلك المحبة هي القطب الذي عليها مدار الاكوار و الادوار في كل الاطوار لا الي جهة كما هو شأن الاستدارة علي القطب و هناك لا فرق بين دوران الاكوار و الادوار فان كل ذلك دورة الهية سرمدية و ذلك القطب كرة يدور علي قطب محبوبه فانقلبت الدائرة كرة و الكرة نقطة و هي دائرة علي نفسها علي التوالي و خلاف التوالي.

الاشراق الخامس: اذ قدعلمت ان الوجود قام بالحب و عاد اليه فاعلم ان المحبة محبتان ذاتية و عرضية و الذاتية ذاتيتان احديهما هو اللانهاية السائرة الدائرة علي محبوبها بالاستدارة الحقيقية لا الي جهة و قدتقدّم حكمها و ثانيهما مقامات النهاية و كل نهاية سيرها الي جهة فلاتكون الدوران علي القطب بل علي المحور فتختلف مراتبها في المحبة حسب ميولاتها التكوينية المحضة و الوصفية فاعلاها المقامات العقلية فانها من حيث كينوناتها لاتسير الاّ الي جهة تلك المحبة و تميل الي الحدود الغيبية المعنوية و الي المعاني الكلية و لقربها الي المحبة الحقيقية سريعة الوصول تخرق حجب النهاية الي اللانهاية و لذا لايميل الي ماينافيها و يضادها و لايشتاق الاّ الي خدمة المحبوب و ملازمته و امتثال اوامره و نواهيه و ايثار محبوبه الحقيقي علي ماسواه فهو لاينظر الاّ الي تلك المحبة لكنها في حجاب رقيق يتلألؤ بخفق و هو من

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 262 *»

زبرجد و اسفلها المقامات الصورية المترتبة الي العشرين و تجمعها الصور النفسية و الجسمية و العرضية من الكيفيات و الكميات و الجهات و الاوضاع و غيرها و اعلاها الاعلي و هي الادني فاقدة للمحبة الحقيقية لكمال بعدها عنها و احتجابها بالغواشي حتي تشغله الكثرات و تلهيه الاضافات و الميل في هذه المقامات لاتكون لذاته بل لجهة من الجهات و حيث من الحيثيات و ذاتيتها الي الاخر ربما ينبئ عن ميل الاخر و تؤالفهما في العالم الاول الذر الثالث و تقابلهما و تواجههما و قد لاينبئ لجواز ان‏يكون في ذلك العالم وجهه علي ظهره هكذا او يكون الميل العرضي بدواعي اللطخ و الخلط و قدينبئ ذلك عن ميل الاخر اليه فالواقف في هذا المقام لم‏يزل في احتجاب و ابداً علي وجه مقصوده حجاب و نقاب فسيره العرضي المعكوس و شمس مدارجه في الافول و الطموس و اوسطها الاوسط و هو الحجاب الاسود لاتدور الاّ الي الجهة و هي الجهات الحسية و المدارج الرسمية حجاب غليظ و ميلها عكس الميل الكلي فلاتميل الاّ الي الصور الجسمية و لايشتاق الاّ اليها و لايهوي الاّ اياها و تترتب عليها مقتضي محبتها و مودتها و فيها نسيان المحبوب الاول لان كينونتها علي خلافه و ان كان قوامها به و دلالتها عليه فشوقها الغريزي و ميلها الذاتي الي الجهات و ذوات الاوضاع و الحدود و كذا الشوق الوجداني و الشعوري فانهما قديتخالفان عند احتجاب الواقفين بالحجب الظلمانية و الاّ فلااختلاف كاهل الجنة في درجاتهم و مقاماتهم حسب اقتضاء كينوناتهم باعمالهم و دواعي اقبالهم و لايميلون الي ماليس لهم و لايشتاقون اليه ليكدر عليهم صافي شربهم كما في الدنيا ام يحسدون الناس علي مااتاهم اللّه من فضله. و لاتتمنّوا مافضّل اللّه به بعضكم علي بعض و قال7 لو كشف لكم الغطاء لمااخترتم الاّ الواقع فالمحبة الكينونية هي المتقدمة و لها الحكم و التأثير في حال التخالف لانها ذاتية و الاخري عرضية و اسفلها السفلي و تلك المحبة حجاب اسود غليظ كالليل الدامس كثير الحيات و العقارب فيه اهوال منكرة و مقامات مظلمة و لاتميل الاّ الي الحدود الكثيفة و هي عن المحبة الحقيقية بعيدة بعيدة و في هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 263 *»

المقام يحصل الميل الي الصور المقدارية الجميلة و الشمائل المستحسنة كما هو معهود الان في ابناء هذا الزمان و غيره و اما دعوي مجازية هذه المحبة و امثالها فاعلم ان الحدود من حيث هي حدود لاتكون مجازاً اذ حركتها تبعية و سيرها لظهور الحقيقة و حركتها ضدية مجتثة فتدور علي خلاف جهتها فبطلت المجازية نعم المحدود مجاز للمطلق و النور مجاز للمنير و الحركة مجاز للمتحرك لا من حيث هي كذلك فاذا نظرت اليها لا من حيث هي بل من حيث ظهور العالي كان مجازاً فاذا انطوت الحدود و اضمحل لها الوجود و الشهود فالواقف في مقام مجاز المجاز حيث لم‏يصل الي الحقيقة ان كان صادقاً لم‏يكن نظره الاّ اليها فحيث لم‏يصل اليها بعد هو في مقام صحوه و مرتبة فعله و عالم فرقه ففي عالم الفرق للمحبوب ذكر عند المحب كما في عالم الجمع محو و سكر و اتحاد بل وحدة في مقام الحب الحقيقي الذي هو عين المجازي فاهل المجاز الواقفين في عالم الاغيار و الاكدار حيث فقدتهم العين فاين لهم من الذكر و لمّا كان ذكر المحبوب اللايق له لايمكن الاّ بعد الاتصال في مقام هو نحن و نحن هو و يتعذر ذلك لاهل المجاز حيث هم بعد طالبون للجواز ابان لهم المحبوب في مستسرات الغيوب و جعل لهم في عالم البين و الفرق تلك الاذكار لتكون موصلة لهم الي تلك الديار اذ كما عرفت ان المحبة في الرتبة الاولي هي ذكر المحبوب و ذلك الذكر هو ما اسّس الشارع من انواع الطلب و اقسام التذكر فاذكروا اللّه كما هديكم و من المعلوم البين ان المحب ان حرم عن المشاهدة و هو صادق لم‏يزل في ذكر المحبوب و فكره فاذا نسي الذكر فهو كاذب في دعواه و مفترٍ في مدّعاه.

تعصي الاله و انت تظهر حبّه   هذا لعمرك في الفعال بديع
ان كنت فيه صادقاً لاطعته   ان المحب لمن احب مطيع

فالذي نظر الي الحدود و احتجب عن مشاهدة المعبود و اشتغل بها عن الركوع و السجود و يدعي انه من اهل المجاز فهو كذب و زور و فرية و غرور فاذا اشتغل بذكر المحبوب ذكره المحبوب فاذكروني اذكركم فجذبه اليه و اخرجه عن

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 264 *»

الحدود فلايري شيئاً الاّ و يري لمحبوبه فيه شهود فان كان من اهل المجاز يبكي و يشتد حزنه و بكاؤه و قلقه و اضطرابه لفقدانه الجلوس مع المحبوب علي سرير القرب في عوالم الغيوب فاذا لايتفاوت له مظهر دون مظهر و اثر دون اثر اذ لا غاية له الاّ ملاحظة المؤثر المحبوب فكل الايام له يوم واحد و كل الاشياء عنده شي‏ء واحد و هو ظهور المحبوب فلم‏يزل ناظراً في اثاره و اياته و لاحظاً في مقاماته و علاماته و ملتزماً ذكره و فكره كما كان للاولياء الصديقين و الاحباء الراشدين و اهل العرفان و اليقين مثل ذلك الهندي الذي كان ينظر الي السماء فيبكي و الي الارض فيبكي و الي الشرق فيبكي و الي الغرب فيبكي و الي الجنوب فيبكي و الي الشمال فيبكي و لم‏يزل يشتغل بتلك الاحوال و مثل سلمان اعجوبة الزمان و هؤلاء لعمري قليلون و هم عظيمون جليلون فمن فرّق بين مظهر و مظهر و اثر و اثر و قصّر نظره في واحد دون الاخر فهو محدود محجوب لايريد في قصده حقيقة المحبوب بل لايقصد الاّ ذلك الشي‏ء المطلوب و جعل قوله المجازي شبكة لصيد الجهال و مجازاً الي الكفر و الاضلال ألم‏تنظر الي ماقاله اهل الاصول التي هي ظاهر الوصول و باطن الحصول ان استعمال الكلي في الفرد حقيقة اذا لم‏يلحظ فيه الخصوصية بوجه و الاّ فهو مجاز و مرادهم بالحقيقة هو المجاز و بالمجاز هو ظاهر الجواز و هو الحقيقة الثانية المجتثة.

ارشـاد: يا اخواني لاتغترّوا باقوال بعض السفهاء المتسمين بالحكماء و هم اجهل الجهلاء حيث رخّصوا اهل الدواعي النفسانية الشهوانية في عشق الصبيان و الغلمان المردان و صرف بضاعة العمر في عشقهم الذي هو عين الطغيان بادعاء انه المجاز و المجاز قنطرة الحقيقة فاشتغلوا بها عن الصلوة و الصيام و الاقبال علي اللّه و الخضوع و الخشوع و التضرع له و الابتهال اليه في السرّ و الاعلان فلايتوجه الي الصلوة لو وقف لاجل الناس اليها و لايقوم للّه بعبادة و نسك فلو وقف للصلوة فهو مشغول بذلك الغلام الامرد بل ربّما يخاطبه فاذا ناداه في الصلوة قطعها و لبّاه و اذا رءاه شهق شهقة و نعق نعقة كأنهم حمر مستنفرة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 265 *»

فرّت من قسورة و لست ادري كيف يكون المجاز مخالفاً للحقيقة و كيف الطريق منافياً للطريقة و انت لو نظرت المرءاة و قصدتها في نظرك و التفتّ اليها في قصدك فقداحتجبت عن المقابل و مانظرت اليه و نظرك اذا في المرءاة غلط و عبث و هباء و الاشياء كلها مرايا مستقيمة لكونها مخلوقة علي الفطرة و لاينظر العارف الي الشئونات المختلفة التي هي جهاتها و انياتها بل لا قصد له الاّ ملاحظة جهة المحبوب فصحّ عندي و عند العرفاء الكاملين المؤمنين الممتحنين الذين ميّزوا الغثّ عن السمين و اشتغلوا بائمتهم المهتدين عن كل اهل الظن و التخمين و انت ايضاً لوتأملت فيماذكرنا و اصّلنا لك من الاصل الاصيل الذي هو اعظم برهان و دليل ان عشقهم هذا قبيح و هو و اللّه من فعل البطالين و المعطلين لا دخل له في السلوك الي الحق المبين بل هو طريق الي الجهل الكلي بمعونة الشياطين و هو اغلظ الحجب و اكثفها للسالكين و قدوفّقنا بحول اللّه و قوته علي ماهيته و علله و اسباب معانيه و غايته و لذا لما سئل مولانا الصادق7 عن العشق قال قلوب خلت عن ذكر اللّه فاذاقها اللّه حب غيره و هو في الحقيقة طرد و خذلان نعوذ باللّه من غضب اللّه و من فسّره بالتنبيه ليس له وجه وجيه و لم‏يطلع علي السرّ الخفي الذي فيه و ليس هو فضيلة نفسانية بل شبكة شيطانية و مااعجب مااستدلوا علي هذا الطريق الباطل و المسلك الهائل بوجود هذا العشق في المبادي العالية مثل اهل الفارس و اهل العراق و اهل الشام و الروم و كل قوم فيهم العلوم الدقيقة و الاداب الحسنة و الصنايع اللطيفة و فقدانه في مثل الاكراد و الاعراب و الترك ياسبحان اللّه ماعرف انّ اكثر الناس لايعلمون و لاتجد اكثرهم شاكرين و ان اهل الحق قليلون و قليلٌ‏مّا هم و قليل من عبادي الشكور و السرّ في ذلك انّه مااطلع علي حقيقة الامر و مأخذه والاّ لم‏يتفوه به.

و الاشارة اليه مجملاً ان اللّه سبحانه لمّا امر اللطيفة الالهية و الحقيقة السرمدية بالادبار لتصحيح الاقبال فنزل الي الجماد و كل ما بالفعل كان بالقوة و خفيت المبادي العالية و العوالم الاولية فلمّا امرها بالاقبال لاتمام الادبار اخذ في الصعود فكل مقام وصل اليه رءاه حسناً و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 266 *»

حسبه منزلاً لنسيانه تلك الفسحات النورية و العوالم الغيبية و كل سافل يظهر في الصعود قبل العالي الي ان وصل في صعوده الي مقام النفس مقام الكثرة و مقام الاختلاف و الصورة و رأي فضاء وسيعاً و عالماً فسيحاً اقام فيها و تمكّن النفس في مدينة حقيقتها و استولت علي عرش سلطنتها و اطاعتها الحواس و القوي و المشاعر و هي لاتشتهي الاّ المخالف و برهانه يأتي ان‏شاء اللّه تعالي فاذا ظهر العقل بعد تمكنها و استقرارها و دعي القوي ان‏تتوجه الي عالمه فانه احسن و اوسع و اشرف و فيه وجه المحبوب عصت النفس و صعبت علي القوي اطاعته لتمكنها و منعها فارسل اللّه الرسل معيناً له و ظهيراً فكلّف يعني امر الناس بالتكلف و المشقة مع ان الطاعات كلها من مقتضيات العقل و راحة للملائكة العقليين و مشقتها لما بيّنّا من سلب ما عادت النفس عليه و لذا طلب الاكثر الراحة و ماتقلدوا بهذه القلادة و اقلهم الذي قبلوا اكثرهم انكروا مايدعوهم الي مخالفة النفس كثيراً كالولاية و اقلهم الذي قبلوا اقتصروا علي الظواهر و غمضوا عن البواطن و ماقتلوا انفسهم الاّ قليل قليل قليل ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الاّ كالانعام بل هم اضل و اولئك هم الفاسقون و لست ادري كيف كان اهل الفارس و الروم من المبادي العالية الاّ من جهة شيوع اشتغالهم بالكثرات و غلبة الفسق و الكفر فيهم و اما علومهم فليست ممايتعلق بالدين و لو فرض ذلك فانما هي صناعات العلم يهتف بالعمل و لا عمل الاّ ذكر اللّه و ليس ذكر اللّه الاّ كما حدّده الله في كتابه و بيّنه رسله و خلفاؤه فمن تعدي ذلك الحدّ فقداستوجب الحدّ و استحق الردّ و اما الاكراد و الاعراب الذين اشار اليهم فهم بعد ماترقوا عن عالم الحسّ و هم كأنهم خشب مسندة و ماالتفتوا الي ما التفت اولئك الاعلام من تسخير سلطان النفس و امتهم (كذا) ايضاً ماوصلوا اياهم و ماترقوا ليسلم الناس من شرهم.

اعلم ان الشرافة الكينونية هي للصورة الانسانية و هي حدودها التقوي و الحب في اللّه و الاشتغال بذكر المحبوب كما اراد منه و اذكروه كما هديكم

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 267 *»

 لعلكم تفلحون فاذا نقص شيئاً منها نقصت انسانيته و جاءت شيطانيته او ان الانبياء قدقصروا في الاداء و ما اخبروا اممهم بذلك المقام الاعلي و اما استدلالهم لغاية التربية فاسوء حالاً و اعظم عيباً الاّ ان‏يقولوا ان اللّه سبحانه مااراد تربية من ليس له تلك الشمائل المستحسنة مع ان هذه كلها استحسانات شعرية و اما دعوي ان اللّه سبحانه خلق تلك المحبة في قلوبهم فلاتحسنه لان اللّه خالق كل شي‏ء كتب الايمان في قلوب المؤمنين بايمانهم و خلق الكفر فيها بكفرهم بل طبع اللّه عليها بكفرهم و الغاية هي اختيارهم و طلبهم اياها من مفيض الخير و الجود و تقابل اودية قابليات قلوبهم بفوارة النور كالشك و الوهم و الظن و الوسوسة و الفساد (العناد خ‏ل) و الريبة و كل ذلك مخلوق للّه قل اللّه خالق كل شي‏ء و اما القول بانه يجعل الهموم هماً واحداً فغريب جداً فان الشخص و ان كان في عالم وقوفه له شؤن لكنها ليست ثابتة بحيث تشغله عن كل شي‏ء و الكثرة دليل عدم الثبات فتتساقط حال التعارض و يتفق للشخص التخلية و الاقبال الي اللّه في اغلب الاحوال لكنه في تلك الحالة الميشومة المسماة بالعشق لايري لغير معشوقه تحققاً و تأصلاً لايبرح في ذكره و فكره في الخلوات و اوقات الصلوات بل لايلتفت الي اللّه ابداً في تلك الحالات و يقطع الرحم و كل شي‏ء يقطعه عن معشوقه و ان كان طاعة اللّه جل شأنه فيكون العاشق في كل تلك الاحوال مشركاً الي ان‏يخرج عنها و هو في محل الشك و الغالب انه يرتحل الي الاخرة و بقائه الي حدّ التجاه (التجأ خ‏ل) معشوقه نعوذباللّه من غضب اللّه تعالي يا اخي تنبه عن سنة الغفلة و اعلم ان اللّه سبحانه لايتوجه اليه من جهة الغفلة عنه و لا سبيل اليه الاّ بمادلّوا و امروا عن اللّه سبحانه و هم المعصومون المطهرون المنزهون عن الخطاء و الزلل و السهو و دع غيرهم ان كنت امنت بهم فانهم الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتهم و طريق هدايتهم و اللّه خليفتي عليك و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 268 *»

تكميـل: لمّا كانت المحبة هي الميل الي الاخر الموافق و التوجه اليه و الممكن مركباً كانت كل حركاتهم و استداراتهم علي جهة المحبة و الشوق من الذاتيات و العرضيات و الدورة المتوالية و غيرها و لمّا كانت هي الاختيار المحبوب للّه سبحانه كانت المشية التي هي عين المحبة قسمين مشية حتم و عزم فالاولي علي المقتضي الاول لايخالف شي‏ء منها محبتك و كلتا يديه يمين و الثانية لكونها منه و اليه امر و لم‏يشأ و شاء و نهي و كلاهما علي مقتضي المحبة و تلك هي عين الصنع لما ذكرنا و لصريح قوله تعالي فاحببت ان‏اعرف لان المتأخر يمتنع ان‏يكون عين المتقدم و لمّا كان الخلق متأخراً عنها و امتنع اتحاد الرتبتين فتكون الرتبة ثلثة بالعبارة الظاهرية المحب و المحبة و المحبوب و العبارة الحقيقية الاحدية و الواحدية و الرحمانية، الذات و الفعل و المفعول، الوجود الحق و الوجود المطلق و الوجود المقيد، المعبود و الوجه و العابد، الظاهر و الظهور و المظهر و غيرها من العبارات لكن في الاولي و الاخيرة تسامح واضح فافهم.

اللمعة الخامسة

في تنقيح القول فيما اشتهر عندهم ان الواحد لايصدر عنه الاّ الواحد. قال اللّه عزّوجلّ «و ما امرنا الاّ واحدة كلمح بالبصر او هو اقرب». «ان اللّه لايغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بانفسهم» و «ماخلقكم و لابعثكم الاّ كنفس واحدة». «ماتري في خلق الرحمن من تفاوت». «و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً» قال7 «لايشغله علم شي‏ء عن علم شي‏ء و لا خلق شي‏ء عن خلق شي‏ء و لا حفظ شي‏ء عن حفظ شي‏ء و لايساويه شي‏ء و لايعادله شي‏ء و ليس كمثله شي‏ء و هو السميع العليم» و لها اشراقات:

الاشراق الاول: الواحد حقي و حقيقي و انبساطي و شمولي و جنسي و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 269 *»

نوعي و شخصي بل ليس الاّ الحقيقي و الحقي هو الاحد و الاول هو السرمد و الاصدار اظهار الاسماء و القاء الامثال و وجه البيان و ظهور المعاني بباب الفيض الاقدس و لايليق هذه الامور في الواحد الاحد اذ المسمي و الموصوف معروف محدود و كل محدود معدود و كل معدود له عادّ فيتناقض كل موصوف بنفسه معروف و كل قائم في ماسواه مصنوع فنزّه ساحة الوجوب عن ذكر الغير و قدّسه عن الاقتران و الارتباط فانه هو الذات البحت الباتّ كما مرّ غير مرة فاذا انقطع الكلام عن مقام الاحدية لانه مقام العماء و اصل الخفاء انعدمت دونها الاسماء و بطل التعبير و الاداء و برهانه قدتقدم و هو من الضروريات فالمصدر الموجد الفاعل البارئ البدي‏ء انما هو الواحد مقام الفيض الاقدس و مجمع الاعيان الثابتة و الصور العلمية و ظهورات الاسمائية و التجليات الالهية و العلوم المتعلقة المستدعية و النسب الارتباطية و امّ‏الكتاب الاولي و الذكر الاول المحفوظ عن التغير و التبدل قال الحكيم ثالث الملطي كلاماً مااحسنه و هو ان للعالم مبدعاً لاتدرك صفته العقول من جهة هويته و انما تدرك من جهة اثاره و ابداعه و تكوينه الاشياء ثم قال ان القول الذي لا مرد له هو ان المبدع و لا شي‏ء مبدع فابدع ماابدع و لا صورة له عنده في الذات لان قبل الابداع انما هو فقط فليس يقال حينئذ جهة و جهة حتي تكون هو و الصورة او حيث و حيث حتي يكون هو و صورة و الوحدة الخالصة تنافي هذين الوجهين و الابداع تأييس الشي‏ء ماليس بشي‏ء فاذا كان هو مؤيّس الايسيات و التأييس لا من شي‏ء متقادم فمؤيّس الاشياء لايحتاج الي ان‏يكون عنده صورة الايس بالايسية لكنه عنده العنصر الذي فيه صور الموجودات و المعلومات كلها فانبعث منه كل صورة موجود من العالم علي المثال في العنصر الاول و هو محل الصور و منبع الموجودات و ما من وجود في العالم العقلي و العالم الحسي (الجسمي خ‏ل) الاّ و في ذات العنصر صورة و مثال عنه و هذا هو شرح ماقلنا لك فمبدعية المبدع و فاعليته انما هو بذلك العنصر المخلوق و هو مقام الواحدية و رتبة اسم الحي و لايشك عاقل في وقوع الاضافات و النسب في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 270 *»

مقام الواحد و انتفائها في الاحد فتكثرت الجهات و صحّت صدور الكثرات بالاضافات و الارتباطات و تلك صلوح ذكري لا كوني و عيني كما يأتي ان‏شاءاللّه تعالي فوحدته من حيث الذات و كثرته بالوجوه و الاعتبارات فبطل مااسّسوا و اصّلوا هذا الاصل لاجله من اثبات البسايط و العقول العشرة و العلل الفاعلية كما زعموا بمازعموا لكن الاهتداء اليه صعب جداً.

الاشراق الثاني: بئس ماقايست و قبح ماحاولت في معرفة الوجوب بالامكان و العكس اما علمت ان الازل لو شابه الامكان كان الامكان من حيث هو امكان ازلاً و الازل كذلك كذلك و تنسد بذلك باب الايجاد و الاصدار و لم‏يكن فرق بين المنشئ و المنشأ و المكوِّن و المكوَّن و المبدِع و المبدَع و الغنا و الفقر و قدجمع الازل بين النقيضين و عجز الامكان عنه فمااقبح فهم من منع في الازل مالم‏يجد في الامكان غير انه جعل المقامين متساويين و المكانين متحدين من جهة قلة تدبرهم و سوء تفكرهم و اكتفوا بمجرد السماع و كانوا كما قال الشاعر:

قديطرب القمري اسماعنا   و نحن لانفهم الحانه

يااخي نزّه الحق عن لوازم الامكان و لاتثبت له ماتثبت للاكوان و قدّسه عن كل مراتب النقصان فاذا قلت انه سبحانه و تعالي بذاته يخلق علي زعمك فهو القادر علي مايشاء بمايشاء كيف يشاء لايشغله علم شي‏ء عن علم شي‏ء و لا خلق شي‏ء عن خلق شي‏ء و لايضاده شي‏ء و لايناده شي‏ء فدليلهم علي الامتناع لايتمّ في الواجب سبحانه قالوا ان مفهوم ان كذا بحيث يصدر عنه «ا» غير (عين خ‏ل) مفهوم ان كذا بحيث يصدر عنه «ب» و المفهومان ان كانا داخلين في ماهية المصدر لم‏يكن المصدر فرداً بل كان مركباً و ان كانا خارجين كانا معلومين فيكون الكلام في كيفية صدورهما كالكلام في الاول فيفضي الي التسلسل و ان كان احدهما داخلاً و الاخر خارجاً كانت الماهية مركبة لان الداخل هو جزء الماهية و ماله جزء كان

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 271 *»

مركباً و كان المعلول ايضاً واحداً لان الداخل لايكون معلولاً هـ و قرّروا هذا الدليل بتقرير اخر زعماً منهم بانه اتمّ و قالوا ان المفهومان المختلفان اما ان‏يكونا مقومين لتلك العلة و اما ان يكونا لازمين لها و اما ان يكون احدهما لازماً و الاخر مقوّماً و ساقوا الكلام الي اخر ماذكر و انت تعلم ان الترديد ليس بحاصر لجواز ان‏يكون المفهومان عين العلة بلااختلاف فان صعب عليك تصويره في الممكن فهو ذا في الواجب تقول ان مفهوم العلم غير مفهوم القدرة مع انهما عين الذات و المفهوم ان كان كذباً كان باطلاً و ان كان صدقاً فيكون المصداقان عين الاخر و الاّ لتكثرت الذات و بطل التوحيد فاذن ماضرك ان‏تقول ان مصدرية هذا عين مصدرية ذاك بعد ماتقول انها بالذات فيكون خلقه «ا» عين خلقه «ب» و الاّ لشغله خلق «ا» عن خلق «ب» و اللازم باطل لقوله7 لايشغله خلق شي‏ء عن خلق شي‏ء الذي هو علم الشي‏ء الذي لايشغله عن علم شي‏ء مع مااتفقت الاراء و العقول علي ان اللّه تعالي لايشغله شأن عن شأن فبطل ماقالوا بماقالوا ثم ان قالوا ذلك من جهة ان المصدرية لاتكون الاّ بنسبة تصحيح اختصاص معلوله به دون غيره فوجب ان‏تختلف باختلاف الاثار نقول لهم هل للذات نسبة مع المعلول الاول الواحد ام لا فان اخترت الثاني بطل مدعاك و صحّ صدور الكثرات من الواحد بجميع الجهات و ان اخترت الاول فهل حيثية ذاته عين حيثية انتسابه الي المعلول ام لا بل الذات في مقام احديتها لا ذكر للغير فيها فان قلت بالاول جعلتها امراً نسبياً رابطياً و ابطلت مقام احديتها و ان قلت بالثاني فقد قلت بالتركيب و التكثر في المصدر في الصادر الاول ايضاً فوقعتم بما قدفررتم منه و مااقبح و اشنع قول من قال ان المصدرية ليست صفة ثبوتية حتي يكون جزء الماهية او الخارج منها فان النفي و الاثبات ليس بينهما منزلة فاذا بطل احدهما صدق الاخر فالصفة العدمية هي اللاصفة فلم‏تكن الذات مؤثرة فبطلت الاشياء هذا خلف نعم انها ليست ذاتية بل هي فعلية.

الاشراق الثالث: اذا قلت اثنين فدعوي واحديته اجتماع النقيضين و العقل

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 272 *»

قاطع به من غير مين و كذا اذا قلت واحداً و حاولت متعدداً و اذا قلت علة مباينة فقد اتيت بحكم المناقضة اذ لايطلب وجود من يطلب عدمه فاربط هاتين الكليتين من الابواب المفتحة بمفتاح الائمة المصطفين ينتج لك الحق الواقع من البين و المناسبة ان لم‏تتوافق في الطرفين لم‏تكن هذا خلف فتتبع الوحدة و الكثرة بحكم الوحدة في الجانبين فاذا وجد المعلول وجدت النسبة و اذا تعدد تتعدد فافتقر الي علية اخري و ان شئت قلت الي علة و الاّ بطلت المناسبة فتبطل العلية هذا خلف فهنا مقامان مقام العلية المطلقة من حيث هي اي بحيث تنشأ عنه الاشياء مقام استوي علي العرش فليس شي‏ء اقرب اليه من الاخر و ما امرنا الاّ واحدة. انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون فتلك الكلمة واحدة و تمت دلالتها و هي جارية و مستمرة و واقعة علي القلوب من غيب الغيوب الي نهاية الغروب الذي هو عين الشروق و هو تساوي نسبة الفاعل الي كل المفعولات و مقام علة كذا و هو مقام من مشيتك بامضاها و كل مشيتك ماضية اللهم اني اسألك بمشيتك كلها فمابال هذا الاختلاف مع مطلوبية الوحدة و الايتلاف فان كان لا عن اقتضاء القابلية بطلت حكم الاولية ان اللّه لايغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بانفسهم فان كان بها فمن حيث مايشتهي هذا لايمكن اعطاء اقتضاء الاخر و الاّ لكان هذا عين ذلك اذ الشهوات خالفت بين المفعولات و الاّ فالغذاء و المدد واحد في كل الحالات فمااجاب المضطر اذاً سامع الدعوات و ما كشف سوء العدم عمن ناجاه في الخلوات بدواعي القابليات أمّن يجيب المضطر اذا دعاه و يكشف السوء و كلاًّ نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربّك و ماكان عطاء ربّك محظوراً. قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدّاً فاذا طلب الالف و الباء الظهور من فوارة النور فلاشك في اختلاف شهوتهما لصبغ الرحمة الواسعة من النور فان اعطي الالف مايعطي الباء و العكس لم‏يكن الالف و الباء او الالف عين الباء مع ان الالف تشتهي و تقتضي ان‏تكون غير الباء و ابت الباء الاّ ان‏تكون انبساط الالف و هذا حكم الوجدان و ضرورة الايقان تعرفه ان كنت من سنخ الانسان و هذا حكم الامكان و ذلك لضيق المكان و تصادم الاكوان و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 273 *»

الاعيان فثبت بالبرهان ان الواحد من حيث هو لايصدر عنه الاّ الواحد في عالم الامكان فالذي عمّم الحكم الي الوجوب كابر الوجدان و مانظر الي كتابة الملك المنان و الذي نفي الحكم مطلقاً فلا شك انه من العميان فمن اقتصر علي ما حدّدناه فقدوقف علي حد الايقان و مقام العرفان و هذا حكم قطعي لاسبيل اليه للبطلان فافهم.

الاشراق الرابع: اعلم ان بعض اهل الجدال من اصحاب القيل و القال انكروا هذه القاعدة الشريفة بحجج واهية ضعيفة لايسمن و لايغني من جوع و لابأس بالاشارة الي بعض ذلك لاراءة الطريق قيل العلة الواحدة يجوز ان‏يصدر عنها اكثر من معلول واحد لان الجسمية تقتضي الحصول في المكان و قبول الاعراض و ان الواحد قديسلب عنه اشياء كثيرة كقولنا هذا الشي‏ء ليس بحجر و ليس بشجر و قديوصف باشياء كثيرة كقولنا هذا الرجل قائم و قاعد و قديقبل اشياء كثيرة كالجوهر الواحد يقبل السواد و الحركة و لا شك في ان مفهومات سلب تلك الاشياء عنه و اتصافه بتلك الاشياء و قبوله لتلك الاشياء مختلفة و الجواب عن الاول بان الحصول في المكان من الاعراض التي تقتضيها الجسمية من حيث اقترانها بالمادة فالمكان كغيره من الحدود المشخصة صورة تقترن بالمادة بجهاتها المختلفة و حيثياته المتفاوتة و الاّ لم‏تقتض الاّ الشكل الواحد فجهة احتياج الجسم الي المكان غير جهة الافتقار الي الزمان و الاّ لكان الزمان عين المكان لماذكر هذا اذا كان الاعراض هي الذاتية و الاّ امتنع ان‏يكون جهة الحصول في المكان عين قبول الاعراض لاختلاف الصقعين و لزوم الترتب و الترتيب في البين فاقتضي الحصول في المكان قبل قبول الاعراض العرضية الزائدة بسبعين الف سنة و عن الثاني بان السلب فرع الايجاب و متفرع عليه و سبق انه ماهية الاثبات فاذاً لايصح سلب شي‏ء في مقام الاخر لعدم الثبوت هناك و لو فرضاً فان قدرت ان‏تثبت الحجرية في مقام الشجرية قدرت ان‏تنفيهما عن كل واحد منهما و هذا قطعي لكنه دقيق

 

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 274 *»

و عن الثالث بان القائم غير القاعد حقيقة و موصوفهما متغايران و لاتعرض الذات الشي‏ء الواحد بل تعرض صفة الذات كما مرّ و عن الرابع بانه قدتقرّر كما يأتي ان القابلية مساوقة للمقبول و المقبول متقدم عليها لايظهران الاّ دفعةً و لايوجدان الاّ معاً ففي صورة عدم المقبول لم‏تكن القابلية و عند وجوده تخصّ كل قابلية بمقبوله فاين الوحدة و لانمنع صدور اكثر من واحد من اكثر من واحد.

اثبات حـق و ابطال باطـل: قال بعضهم في صورة الاعتراض انه اذا كان صدور المعلول عن العلة باعتبار الخصوصية و المناسبة فلايكون العلة علة لذاتها بل باعتبار تلك الخصوصية فلايكون واحداً حقيقياً لاشتمالها علي امرين هما نفس الذات و الخصوصية فاذا بطل صدور المعلول الواحد عن العلة الواحدة اذ كل علة تكون لامحالة مركبة اقول هذا الكلام صحيح متين قدنطق روح‏القدس علي لسانه سالم عن الاعتراضات و لمّا كان هذا الكلام يبطل اصلهم فاضطربوا في جوابه حتي قيل بان تلك الخصوصية هي عين الذات و بطلانه واضح لانها ان كانت جهة الارتباط الي المعلول و مذكوريته عندها لا شك في تأخرها اذ الارتباط بعد تقوّم الذات بالضرورة و ذكر الغير متأخر عن ذكر النفس و الاّ لكان الغير عين الشي‏ء هذا خلف ثم ان المعلول ان كان في رتبة العلة بطلت العلية و جاءت العينية فوجب التأخر و الايجاد لايتعلق الاّ في مقامه دونها و الخصوصية ان كانت عين ذات العلة فلاتكون في رتبة المعلول فبطل الاتصال و الارتباط فبطل الاحداث و الايجاد ثم اين انت من قوله7انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و لعمري ان هذا الدعوي من البطلان بمكان و قدتنبه بعضهم الي قبحها فعدل الي ما هو مثلها و قال فاذاً للعلة الصدورية معنيان غير اضافيين و معني ثالث اضافي و الذي هو عين ذاته من الاوليين هو حيثية اضافة الخيرات المطلقة علي الاطلاق لا الذي هو بحسب خصوصية ذات معلول خاص بخصوصه فالذي هو

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 275 *»

بحسب خصوصية ذات المعلول انما هو لازم لنفس ذاته لا انه عين مرتبة ذاته و لكنه ماتفطن الي ان الامرين مشتركان فيما يرد عليهما فان الاضافة و النسبة ان صحت في رتبة الذات فلافرق في وجود التكثر بين الاطلاق و التقييد الاّ ان الاول اوسع فاعتبروا يا اولي‏الابصار و صدّقوا بعين البصيرة قول مولانا اميرالمؤمنين عليه سلام‏اللّه ابد الابدين ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بنور اللّه لا نفاد لها لان اكلها دائم تؤتي اكلها كل حين باذن ربها.

الاشراق الخامس: قدتبين لك ان الواجب سبحانه و تعالي قادر علي الاطلاق و لانهاية لقدرته و لاغاية لها قدعجزت الاوهام عن ادراكها و العقول و الافهام عن تصويرها و معرفتها و لاريب انه لايشغله شأن عن شأن و لاخلق شي‏ء عن خلق شي‏ء و لاعلم شي‏ء عن علم شي‏ء و كل ما يمتنع في الامكان بدليل انه لايقدر الممكن علي ادراكه و يعجز عن معرفته فهو ان كان كمالاً فواجب و ان كان نقصاً فممتنع اي لاشي‏ء الاّ بالذكر ام بظاهر من القول و قداقمنا عليه البرهان سابقاً فراجع و لاتقل ان القدرة مفقودة او ان اللّه لايقدر سبحانه سبحانه سبحانه بل هو القادر علي كل شي‏ء ألم‏تعلم ان اللّه علي كل شي‏ء قدير و هذا حكم الوجوب و السلطان البالغ فصدور الكثير من الواحد امتنع في الامكان فهو واجب في الازل علي ظاهر القول و التعبير و لكن الحكيم الكامل علي الاطلاق جلت عظمته قدحكم ان‏يحكم علي الممكنات علي ماهم عليه اذ لايقدرون علي ما هو عليه فحملهم علي ذلك كان اجباراً ربّنا و لاتحمّلنا ما لاطاقة لنا به و اعف عنا. انّ اللّه لايغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بانفسهم و كان ما هم عليه ان لايكون الصادر الاول الاّ واحداً بسيطاً ليس في الامكان ابسط منه لانه حكم في الامكان و عليه به لا به رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و ماظهر في الامكان من قدرته الصالحة للظهور ليس الاّ جزء من مأة الف جزء من رأس الشعير بل اقل و اقل فعدم الظهور لضيق الفضاء و الاّ فهو سبحانه علي حال سواء فاذن لايكون اول الصادر الاّ واحد و الاّ اما ان‏يكون دفعةً او

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 276 *»

بالترتيب و الاول تبطله الطفرة و الثاني يوجب خلق الواحد لما ذكر و لمّا كان هو اول صادر و اقرب الاشياء الي المبدء فقد ملأ المكان فان اوجد الثاني في المكان الاول كان عين الاول و ان كان (المكان خ‏ل) الثاني لايكون الاّ بعده فان اوصله الفيض بدون الاول جاءت الطفرة فوجب بالاول فتحققت الوسايط فاختلفت المركبات و البسايط و لمّا كانت الوحدة سابقة علي الكثرة فيكون الصادر الاول في كمال البساطة بحيث لاابسط منه ثم مايليه و هكذا و زيادة القول فيه يأتي فيما بعد ان‏شاءاللّه تعالي فصح القول بان الواحد ماصدر عنه الاّ الواحد لا مايصدر فصح ان هذه العبارة صحيحة و باطلة، صحيحة في الامكان و باطلة في الازل و الامر واقع في الواقع و لكن المصدر لايكون الاّ واحد او هو لايكون الاّ متكثر الجهات و لمّا كان الشي‏ء لايمكن له الالتفات بجميع جهاته دفعة واحدة مفصلة متمايزة كان الحكم له عند كل جهة و التفات كالرجل الكاتب الصانع القائم القاعد الراكب الماشي الذاهب الجائي فمن جهة انه قائم لايكون قاعداً فبطل بهذا الاصل مازعموا من اثبات العقول العشرة كما يأتي ان‏شاءاللّه تعالي.

اللمعة السادسة

في تنقيح القول فيما اشتهر عندهم ان معطي الشي‏ء لايكون فاقداً له و بيان الارتباط و النسبة بين العلة و المعلول و بطلان صدور المباين عن المباين. قال اللّه سبحانه «ليس كمثله شي‏ء» و «لاتضربوا للّه الامثال». «اللّه الصمد لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد» و قال7 «لاتجري عليه ما هو اجراه» اذاً لا فرق بين المبدِع و المبدَع و المكوِّن و المكوَّن خلق الاشياء لا من شي‏ء و لا لشي‏ء ان اللّه سبحانه خلو من خلقه و خلقه خلو منه قال اللّه تعالي «سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق». «و يضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون». «و للّه المثل الاعلي». «و للّه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 277 *»

الاسماء الحسني فادعوه بها». «العبودية جوهرة كنهها الربوبية فمافقد في العبودية وجد في الربوبية و ماخفي في الربوبية اصيب في العبودية». «صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله». «يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك». «من عرف نفسه فقدعرف ربه». «نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره». «اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه» و لهذه اللمعة اشراقات:

الاشراق الاول: العطية اما ان تكون نفس الذات او جزءها او فعلها او اثر فعلها او اثرها من الاقتضاء الذاتي او مفعولها فانحصرت الاقسام و لم‏يبق هنا مقام و لمّا كان الاعطاء في الفعل المتعدي الي المفعول الثاني الذي هو المفعول‏به لا الفعل اللازم الغير المتعدي الاّ الي فاعله الذي هو مفعوله المطلق اما مطلقاً لعدم اللطيفة الزائدة او في (خ‏ل) الفعل الاولي اي الايجاد الذاتي قبل التنزل الي المفعول كقولك ضربت ضرباً و قعدت جلوساً و حسن زيد فاذا عرفت الجمع بين ان الفعل ينقسم الي لازم و متعدٍ و ان الفعل ليس للذات و انما هو للمفعول فلولاه لم‏يكن و ليس الاّ الارتباط بطل كون العطية نفس الذات او جزءها الاّ ان تكون المعطي غيرها لتكون اثره فان الفعل في الذات او فعل الذات مما يتناقض الاّ ان‏يكون ذلك عين الفعل في ايجاد نفسه بنفسه و ليس مانحن بصدده و لمّا كانت العطية راجعة الي المعطي من قبل المعطي ليكون مثاله فيعود الي المعطي لكنه عند المعطي بطل ان‏تكون هي الفعل فانه الاسم المكنون الذي استقر في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و الفعل في مقام الفرق يعود الي الفاعل لا المفعول و الاّ جاء ماقال7 ان مشية اللّه تنكح و تشرب و تأكل و لمّا كانت العطية جهة المعطي الي المعطي و مثاله فيه بطل ان‏تكون هي المفعول الملتئم من الجهتين و لمّا كانت العطية هي جهة الظهور التفضلي المنبئ عن الجود و الكرم بطل ان‏تكون من لوازم الذات فان اللازم ليس عطية الملزوم اذ ليس غيره و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 278 *»

العطية تستدعي ثلثة الاّ ان‏تعتبر فيخرج عما نحن بصدده فلم‏يبق الاّ الشق الخامس فتكون اثر فعل المعطي و هذا الاثر ان كان عين ذات المؤثر اجتمع النقيضان و ان كان كما يزعمون من حكم التنزل اذ علي دعويهم يكون الاثر هي الحدود المشخصة كالانجماد في الثلج للماء و ذلك لم‏يكن في رتبة الذات و حصل بالتنزل فاذاً جاء ماقلنا و كذلك ايضاً لازم الذات اي مقتضاها فانه شأن الفاعل بالايجاب ظاهراً و العطية انما كانت عطية لصحة المنع و ان ابيت الاّ الجمود علي المخالفة و عممت الحكم قسمنا الحكم بين من لم‏يقدر علي اظهار مااستجن فيه من الاختيار و بين من يقدر علي ذلك فاذا صح بالبرهان القطعي عند كل انسان ان عطية المعطي ليست داخلة في ذاته و لا عين ذاته و لا هي في ذاته علي نحو اشرف فان الاثر يمتنع في رتبة المؤثر و الفعل في مقام الذات مثال احكام العطية كلها مجموعة في الفعل المتعدي لا اللازم تأمل فيه بعين الحقيقة سالكاً الطريقة اي سبيل ربك ذللاً هل تجد ذكراً للفعل و الاثر و المفعول في رتبة ذات الفاعل فاذا قلت ضربت زيداً و نصرت عمراً هل تجد من الضرب و النصر المعطيان ذكراً في ذات الضارب و الناصر و الاّ لامتنع النقيض و ليس كذلك و ليس فيها الاّ العلم و القدرة و اما العطية فمادتها لا من شي‏ء و صورتها من المعطي القابل انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها.

الاشراق الثاني: الذات من حيث هي في غيبها المطلق و عمائها الحق و الاثار كلها دائرة عليها و واقفة لديها و هي تدبرها علي التوالي بالادارة الايجادية التي هي الحركة الكونية فهي علة الادارة و قوام الاستدارة المستديرة علي نفسها المديرة اياها بالذات فالاثار مقامها بعد مقام تلك الحركة و انما هي تأصّلت بها و الحركة لاارتباط بها بالذات في عين ارتباطها بها فيها بها لها فانقطع ذكرها فيها فضلاً عن كونها و مثالها و هو من العيان بمكان لايحتاج الي البرهان لما سبق ان في الذات ليس الاّ هي فذكرها و مذكوريتها و ذاكريتها عينها فلو وقع هناك واقع كان هي و التناقض بين السكون المطلق الغير المدرك

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 279 *»

بالسكون و الحركة المطلقة الغير المدركة بها ظاهر جداً فانقطاع الاثار و امتناعها فيها فبالطريق الاولي و التجلي ليس الاّ عين تلك الحركة اي الظهور الاول و الاثار مظاهر ذلك الظهور بانفسها ليجي‏ء الاتحاد و ذلك الظهور هو الاسم المستقر في ظلّه الذي لايخرج منه الي غيره فاين اذاً وجود العطية في المعطي بل كل مايوجد و يتحقق من الشي‏ء فانما هو في مقام ظهوره باثاره فلم‏يزل معطي الشي‏ء فاقداً له في ذاته و واجداً له في ملكه و محيطاً عليه بعلمه و متصرفاً فيه بقدرته و مفيضاً عليه برحمته ربنا الذي اعطي كل شي‏ء خلقه ثم هدي فلو كان يظهر مثل ذاته امتنع الايجاد و لم‏يكن فرق بين المكوِّن و المكوَّن و المنشئ و المنشأ و الفاعل و المفعول فان توسط الفعل بطلت المماثلة فان الحركة ليست بذاتية و لاتدخل فيها و هي لاتدخل في الاثر فماظهر بالتأثير فانما هو نفس تأثيره و مثال ظهوره و ذلك هو الظلّ المنفصل و ذلك هو ظهور الفاعل بالتأثير لا عين الفاعل و لا عين الذات و بالجملة لايقع المخلوق الا علي المخلوق و لاينتهي الاثر الاّ اليه انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله لكن الامر المبرم و الصنع المتقن اقتضي ان‏يكون الاثر علي مثال صفة مؤثره لغيرها لا لذاتها و لا لذاته فيتوهم الجاهل انه مثال الذات او انه موجود فيها علي نحو اشرف و ليس كذلك بل الاثر علي اي انحائه في رتبة الذات ممتنع لايتعلق العلم به هناك ام تنبّئونه بما لايعلم فافهم و اتقن.

الاشراق الثالث: فقولهم معطي الشي‏ء لايكون فاقداً له ان ارادوا فقدان العلم به و القدرة عليه فموجه صحيح قال7 له معني الخالقية اذ لا مخلوق و معني الربوبية اذ لا مربوب و ان ارادوا ذلك الشي‏ء بعينه فان ارادوا في ملكه فصحيح ايضاً قل من بيده ملكوت كل شي‏ء و هو يجير و لايجار عليه. و ما من دابّة الاّ هو اخذ بناصيتها فان ارادوا ذلك الشي‏ء في ذاته فغلط لماقرّرنا و كرّرنا من ان الحركة الايجادية يمتنع ان‏يكون في الذات لمكان التناقض و كون القدرة فيها لا دخل لها بالاثر و العطية و قدعلمت ان فاعلية الذات انما

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 280 *»

هي بتلك الحركة و ليست في الاثر بوجه و لا الاثر فيها و القول بان مباين الشي‏ء لايصدر عنه فانما هو في حال الاصدار مع المصدر نسبة خارجية بعد ذكرهما فيها (فيه خ‏ل) عند التعلق ذكراً صلوحياً و قد دلّ العقل و النقل و اتفقت العقول الصحيحة السليمة علي ان النسبة باي انحائها ممتنعة في الذات فانّ قدم النسبة تستلزم قدم المنتسبين لقد كفر الذين قالوا ان اللّه ثالث ثلثة فالنسبة اشراقية و هو عين المنسوب و لا ربط لها بالذات بوجه من الوجوه فالذات ليست مباينة و لا مناسبة و لا مخالفة و لا مؤالفة و هي القدوس الذي لاتكثره جهات الخلق و حيثياتهم و شئوناتهم و هو سبحانه قدسبق الكل فلايلحقه شي‏ء بمالايتناهي فيما لايتناهي و كيف الغني بالذات تختلف جهاته بالفقير بالذات فكلما سبق فمايلحقه مماينسب اليه من عوارض افعاله و تأثيراته و ظهوراته تعالي ربي عما يقولون علواً كبيراً و اما ماتمسّكوا به من احراق النار و اشراق الشمس و انارة السراج فيبطل عليهم امرهم اذ دعوي كلية الحكم تبطله الحسّ و مخالفة اثار المختار كالهيئات التي يحدثها الكاتب بحركة يده فان زعمت ان الحركة في ذات الكاتب كذبت اذن كيف يسكن و الذاتي لايتخلف وان زعمت انها ليست من اثر الكاتب كذبت ايضاً و ان قلت ان تلك الهيئات المحدثة بها عين ذات الحركة كذبت ايضاً فان الالف مستقيم و الجيم معوجّ و لاتناقض في الذات فلم‏يبق الاّ مناسبة الاثر مع فعل المؤثر فيما هو عرضي له لا ذاتي و فقدانه في جميع مراتب ذاتيات العالي هذا حكم المختار و اما ما مثّلتم به فعلي زعمكم موجب لا مختار فبطل القياس و ان كان و لابد فالمختار بالمقايسة اولي بحكم سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم و اما علي ما هو عندنا من اتحاد الحكم في كل الذرات بحكم و ما امرنا الاّ واحدة و ما خلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و بطلان الاضطرار فيرجع الحكم الي ما هو في المختار لانه سبحانه قال هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات

 

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 281 *»

 محكمات هنّ امّ‏الكتاب و اخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و مايعلم تأويله الاّ اللّه و الراسخون في العلم و لمّا كان الحكم في الكل علي جهة الاختيار فردّ متشابهه الي محكمه لتصفي عن الاكدار في الكتاب التكويني كما في التدويني و هذا ظاهر الحال في المقال جرياً علي المجادلة في الاستدلال و اما الحقيقة فان السراج ليس مستقلاً في احداث الاشعة و انما هو النار و ليس فيها الاستضاءة و الاستنارة لا علي نحو اشرف و لا علي نحو اخسّ فلو كان ذلك اللازم وجب في كل حال لعدم الفرق بين اثر و اثر فافهم و اما ماتري من الحرارة و اليبوسة اللتان فيه فانما هما عرضيتان مثالان لظهور تأثير النار الجوهري الغيبي الظاهرة بفعلها في مظاهر اثارها و ذلك ظهور النار قبل الاثار فمارجعت الحرارة و اليبوسة اللتان في السراج الاّ الي تأثير النار و ظهورها باثارها و الاحراق رجع الي الفعل و ليس ذلك في الذات بوجه من الوجوه نعم فيها العلم به و القدرة عليه في مقامه و رتبته و مجمل القول ان المؤثر لايعرف باثره الاّ ببعض حدود فعله الظاهر في المفعول و اما الذات فقد ضرب دونها الف حجاب و سدّ علي الاثار ذلك الباب و اللّه الموفق للصواب.

الاشراق الرابع: و لمّاكان تلقّي رشحات الفيض المفاضة من فوارة القدر لايتأتّي الاّ بمقابلة وجه المستفيض بتلك الرشحة و تلك علي حسب الاقبال عليها من جهته ليتمّ الاجتماع و يتحقق الاصقاع فلو ادبر مولّياً امتنع الاتصال فيرجع الي الاضمحلال و الزوال و هذا حكم قطعي للعارف بالمقال و هذا الادبار و الاقبال ليس ما هو المعروف بين اهل المقال بل هو «بلي» الذي يجتمع مع «نعم» في الاحوال المصحح لمايخالف شي‏ء منها محبتك و كلتا يديه يمين فكل متلقٍّ من الفيض الوجودي او العدمي من النوراني او الظلماني مقبل و ان كان مدبراً لا كالاقبال و الادبار المخاطب بهما العقل الفعال و المقابلة هي المواجهة لا كالمواجهة و المناكرة اللتان لاهل عالم الذرّ فانهما قدتختلفان فلو كان

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 282 *»

لاحدهما الاقبال و للاخر الادبار انعدم القرار فآل الامر الي العدم لعدم الاتصال و تحقق الزوجين المبني اساس الامكان عليهما لو فرض ذلك لكنّه مستحيل اذ اقبال احدهما مساوق لاقبال الاخر و ان كان احدهما مقدماً بالذات من جهة الحق الثابت الباتّ وجب علي المفيض في مقام الافاضة ان اراد ذلك ان‏يجريها علي حسب المستفيض اتماماً لقابليته للاستفاضة و تمكيناً له لقبول الافاضة فلولا ذلك لفسدت السموات و الارض و من فيهن فتعددت جهات الاستفاضة و تحققت المناسبة و تلك كلها امور خارجة عن ذات المفيض و فيضه الاولي المستقر في ظلّه و لاحقة لجهات الفيض و التفاتاته فكانت الافاضة علي هيئة المستفيض عند ترجحه و قبوله لها من المبدء فالترجح منسوب الي المستفيض حين الترجيح فيرجحه المفيض علي حسب ترجحه من غير مرجح غير ذاته فكانت حقيقة المستفيض هي تلك الهيئة التي سألها ان‏يسألها فيجيبها اياه بسؤاله له اياه فتحقق الاثر علي هيئة صفة المؤثر علي حسب سؤاله و قابليته للتأثير و هذه هي النسب الاشراقية لا دخل لها في حقيقة ذات المفيض و لا الي حقيقة فعله بل هي حدود تعرض وجه الفعل للمفعول فيعود الوجه الي الفعل و الحدود الي المفعول و بقي ذلك الوجه مصاحباً لتلك الحدود فكان اسماً و تسبيحاً يدعو الفاعل بل الذات به و هذه اسماء جزئية تعود الي الاسم الكلي الظاهر بتلك الحدود و هو الاسم الاعظم الذي لايعلمه الاّ اللّه سبحانه.

الاشراق الخامس: اذ قدعلمت ان الفاعل جهة الذات بفعلها للمفعول فاعلم ان ظهور الفعل بالتأثير اي باحداث الاثر جهته الي المعلول و ذاتي لتعلق الفعل و قبول المتأثر اياه بالاقتران و المصاحبة و تعلق الفعل به بمعني تمكينه اياه للقبول عرضي له و هي جهات المعلول فان اردت الفاعل و جهته في المفعول فجرّد وجهه عن الاقتران و التعلقات العرضية فهناك تجد الفاعل الظاهر بفعله الظاهر باثره فالنسبة نسبتان ذاتية و عرضية و ان كانتا عرضيتان فالاولي في اصل الافاضة اي احداث الفيض اولاً و بالذات و هذه تحكي عن الفعل من

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 283 *»

حيث هو جهة الفاعل بل هو عين فاعليته في المفعول و هذا هو ظهور الظهور و ان شئت قلت ظهور الظاهر من حيث هو ظاهر و هذا الذي لا فرق بينه و بينه الاّ انه عبده و خلقه فتقه و رتقه بيده بدؤه منه و عوده اليه ثم هو عضد و شاهد و مانٍ و ذائد للمفعول و هو المالئ حقيقة المفعول و جهاتها بظهور الفاعل فيه فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لااله الاّ انت و هذا هو جهة التوحيد و لمّا كان الفعل مادته هيكل التوحيد و صورته صفة التنزيه و التفريد ظهر ظلّه المنفصل النقش الفهواني و الخطاب الشفاهي حين ظهوره بالتأثير في الاثر و هو ماحصل من قول كن من صرف الدلالة و مسّ النار الظاهرة في السراج للدهن و هذه هي النسبة الذاتية اي في الحكاية الصحيحة لا في الانتساب و الثانية النسبة العرضية لتمكين القابل و هو جهات تنزّه الفاعل عنه و عن صفاته و مقام جعلوا بعض اياتك ارباباً الهي فمن ثمّ لم‏يعرفوك و مقام المشية الحتمية كما كان الاولي مقام المشية العزمية فالثانية احوال المعلول و الاولي مثال الفعل و هو جهة ربط الفاعل بالمفعول فمقام المشية و الارادة و القضاء و القدر و الامضاء من الثانية اية كثرات الافعال لاجل المفاعيل و ليس جهة الفاعل المنسوبة اليه بعين انتسابه الي المفعول و تلك هي كنه العبودية الذي هو صفة الربوبية في قوله7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية اي مثالها الذي هو نسبتها اليه و هو الربوبية للسافل و تلك العرضية هي الهوية التي القي العالي مثاله فيها في قوله7 فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله.

تبييـن: فاذ قدعلمت هاتين النسبتين فاعلم ان كل شي‏ء لايستقل بنفسه بل انما هو بصنع الصانع فجهة الصنع من حيث الصانع هو نسبة الصانع اليه من جهة ظهوره و هي ذاتية و اضافية و جهة انصدار المصنوع عن الصانع بالصنع و هي جهة عرضية للصنع البسها للمصنوع بالمصنوع فالنسبة من حيث الصنع هي هيكل التوحيد لانه ليس الاّ الظهور و انّيته بنفسه كلاانّيته فانعدم الزوج التركيبي الحقيقي فيه مع تركيبه و هي مثال الصانع في المصنوع و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 284 *»

هذه النسبة حقيقتها ظهور التأثير بالاثر و هو الظلّ المنفصل و مثله و مثله لا فرق بينه و بينه فرجوعها اليه و مبدؤها منه و تحققها في عالم الفرق و الفصل في المعلول المفعول و هي حقيقة منه و هو جهة الاولية مع المدخلية و ذلك انه اولي بحسناتك منك و النسبة من حيث المصنوع و ان كانت متحققة في الصنع لتصحيح الاحداث او الاصدار من مراتب الارادة و القدر و القضاء لكنها عرضية جهات البينونة و الفرق و ظهور اسماء القدس و التنزيه و غيبوبة الصانع عن درك الحواس و لمس الناس فالنسبة الاولية هي تثبيت الثابت و الثانية الغيبة عن ادراك الحواس و لمس الناس فقام هو الحي فاذا تحققت النسبة الشمولية الاحاطية ظهر اللّه لا اله الاّ هو الحي القيّوم فانحصرت النسبة في موجبة و سالبة و الثانية موجبة و الاولي سالبة و لمّا كانت النسبة السلبية هي الاجابة و طبيعتك خلاف كينونتي و الايجابية هي المسألة روحك من روحي كان الممكن جامعاً بين النسبتين الايجابية و السلبية و لمّا كانتا متساوقتين في الوجود و الظهور كانت السلبية عند عدم الايجابية معدومة و الايجابية عند عدمها مفقودة فوجود المعلول انما يتمّ بالسلب و الايجاب فالكثرات الحاصلة من النسبة السلبية في اصل الفعل من حيث الوجوه و الالتفاتات العرضية و ان كانت غير اصلية لكنها علي نحو المعلول حسب قابليته بالاعمال علي اختلاف مراتبه من قوة التركيب و ضعفه و خفائه و ظهوره و كثرته و قلّته و في كثرة التعدد و قلّتها و ظهوره و خفائه كالمركبات العنصرية و الفلكية و الجسمية و المجردة الدهرية و المطلق و المقيد و الاطوار الخلقية و قد خلقكم اطواراً مع اختلاف الموجودات في الاطوار و انما هي تلك النسب في الفعل علي نحو اشرف ليس في الامكان نحو اشرف منه و تلك ليست ذاتية له كما مرّ مكرراً و انما وجودها في مراتبها من النسب الخلقية الفعلية الثانوية التي هي الاسماء الجزئية المندرجة.

تحقيـق: فذات الفعل هي ظلّ الذات الظاهرة بالصنع و الايجاد و صلوح التعلق بالمفاعيل الذكرية و الكونية و ذات المفعول هي ظلّ الفعل الظاهر بالتأثير في المفعول بالاثر و جهات الدواعي النفسية و الاقتضاءات الشهوية

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 285 *»

السائلة للامداد علي وفق المراد بمااستجنّ فيها من الاستعداد فحكم اللّه الحق سبحانه ان لايردّ دعاء احد من خلقه دانه بموالاته و بموالاة رسوله و الائمة من اهل بيت رسوله صلّي اللّه عليهم اجمعين بالتكوين و بالتشريع في الكينونة او الاعتقاد فاجري الفعل علي مايحبون كما يحب بالمحبة الحقية فطابق الفعل دواعيهم بعد ما طابقت بالفعل في مقام الانوجاد فالفعل هو ادم الاول الاكبر من الالف الف و تلك النسب السلبية و الايجابية اولاده فالايجابية منه و له و اليه و السلبية من المفعول و اليه بالفعل و للمفعول و ان كانت النسبتان في الحكم الواحد من حيث الذات الاّ ان في الاول الفعل اولي و في الثانية المفعول كما مرّ و لمّا كان الفعل ليس الاّ صرف الظهور و هيكل النور انمحق فيه جهة الغيور فلايدلّ المفعول من حيث تلك النسبة الاّ الي الذات لا بالتكشف فلا ذكر للغير هناك فاذا ظهر المفعول و تحقق حكي الفعل من حيث النسبة الثانية اذ كان مقام التعلق و التكثر الدالّ علي تعدد الصفات الفعلية الايجادية فان الاثر يدلّ علي المؤثر فانت لك نظران احدهما نظر معرفة الصنع و الايجاد و كيفية الافعال و تعلقاتها و نشوها و كليها و جزئيها تامّها و ناقصها و اصل تكوّنها انظر اذاً في المفعولات و جهاتها و تعددها و اقتراناتها و تركيباتها و ترتيباتهاو ذواتها و صفاتها فانها كتب قدنقشها الافاعيل تبياناً لمقاماتها و مدارجها و مراتبها لحكم اجابة المضطرين و هو من المرادات المجازية من قوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم و العبودية جوهرة الخ و ثانيهما نظر معرفة الصانع لا للصنع و بالصنع اي بالنظر فيه مصون‏السرّ عن النظر اليه و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليه فهناك انظر الي المعلول لا من حيث هو كذلك بل من حيث الصانع فهناك تظهر الصفة الفعلية الحقيقية الاصلية و يتبين المراد الحقيقي من سنريهم اياتنا و العبودية جوهرة كنهها الربوبية و لا فرق بينك و بينها. قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم الله و من عرف نفسه فقد عرف ربه فمن سافر عن نفسه و شاهد حلول رمسه اتصل بذلك المثل فمن

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 286 *»

لم‏يتجاوز عن عالم فرقه و مقام فصله عرف المثل الثاني و لذا قال تعالي و مايؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون و هو مقام المستدلين بالانّ و حقيقة المعلول اولاً و بالذات هي الاولي و ثانياً و بالعرض هي النسبة الثانية و قولنا بالعرض بالاضافة الي الاولي بل كلتاهما ذاتيتين لو فتّشته لم‏تجد غيرهما اذ لو كانتا او احدهما عرضيتين لساوي الفعل فلم‏يصح انفعاله من اثره هذا خلف.

تنبيـه: فبطل القول بان معطي الشي‏ء ليس فاقداً له في ذاته بل في ملكه لا في فعله بل في مفعوله الذي هو هو و ليس فاقداً في ذاته العلم و القدرة عليه و بطل ايضاً لزوم النسبة و الارتباط بين المعلول و الذات اذ النسبة لاتخلو اما انها تتحقق بتوسط الفعل ام لا فعلي الاول لايخلو ان التوسط اما ركنياً او عروضياً او ظهورياً او صدورياً و ماسوي الاخير كله باطل اذ الشي‏ء لايتركب من الحركة و الحدود و الاّ لامتنع في حقه السكون و بطل قولك كسرته فانكسر و اوجدته فانوجد فان المصدر اذاً يكون عين الفعل فاذاً ما المفعول فان كان هو الواقع عليه الفعل بذاته وجب ان‏يوجد الحركة فيه مع ان الواقع بخلافه و لان الحركة انتقال سيال تدريجي فمدة وجودها هي مدة صدورها فلاتبقي في الان الثاني و الاّ لم‏يكن كذلك مع ان المفعول لو كانت هيئة علي المادة القارة و المحل الثابت يبقي دالاًّ عليها و منبئاً عنها فلايكون اياها فان انكرت كون الفعل حركة قلت لك ان المفعول يمتنع في رتبة الفاعل و الاّ لم‏يكن مافرضناه هو هذا خلف فوجب ان‏يكون في مقام ذاته فكيف يمكن اتصاله بالفاعل الاّ بنقل اثره اليه و ذلك يمتنع ان‏يكون بذاته فوجب ان‏يكون بحركة فعله و هذه عبارة لاتجمد (تجمل خ‏ل) عليها و تقول ان الاثر ليس في ذات المؤثر حتي يستدعي النقل و اما التوسط الظهوري و العروضي يوجبان التسلسل و التوسط الصدوري يوجب الاستناد الي نفسه و القول بالوسط لدفع وهم الاستقلال و رفع حكم الاعتزال فوجب الارتباط بينه و بين المفعول لا الذات لعدم استناده اليها و الاّ بطلت الواسطة الصدورية و جاءت العضدية و اخويها فان نقلت الكلام الي الواسطة قلت ان كان النقل يرفع الواسطة اثبتت في الذات الحركة و هي ممتنعة و ان لم‏يرفعها فالحكم انما يرجع

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 287 *»

اليها فان قلت لم‏اتصورها قلت انظر الي حركة نفسك فان كانت بحركة اخري او هي في الذات ثم خرجت و القول بالقوة و الفعل غلط لانه الحركة فبطل بماذكرنا شقّي الترديد فان قلت ماذكرت دلّ علي عدم الوجوب لا وجوب العدم كما هو اعتقادك قلت لم‏تحتج الي ذلك لانه في مقابل من يدّعي الايجاب الكلي و نحن اتينا بالسلب الكلي الذي هو السالبة الجزئية ليستلزم رفع ماقالوا بالنقيض مع انه قددلّ علي العدم لوجوب الواسطة فان المستقل بالارتباط لم‏يحتج اليها فانها حكم الضرورة مع انا نقول ان اثباتها في ذات اللّه سبحانه كفر و زندقة فان النسبة هي الجهة الجامعة و الحالة الارتباطية فوجب ان‏تذكر في الطرفين و الاّ لم‏تكن كذلك هذا خلف فلكل منهما جهة افتراق و جهة اتصال ثم انها ان كانت ذاتية كانت الثلاثة قديمة ازلية ابدية فبطل حكم الايجاد و الانوجاد فلم‏يكن المعلول معلولاً لانه مذكور بعد ذكر العلة و متأخر عنها بالذات و بالرتبة و ممتنع عندها فلم‏تكن النسبة اذاً ذاتية فانها تناقض الانفكاك فالمعلولية مع ذاتية النسبة بين العلة و بينها قول باجتماع النقيضين و اما النسبة الفعلية فليست ذاتية للفعل كما ذكرنا لما ذكرنا فان قلت ان النسبة حادثة قلت انتسابها الي الذات ايضاً قول باجتماع النقيضين الاّ ان‏تقول انها عارضة كالاعراض لموضوعاتها حتي يكون القديم محلاً للحوادث ثم ان الحادث يفتقر الي علة فان قلت بالمناسبة لزمك التسلسل سبحانه سبحانه سبحانه و تعالي عما يقولون علواً كبيراً فان قلت انك بعد مااثبتّ الواسطة قلت بها الاّ ان الفرق انهم اثبتوها بين المعلول و الذات و انت بين الواسطة و بين الذات فان انكرت المناسبة انكرت الواسطة فاثباتها و انكارها قول باجتماع النقيضين قلت ان الواسطة في الصدور للفاعل لا للذات فان الفعل من حيث هو لم‏ينسب اليها لتصح النسبة بل الي الذات الظاهرة باثارها و ليست هي الذات البحت بالنسبة للظاهر بالظهور لا الي الغائب المجهول المطلق و غيب الغيوب ابطن كل باطن انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله. انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها.

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 288 *»

تبصـرة و تكميـل: فعلي ماذكرنا و اصّلنا ظهر لك حقيقة الامر في الشجرة المباركة الشجرة الكلية و ان الغصون هي جهات المناسبات و المرابطات المتشعبة عن الاصل الواحد فاذا عرفت اغصان الشجرة الزيتونة شجرة الخلد من كونها الف الف الف الف الف الف الف غصن و اربعمأة و اربعون الف الف الف الف الف الف غصن و اربعمأة الف الف الف الف الف غصن و سبعمأة و سبعة و عشرون الف الف الف الف غصن و سبعمأة و تسعة عشر الف الف الف غصن و اربعمأة و تسعة و تسعون الف الف غصن و ثلثمأة و ستون الف غصن عرفت كليات اغصان تلك الشجرة الاّ ان اغصانها اعظم و اكبر و اعلي و اوسع و تلك الاغصان اصغر و اقل سعة و احاطة و نسبتها اليها اقل من جزء من مأة الف الف الف الف الف الف الف جزء من مثقال الذرّ بالنسبة الي العالم الكبير و استغفر اللّه عن التحديد بالقليل و تلك الاغصان من الشجرتين كليات تندرج تحتها جزئيات اضافية و تحتها جزئيات وهكذا الي ما لانهاية له كذلك صنع اللّه الذي اتقن كل شي‏ء و هو الواحد القهار و لا حصر لجزئيات الاغصان فضلاً عن الاوراق و اوراق الاوراق و ان تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها فضلاً عن المجموع و الفهم يعجز عن ادراكها فضلاً عن احصائها فضلاً عن استقصائها و عليه علي بعض ظواهر وجوه التأويل يحمل قوله تعالي و لو كان ما في الارض اي القابليات من شجرة ورود المقبولات عليها و تشعبها اغصاناً و اوراقاً اقلام هي الجهات المتشعبة و الحصص المتمايزة و البحر المحيط اي المداد بحر الصادر يمدّه من بعده سبعة ابحر و هي عين اليمين و عين الكبريت و عين ابرهوت و عين الطبرية و عين افريقية و جمّة ماسيدان و جمّة ناجروان مانفدت كلمات اللّه لكونها بعضاً منها يعدّ نفسها و انت تعلم ان كثرة الشجرة ليست الاّ عرضية و الاّ لم‏تكن اغصاناً بل كانت اوراقاً و هي شأن النسبة العرضية.

ثم اعلم ان كل شجرة من تلك الاشجار المعدودة التي هي الاغصان تشتمل علي ثلثة اشجار فيضرب المجموع فيها فيظهر مااراد الحق سبحانه من قوله العزيز و للّه يسجد من في السموات و من في الارض و ظلالهم بالغدوّ و الاصال و هي شجرة الذوات و شجرة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 289 *»

الصفات و شجرة التوصيفات و كل منها يطابق الاخري و من رأي واحداً منها فقد عرف الاخري و هذه الاشجار منسوبة و مستمدة من الماء الجاري من سحاب تلك الاشجار و ارض الاستعداد و التمكن المتحصلة بالتمكين من تلك الانوار كل في مقامه حسب ما دعاه من الاختيار فان اضفت اليها رابعة تمّت لك الاربعة المتناسبة و هي شجرة الحكم و الالزام فالشجرة الثانية ورقة للاولي و هي شجرة للثالثة و هي شجرة للرابعة بالاشجار الاولية انما غرسها ادم الاول الاكبر في جنان الصاقورة و قد ذاق روح‏القدس منها الباكورة و الثانوية صفته بعد سبعين الف سنة و الثالثية صفة الصفة بعد تلك المدة و الرابعية صفة صفة الصفة بعدها بمعني ظهور الموصوف في مقام الصفة من حيث هو لا من حيث هي و ان كان من حيث المفعول صفة الصفة فلو انتسب الكل الي الموصوف الاول امتنع الاختلاف و وجب الايتلاف او لزم الطفرة و مخالفة الحكمة فوجب الترتيب اثباتاً لسرّ المناسبة و ابعاداً لحكم المباينة فان المباين من حيث البينونة مدبر و الاخذ المستفيض يجب ان‏يكون مقبلاً نعم البينونة انما هو بينونة الصفة لا العزلة و قداشار الحق سبحانه و تعالي الي الاشجار الاربعة بقوله الكريم و من اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة فاثبت الرابعة بالكناية التي هي ابلغ من التصريح و ادم الاول هنا المقامات و العلامات ليثبت ان الغرس لايكون الاّ من هذا المقام و ان لايتكوّن السحاب المخرج منه الودق الغدق الاّ بابخرة مائية متصاعدة من بحر الرحمة باشراق شمس اسم اللّه القابض المتقومة بجزء من الهباء المتصاعد من لطيف ارض الامكان يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار و هذا هو سرّ الحجاب المتلألئ بخفق من زبرجد و علي اوصيائه الحجب و كون الهباء جزء و الماء الاول اربعة اجزاء لاستهلاك المظهر عند ظهور غلبة السلطان الظاهر و وجوبه لحكم فلست تظهر لولاي لم‏اكن لولاك و هذا هو حكم المقام فلو انه وجد نفسه غلبت الاجزاء الارضية و قويت القوة الماسكة و منعت الماء عن النفوذ في الغير و ظهر الموت و غلبت الحيوة فاذا فقد نفسه ضعفت القوة و نفذ الماء وظهرت

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 290 *»

الحيوة و احاط بها فاذا القيها و هي حيّة تسعي و هنالك تظهر الشمس المدبّرة اسم اللّه نور السموات و الارض بما استجنّ فيه من اسم اللّه القابض علي يده اليمني القدرة الالهية فيجذب اليها المخالف و يعدمه و يبرز منها الموافق لكنه هنا سرّ لابد ان‏يعرفه العارف باللّه المعرض عماسوي اللّه في اظهار الحق نور الشمس في يد بعض و امرها بالسلام اي الانقياد و التسليم للاخر و قولها له السلام عليك يا اول و يا آخر و يا باطن و يا ظاهر و هو لان‏تعرف جريان هذا الحكم في كل المبادي الطولية و ظهورها في العرضية اذ كلما تتجزء العالم في الطول و العرض يحكي الكل رتبة مقامه فلمّا تراكم السحاب بعدد المادة الاولي انبعث منه الماء فوقع علي الارض في رتبة الذوات تكوّنت منها اشجارها و كذا في الصفات و ممايعرشون ثم الالزامات و التنجيزات ثم في الرتبة الثانية من الصفات فتكوّنت منها شجرة الحروف باغصانها و اوراقها كما يأتي ذكرها ان‏شاءاللّه تعالي علي حسب ما ساعدنا الوقت و التوفيق و الي اللّه ترجع الامور.

اللمعة السابعة

في بيان القيومية و بطلان القول بوحدة الوجود او الموجود علي معانيه و القول بالسنخ او الرشح او الظلّ و الكمون و البروز و القول بالاعيان الثابتة في الازل. قال اللّه سبحانه «اللّه لا اله الاّ هو الحي القيّوم لاتأخذه سنة و لا نوم له ما في السموات و ما في الارض». «قل من بيده ملكوت كل شي‏ء و هو يجير و لايجار عليه ان كنتم تعلمون». «سيقولون للّه أفمن هو قائم علي كل نفس بماكسبت و ما من دابة الاّ هو اخذ بناصيتها انّ ربّي علي صراط مستقيم». «قل اللّه خالق كل شي‏ء» و «ليس كمثله شي‏ء و هو السميع البصير». «لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد» قال7 «اقام الاشياء باظلّتها». «و انّ اللّه خلو من خلقه و خلقه خلو منه» و لهذه اللمعة اشراقات:

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 291 *»

الاشراق الاوّل: القيوم هو القائم علي كل نفس بماانبسط عن النقطة الكونية الظاهرة بالانبساط في الالف اللينية المنبسطة بالالفات بانحاء الانبساطات في كل كون بنقطة مقامه فعمّ الحكم الامكان و الاعيان علي اللغة الحقيقية اذ في كل مقام انبساط بعد انعقاد لا ما هو المعروف عندهم من الحلّين و العقدين و ان كانا ثابتين في كل عين و انما المراد به الابهام و التعيين و هذا لاينفكّ عن شي‏ء علي البتّ و اليقين فلو انفكّ انعدم لانعدام التمكن المتحصل بالتمكين فصحّت ارادة النفس علي معناها المتبادر المعروف و ان كان المتبادر في المقام الذات من حيث هي و لمّا كانت هي مجمع‏البحرين و ملتقي الحقيقتين فجاء الابهام و التعيين و اقترن بين المعنيين و ذلك لحكم المناسبة الثابتة في المفردين قدنظر اليها الواضع في المقامين و اما حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه فالمراد بها البحر العذب الفرات و تصوير ماقلنا و ان كان صعب المنال علي ظاهر المقال الاّ ان فيها الابهام في الامكان و التعيين في الاكوان و هو معين الاكوان و كذا البحر المالح الاجاج فان له ذكر ابهامي في العذب الفرات من حيث الارتباط لا مطلقاً و الاّ لماعرف بها الذات الساذج البحت الباتّ.

و بالجملة فالقائم علي كل نفس في الصدور و الاصدار و الاحداث و الايجاد علي جهة الاختراع و الابتداع هو القيوم اي اقامة الاشياء باظلّتها و لمّا كان القيام هو جهة الافتقار و القيّم في الصدور قيّم في التحقق و العضدية و العروض و الظهور في مقامات ظهوره للاشياء بظهوره و بظهور ظهوره و هكذا كان هو القيوم بخلاف القيّم في الركنية و اخويها في اللفظ و الاستعمال فالقيوم اذاً ليست صفة ذاتية و الاّ لكانت الاشياء بجهات افتقارها مذكورة في الازل مع انه الصمت المحض و العماء المطلق فبعد ما صحّت فعليته فيكون هو الفاعل و القائم و لمّا كانت الكيفيات و الهيئات و الاضافات و الاوضاع و الاقترانات و الجهات و الحيثيات و الاعتبارات كلها في باب المفاعيل قدسبقها الفاعل فبقي هناك لا حيث و لا كيف و لا اضافة و لا اقتران و لا جهة و الاّ لم‏يسبق هذا خلف لان الفاعل هو القدرة الظاهرة قال7

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 292 *»

بدت قدرتك يا الهي و لم‏تبد هيئة و لمّا كان الشي‏ء لايعرف الاّ بما هو عليه لا بما لم‏يكن هو عليه عجزت المدارك و المشاعر عن ادراكه و صفة قيوميته لانغمارها في عالم الهيئات و الحدود و تعاكسها عن جهة المعبود كيف و قدامر اميرالمؤمنين7 في محاولة معرفة النور المشرق عنه الذي نسبته اليه نسبة الحادث الي القديم و الامكان الي الوجوب باطفاء هذا السراج و سلب هذه الحدود و قال اطفئ السراج فقد طلع الصبح فماظنّك في ادراك اصل معرفة الفاعل و كيفية قيام الاشياء به حتي ذلك النور فاضرب عنه صفحاً و اطو عنه كشحاً كيف لا و هو الاسم المستقر في ظلّه الذي لم‏يخرج منه الي غيره و هو الاسم الذي تفرّد الحق سبحانه به و هو الكينونة الالهية و الهوية التي هي مبدء الالوهية و الشمس المضيئة في قعر بحر القدر الذي لاينبغي ان‏يطّلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلّع عليها فقدضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و كشف عن ستره و سرّه و باء بغضب من اللّه و مأواه جهنم و بئس المصير لا و اللّه مشاعر الخلق اعجز عن ذلك اذ الشي‏ء لايجاوز مبدأه انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و لهذه العلة قال مولانا الرضا7 لمّا سئل عن مشية اللّه قال7 و اما ارادة اللّه فاحداثه لا غير لانه لايروّي و لايهمّ و لايفكّر بل يقول للشي‏ء كن فيكون بلالفظ و لا نطق و لا كيف لذلك كما انه تعالي لا كيف له فتطابقت الروايات المعصومية: و دلّ عليه العقل القاطع فثبت انه لا كيف له فبطل السؤال عن الكيف نعم هذا مشعر يدرك بلا كيف و لا جهة و هو محل فعل الفاعل و متعلقه و اول صادر منه و حكم النسبة الارتباطية بين المصدر و المصدر يقتضي القاء المثال في هوية المصدر فلايبعد ان‏يتمكن ذلك المشعر لادراك نوع من جزئيات ذلك و سنتكلم عنه في هذا المقام ان‏شاء اللّه الرحمن و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.

الاشراق الثاني: قدسبق منا في صدر الكتاب ان الادلة ثلثة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 293 *»

دليل يعرف به الصور و الظواهر و الحدود و الجهات و الرسوم و هو دليل المجادلة و دلالته كدلالة الالفاظ علي المعاني ليست الاّ دلالة جزئية و الحقيقة محجوبة عنها و دليل يعرف به الحدود الشريفة و الرسوم المعنوية و المشخصات العقلية و هو دليل الموعظة الحسنة مقرّ اليقين و محل التمكين و دليل يعرف به الاشياء كما هي مجردة عن الحدود و الكيفيات و الرسوم و الاضافات و الاقترانات و الجهات و الاوضاع و الحيثيات و الكميات و هو دليل الحكمة محل المعرفة و مقام المحبة و قداشار الحق سبحانه الي الجميع بقوله ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن و لمّا كانت المجادلة هي اخر جهات الدلالة فلم‏يكن فيها كثير فائدة اذ لايوصل الي معرفة الشي‏ء كما هو اجري ائمتنا: كلماتهم علي مقتضاها و انما نطقوا بمخّ الحكمة و اتوا بلباب المعرفة و هي لاتتمّ الاّ بدليل الحكمة او الموعظة الحسنة و لمّا كان الناس واقفين بباب فقرهم الذي هو جهة غناهم في عالم الصور و النقوش لم‏يتأتّ لهم الاّ ادراك الصور المحدودة و هو لاتتمّ الاّ بالمجادلة فانحصر امرهم فيها و عادوا اليها فاوردوا كل مايرد عليهم بذلك الدليل و لذا ضاق بهم السبيل فوقعوا فيما وقعوا من الضلال و التضليل و زعموا ان الاحاديث و الاخبار ليست برهانية تسكن اليها النفوس و تطمئن لديها القلوب و توصل الي مقام القطع و اليقين بل كلها خطابيات صدر علي جهة الوعظ و التبيين فلم‏يدروا ان الذي لا صورة لها كيف يدرك بالصورة فطلبوا المحال بكثرة المقال فصحّ ان العلم نقطة كثّرها الجهال و حاولوا ان‏يدركوا حقايق المعرفة الالهية و اللطايف الابدية السرمدية المنزهة المقدسة عن كل صورة و هيئة بالامور الوهمية و المقدمات الجدلية فاتوا البيوت من ظهورها و ماادركوا شيئاً منها و كانوا كما قال مولانا الصادق7 بدت قدرتك يا الهي و لم‏تبد هيئة فشبّهوك و جعلوا بعض اياتك ارباباً الهي فمن ثمّ لم‏يعرفوك يا سيدي فاذا اردت ان‏تعرف الشي‏ء

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 294 *»

اعرفه كما هو عليه و الاّ لم‏يكن اياه بل كان بخلافه و هو قوله7 اعرفوا اللّه باللّه و الرسول بالرسالة و اولي الامر بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و قدجعل اللّه لكل شي‏ء دليلاً و حدّاً و جعل لمن تجاوز ذلك الحدّ حدّاً فلاينفتح لك باب معرفة هذا المطلب الجليل الاّ بدليل الحكمة او الموعظة الحسنة في بعض المقامات و لايعرف بالمجادلة ابداً كما زعم القوم و فعلوا فاصابهم سيئات ماعملوا و حاق بهم ماكانوا يكسبون فلاتتوحش لو وجدت شيئاً لم‏ينطبق بماقالوا من المقدمات من الصغرويات و الكبرويات بالاقترانيات و الاستثنائيات فان المقام الذي نحن فيه اعلي من ان‏تحوم حول حماه الصور او تطرّق اليه الفكر و النظر و لاسبيل اليه الاّ لاعلي المشعر فان اهتديت اليه سبيلاً فاحمد اللّه و كن من الشاكرين و الاّ فردّه الي اهله اهل العلم الذين يستنبطونه منهم.

فان كنت ذافهم تشاهد ماقلنا   و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنا
فماثم الاّ ماذكرناه فاعتمد عليـ   ـه و كن في الحال فيه كما كنا

الاشراق الثالث: انك حين تنظر اطو الوسائط و اقطع الروابط و لاتنظر الاّ الي الذات البحت تعالي شأنها و لاتقصد سواها و لاتطلب غيرها فان الاسماء حجاب المسمي و دليلها و ظهورها فمن توجه الي الاسم فقد عبده و من عبد الاسم و المسمي فقد اشرك و من عبد الاسم دون المسمي فقد كفر و من عبد المسمي بايقاع الاسماء عليه فذاك التوحيد فاذا سمعت منا نقول ان القيوم هو الفاعل و هو ظهور الذات الذي هو الفعل لاتتوهم الاستقلال بل لاتفهم الاّ حكم الاضمحلال فان قولنا الظهور يغني عن المقال و يكفي عن مؤنة الاستدلال و الظهور اسم للظاهر فالمتقوم بالذات هو الذات و قيوميتها بظاهريتها للخلق و الخلق قائمون بفاعليته قيام الكلام بالمتكلم و الادراكات بالمشاعر لا علي جهة الحلول ليتأثر عن معلوله و مفعوله و لا علي الاتحاد ليمتنع تأثيره و ايجاده و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 295 *»

علي جهة التعين لتكون ذوات المفعول هي الحركة و لا علي نحو البروز و الكمون ليصحّ التوليد بل كقيام الصورة بالمقابل فان المقابلة هي المؤثرة بالظهور فيها و الظهور هو تأثير المقابل في الصورة و امره اليها و مثاله فيها و الشبح المنفصل عن الشبح المتصل الذي هو ظهور الشخص و تلك الظاهرية قائمة بالذات بنفسها فتستدير عليها دورة متوالية كاستدارتها عليها غير متوالية فاذا قلنا ان العلة عين المعلول لم‏نرد به الحقيقة ليلزم تقدّم الشي‏ء علي نفسه و انما هو شي‏ء واحد اوجده الواحد سبحانه بلا كيف و اقامه بنفسه و امسكه في ظلّه فلايخرج منه الي غيره فامدّه به عنه منه و كل ذلك مستند الي الفعل فان استند الي الذات كان حقيقة الذات ظهوراً و حركة فيحدث في الذات حوادث كثيرة فان قلت ان القائم هو ذات زيد بطل كونه صفةً و بطل كونه قاعداً فان قلت انه صفتها قلت من المقوم لها فان قلت هو الذات قلت ابقائميتها ام بنفسها فان قلت بالاول قلت هي ايضاً صفة محدثة من المحدث و من المقوم فان عدت في الجواب الاول عدنا في السؤال فان ذهبت الي اين تذهب ليس الاّ ايجاد و وجود و انوجاد فان قلت بالثاني رجعت الي الاول فبطل اذاً مضطجعاً لاجتماع النقيضين و لا كيفية لهذا التقويم تعبّر مع ان الكتاب التكويني كل حرف منه يشهد بذلك و لا اثر عن مؤثر الاّ علي مثال تلك القيومية لان الحكاية سارية في اقليم الظهور فالعبارة الظاهرة و ان كانت لا عبارة علي نهج التلويح و الاشارة ان القائم قائم بعينه قيام صدور و قائم بالقيام قيام ركن ظهوري و قائم بنفسه قيام تحققي و عضدي و الذات هي المتصرفة في الكل و المدبرة لها بها و المستوية عليها المظهرة اثارها بها بلا كيف فان الكيف انما نشأ و تحقق بالقائم فلايجري عليه ما هو اجراه و الاّ لشابهه و لكان مثله لكنك اعلم ان القائم اسم الفاعل و كذا الفاعل و قداتفقوا علي انه مشتق الاكثر علي انه من المصدر و هو الاصل و الحق انه من الفعل و لا شك في تأخر المشتق عن المشتق‏منه فيجب تأخر الفاعل عن الفعل مع تقوّم الفعل به فما الفاعل اذاً و ما فاعلية الفعل اذ كان مفعولاً و ان المشتق منه ليس علي جهة الاستجنان اذ ليس

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 296 *»

الضارب مستجنّاً في ضَرَبَ بالحركات علي المختار او السكون علي المشهور عند البصريين و ليس علي جهة التعين لما ذكر فهو علي جهة التأثير و الايجاد فيكون المشتق‏منه هو المفعول فيكون المفعول حينئذ عين الفاعل لا مطلقاً و ليس لك ان‏تقول ان المحكي من النحاة لايجري علي الحقائق فانما هو في الالفاظ لان الالفاظ قوالب المعاني و صور الحقايق و الواضع هو اللّه سبحانه و النحوي هو الباحث عن احوال ماوضعه اللّه سبحانه و قرّره سيما اذا كان حكيماً سيما اذا كان هو الواضع في مقام المسمي و الباحث في مقام الاسماء و اذا قطعنا النظر عن ذلك و رجعنا الي الواقع لايكون الاّ كما قالوا اذ بعد ماانسدّ الطرق عن جهة اللّه الذات البحت تعالي و تقدس ذكرها لم‏يبق الاّ ظهوراتها في مراتب المظاهر و المخلوقات و لا شك ان الفاعل كالقائم و القاعد ليس هو محض الظهور المطلق و الاّ امتنع الاتصاف فيكون هو الظهور القائم بالمتعلق الذي هو الاثر قيام تحقق و قيام ركني و لا ريب ان هذا الظهور هو من فاضل الظهور المطلق لكونه ظهوراً للغير و لايكون الاّ بالغير فلايكون عين الظهور الاول و الاّ لكان الاول عين الثاني او الثاني تعين الاول و كلاهما ممتنعان مع انك لو فتحت بصر بصيرتك و نظرت الي صافي طويتك رأيت ان الظهور للمتعلق بعين ذلك المتعلق و كل هذه المتعلقات تقوّمت بتلك الظهورات قيام صدور و تلك الظهورات تقوّمت بالمتعلقات قيام عضد و ركن فتكون فاعلية الاشياء بانفسها اقام الاشياء باظلّتها و هذه الفاعلية هي مشتقة من الفعل الكلي الذي هو الظهور الكلي قال اميرالمؤمنين7 بل تجلي لها بها و بها امتنع عنها فالمتجلي هو الفاعل و المتجلي‏له هو المفعول و المتجلي‏له به هو ماذكرنا من السرّ المكنون و شرح هذا الكلام بقوله الحق في اليتيمية علة ماصنع صنعه و هو لا علة له و قال مولانا الصادق7 خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و انت تعلم ان الفعل لايكون الاّ في رتبة المفعول فاذا كان هو عين الفعل كان الفعل عين المفعول فالفاعل هو مقام الذات و علامتها و هو مشتق من الفعل و مركب من الفعل المتقوم بالذات قيام صدور و من الاثر المفعول فكان

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 297 *»

كل فاعل مع المفعول المطلق بل هو المفعول المطلق ثم ان الاثر لو جرّدته عن ظهور المؤثر كان هو المفعول المطلق فاذا غيّبته في ظهور الذات كان هو الفاعل تقول ضربت ضرباً فانا ضارب و ذاك مضروب و القول بانّ ضرباً تأكيد بمنزلة ضربت ضربت فحق فان قال بمنزلة زيد زيد فباطل الاّ ان جهات التوجيه متسعة و طرق الاعتبارات مختلفة و كونه تأكيداً له لكونه تقريره في مقام ظهوره باثره لكونه ظلّه و مثاله ثم ان هذا المفعول الذي هو جهة فاعلية الفاعل بل هو الفاعل ان بقي في مقام ذاته اي المثال و الحكاية و ظهور صرف الذات من غير نظر غيرية و بينونة و انفصال مقام لا فرق بينك و بينها. هو فيها نحن و نحن فيها هو كان هو الفعل اللازم حيث لزمه الفاعل و اختص برفعه و لا ذكر للغير فيه فان الغير انما هو ذكره فان لم‏يبق في مقامه بل تعدي الي الغير اي غير جهة الفعل بظهوره فيها بالانفصال و الاتصال روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي كان هو الفعل المتعدي بالتأثير الي الغير و هو تعين الاثر الحاصل بالتأثير و ظهوره في الغير كقولك ضربت زيداً فان الضرب المشتق المصدر الذي هو بالاضافة الي الفعل فاعل قدتعين بالوقوع و الظهور في الحدود و التعينات و لمّاحصل الانفصال و ذكر الغير و جاء السوي و تحقق الطرفان و التقي البحران و ان الصبغة في الرحمة انما هو علي حسب المقام و مااستحق من الفعل ماكان يستحقه اللازم و (خ‏ل) حيث البسه لباسه و علاّه بتعليته و اقامه مقامه في الاداء و صوّره الرفع لبيان اجعلك مثلي. كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها. قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم الله و لمّا كان الانتساب الي الفعل و لايذكر عنده الاّ هو لكونه حكم الاثر الدالّ علي المؤثر بالانّ لم‏يستحق الاّ النصب المتوسط بين الرفع اعلي مراتب القرب و الاتصال و الكسر ادني دركات البعد و الانفصال و الفعل هو الاصل في العمل و هو المبني عليه الاحكام الوجودية و التشريعية و الاصل في المبني ان‏يسكّنا لكونه الخلق الساكن الذي لايدرك بالسكون و انما تحرّك لبيان الاصل فيه فاجتمع الامران و ترتب الحكمان فالفعل المتعدي يفيد

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 298 *»

ماافاده اللازم و زيادة حكم الاسفار الاربعة او الستة بمنافعها الخمسة عشر و شدائدها التسعة عشر الوجه فيه قوله السفر قطعة من السقر و قوله لولا قال و ادراك الغرائب و مشاهدة العجائب بخلاف الفعل اللازم فانه الموطن و المسكن و لا مسافرة هناك و لا منافرة فافهم ماالقينا اليك من الدقيقة في اشتقاق الفاعل من الفعل في الجزئيات المتعلقة و اما في الكلية فاشتقاقه من نفسه كضرب بالتحريك فان ضرباً بالسكون مشتق منه و هو ليس بجامد لكونه نسبة الغير فلم‏يزل يتحرك نحو المبدء المحرّك اياه بنفسه.

الاشراق الرابع: القيوم اوّله حكم الاحاطة الظاهرية التي هي عين الباطنية و اخره مقامات المحاط و اوسطه من جهة تفصيله في ستة ايام بعد استوائه علي العرش و من جهة المحيط اول اشراقاته و انواع احاطته و التضعيف اما للتأكيد لاستنطاق القاف و اما لشرح كونه ثاني و المجموع شرح بسم اللّه الرحمن الرحيم لاستنطاق الواحد المتمم المقترن بالاحد المستنطق به الكاف في كن فهي القطب الكلي لحقايق استدارات الامكان و الاكوان و اليها يعود الزمان و المكان و هي منتهي تعلقات الصفات و استدارتها علي نفسها و قيوميتها بنفسها كما ان قيومية النار للشعلة بالمسّ و للمسّ بالحرارة و اليبوسة العرضيتين و لهما بنفسهما فالمتجلي كرة يدور عليها التجلي و هو كرة تدور عليها المتجلي له و هي ثلث كرات متطابقات محدب السافل علي مقعر العالي و ان جعلت اخرها خارج المركز صحّ الاّ ان فيها مقامان مقام مركزها عكس الممثل و ضده و لايرتبطان بالمتممين الحاوي و المحوي و مقام اخر كماذكرنا فالعكس يدور علي عكسه مدبراً مولّياً و هو يدور علي قطبه المتجلي فحصل السائل و المجيب و السؤال و الاجابة فلولا السائل لم‏يكن شي‏ء و لولا السؤال لم‏تكن الاجابة و لولا الاجابة لم‏يكن المجيب و ما من موجود الاّ و له من هذه الاربعة نصيب ففي كل مقام يكون السؤال عين الاجابة يكون السائل عين المجيب نحن السائلون و نحن المجيبون فاذا كانت الاجابة بالسؤال كان السؤال هو نفس السائل فكانت

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 299 *»

بينونة الصفة لا العزلة فقد سئل به لا بغيره و الاّ لكان هو غيره و غيره هو و العبارة الظاهرة هو ان‏نقول ان المقامات الاربعة مختلفة الي رتبة الفعل الصادر الاول فتتحد و العبارة الحقيقية اكتمها مع كمال اظهاري اياها لك «و ما انا ان خبّرتهم بامين» و هو السرّ المعمي و الرمز المنمنم و لكن اكثر الناس لايعلمون و قدقال مولانا الصادق7 انّ اللّه تعالي قداقام الاشياء باظلّتها فافهم.

الاشراق الخامس: قدظهر منّا سابقاً ابطال القول بوحدة الوجود بان تقوّم الاشياء به تعالي كتقوّم الامواج بالبحر و الحروف بالالف فانه اخراج للقديم عن قدمه فان المقيد اذن له حالات ثلثة حال اللابشرطية و صلوحه للشي‏ء قبل الاقتران و الاقتران مع قطع النظر عن المقترن فان كان في الذات تلزمها و ان كان في الفعل تلزمه و كذا ان كان في المفعول فاختر ايها شئت و انصف انّ تغيّر الحالات و تكثّرها ينافي القدم ام لا و لايسعك انكار الحالات في حال الاطلاق و التقييد في مقام ذات المطلق (الذات اي المطلق خ‏ل) ان كنت ذافهم سديد و لست بجبار عنيد ممن القيت السمع و انت شهيد و اما الكمون و البروز فهو القول بالتوليد و اما الرشح و الظلال و الاشعة فهو قول بالتشبيه لمشابهة الاشعة السراج و الظلّ ذي‏الظلّ و الرشح ماترشّح منه مع ان كل ذلك صفات الخلق و احوالهم و حدودهم يتعالي عن كل ذلك معبودهم و لم‏يكتب لك ماوصف نفسه لك بك في لوح حقيقتك تلك النسبة بل مادمت لاحظاً لها غير واصل اليها و غير متصل بها مع ان القائم لايدرك الاّ و القيام معه و المنسوب لايعقل الاّ مع المنسوب‏اليه و اري ذلك الوصف يحرق عند ظهوره كل النسب و الاضافات و الاحكام و الارتباطات و لعمري ان حالهم يناقض مقالهم (شعراً خ‏ل) كذبوا ان الذي زعموا خارج عن قوة البشر و قدعرفوا اللّه بحدود انفسهم علي التوهم كما قال ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر و الفاعل بعينه هو القابل و الاعيان الثابتة عينه الغير المجعولة و الفعل و القبول له يدان فهو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 300 *»

واحدة و الكثرة نقوش فصحّ انه مااوجد شيئاً الاّ نفسه و ليس الاّ ظهوره هـ و اسم الباطن هو الفاعل و هو الذات عندهم فاثبت له تعالي حالة التأثير و التأثر و الفعل و الانفعال او تقول انه تنفعل ذاته عن ذاته و لا ضير فيه بلي هكذا قول من اتي البيت من ظهره و اعرض عن معدن العلم و اهله و قدقالوا ان الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات فمنهم من قال انها كاستجنان الشجرة في النواة و منهم من زعم انها كاندراج اللوازم في الملزومات و قدزعموا ان الازل فضاء واسع يسع الاشياء الكثيرة حتي اثبتوا فيها مااثبتوا سيجزيهم وصفهم انه بهم حكيم عليم. قل كل يعمل علي شاكلته و ربكم اعلم بكم.

ارشـاد: يااخي و يا قرة عيني اعلم ان اللّه سبحانه وحده واحد احد صمد لايدخل فيه شي‏ء و لايخرج منه شي‏ء و لايساويه شي‏ء و لايعادله شي‏ء و لا هو كشي‏ء و لا لشي‏ء و لا من شي‏ء و لا عن شي‏ء و لا علي شي‏ء و لا في شي‏ء و لا منه شي‏ء و لا عليه شي‏ء و لا فيه شي‏ء و كل نسبة و جهة و اتصال و بينونة و انفصال و اقتران و افتراق و وضع و اضافة و حكم سلبي او ايجابي كلها في الخلق و هو تعالي منزه عن ذلك كله و الاّ لكان ممكناً قال امامك و مقتداك كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لماسواه هذا هو التوحيد الخالص فان قلت اذن كيف مثّلت القيومية بالقائم و المشتقات قلت ان ذلك حكم فعلي سرت امثلته في المفاعيل و لا دخل له في الازل عز وجل نعم قد وصف نفسه لنا في الكتابين التدويني و التكويني فتطابقا و ينبئ احدهما عن صاحبه و قدقال لك فيهما ليس كمثله شي‏ء و لاتضربوا للّه الامثال و اللّه يعلم و انتم لاتعلمون فاذاً مااقبح مازعموا و ايّدوا و شيّدوا و ملأوا الدفاتر بالربط بين الحادث و القديم فياويلهم الويلات من هذا الكلام الذي تكاد السموات يتفطّرن منه و تنشقّ الارض و تهدّ له الجبال هدّاً فلو كان القديم مرتبطاً كان مقترناً و يشهد كل اقتران علي الحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث و الاّ فاين الربط نعم الربط انما هو بين ظهوراته و مطارح تجلياته و شئوناته الفعلية و اين هي من الذات الم‏تعلم ان النسبة و الارتباط الي الناقص لو كانت ذاتية تنبئ عن النقص

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 301 *»

في المنسوب‏اليه و الاّ بطلت هذا خلف نعم لمّا لم‏يعقلوا الاصدار و الايجاد بلا كيف و هو لا كيف له انكروا ذلك مبلغهم من العلم و اللّه ولي التوفيق و بيده ازمّة التحقيق و ماذكرناه كفاية لاولي النظر الدقيق و الفكر العميق هدانا اللّه و اياك سواء الطريق.

اللمعة الثامنة

في اول صادر عن اللّه سبحانه و بطلان القول بالعقول العشرة و ان العقل اول صادر اضافي و الجمع بين الروايات المختلفة في اول الصادر. قال اللّه تعالي «انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون». «و هو الذي ارسل الرياح بشري بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميّت فانزلنا به الماء و اخرجنا به من كل الثمرات». «و البلد الطيب يخرج نباته باذن ربه و الذي خبث لايخرج الاّ نكداً». «هو الذي يزجي سحاباً ثم يؤلّف بينه ثم يجعله ركاماً فتري الودق يخرج من خلاله». «انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها» و قدسئل7 اين كان اللّه قبل خلق السموات و الارض قال «في عماء فوقها هواء و تحتها هواء» و «اول ما خلق اللّه الهواء» و «اول ما خلق اللّه الماء» و «اول ماخلق اللّه القلم» و «اول ماخلق اللّه العقل» و «اول ماخلق اللّه روحي» و «اول ماخلق اللّه نوري» و «اول ماخلق اللّه نور نبيك يا جابر كان طائفاً حول جلال القدرة ثمانين الف سنة» و لهذه اللمعة اشراقات:

الاشراق الاول: ان اقرب الاشياء الي الاحد هو الواحد ليس قبله لشي‏ء ذكر و لا عدم ذكر لشي‏ء فيه و هذا امر قطعي يشهد به الوجدان و صريح البرهان و لايخفي ذلك علي انسان الم‏تنظر الي النقطة الصرفة الغيبية حيث ظهرت بالالف فكان اول ظهورها و ذكرت الحروف لديه حيث كانت منشأً لها و قائماً عليها و محيطاً بها فليس بعد النقطة الاّ الالف و ماانبعثت الحروف الاّ

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 302 *»

منه و قد علم اولوا الالباب ان ماهنالك لايعلم الاّ بماهيهنا و البرهان علي ذلك ان الذات من حيث هي ليست الاّ هي فلمّا ظهرت بنفس الظهور كان ذلك علمه المحيط بكل شي‏ء و قدرته النافذة علي كل مايريد و لمّا كان الظهور غير متوسط بشي‏ء سواه و غير متكثر بذاته صلح لاظهار كل المظاهر و المرايا و حيث ماصلح قدذكر الجميع فيه ذكراً صلوحياً و صلوحاً عدمياً فكان ذلك هو كلمته و كل المظاهر دلالتها فكان هو القدرة التي استطلت بها علي كل شي‏ء و علمه الانفذ و النافذ بكل شي‏ء فذكرت المعلومات كلها و المقدورات باسرها عند ذلك النور الصبح الطالع من افق الظهور فكان هو الواحد و رتبته الواحدية و مقوّمها الاحدية ففي الواحد استجنّت الاعيان الثابتة المعدومة الكون و العين فطوت وحدة الواحد الكثرات الغير المتناهية و هو اول مابرز عن الاحد باظهاره في رتبة مقامه و قدذكر عنده الاعداد و حصلت الاضافات و الاوضاع اي الصلاحيات فقد جفّ القلم لديه و لم‏يبق الاّ اظهار المذكورات و انفاذ العلم بايجاد المقدورات و ذلك علي حسب قابليات الظهور و جهات الاستمداد من ذلك النور و هناك يتقدّم المتقدّم و يتأخّر المتأخّر و يسعد من سعد و يشقي من شقي فظهر ان اول ماصدر و ظهر في مصدر التكوين هو العلم المتعلق اذ معلوم و القدرة اذ مقدور و السمع اذ مسموع و البصر اذ مبصر و الحيوة و المشية و الارادة اذ الاكوان انما هي صفات الاسماء و الصفات و هي متقدمة علي صفاتها لترتبها عليها اذ ماظهر من الصفات في مواقع التجليات لاتنسب الي القديم لانتهاء كل شي‏ء الي مثله فايجاد الموصوف قبل الصفة و المنسوب‏اليه قبل المنسوب من اللوازم لكونه من متمم القابليات و دليل تمكين الفاعل القابل للتمكن و حصول الاستعدادات و ان كان المنسوب و المنسوب‏اليه متضايفان الاّ ان له تقدم علي المنسوب بالذات و التحقق و الدليل علي ماذكرنا و شاهد ماسطرنا ما في دعاء سحر من اثبات التشكيك ظاهراً في الصفات مثل قوله7 من بهائك بابهاه و كل بهائك بهي و من علمك بانفذه و كل علمك نافذ و من قدرتك بالقدرة التي استطلت بها علي كل شي‏ء و كل قدرتك مستطيلة و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 303 *»

امثالها من العبارات الشريفة فان الذات لاتقبل التشكيك فثبت المغايرة فوجب حدوثها و الاّ يلزم قدمها و هو يستلزم عدمها فاين المهرب عن ذلك المطلب فلمّا كانت هذه الصفات قدسبقت الاشياء و الماهيات فتكون هي السابقة الغير المسبوقة و كل ماسواها اللاحقة و لمّا كانت الصفات انما تتعدد و تختلف لاختلاف الجهات و تباين الحيثيات لا حقيقة الذات وجب ان‏تكون الذات المختلفة جهاتها بالاعتبارات واحدة و حادثة اما الاولي فهو المفروض و اما الثانية فلانّ الجهات و الحيثيات لاتتطرّق في القديم الذات البحت الباتّ و لمّا كانت هي الموصوف فتكون مقدمة علي صفاتها فتكون هي المجعولة اولاً و الصادرة سابقاً فتكون مع كل شي‏ء لا بمقارنة و خارجاً عنها لا بمزايلة فثبت بالبرهان ان اول ذائق ثمرة الكون المطلق في عالم الامكان هي الذات الدائرة عليها كل الصفات و المتعلقة بجميع الحيثيات و الشؤنات الفعلية الخلقية مما انبثّت رشحات امثالها في عالم الاكوان.

الاشراق الثاني: و تلك الذات المقدسة الشريفة لها اسماء كثيرة قداستعملها سادات البرية سلام‏اللّه عليهم باعتبارات مختلفة و جهات متشتتة متفاوتة فمن حيث انها جهة الحق سبحانه و ذكره و مذكوريته في الامكان سميت ظهوراً و تجلياً اولياً و من حيث انها ظهوره لغيره و موصل فيضه الي مايريد سمي فعلاً و حركة ايجادية و من حيث انها ظهوره لها بها و لغيرها (بغيرها خ‏ل) علي الظاهر سميت فاعلاً و من حيث انها اول الذكر و المذكور و بها نشأت الاشياء و تأصّلت سميت مشية و من حيث انها مبدء الصور و الاعيان سميت ارادة و من حيث انها تكوّنت لا من شي‏ء سميت اختراعاً و لا لشي‏ء و لا علي احتذاء مثال سميت ابتداعاً و من حيث انه اول مظاهر الحق سبحانه و ظهوراته في الامكان سميت التعين الاول و من حيث انه الاصل المتشعب عنه الحدود و الجهات و الحيثيات سميت شجرة مباركة زيتونة و من حيث انها مبدء الايجاد و علته و اول الميل سميت محبة و من حيث انه بها الاحسان و الامتنان او من اثره الماء الذي

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 304 *»

به كل شي‏ء حي سميت رحمة و من حيث انها تدبير الحق في الخلق و الاخذ بزمام كل شي‏ء و بناصية كل دابة سميت ولاية مطلقة و من حيث انها لا غاية لاولها و لا نهاية لأمدها و انقطعت عند ربها و بارئها سميت ازلاً ثانياً و من حيث انه اول ظهور الحق سبحانه سميت صبحاً الصبح الازل و من حيث انها اول الاصول و اصلها و غايتها سميت ادم الاول و من حيث انها لاتتوقف في تكوّنها و انصدارها علي شرط و سبب سوي ذاتها سميت الوجود المطلق و من حيث ان كل الظهورات و التجليات الالهية انما هي بفاضل تجليه لها سميت الاسم الاعظم و من حيث انها متممة لحقايق الامكان و الاكوان و متممة لنفسها بنفسها باللّه سبحانه سميت الكاف المستديرة علي نفسها و من حيث انها علة العلل و مبدء المبادي سميت السرّ المقنّع بالسرّ و المجلّل به و من حيث ان الماء الواقع علي ارض الجرز انما نشأ منها و صدر عنها و تأصّل بها سميت سحاباً و من حيث انها اللفظ الصادر عن فعله بنفسه سميت كلمة و من حيث انها حكم اللّه علي الموجودات سميت امراً و من حيث ان اللفظ انها مادة اللفظ الظاهرة بمحلها و صورتها الظهورية كالجسم التعليمي سميت الحقيقة المحمّدية9و من حيث انها المستديرة علي نفسها و قطب لماسواها سميت فلك الولاية المطلقة و من حيث انها الذكر الاول للاشياء سميت علماً و غيرها من الاسماء الموضوعة لها بحسب الاعتبارات الصحيحة و كلها حقايق لا مجازات ليصدق قوله تعالي ألكم الذكر و له الانثي تلك اذاً قسمة ضيزي و كون تعدد الاوضاع خلاف الاصل، خلاف الاصل اذ ليست مشتركة و لا مترادفة و لا مجاز و لا نقل و لا ارتجال بل حقيقة ثابتة في كل الاحوال و قداعطيتك اصلاً كلياً ينفتح لك به ابواب العلوم في المعاني و الاقوال.

الاشراق الثالث: قداخبرتك في توحيد الافعال ان كل ماسوي اللّه قائم بامره قيام صدور و قيام عضد و ركن و هذا عامّ لم‏يخصّص و لن‏يخصّص ابداً فماتسمعهم يقولون ان الامكان ذاتي و اختلفوا في ان علة الافتقار الي العلة

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 305 *»

الحدوث او الامكان كلام مزخرف فان الامكان ان لم‏يكن شيئاً فتوصيفه بالذاتية و العلية اللتان هما اصل الشيئية و حقيقتها غلط و توصيف الموجودات بالامكان غلط فاحش اذ العدم الصرف و اللاشي‏ء البحت لايدرك و لايحكم عليه لانه قبيح لانه محاولة ادراك المحال و ليس في محال القول حجة و لا في المسألة عنه جواب فان كان شيئاً فغير اللّه خالقه اختر ماشئت و ان استصعب عليك معرفة ان اللّه خلق الامكان فاعلم ان الامكان ليس الاّ الصلوح و الذكر المحض الكلي الشامل المنطبق علي القدرة الظاهرة و ذلك الذكر جزئيه كلي و حصصه مطلقة و قيوده عامة لاتفرض شيئاً الاّ و رأيته يسع الاشياء كلها و مبدء هذا الذكر انما هو تلك الذات المذكورة لانها لمّاظهرت ذكر جميع مظاهرها حين ظهورها بقضّها و قضيضها دقيقها و جليلها جلّها و قلّها و لم‏يبق الاّ الممتنع عن المظهرية و ذلك الذكر هو اول مظاهر ذلك الظهور فكان علي طبقه في الاحوال كلها فان الاثر لمّا كان علي هيئة صفة المؤثر فلمّا كان الفعل الذي هو عموم قدرة الفاعل في غاية رتبة العموم من الازل الي الابد الذي هو عين ذلك الازل خرج اثره كعموم قدرة المؤثر فلاغاية لأمده و لا نهاية لعدده بحر لا ساحل له مظلم كالليل الدامس كثير الحيتان لايغوص في هذا البحر الاّ امر اللّه و لايعلمه الاّ هو و منه مصدر البدء و علل الاشياء و الامدادات الغير المتناهية لكل فرد من افراد الاكوان و المكونات من اللابداية الي اللانهاية و هذه هي الخزينة العليا الاولي و منها ينفق كيف يشاء و لا نفاد لها و لا انقطاع و هذا هو الامكان و الفيض الاقدس و تلك الاذكار هي الاعيان الثابتة في العلم الازلي الثانوي و لمّا كان لكل مكوّن امدادات غير متناهية متوالية غير متفاصلة و لا ثابتة الاّ ما ذكر له‏في العلم عند تلك الذات علمها عند ربي في كتاب. بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون كان كل شي‏ء دونه فلايحاط لاحد الاّ اللّه سبحانه و يتساوي فيه العالي و السافل و الداني و الشريف و الوضيع و الملك المقرب و النبي المرسل و الكروبيون و العالون و خيرة اللّه علي الخلق اجمعين اذ لو احاطوا بهالاستغنوا عن المدد و هو صفة الواحد الاحد الصمد الم‏تقرء قل رب زدني علماً فالاستزادة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 306 *»

عن الوجوب محال و تقوّله كفر و طلبه الحاد و زندقة و عما عنده تحصيل للحاصل فلم‏يبق الاّ الممكن الغير الواصل و قدذكر عند الذكر الاول و قداتاه اللّه تعالي بذكره و هذا هو العلم الغيب المتفرد به الحق سبحانه لانه المتعلق للاسم الاعظم و هو الشمس المضيئة تحت بحر القدر هذا البحر و هو فوق القدرة (القدر خ‏ل) لاينبغي ان‏يطّلع عليها الاّ خالق البشر و هذا هو العمق الاكبر المنزجر للكلمة التامة تلك الذات و هي ينبوع مجاري الصفات و لمّا كان هذا الذكر يستحيل تبدّله بالنسيان فلمّا ذكر حفظة الكتبة عن الزيادة و النقصان فتحقق فيه الرجحان اذ من دخله امن من الاعدام و من دخله كان امناً لكونه هو بيت اللّه الحرام العالي البنيان الشامخ الاعلام و قدوسع كل‏ما جرت به الاقلام من انحاء الوجودات و الاعدام لكونه المحبوب الاول بالمحبة الحقيقية و تلك المحبة ايضاً من الامكان الاّ انها اشرف مقاماته و اعلي درجاته و اسني مراتبه كما يأتي ان‏شاءاللّه تعالي و لمّا كان الامكان اي الذكر الاول لحقايق الاكوان و الاعيان اول مظهر من مظاهر ظهورات الخالق المنان قدظهر مظهراً لثنائه في الاسرار و الاعلان منبئاً لبسط علمه و نشر عوائده و مننه و عموم قدرته و تحقيق كل يوم هو في شأن و تبيين قل اللّه خالق كل شي‏ء. و ما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق. و اللّه يعلم و انتم لاتعلمون. ليعلم انه من ينصره و رسله بالغيب باوضح بيان فكان هو في تأويل التأويل او باطن الباطن لا ما هو المعروف الظاهر عند اهل الباطن من قوله عزّوجلّ يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار فتحقق رجحانه و كمل تبيانه سبحانه سبحانه سبحانه مااعظم شأنه فافهم و لاتتوحش اذا سمعت منا الامكان الراجح فتلفت الي ماقالوا و تزعم انه اجتماع النقيضين و اذا قلنا الامكان الجائز فالمراد به كل‏ما نزل من تلك الخزانة الواسطة الي الحدود الخلقية الكونية فانه اذا ارتفعت الحدود و تفسّخت القيود عاد الي ذكره الاول قال7 و سبب فراقها تخلّل الالات الجسمانية فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة نعم قديرتفع التمازج و يعود العود بالمجاورة في السلسلة الطولية في الذكر الاول اذ ماذكر به ال‏محمّد سلام‏اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 307 *»

عليهم اجمعين غير ماذكر به غيرهم فعند العود لايلحقهم كما عند البدء ما سبقهم فيعود بالمجاورة فافهم ان‏كنت من اهل الدراية و الاّ فاسلم تسلم و انت لو نظرت فيما كتب اللّه لك من انواع المعرفة في الافاق و في نفسك شاهدت ماذكرنا جليّاً واضحاً ثم ان هذا الذكر الكلي العامّ الواسع العمق الاكبر ليس في افراده و مراتبه ترتب و تقدم و تأخر و علية و معلولية و اسباب و علل و شرايط و اداب و متممات و مكملات و لوازم و مقتضيات بل من شدة قابليته لا شرط له الاّ وجود الفاعل انظر الي الصور الخيالية فان الترتيب و التقديم و التأخير فيها مفقودة الاّ في الخارج عند التلفظ او الكتابة او غيرها لمّا كان ظهور الظهور في المظاهر علي حسبها و لا علي حسبه و المرايا منها مستقيمة و منها معوجّة و منها صافية و منها كدرة و منها كبيرة و منها صغيرة و قدلايتحقق شرايط تكوّن المظاهر اما لعدم قابليتها لذلك او لفقدان بعض علله الصورية و امثال ذلك من الموانع فيبقي في اصل الامكان كان الامكان علي قسمين و نقول انه خزينتان احديهما العليا و الاخري السفلي اما الاولي ففيها ذكر الخيرات و الطاعات و الوجوديات و الصور الحسنة و الاعتبارات الصحيحة و الذوات الطيبة و الملكات النورية و الانوار الوجودية و الوجدانية و كل ما يدرك و يحسّ و يتخيل و يتصور و يتوهم و يتعقل و مما وجد كونه و ما لم‏يوجد سواء يصح كونه‏ام لا مما يقدر الخلق علي ادراكه و ما لايقدر و اما الثانية ففيها ذكر كل الشرور و المعاصي و العدميات و الصور الباطلة و الاعتبارات الفاسدة و الذوات المنفية و الامور الغير النفس الامرية و الذوات الخبيثة و الملكات الظلمانية و التأييدات الشيطانية و القذوف الافكية و الامدادات العدمية و الخذلانية و كل مايدرك و يحسّ و يجسّ و يتصور و يتخيل و يتوهم و يتعقل و يجد من الادراكات

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 308 *»

الباطلة و الصور الكاذبة مما وجدت و لم‏توجد و سيوجد او لم‏يصح كونه و وجوده و منها قولهم انا نتصور شريك الباري و الاعيان الثابتة في الازل و اجتماع النقيضين و ان فرض المحال ليس بمحال و ان ارتفاع النقيضين و اجتماعهما يصح في المرتبة كاللاوجود و اللامعدوم و اللاحادث و اللاقديم و ان المفاهيم خمسة اقسام و ان المشية عين ذات اللّه و ان عليّاً7 افضل من رسول اللّه9 و غيرها من الامور الباطلة فانما هي من تلك الخزينة يدخلها اللّه سبحانه من رحمته الواسعة حسب سؤال المضطرين في مراتب مشاعرهم فالامكان شي‏ء قدخلقه اللّه سبحانه بفعله و اقامه بامره و هو الخزانة الاولي الاعلي للشي‏ء الواحد و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم.

الاشراق الرابع: و اذ قدعلمت ان اول الصادر هو تلك الذات الشريفة المسماة بالاسماء المتقدمة و علمت انها عامة واسعة لانها الرحمة الكلية التي وسعت كل شي‏ء و حدثت بها الامكانات الغير المتناهية الازلية الابدية الثانوية بكثراتها و كلياتها ظهر لك بطلان مااسّسوا و شيّدوا بقاعدة «ان الواحد لايصدر عنه الاّ الواحد» من اثبات العقل الكلي الاول و انه الصادر الاول فانّ ذلك زخرف من القول و زور فان الفعل عامّ واسع يسع كل مفعول الم‏تعتبر من حدوث الامكانات به و لولا ان الاكوان تنتظر الشروط لكان يحدث به كالامكان فعدم الاحداث من جهة القابل لا من طرف الفاعل الم‏تسمع قول اميرالمؤمنين7 ان الصورة الانسانية هي الصراط المستقيم و هي الصراط الممدود علي جهة بين الجنة و النار و هي الشاهد علي كل غائب و الحجة علي كل جاحد و هي المختصر من اللوح المحفوظ و قداراك اللّه تعالي اياته فيها و المنطوي فيها العالم الاكبر فاذا نظرت الي نفسك بالنسبة الي اثارك و افعالك هل‏تجد اول صادرك الاّ حركتك النفسانية ثم الجسدانية ثم مايظهر منك في الخارج بالترتيب بعد حضور صورة عندك في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 309 *»

الذهن علي حسب مساعدة الاسباب و الشرايط شيئاً فشيئاً و ليس عندك الاّ عقل واحد يدبّر قواك و مشاعرك و ظواهرك فاين العقول العشرة فان كان اثبتوها من جهة حصول الكثرة في الجهات الفاعلية فلم لم‏يكتفوا بالثلاثة حيث زعموا ان الجهات قدتكثّرت في العقل الثالث بحيث صار مبدء الثوابت و الكرسي مع ان كل جزء من الفلك يحتاج الي مدبّر يدبّره لحكم مغايرة الاجزاء و اشتراط المناسبة بين الجاعل و المجعول و هذا الكلام يتمشي في الفلك الاول مع ان‏العقل الثاني بعد لم‏تتكثّر جهاته فما لهم اين يذهبون فان كان اثبات الكثرة لاجل ان الواحد لايصدر عنه الاّ الواحد علي فرض صحته و تسليمه فقدحصلت الكثرة في الثالث بل في الثاني فاذا قارنت الكثرتان و بسطتهما لم‏يصل الي حدّ من الكثرة فلاتحصي فلم‏احتاجوا الي غيرها ثم ان مقتضي الكثرة ان‏تتعدد المقتضيات فمابال الامر رجع قهقري في السابع الي التاسع و القول بالمباينة لايجدي نفعاً فان مبني الاثبات اثبات تكثّر الجهات في المبدء حتي تتكثّرت المفاعيل و قدحصلت الكثرة فما الدليل علي باقي العقول مع انا قدتتبعنا الوجود و دلّ عليه العقل المستنير بالشهود ان الشي‏ء كلما تكثّرت جهاته تكثّرت شئونه لانها من مقتضياتها و لايتخلف و الاّ يكون الشي‏ء مهملاً و لاتجوّزونه سيما في العقول الفعالة فلا معني لماذهبوا اليه من اثبات العقول العشرة و سنزيدك ان‏شاء اللّه تعالي.

تبصـرة: ثم ان مااتفقت عليه اراء الحكماء من ان اول الصادر هو العقل و يجعلونه البرزخية الكبري ماالذي ارادوا منه ان ارادوا النور الالهي النبي الباطني الذي شعاعه فينا المدرك للمعاني الكلية فغلط فاحش فان المعاني محدودة و المركب مسبوق باجزائه انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و ان ارادوا الوجود او ارادوا المشية فغلط ايضاً الاّ ان‏يصطلحوا عليه و لا مشاحّة فيه علي الظاهر و ان ارادوا الحقيقة المحمديّة صلوات اللّه و سلامه عليه فلايصح اذ المنسوب اليه مقدم علي المنسوب و اما ماورد ان اول ماخلق اللّه عقلي و روحي و القلم فسّر (فقد يسّر خ‏ل) بحديث انّ اللّه خلق العقل و هو اول

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 310 *»

 خلق من الروحانيين عن يمين العرش و انّ القلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد و انّ روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فقدسبقه الغارس و الارض الجرز و الماء و السحاب و السماء و الدلالة و المعني المسبوق بالدلالة المسبوقة بالكلمة المسبوقة بمراتبها فالاولية اضافية لا حقيقية و هي ماذكرنا و اصّلنا.

الاشراق الخامس: اعلم ان الابتدائية و الاولية للشي‏ء قديطلق علي ماهي عليه و قديطلق علي مباديه الفاعلية و المادية فاذااشتبه عليك شي‏ء ارجع الي هذه القاعدة الشريفة و لذا قال اول ماخلق اللّه العقل لكونه اول الاشياء المتأصّلة الظاهرة الجارية عليها الاحكام من حيث هو و قدسئل اميرالمؤمنين7 عن اول ماخلق اللّه تبارك و تعالي قال7 اول ماخلق اللّه النور و قال ايضاً7 ان اللّه تعالي اول ماخلق الخلق خلق نوراً ابتدعه من غير شي‏ء ثم خلق منه ظلمة و كان قديراً ان‏يخلق الظلمة لا من شي‏ء كما خلق النور من غير شي‏ء ثم خلق من الظلمة نوراً و خلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سموات و سبع ارضين ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعداً الحديث و المراد بالنور هو الماء الذي به جعل كل شي‏ء حي كما عن مولانا ابي‏جعفر7 ان اللّه كان اذ لا شي‏ء غيره و خلق الشي‏ء الذي جميع الاشياء منه و خلق الريح من الماء ثم سلّط الريح علي الماء فشقّت الريح متن الماء حتي ثارت من زبد علي قدر ماشاءاللّه ان‏يثور فخلق من ذلك الزبد ارضاً بيضاء نقيّة صافية ليس فيها صدع و لا ثقب و لا  صعود و لا هبوط و لا شجرة ثم طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق اللّه النار من الماء فشقّت النار متن الماء حتي ثار من الماء الدخان علي قدر ماشاءاللّه ان‏يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقيّة ليس فيها صدع و لا ثقب و ذلك قوله تعالي و السماء بنيها رفع سمكها فسوّيها فاغطش ليلها و اخرج ضحيها الحديث و هذا الماء هو النور العلة المادية للعقل و الارض النقيّة الصافية هي العلة الصورية و هي الظلمة المخلوقة بالنور و العقل هو المجموع المركب و هو النور المخلوق من الظلمة اذ

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 311 *»

الاستناد الي الانية المضمحلة او المستقلة و النور المحمّدي9 المخلوق اولاً المخترع من نور الذات هو ذلك الماء و هو المعبر عنه بالحقيقة المحمّدية9 و هو جنان الصاقورة الذائق روح‏القدس العقل الكلي منها الباكورة و اما حديث انّ اللّه تعالي كان في عماء فوقها هواء و تحتها هواء قبل خلق السموات و الارض فاعلم ان المراد به الظهور و العماء هو السحاب الرقيق و هو السحاب المزجي في مراتب المشية و الهواء هي الظلمة و الفوق و التحت هي عبارة اللانهاية و انقطاع الادراك و الاولية و الاخرية عن العماء فعلي ماذكرنا حصل التوفيق بين كل الروايات و تحقق الامر و علمت ان اول الصادر هو عالم الامر عالم الابداع و الاختراع و المشية و الارادة و الولاية المطلقة و الازلية الثانية فاحببت ان‏اعرف المخلوق بنفسه الممسك في ظلّه خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و هي اول مابرز في عالم السوي و اول المواد و هيولي الهيولات و اسطقس الاسطقسات و مادة المواد هي الماء الذي به حيوة كل شي‏ء و اول الصور و القابليات هي ارض الجرز و اول المكونات المقدرات المقضيات الممضيات في الكائنات من المقيدات هو العقل الذي تحقق الكون باقباله و ادباره كما يأتي ان‏شاءاللّه تعالي فلاتطرح الروايات و لاتنكرها اذ لم‏تحط بها خبراً و لاتكن ممن قال اللّه و اذ لم‏يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم و ذروها في سنبلها و ردّوها الي اهلها و اسلموا تسلموا فانها صعبة مستصعبة اجرد كريم ذكوان مقنّع لايحتمله الاّ ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام.

اللمعة التاسعة

في كيفية ايجاد الصادر الاول بنفسه و انصداره عنها بها و وجه تركيبه و مادة وجوده و تكوينه. قال اللّه تعالي «سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 312 *»

الحق الا انه بكل شي‏ء محيط و يضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون». «ياايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة» في بيان كيفية ايجاد الصادر الاول و الوجود المطلق و الغيب الثاني الاول و الازلية الثانية ظهور الاولية التي هي عين الثانية التي هي عين اللاهوتية (اللاهوية خ‏ل) التي هي حقيقة الهوية و ذكر طبايعه و عناصره و مواد اجزائه و مادة نفسه و كيفية التركيب و المركب الاسمي المعبر عنه بالاسم الفاعل الذات الظاهرة في المشتقات صفة الفعل و معموله و ظهوره و فاعله و مفعوله و مبدئه و موجده. قال اللّه تعالي «و كان امر اللّه مفعولاً». «خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثّ منهما رجالاً كثيراً و نساءً». «و من كل شي‏ء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون» و «ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل‏تري من فطور». «ماخلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة». «هو الذي ارسل الرياح بشري بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميّت فانزلنا به الماء و اخرجنا به من كل الثمرات». «سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق» و لها اشراقات:

الاشراق الاول: قوله تعالي و كان امر اللّه مفعولاً و قوله تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون دلّ علي ان الفعل مفعول كيف و هو من المشتقات و هي تستدعي اصلاً ترجع اليه و المشتق فرع عرض قائم باصله قيام عضد و ركن كقيام اصله به في الوجه الثاني و ان كان قديتراءي في بادي النظر القيام الظهوري الاّ ان ذلك قيام ظهور الفاعل بنفس المفعول في الشعاع المنفصل و الغالب في الاشتقاق الشعاع المتصل و ان كان الشعاع المنفصل من احد اقسام الاشتقاق و اسم الفعل مشتق فمعناه يكون كذلك بحكم التطابق بين الاسم و المسمي من حيث هو كذلك و التوافق بين عالم اللفظ و المعني كما هو المطابق للحكمة الالهية في الكينونة الاولية و لمّا كان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل كان اجراؤه في الذات محالاً للانفعال الموجب للحدوث و التغيّر الداعي الي الامكان فيكون ذلك الاصل ممكناً و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 313 *»

حيث لم‏يسبق الفعل الاّ الذات كان مبدء الاشتقاق هو نفس الفعل فهو اذن الاصل القديم و الفرع الكريم رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك.

تحقيـق و تزييـف: لمّاكان وجود الفعل لايقتضي سوي الفاعل اي الذات كان هو الوجود المطلق و الغيب الثاني و الظهور الاول و قولي الثاني تفهيم و الاّ فهو الاول لان ذلك الاول لا ثاني له و اليه ترجع الاضافات و الجهات و عنه عبّرت العباير و اللغات و اليه انتهت الصفات و الذوات و القول باعتبارية الفعل لا اعتبار له كيف و الذوات به تحقّقت و الحقائق به تشيّئت و الاسطقسات له و به تأصّلت مع انه يستلزم الطفرة و تنخرم به قاعدة الامكان الاشرف و الضرورة قدقضت بها فان لم‏يكن شيئاً كيف سبق الموجودات كلها و الذوات باسرها في الاطوار الامكانية فان السبق صفة وجودية ضرورة و ان كان شيئاً و قدسبق الموجودات كان اقويها و اثبتها و اعلاها فهو ذات الذوات و الذات في الذوات للذات و الاعتباري ان كان راجعاً الي العدم فكما قلنا و ان كان الي الوجود فكذلك و ان كان الي الذهني دون الخارجي فمع استحالة الفرق عقلاً و نقلاً ـ كما سبقت الاشارة اليها مجملاً و تأتي مفصلاً ان‏شاءاللّه تعالي   كذب محض و زور صرف اذ لايراد به الاّ ما يراد و يدرك في الذهن و ينسب اليه الافاعيل الخارجية و لم‏يكن كذلك فيه ثم ان الاعتبار في الذهن و هو و مافيه مخلوق بالفعل و ان كان قبل الاعتبار لا وجود له كما هو شأن الاعتباريات كزوجية الخمسة فيلزم ان لايكون له سبحانه فعل الاّ بالتوهم و الاعتبار و ذلك ساقط عن محل الاعتبار قال7 في الصحيفة و استعلي ملكك علواً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني مااستأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين فالفعل ذات استفادت الذوات من صفاتها تذوتاتها و الصفات من هيئات اشباحها تذوتاتها و الظلال من عكوسات اشباحها تشيّئها و تأيّسها فلا ذات سواه و لا متأصّل غيره الاّ به و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابّة من الارض تكلّمهم انّ الناس كانوا باياتنا لايوقنون و الاعتبار في اقرب الاشياء الي المبدء الحق ساقط عن الاعتبار و لكن القوم لمّا انجمدوا فقدوا الذوبان فظنوا الذائب المتلاشي عن

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 314 *»

جهات الانية اعتبارياً و المنجمد ذائباً فجعلوا ما الاصل منه الاشتقاق فرعاً لما الاصل فيه الجمود ذلك مبلغهم من العلم ان هم الاّ يظنون فذرهم و مايفترون.

تأييـد: قال7 خلق اللّه الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها و الاشياء اعمّ من الاعتباريات و الذوات و الصفات و الاضافات و النسب و الكينونات و الهويات و اللاهوت و الماهوت و الناسوت و الجبروت و الملكوت و الملك و القرانات و الهيئات فموجد الكل كيف يتصور اعتباريته و الواسطة ينسب اليها الفعل بل الفعل ينسب الي القريب المباشر و ان كان يداً اما سمعت قوله تعالي انه لقول رسول كريم و قوله تعالي فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت ايديهم و ويل لهم مما يكسبون ففي الفقرة الاولي نسب الفعل الي الاصل و الثانية الي المباشر الغير المستقل بحال من الاحوال فالنسبة حقيقة و ان كانت بعد حقيقة دون المجاز و ان كانت مجازاً عند اهل المجاز ولكنها حقيقة عند اهل الحقائق فاهل المجاز يرونه حقيقة في مقام الخصوص بالعموم و اهل الحقيقة يرونه مجازاً في مقام العموم بالخصوص فليس هناك اشتراك و لاتواطؤ و لاتشكيك و لا مجاز و لا نقل و لا ارتجال فافهم فالفعل هو المشية كما قال7 الارادة من الخلق الضمير و مايبدو له بعد ذلك من الفعل و اما ارادة اللّه فاحداثه لا غير لانه لايروّي و لايهمّ و لايفكّر و انما يقول للشي‏ء كن فيكون بلا لفظ و لا كيف لذلك كما انه لا كيف له فمبدء الوجود اصل لكل غيبة و شهود فلايكون الاّ حقيقياً.

الاشراق الثاني قال تعالي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار و هذه الشجرة قدفقدت الجهات لانها متلازمة فحيث انها فقدت في الجهتين وجب في الجميع و فقدها ينافي كونها شجرة لانها متحدة الاصل متفرعة الاغصان و هي دليل الكثرة و هي

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 315 *»

تكون بالجهات فاذا انتفت انتفت فاين الشجرة او اين كونها لا شرقية و لا غربية فهي وحدانية الذات متكثرة التعلقات و هي عوارض كينوناتها الثانية رسماً (اسماً خ‏ل) في الشبح المتصل و اثراً في الشبح المنفصل فحقيقتها عند ظهور الكاف وحدانية و لذا ظهرت بالكاف المستديرة علي نفسها تدور علي نفسها علي التوالي و تدور نفسها عليها علي خلاف التوالي و العشرون لظهور سرّ تسعة عشر في الحجاب الثاني اي الاول اذ الاول لا ثاني له و ذلك الستر اورث الوحدة و الاستدارة و الكينونة الثانية عند ظهور النون لانها قوس دائر علي المحور المورث للكثرات و الاختلافات في اطوار التعينات و النون ظهور الهاء في الياء و هي تكرار الهاء و الجميع استنطاق العين فظهرت الكاف في العين فتقوّمت و تحقّقت الصاد فظهر قوله تعالي كهيعص فالاصل الكاف و الفرع الصاد و مابينهما قرانات و استنطاقات فليست في الكاف جهة لا شرقية و لا غربية فلذا استدارت علي نفسها و في النون ظهرت الكثرة في الكينونة الثانية فكانت بها الشجرة و قولي الثانية في مقابلة الاولي في قوله تعالي خطاباً لادم روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي فالاولي كينونة اللّه الظاهرة في الجبلاّت من قوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم و الثانية الاعيان الثابتة في العلم المحتجبة تحت حجاب النون و بها اصول الحقايق و مبادي الذوات فتمّت الشجرة الالهية الكلية واحدة في عين الكثرة مسلوبة الجهات في عين الاتصاف بها فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم و اللّه خليفتي عليك.

حكمـة نورانيـة: هذه الحقيقة البسيطة اول المبادي و جوهر جواهر العلل و ذات المتذوتات و المدبرات و الذوات و مجوهرة القوابل و الاستعدادات و مكونة الكينونات و مدبرة الدائرات و مسخرة القاهرات كما ذكرها اللّه سبحانه لا شرقية و لا غربية منزهة عن الحدود و الجهات مبعّد عنها الاقطار سالمة عن شوب الكيفيات و الكمّيات مستترة غير مستورة لشدة ظهورها و كمال نورها و رقّة خفائها لانها الواحدة التي صدرت من الواحد لا لان الواحد لايصدر عنه الاّ الواحد و هي الواحدة في قوله تعالي قل انما اعظكم بواحدة و التاء ليست ذاتية

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 316 *»

و انما هي مبالغة في الوحدة و هي قبل الاتصال واحدة و بعده كاف مستديرة علي نفسها تدور علي نفسها علي خلاف التوالي و نفسها تدور عليها علي التوالي فلا كثرة فيها لانها بها تحققت و لا جهة فيها لانها بها تأصّلت و لا صفة لها في ذاتها لانها بها تشيّئت و لا اعتبار فيها في ذاتها بجهة الصفة و الموصوف فتغايرت و قدسبقت الكثرات و الجهات و الحيثيات و الاّ لماصحّ حدوثها بها اذ لايعقل احداث المساوي للمساوي اذ احد المتساويين ليس اولي بان‏يكون علة و الاخر معلولاً فلابد ان‏تكون العلة منزهة عن جميع صفات المعلول و الاّ لم‏تكن اياها اذ الصفات من مقتضيات الموصوف و الاّ لم‏تكن الصفة لموصوفها و لصحّ اتصاف كل شي‏ء بكل شي‏ء و الضرورة قاضية ببطلانه و هو قوله7 لايجري عليه ما هو اجراه و لذا قال7انما يقول للشي‏ء كن بلا لفظ و لا كيف لذلك كما انه لا كيف له لانه سبحانه انما كيّف الكيف و ايّن الاين و اقام العين بتلك الحقيقة الوحدانية فهي سابقة عليها غير جارٍ عليها حكمها كما سبق لماسبق.

تحقيق فيه تبيين و تزييف: فقولهم بالربط بين الحادث و القديم ان كان مرادهم ان في الذات جهة اخري غير حيثية الذات بها يقع الربط فذلك محال علي اصول الموحدين المسلمين لمنافاته الوحدة ان كانت تلك الجهة ذاتية و بطلانه ان كانت فعلية لان الفعل اثر مخلوق و لا وجود له في الذات و الاّ لم‏يكن اثراً اذا كان وجوده مساوقاً لوجود الذات فاطلاق الاثر حينئذ مجاز بل هي الذات المنبسطة و الاثر المتصل كما نقوله في السلسلة العرضية فتبطل السلسلة الطولية و بابطالها يكون نقصان القديم و ان لايكون وجوده لذاته بذاته في ذاته كما اسلفنا في الباب الثاني و ان كان مرادهم ان الذات غير فاقدة لكمال المجعول فلاتعطي ماكان فاقدة له و ذلك المعني الموجود في الذات علي الوجه الاشرف هو الربط ليلزم التشكيك فهو يستلزم اتحاد الرتبة اذ الاختلاف لو كان ذاتياً لايسمي تشكيكاً لبداهة انه من المتحد المعني و ان كان عرضياً فذاك التشكيك و هو يستلزم الشريك كما قال اميرالمؤمنين7 ليس

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 317 *»

 بينه و بين خلقه فصل و لا له عليه فضل فيستوي الصانع و المصنوع و المشي‏ء و المشاء و لانعني بالشريك الاّ المتحد في الذات و المختلف في الجهات و الصفات و ان كان مرادهم ان الذات ليست فيها جهة غير حيثية الذات فما معني للربط و ان كان مرادهم ان الاثر شعاع و المؤثر منير و الشعاع حكاية لذات المنير فذلك هو الربط فان ارادوا ان الشعاع يحكي الذات البحت فباطل لانه يحكي المنير من حيث هو كذلك و هو جهة غير جهة الذات ضرورة و يلزم ماسبق من التكثر اذ الذات من حيث هي غيرها من حيث انها محكية و هو عين التركيب الممتنع من الازل الممتنع من الحدوث و ان ارادوا ان الشعاع يحكي من حيث كونه صفة فعلية فلا ربط في الذات قطعاً و ليس لهم علي مازعموا دليل سوي الاستبعاد من ان الاثر كيف يصدر عن المؤثر بلانسبة و ارتباط و الاّ لزم صدور كل شي‏ء من كل شي‏ء و هو في البطلان بمكان و لم‏يعلموا انه سبحانه اوجد الاشياء بكلمته و هي لا كيف لها من حيث ذاتها و انما النسب و الاضافات و الجهات و القرانات انما تنتهي الي عرضيات تلك الكلمة الطيبة و الشجرة الالهية التي ليست بشرقية و لا  غربية و انما هي من حيث هي مصنوعة بما هي عليها من انها لا  جهة و لا ربط و لا اشارة و لا عبارة فاذن لا ربط في الاثر فاين الربط في المؤثر مع استلزام الربط لتثليث المرتبطين و الرابطة و لاتقولوا ثالث ثلثة انما اللّه اله واحد سبحانه و تعالي عما يشركون.

تمثيـل نوري: انظر الي ذاتك من حيث هي اذ لا ريب انها مخلوقة مربوبة ليست بازلية قديمة و هي من حيث هي ليست الاّ هي لان الكثرات علي مراتبها و مقاماتها و صفاتها و اضافاتها انما تنسب اليها و النسبة بين المنسوب و المنسوب‏اليه معلومة و المغايرة فيماتصح فيه النسبة ظاهرة لانها تقتضي الاثنينية اذ لاتعقل النسبة في الواحد من حيث هو ضرورة فذاتك غير جميع ماينسب اليها من حيث هي و ان كانت تتحد معه في محل الانتساب و ذلك شأن النسبة فهي اذن منزهة عن جميع ماسوي حيثياتها فلا كيف و لا اين و لا مع و لا متي و لا قد و لا آن و لا مذ و لا في و لا عن و لا علي و لا الي و لا ممّ و لا فيم و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 318 *»

لم و لا علي‏مَ و هي التي قال الصادق7 ان اللّه خلق اسماً بالحروف غير مصوّت و لا باللفظ منطق و لا بالشخص مجسّد و لا بالتشبيه موصوف و لا باللون مصبوغ بري‏ء عن ذلك الامكنة و الحدود مبعّد عنه الاقطار محجوب عنه حسّ كل متوهم مستتر غير مستور و هي التي اشار اليها اميرالمؤمنين7كشف سبحات الجلال من غير اشارة و محو الموهوم و صحو المعلوم و هتك الستر لغلبة السرّ و جذب الاحدية لصفة التوحيد و يأتي شرحها مفصلاً في الباب الرابع ان‏شاءاللّه تعالي و هذه الحقيقة هي ذاتك و سرّك و كينونة الحق لك بك و ايته فيك و ربوبيته المودعة عندك و هي الربوبية التي كنهها العبودية التي هي الجوهرة و هي لا كيف لها لانها دليل معرفته تعالي لا من حيث هي و هي محدثة فكيف ربطها بمحدثها قل ماشئت و هي دليل عدم الربط بين الحادث و القديم عندك و هذه الحقيقة و الذات انما هي اثر الحقيقة التي هي المشية التي هي الصادر الاول فوجد لا كيف من لا كيف بلا كيف انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته.

الاشراق الثالث: الحرارة انما وجدت و حصلت من حركة الفعل لانه تأثير من الغير فيه يحصّل الصعود الي جهة الغير فهي مفنية (مغيبة خ‏ل) و جاذبة الي مبدئه و لانعني بالحرارة سواها و البرودة انما تحققت من سكون المفعول المكون اي متعلق الفعل اي الاثر الحاصل من الحركة من حيث هو اثر و هي ثاء الثقيل و هاء الهبوط و ميم المركز و الرطوبة انما حصلت و تحققت و نشأت من الميل فان كان من ميل العالي الي السافل فرطوبة مع الحرارة و الثانية اكتسبت من الانتساب و النسبة لطيفة يحدثها المنسوب‏اليه في المنسوب في امثال هذا المقام و ان كان من ميل السافل الي العالي كما هو مقتضي تلقّي الفيض و لايحصل بدونه فرطوبة مع البرودة للنسبة و لمّا كان السافل من حيث هو حافظ و حامل لمايجري عليه من فيض العالي كانت برودة مع اليبوسة اما البرودة فلما ذكرنا و اما اليبوسة فللحفظ و الامساك و لمّا كان الفعل هو الاسم الذي استقر في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 319 *»

ظلّه فلايخرج منه الي غيره فحدثت هناك يبوسة فهناك حرارة مع يبوسة فترتّب العناصر فاولها الحرارة و اليبوسة و هي النار اي نار الشجرة الخضراء و ثانيها الحرارة و الرطوبة و هي الهواء المخروق و الجوّ المرتوق المفتوق و ثالثها البرودة و الرطوبة و هي الماء الذي كان العرش عليه كون المفيض علي المفاض‏عليه بظهوره له عليه و حاملية المفاض عليه بالتلقي منه و الميل اليه به له ليكون حاملاً للرسالة و هي الحرارة و الرطوبة اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و ذلك الحيث انما يحصل بالميل فكان بذلك فرشاً مقرّاً للعرش قبل سماء البسايط العلويات و المركبات السفليات بمدد لا نهاية لها شخصاً و قداشار اميرالمؤمنين7 الي جزء من مأة الف جزء من رأس الشعير من ذلك نوعاً في الخبر المشهور و رابعها البرودة و اليبوسة و هي الارض الماسكة و القابلية الحافظة لمايرد عليها من فوارة الفيض بقدر مقدور و امر مستقر و هذا الترتيب هو الاصل في الكينونة الاولي و المبدء الاعلي اذ السافل لايصل اليه شي‏ء الاّ بالتلقي و القبول و هما لايكونان الاّ بالمتلقي و المقبول و هما لايحصلان الاّ بالحركة الفعلية فالسافل تراب و التلقي ماء و المقبول هواء و الفاعل نار و هو يد الافاضة للمفيض و لذا كان اسماً مشتقاً و هو فرع قطعاً و اللفظ علي طبق المعني و الاسم علي صفة المسمي و تخلف هذا الترتيب كما في بعض العلويات ظاهراً من تقديم التراب و تأخير الهواء و اقترانهما الشبيه باقتران الضدّين و اجتماعهما كالحمل و الثور مثلاً ليس من جهة الاختلال في الترتيب لانه به يكون الشي‏ء و باختلاله يختلّ و يضدّ الاّ ان المركب الموجود قديغلب عليه جهة من جهات عنصر من هذه العناصر فينسب اليه و ان كان معه غيره كما هو المحسوس المشاهد فنسب لذلك فان كل برج من هذه البروج تامّ التركيب كامل الكينونة و لاترتيب بينهما الاّ في العوارض الخارجية لا في الحقيقة الذاتية فنسب علي خلاف التركيب الكوني الوجودي و انما كان كذلك لان سواد نقطة الامكان لاولي المعالي اظهر من كل شي‏ء بالاضافة الي ساير احوالها فيجد فقرها و موتها اولاً أماتقرء في التشهد و اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله اللهمّ صلّ

 

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 320 *»

علي محمّد و ال‏محمّد فالعبودية هي مقام التراب قدتقدمت علي الرسالة التي هي مقام الهواء لمكان الربط المستدعي للرطوبة الالهية التي تستدعي الحرارة و هذا شأن العلويات باسرها فيتقدم مقام ترابهم علي هوائهم و لايتقدم علي نارهم لمكان حدوثهم و افتقارهم الي بارئهم و ان كان الجميع في مقام واحد الاّ ان الدلالة علي الاضمحلال و الاستمداد و الافتقار مقدمة البتة ليجري التكوين علي اكمل مايمكن في الحكمة فان الخلق للدلالة الاشراق (كذا) اللهم سبيلك و الاذواق اللهم دليلك و لقد فتحت لك بمنّه تعالي باباً تعلم به ترتب الاسباب في المبدء و المئاب ان في ذلك لعبرة لاولي الالباب.

ازالة وهـم: لعلك تقول ان العنصر النار انما حصل بحرارة الفعل و يبوسته و هي دليل عدم وجوده في المفعول فالمفعول علي هذا لايجد النار لمساوقتها مع الفعل فلاتخرج منه الي غيره نقول نعم و لكن الفعل اظهر و القي مثاله في هوية المفعول ليظهر عنه افعاله من ذلك المثال علي ذلك المنوال هو العنصر المذكور فتربعت العناصر و ترتبت في كل ما تعلق به جعل الجاعل و فعل الفاعل في كل شي‏ء بحسبه و اختلاف المتولدات في كل عالم لاختلاف جهات القرانات مثاله في الرمل فانه اربع نقاط و هي العناصر نظرت الي نفسها و تفصلت في شكلها (سلكها خ‏ل) فكانت ستة عشر فاقترنت و امتزجت و جملت و تفصّلت فاستعلت و استقلت و تجردت و اختلطت الي ان استخرجت منها الاشياء باسرها و الاعيان بكلها كماتري و هذه الاربعة موجودة في كل حادث فصحّ اذاً معني قولهم:

كل شي‏ء فيه معني كل شي‏ء   فتفطّن و اصرف الذهن الي

الاشراق الرابع: لا شك ان المبدء له الشمول بالهيمنة و الاستيلاء و الاحاطة العامة فاول مايحدث منه يظهر حاكياً لمثاله و دليلاً علي عموم انبساطه كما هو شأن الحادث الذي هو الدليل و السبيل و حيث ان السافل بذاته حكاية و مثال كانت الاحاطة في ذاته و الشمول لتعينات اطواره و لمّا كانت الحكاية شأن السافل فوجبت ان‏تكون دائمة و لمّا كان كل‏ما قرب (اقرب خ‏ل) الي المبدء اشرف كان

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 321 *»

ظهور تلك الحكاية في مبدء الوجود اتمّ و اكمل و لمّا كان الحادث بانجعاله تربّعت كما ذكرنا الاّ ان الاربعة لقربها من مبدء العزّ و العظمة ذابت و ماعت فكان ماء حاملاً للعرش علي المعني الاخر غير الذي ذكر فان الاول لبيان الطلب و هذا فيه سرّ الحكاية و العرش هو المبدء الاعلي و الكلمة العليا فكان السافل مظهراً له مع ما هو عليه مما في بدو شأنه من علم الغيب من الكثرة و الطلب و المطلوب و النسبة و الطالب و غير ذلك فلمّا توجهت اليه العناية و حصل النظر له بعين الهيبة انقطع عن نفسه و نظر الي ربه فكان ماء رجراجاً و بحراً موّاجاً فلمّا اراد اللّه سبحانه ان‏يعرّفه نفسه و ثمرة الذوبان و ان‏يظهر شئونه و اطواره و يريه من بعض اياته مما اودعه في سرّ ذاته بامره و كلمته جعل لاظهار تلك الاحوال و الشئون الخاصة به العامة في كل اطواره و لاظهار الاسماء و الصفات و الامثال و الكينونات سببين و هما الحلاّن و العقدان فالحلّ الاول للصلوح للانجماد و الانعقاد بما يتهيؤ من ذكر الانّية فيه و الاّ جاءت الطفرة و اجراء الامر علي خلاف الحكمة فخصّه بذكر التعين ليعمّ جميع اطواره و يختص بمايتميز عن غيره و يحصل الغير و يتحقق ظهور الكثرة و يظهر ان هذه الكثرات كلها من ماء واحد و عين واحدة العلم نقطة كثّرها الجاهلون و لمّا كان ذكر الانية مقام التراب و فيه اليبوسة التي شأنها الانعقاد و كان الشمول و الاحاطة شأن السيلان و الرطوبة قلنا ان الرطوبة في الحلّ الاول اربعة اجزاء و اليبوسة جزء واحد و اما خصوصية الاجزاء اما الواحد فلايمكن الاقل في الصحيح و الكسر نقص يجلّ عنه فعل الحكيم و اما الاربعة فلبيان ذوبان الاربعة الاجزاء للشي‏ء اي الزوجين في قوله تعالي و من كل شي‏ء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون فالرطوبة في المبدء الاول دائماً تكون اربعة اذا قايسته الي مابعدها من اعتبار الحلّ و العقد و الاّ فهي واحد علي كل حال فباليبوسة يحصل النظر الي النفس نظر الاضمحلال لا الاستقلال يجد نفسه كأن لم‏يجد و هذا هو الحجاب الرقيق الذي نعبر عنه في بعض العبارات و هو مقام أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك و مقام و انّ كل معبود مما دون عرشك الي قرار

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 322 *»

 ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماعدي وجهك الكريم فهو يجد الغير و لايجده الاّ بذلك الجزء و هذا هو الاصل و ان ظهرت في الكينونات في كل عالم و مقام بمقتضي ذلك العالم و المقام الاّ ان المقام الذي نحن بصدد بيانه لايجري الاّ علي الشي‏ء الواقعي الاولي قبل الشوب بالاعراض و الاغراض فاذا نسبت اليبوسة الي الرطوبة اي النظر الي مقام الغير و ذكر المبدء الحق تكون نسبة الواحد الي الاربعة فيغلب الظهور و يظهر النور علي الطور ظاهراً غير مستور و هو مقام هنالك الولاية للّه الحق و مقام الامر يومئذ للّه و الحكم يومئذ للّه مع ان الامر و الحكم للّه دائماً ابداً سرمداً لم‏يزل و لايزول فالجزء الواحد من اليبوسة في بحر القمقام المعبر عنه باربعة اجزاء من الرطوبة لايخرجه عن حقيقة الذوبان و السيلان و انما كان الاول ماء واحداً غير صالح للانعقاد و الانجماد و الثاني ماء واحد صالح للانعقاد و لمحض الصلوح ربما يعبر عنه بالماء الجامد كما نقول في الوجود المطلق فالنسبة المذكورة حلي اولي و تمام المزج و الخلط الي ان مالت اليبوسة الي الذوبان و الرطوبة الي الانجماد لحرارة ظهور القدرة بكرّ الكور علي الدور و الدور علي الكور و صلصلهما و عركهما الي ان صارتا شيئاً واحداً ماء رجراجاً و بحراً موّاجاً هو تمام العقد الاول فتمّ بهما العقد و الحلّ الاولان و لمّا تمّ الامر فاستنطقه فشهد ان لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له نفياً لذلك الجزء و سلباً لمقتضي ذلك الاسم و اعلاماً لحقيقة ذلك الرسم ثم امره اللّه سبحانه بالادبار لتمام الاقبال و لخروجه الي التفصيل من ذلك الاجمال و لاظهار الاسماء الجمالية و الجلالية علي حسب طتنجي العدل و الفضل فكان الادبار هو الاقبال كما كان الاقبال حينئذ عين الادبار و لذا خاف المقبلون كخوف المدبرين بل هذا عين ذاك عند اصحاب التمكين الخارجين عن التلوين بقوة اليقين بل الداخلين في التلوين الخارجين عن التمكين عند المحبين العارفين فان الاغيار تستلزم الاكدار انّ في ذلك لذكري للمتوسّمين و لذا كانت حسنات الابرار سيئات المقربين فتنزل ثانياً و نظر الي شئونه ليفصّل ذلك الاجمال فهناك جزءان لليبوسة احدهما النظر الاول

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 323 *»

الذي هو ذكر الانّية و ثانيها ظهور مقتضاها من تكثّر الشئون و اختلاف الاحوال و ان تكون حجاباً بعد ان كان وجهاً و يكون مانعاً بعد ان كان دليلاً و فصلاً بعد ان كان وصلاً و مخاطباً بعد ان كان خطاباً و محوراً بعد ان كان قطباً و كلمة بعد ان كان نقطة و دائرة بعد ان كان كرة و كثيراً بعد ان كان واحداً و جامداً بعد ان كان ذائباً و نكرة بعد ان كان معرفة و مفعولاً بعد ان كان مطلقاً و ممتنعاً بعد ان كان مظهراً و نسبة هذين النظرين و الجهتين الي الجهة العليا الاولي كانت نسبة الاثنين الي الاربعة و لمّا كان المقام مقام الانجماد و الانعقاد و عدم السريان و الذوبان و الشمول و الاحاطة كان الجزءان جزء يبوسة مع البرودة طبع الموت و خفاء الحيوة الازلية الابدية التي هي مقتضي وجه الحي اللايزال و بوجود و ظهور ذلك الوجه في غيب هذه الحجب و الاجزاء اليابسة صارت سبب بقائها و استمرارها و يكون هذه اليبوسة خلاف الكينونة و هي الطبيعة المطلقة لا المقيدة بالميل الجسماني كانت تتبدل وتتغير بلا ثبات و لا اتصال احوال فباليبوسة يأتيه الموت و بالرطوبة الحافظة الحاملة تكون الحيوة فيهما كانت الاشياء باقية مضمحلة دائمة فانية متبدلة في جميع الاطوار و الاكوار و الادوار و الاوطار في الجنة و النار تقدير العزيز الغفار و هو سرّ استجنان الاحد الذي هو الربوبية اذ مربوب الذي هو رسم الربوبية اذ لامربوب في الواو فنسبة الجزئين الحاصلين من النظرين المعبر عنهما باليبوسة الي الاربعة الاولي هو الحلّ الثاني و تمام النسبة بصيرورة المنتسبين شيئاً واحداً مسمي باسم واحد و مقتضي اقتضاء واحد هو العقد الثاني فظهر الشي‏ء مشروح‏العلل مبيّن‏الاسباب تامّ‏الكينونة عامّ‏الاقتضاء قوي‏الاختيار و هذان الحلاّن و العقدان في كل شي‏ء ممكن مركب مخاطب بالادبار و الاقبال فلايكون حادث الاّ بالخطاب و لايتمّ الخطاب الاّ بخطاب الادبار و لايثمر الاّ بتعقبه بخطاب الاقبال لتمام العدل و الفضل و ظهور احكام اليدين بالقبضتين،

و حلاّن مع عقدين لابد منهما   و حلّله و اعقده و احلله و اعقد

وصـل و ربـط: الصادر الاول و ان كان منزهاً عنه الحدود و مبعداً عنه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 324 *»

الاقطار لكنّه حيث كونه حادثاً مجعولاً و ان كان الجاعل الظاهر بهذا الجعل انما جعله بنفسه لا بغيره فهو الكرة المصمّتة لا المجوّفة الاّ ان مقتضي الجعل و الحدوث في كل مقام يفرض ماذكرنا من حدوث الطبايع الاربع المقتضية لحدوث العناصر الاربع المقتضية لمحض المقارنة عند فرض حدوثها للحلّين و العقدين علي الوجه المذكور المخصوص ليعمّ الحوادث باسرها وجب اعتبارها علي كمال التفصيل علي كمال الاجمال و الوحدة في الصادر الاول ليكون امر اللّه واحداً و صنعه متقناً و ايجاده محكماً و لايكون في خلقه فيمايقتضيه الجعل اختلاف ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و لايضرّ وحدة الحكم اختلاف الموضوع فهو ثابت في كل شي‏ء بحسب مقامه من الشرافة و الدناءة و اللطافة و الكثافة و العلوّ و السفل و المجرد و المادي و البسيط و المركب.

رفع ابهـام: ماسوي اللّه سبحانه اذا قلنا انه بسيط نريد به ظهور حكم البساطة بغلبة الوحدة علي الكثرة بحيث اسقطت اعتبارها و اثارها لا انها بسيط في الحقيقة و الذات و انتفت الاجزاء كلها و الصفات كلاً فكل ممكن زوج تركيبي و اقل مايمكن فيه من نفي الكثرات الثلثة و هي لاول النظر بامر مستقر فان الوحدة من حيث هي ينافيها التركيب الثابت المحقق للشي‏ء لامكانه و المركب اقل مايفرض من اجزائه جزءان و الهيئة الحاصلة من الاجتماع الثلثة فلايمكن اقل منها الاّ ان‏تخرجه من الامكان اما بان تجعله وجهاً للقديم او يكون هو القديم وحده جل جلاله فالشكل المثلث كان بذلك ابا الاشكال و اصلها و هو الفرد و اوله و الشكل المربع بعده و الزوج و اوله و هما المبدءان للكثرات كلها فالسبعة اكمل الاعداد و اشرفها لاجتماع المبدئين فيها فاين البساطة و الوحدة في الامكان علي الحقيقة فالمثبت لها فيه عليها مكابر لعقله و مزاحم لوجدانه و علي اللّه قصد السبيل فالصادر الاول متكثر في عين كونه واحداً.

تحقيـق رشيـق: اعلم ان السافل اي بمادته و صورته لا بالثانية وحدها لا ذكر لوجوده اي صلوح كونه في رتبة العالي اي الفاعل المؤثر المنير اذ لوتساويا في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 325 *»

المادة لم‏يكن السافل سافلاً و العالي عالياً لمكان المساوات فاذا كان ذات السافل متأخرة في الحقيقة كان حظّ السافل من العالي ظهور اثره بعد تمام النية اذ الاثر لايعقل وجوده الاّ بعد تمام تحقق المؤثر ثم الظهور بوجه واحد من الوجوه اللانهاية لها فلايحكي الاثر المؤثر بتمام حقيقته المركبة او البسيطة التي تحصل من عدم ملاحظة الاجزاء و قراناتها لا ملاحظة عدمها فانها لايمكن في الامكان فلايدلّ الاثر بذاته الاّ علي وجه واحد من وجوه المؤثر من حيث انّيته المركبة لكونها في الامكان اللابد له من التركيب فهو حاكٍ عن ذلك الوجه الواحد من حيث ظهور المؤثر من حيث هو اولاً من حيث هو اذا كان حكاية عن مبدء الاثر فلمّا دلّ العقل المستنير ان الخلق اثر فعل الحق سبحانه المعبر عنه بالصادر الاول فذات كل اثر يحكي وجهاً واحداً من وجوه تلك الحقيقة الشريفة العالية و لمّا كان حقيقة الاشياء من حيث هي هي وجه المعرفة و هي الربوبية الظاهرة و هي المثال و هي المصدر الحامل للظهور بالاثر كانت هي الشبح و هي الصفة الاستدلالية لا التكشف في الجملة و ان كانت الصفات العرضية كلها استدلاليات دون الذاتيات و هي هي و هي هي و من المعلوم ان ذات كل شي‏ء هي الاسم الذي بالحروف غير مصوّت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسّد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود مبعّد عنه الاقطار محجوب عنه حسّ كل متوهم مستتر غير مستور و هي اقصي مقامات الوحدة و هي الاحدية التي يعرفها الممكن و يثبتها و بها يتوجه الي القديم و هي مقام اللانهاية واللاكيف و اللاحدّ في الامكان فلايمكن في تلك الحالة فرض تكثّر لاتصوراً و لاتخيلاً و لاتوهماً و لا شهوداً لانها فوق ماذكر و فوق مايقول القائلون و قديثبت ان ذات الممكن اثر فعل الواجب و لم‏يوجد في مقام الفعل بل هي حكاية مقام الكثرة فيه لانها وجه واحد من عرضي وجوه الفعل الغير المتناهية من مراتب تعينه و كثراته الغير المتناهية التي قدطوتها وحدة الواحد طي فاين الطبايع و العناصر و الحلّ و العقد و الواحد و الاثنان و التركيب و المزج و الخلط و العرك و التعفين و الهضم و الجذب و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 326 *»

القبض و البسط و الدفع و غيرها في الفؤاد الذي هو الذات التي هي المثال فضلاً عن نفس الصادر الاول الذي هو الفعل فلايمكن لنا فرض تلك الجهات كلها في التعين الاول و الحق المخلوق به و لكنّا لمّا وجدنا المجعول الحادث لايمكن حدوثه و لا انجعالة (ظ) الاّ بتعلق الفعل و العناصر انما تحققت بهذا التعلق فتركبت و انبسطت فانحلّت و انجمدت فانعقدت و عمّت فخصّت و اطلقت فقيّدت و احاطت فميّزت و ظهرت فبطنت و خفيت فظهرت و كانت فبانت فجرت هذه الاحكام علي مقتضي كينونة الايجاد علي احسن النظام فاثبتناها للمكن الحادث من حيث هو كذلك فنجري حكم الكثرة في عين الوحدة بجهات عديدة ظهرت حين التعلق عند التعلق.

الاشراق الخامس: اعلم ان اللّه سبحانه لمّااراد احداث الاختراع و الابتداع و المشية و الارادة بنفسها لا بامر اخر سواها اخذ و قبض بالاسم القابض الحاصل من نفس ذلك الاخذ و القبض بنفسه من رطوبة الرحمة الحاصلة من نفس الاحداث بنفس الاحداث و حصولها بذوبان الياقوتة الحمراء التي هي نفس الاختراع لكمون النار في نفسها في شجرة نفسها التي ليست بشرقية و لا غربية فهي حمراء للنار و ياقوتة ليبسها و انعقادها ذابت بنظر العظمة التي هي نفسها فسالت برطوبة التوجه الي باريها بنفسها لانه قدتجلي لها بها فلمّا ذابت فسالت و رطبت حدثت الرحمة مساوقة للياقوتة و الذوبان و السيلان و الجزاء قبل الشرط و مع الشرط و بالشرط و العبارة كما ذكرنا فاخذ سبحانه بذلك الاسم به من رطوبة الرحمة بالاضافة البيانية اربعة اجزاء بنفسها بها و الاربعة واحدة و هي الطبايع الحاصلة بنفس الجعل بنفسه فالنار عين الماء و هو عين الهواء الذي هو عين التراب الذي هو عين النار التي هي عين الهواء.

و محمومة طبعاً عدلت مزاجها   الي ضدّها لمّا علت زفراتها
بجنية انسية ملكية   هوائية نارية نفحاتها  
جنوبية غربية مشرقية   شمالية كل الجهات جهاتها  

 

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 327 *»

و الذي الجأنا الي القول بان العلم عين القدرة و هي عين السمع و البصر و الكل عين الذات بمعني اثبات الكمال لا سلب النقص بلاتكثر و لا اختلاف في الواجب سبحانه هو الذي الجأنا الي ماقلنا في الصادر الاول فانا لم‏نصل الي عين الرتبة و يجب اثبات الوحدة فليس الاّ ماذكرنا الاّ ان الواجب لا كثرة في الصفات و لا في الذات معها لا وجوداً و لا اعتباراً و لا ذكراً و لا جهةً بحال من الاحوال و هي في مقام الحق المخلوق به واحدة في الكون و الوجود الاّ انه يعتبر فيه الجهات و الاعتبارات اي يصح ذلك لامكانه و لايصح هناك لوجوبه و لا كيف لمعرفة الجميع فان الكيف هو الذي كيّفه و الكمّ هو الذي كوّنه و العدد هو الذي كثّره و لايجري عليه ما هو اجراه فافهم و اما الرطوبة في الاربعة فلذوبانها و توجهها الي بارئها حتي اعتدلت فذاب اليابس فالماء و الهواء يابستان في الكينونة و ان رطبا في الصورة فالكثرة انعقاد و انجماد و الوحدة ذوبان و انبساط فالرطب في الصورة للانعقاد في الباطن و لمّا جمد ذكر الغير فيه فصار يميل اما الي الغير او الي مبدئه لاستمداد نفسه و اصلاح شأنه فهو متكثر انما يخشي اللّه من عباده العلماء فمنعقد فيابس فيذوب اذا هبّت عليه نفحات الانس فينعقد و يستقل بماتحمل من المثال الملقي و الصفة الحسني فالانعقاد في الذوبان كما ان الذوبان في الانجماد و هو قوله7 و ما هو الاّ ماء جامد و هواء راكد و ارض سائلة و نار جائلة في وصف اخت النبوة و عصمة المروة فالذوبان و السيلان في هذا المقام ظهور الوحدة و نفي الكثرة فسال لمّا جمد و جمد لمّا سال هو الجاري الراكد و السائل المنجمد و السائل المعطي و الفقير المستغني.

عـود في التحقيـق: قدذكرنا انه سبحانه قداخذ من رطوبة الرحمة نفسها بها اربعة اجزاء بها و من هبائها جزء به و ذلك في اول قوس الادبار لذكر الاغيار و لولا انكم اذنبتم لذهب بكم و اتي باناس يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم و لمّا كان الامكان تدريجي الحصول لم‏يصح ان‏يكون التنزل دفعة واحدة من اعلي مقامات الوحدة الي ادني دركات الكثرة لمنافاته للحكمة و حصول الطفرة و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 328 *»

شرافة الوحدة فاخذ سبحانه بالرطوبة نفسها جزء من هباء الرحمة بالاضافة البيانية و هو اليبوسة و هي عين الرطوبة بعين ماذكرنا و الجزء الواحد لانه مبدء العدد فيناسب مبدء المدد و انما قبض هذا الجزء بنفسه باسمه الباسط بنفسه بنفس ذلك الجزء بنفس الرطوبة ثم قدّرهما بهما و مزجهما بهما بالاسم الحي به بهما فجعلهما في التعفين في القوة الهاضمة و حمام مارية بذلك الاسم الاعظم و الحجر المكرم بنفس التعفين و الخلط فسالت اليبوسة و انعقدت الرطوبة الي ان صارتا ماء رجراجاً و بحراً موّاجاً بوجود النسبة بين الطرفين و تحقق الاجتماع مع الالفين فالنسبة المعبر عنهما بالتعفين حلّ اول و تمام الاجتماع مع الالفين عقد اول و هو التراكم المذكور في القرءان.

اشـارة: كل حلّ و عقد لايكملان الاّ في ستة ايام فيوم الاحد لخلق الرطوبة اربعة اجزاء علي ماذكرنا و يوم الاثنين لخلق الجزء الواحد من اليبوسة و يوم الثلثاء لنسبة الرطوبة الي الجزء و يوم الاربعاء لنسبة الجزء اليها و يوم الخميس لاول الاجتماع المعبر عنها بيوم الايلاج و يوم الجمعة لتمام الانعقاد و الاجتماع ليكون الكل واحداً في كثرته بمعني وحدته بعد كثرته لا كما يزعمون بمايزعمون فالعقد في يومين و الحلّ في يومين و الاصل في يومين و تلك هي الستة (ظ) و لذا كانت تامّة صحيحة الاستدارة و هذه الايام الستة تدور علي ثلثة ايام يوم الايلاج و يوم الغشيان و يوم الشأن فالاول يوم التعفين و الحلّ و الثاني يوم الضمّ و العقد و الثالث يوم الاصل و قديطلق علي الجميع و هو قوله تعالي كل يوم هو في شأن و هذه الايام و ان تغايرت حقيقةً في الاكوان و الاعيان الاّ انها في الصادر الاول علي معني واحد و حكم غير متعدد الاّ بصحة جهات الاعتبار من حيث التجويز في مقام العلم دون العمل لكونه في الامكان و منه فالستة حينئذ ثلثة و هي واحدة كما زبرنا و ذكرنا و هذه ايام اللّه نفصّلها فيمابعد في الوجود المقيد ان‏شاءاللّه تعالي ثم اخذ سبحانه من هذا الماء النازل المتقاطر من سحاب العقد الاول جزئين و اخذ من هباء الرحمة في الوجه الانزل جزئين فيكون مع الاربعة جزءان و ذلك لتمام الصلوح للتعلق و تمام

 

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 329 *»

السبعة بظهور الكيان الثلثة في الطبايع الاربع و الكل بنفسه لنفسه للّه سبحانه و هو قوله7 انا الذات في الذوات للذات ففعل بالرطوبة و اليبوسة المقدرتين كما ذكرنا مافعل بهما في الحلّ الاول و العقد الاول من التعفين و التقطير لتحقق السحاب و تمام البدو الذي اليه الاياب فتمّ بذلك الحلّ و العقد الثانيان فكمل و تمّ و ذلك تقدير العزيز العليم انّا كل شي‏ء خلقناه بقدر. و ما امرنا الاّ واحدة كلمح بالبصر و الامر هو كلمة كن و هو الصادر الاول و هو واحد بلا كيف و لا اشارة و فرض الكثرة لامكانه لا لوجدانه او ظهور امكانه بماجعل سبحانه به فينا بنا لنا في الوجه الثاني من مثال التوحيد المرفوع المضموم به و الفعل هو الرافع للفاعل كما في نحو الحقيقة و صرف المجاز و هو الصادر الاول و الحق المخلوق به المخلوق للّه بنفسه و الحوادث تنتهي اليه و الاكوان و الاعيان ترجع اليه و هو المخلوق و المثل الذي يلتجي اليه امثاله و اشكاله و الملك الذي دام الملك فيه و به و الوصف الذي رجع الوصف منه اليه و هو الملك المستعلي الذي سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني مااستأثر اللّه من ذلك من الوجه الاسفل اقصي نعت الناعتين ضلّت فيه الصفات و تفسّخت دونه النعوت و حارت في كبريائه لطائف الاوهام لانّها به وجدت و عنه تأصّلت و اليه عادت و شابهته اذا كملت و هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي اما انه ذات فلانّه خلق ساكن لايدرك بالسكون و الاضافة الي اللّه سبحانه لامية فهي ملك مختص ظاهر فيها العبودية و الاختصاص فلذا كانت عنده تسبّح له بالليل و النهار في الحجاب و رفعه و لاتفتر و لايعتريه بها القصور لانه النور علي جبل الطور فطور يظهر فيها التجلي الاعظم و يخرّ صعقاً و يندكّ الطور لظهور النور و طور هي علي الجبل تناجي الرب عزّوجلّ و لم‏يزل هذا دأبها و الثاني ليل و الاول نهار فكانت ذاتاً للّه اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله9 و يلزم المحظور اذا كانت الاضافة بيانية علي بعض الوجوه و اما انه شجرة فلمكان التعلق كما سيأتي ان‏شاءاللّه تعالي و اما انه جنة فلكونها المحبة التي تفرّعت و تشعّبت عنها الجنان الجسمانية و الروحانية و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 330 *»

العقلانية في عوالمها.

اللمعة العاشرة

في بعض الملحقات بهذا الباب و مايرتبط بذلك الجناب. قال اللّه تعالي «و انّ الي ربك الرجعي». «و للّه المثل الاعلي». «هو الذي يزجي سحاباً ثم يؤلّف بينه و يجعله ركاماً» و «انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون» و قال مولانا اميرالمؤمنين7 «رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته» و قال علي بن الحسين زين العابدين في الصحيفة «و استعلي ملكك علوّاً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني مااستأثرت من ذلك اقصي نعت الناعتين ضلت فيك الصفات و تفسّخت دونك النعوت و حارت في كبريائك لطائف الاوهام» و لها اشراقات:

الاشراق الاول: هذه الحقيقة المقدسة المخلوقة للّه سبحانه بنفسها هي الصادر الاول و هو الاول الذي ليس له اخر لانّ الدهر به قسمت حدوده و اليه انتهي غيبه و شهوده و عنه صدوره و وروده و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فهو الاول بمعني المبدئية لا القبلية لانه قبل القبل بلا قبل و بعد البعد بلا بعد فكما انه هو الاول يكون هو الاخر بعين كونه هو الاول لان الاثر ينقطع عند المؤثر فهو مبدء الاثر فيكون قبله في الذات و لايزال كذلك و في الصحيفة و انت الاول في اوّليتك و علي ذلك انت دائم لاتزول و هو خطاب للظاهر بالصفة الفعلية كقولك انت الخالق انت الرازق انت المحيي و انت المميت و كان بذلك اخراً لم‏يزل في اخريته و علي ذلك هو دائم لايزول لانقطاع الاثر بدواً و عوداً و وجوداً و كوناً عند ظهور المؤثر بفعله و فرض الاولية و الاخرية لمذكوريته في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 331 *»

الفعل من مبدء شهوده الي انقطاع وجوده فكان اولاً بعين كونه اخراً و ظاهراً بعين كونه باطناً لان الظاهر في عين الحقيقة التي لاتظهر الاّ بكشف السبحات و ازالة حجب الانّيات فالحقيقة غايبة في ذاتها في عالم الحدود و الحواس و تطرّق القياس و هي كما ذكرنا مراراً الاسم الذي بالحروف غير مصوّت و باللفظ غير منطق المبرء عن الحدود و المنقطع عنه الاوهام و المحجوب عنه حسّ كل متوهم فهي في اعلي مقامات غيب الغيوب و هي الغيب الذي لايعلمه الاّ اللّه علي بعض الوجوه و هذا الغيب هو هوية الصادر الاول في اثاره فهو الظاهر في محل الغيوب و سرّ الاسرار السرّ المقنع المجلل بالحجب و الاستار و هو السرّ الذي لايفيده الاّ سرّ و سرّ مقنع بالسرّ فهو اذن الظاهر الباطن هذا بالنسبة الي تعلق الظهور بالحجب و الاستار و اما بالنسبة اليه في نفسه فلأنّ المؤثر اظهر للاثر من نفسه بنفسه لانه فوق رتبته فظهوره يتجاوز عن وجوده فافهم هذا بالنسبة الي ظاهريته بالاثر و اما في مقام نفسه بنفسه فهو ظاهر و لايكون ذلك الاّ ان‏يكون غائباً لانه اذا شهد نفسه خفي و اذا غاب عن نفسه ظهر فظهوره لخفائه و خفاؤه لظهوره و هو الوجود المطلق لا علي المعني الذي يعرفون من انه المقسم بشرط شي‏ء و بشرط لا بل بمعني انه لايفتقر في وجوده الي شرط غير فاعله و موجده فهو مطلق لابشرط شي‏ء لا مايصلح للقيود و الحدود و هو قوله9 الفقر فخري و به افتخر و قوله تعالي يا ايها الناس انتم الفقراء الي اللّه و اللّه هو الغني و الناس هم الاصول الحقيقية الذين قدوضع اللّه لهم الاسم حقيقة و لغيرهم حقيقة بعد حقيقة فالاطلاق لهذا الوفاق و هو غاية الغايات و نهاية النهايات اذ الاشياء ترجع في استمدادها الذي هو الغاية في ايجادها الي وجه مبدئها و هو الوجه و الجناب و الباب و عنه البدء و اليه الاياب و اليه تنتهي غاية كل ذي‏غاية و مطلوب كل ذي‏حاجة و هو مطلوب كل طالب و مأمول كل امل و مقصود كل قاصد و امل كل مأمول و سائل كل مسئول فلا وارد الاّ عنه يرد و لا صادر الاّ عنه يصدر بسرّ الامر بين الامرين و هو دابة الارض ارض الامكان فبه سكنت السواكن و تحركت المتحركات و جرت الجاريات

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 332 *»

و رست الراسيات و المقدرات و هو لا شي‏ء الاّ باللّه و لاتذوت له الاّ بامر اللّه و له الولاية الكبري و الهيمنة العظمي و هي الغاية القصوي و المثل الاعلي لانه اول واقف علي فوارة القدر بامر مستقر و الفوارة نفسه و الواقف شخصه و حظّ ماسواه رشحة من رشحات تلك الفوارة و قبسة من شعلات تلك الجوّالة فهو وجه كل متوجه و سبيل كل سالك و نجاة كل هالك و اليه تنتهي المسالك بقواعد الشرايع و المدارك و هو الكاف المستديرة علي نفسها تدور علي نفسها علي خلاف التوالي و نفسها تدور عليها علي التوالي اما الكاف فلانّه استنطاق الاحد اذا ظهر بالواحد و هو اول مقام الواحدية اي وحدانية العدد التي هي للّه سبحانه و ان لم‏تكن من العدد و منه نشأت الكثرات و عنه ظهرت الاسماء و الصفات من المتوافقات و المتقابلات و اما الاستدارة فهي الاستمداد و الحاجة و المدد و الامداد و رفع الحاجة و باب الاستغناء و لمّا كان مدد الشي‏ء من سنخه ماجاز ان‏يستمد من غير سنخه و يستدير علي غير مزاجه و لمّا كان ليس وراه الاّ القديم الحق سبحانه لتعاليه عن التغيير و السنخية و ان كان عنه سبحانه و لمّا انه سبحانه انما خلقه بنفسه وجب ان‏يمدّه بنفسه و يديره علي نفسه فهو كرة مصمتة لا مجوفة فيستدير علي نفسه استدارة افتقار و استمداد و نفسه تدور عليه استدارة امداد و لايلزم من ذلك تقديم الشي‏ء علي نفسه لانه تعبير و تفهيم اذ كنت مسئولاً و افهام لك اذ كنت سائلاً و الاّ فهو شي‏ء واحد بلاتعدد و لا اختلاف و هذه العبارة لبيان انها كرة مصمتة لا مجوفة و اما التوالي فهو الحركة من الاعلي الي الاسفل و الافاضة من العالي الي الداني فلمّا فرض دانياً و نفسه عالية كانت استدارته علي نفسه علي خلاف التوالي و استدارة نفسه عليه علي التوالي كما هو شأن العالي و السافل و ان كان من التعبير و هو الشمس المضيئة تحت قعر بحر القدر التي لايعلمها الاّ اللّه سبحانه و من تطلّع عليها فقد ضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير لانه الغيب الذي لايعلمه سواه سبحانه و الاسم الواحد الاعظم الذي تفرّد به الحق سبحانه ليس لاحد فيه نصيب لانه الكلمة التي انزجر لها العمق

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 333 *»

الاكبر عمق الامكان و كل من سبح في لجة الامكان فهو في ناحية من نواحيها و لايحيط به الاّ الخارج عنه المفيض اليه به و ليس الاّ القديم الحق الازلي سبحانه و تعالي فاين الوصول و الادراك فلايطمع في ادراكه طامع و من هذا الاسم شرح علل الاشياء و علم الكينونة و سرّ البداء و مبدء المحو و الاثبات و بحر القدر سيجي‏ء بيانه عن‏قريب ان‏شاءاللّه تعالي و هو القلم الاعلي علي احد الاطلاقات و ذات الذات و عنصر العناصر و به هيولي الهيوليات و اسطقس الاسطقسات و عضد الاعضاد و ركن الاركان و الاسم الذي ملأ اركان كل شي‏ء و هو الرحمة التي وسعت كل شي‏ء اما الرحمة فلانه محبة الحق في ايجاد الاشياء و اما انها وسعت كل شي‏ء لان الشي‏ء انما اشتق من المشية فلايكون حادث في مايصدق عليه الشي‏ء الاّ به و منه و عنه و اليه و فيه و عنده و هو القوة التي قهر اللّه بها كل شي‏ء و هو القدرة التي استطال بها علي كل شي‏ء و هو السلطان الذي علا كل شي‏ء اما سمعت قول مولانا الرضا7اول مااختار لنفسه العلي العظيم لانه علي كل شي‏ء و هو العلم الانفذ المحيط بكل شي‏ء و حاشا اللّه ان‏يكون في ذاته تشكيك و هو النور الذي اضاء به كل شي‏ء اذ الاشياء كلها من اشراقات نوره و قبسات اشعة ظهوره و هو الوجه الباقي بعد فناء كل شي‏ء لانه الوجود الراجح كما يأتي بيانه في الامكان الراجح و هو الاسم الذي استقر في ظله فلايخرج منه الي غيره اما انه اسم فلانه اعظم المظاهر و الاسم ما انبأ عن المسمي و اما انه استقر في ظلّه اي ذاته لان ماسواه اثاره و شئونات اطواره و المؤثر لايتنزل بذاته في رتبة الاثر و الاّ لم‏يكن اياه و هو فلك الولاية المطلقة اما انه فلك لاستدارته لبساطته و حركته علي القطب الذي هو نفسه و له الاحاطة علي كل شي‏ء و هو الذي مع الاشياء لا بمقارنة لايكون من نجوي ثلثة الاّ هو رابعهم و لا خمسة الاّ هو سادسهم و لا ادني من ذلك و لا اكثر الاّ و هو معهم اينما كانوا و هو ظهور احاطة الحق سبحانه بالاشياء فهو محيط و محاط في مقامين و هو سبحانه احاط بالاشياء بهذه الحقيقة المقدسة لتعاليه تعالي عن المقارنة الموجبة لاتحاد الصقع الممتنع من الازل فحينئذ تكون له الولاية

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 334 *»

المطلقة قطعاً و هو صبح الازل اول ظهور شمس الازل و الاضافة بيانية في المقامين او في الثاني فقط و جعل الازل في الاول هو الذات اي ازل الازال و هو الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و عنده الاعيان الثابتة في العلم الامكاني لتعالي الازل القديم سبحانه كما يأتي بيانه و نوضح برهانه و هو مبدء الاشتقاق و مأوي الاتفاق و محل الاشتياق و العرش الاعظم الاعظم الاعظم الاعلي و الاسم الاعظم و الذكر الاجلّ الاعلي الاعلي الاعلي.

الاشراق الثاني: هذه الحقيقة و ان كانت في الغاية من البساطة و الوحدة الاّ انها من جهة امكانها و كون امر اللّه واحداً في الامكان من حيث هو هو و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً كانت لها اربع مراتب في التزييل الفؤادي لا الوجدان القلبي و هو ايضاً في الوجه الاسفل منه من باب التعبير و التفهيم لا الحقيقة و التحقيق فانا لاندرك تلك الحقيقة بوجه انها واحدة و حيث دلّ الدليل علي حدوثها ثبتت الكثرة فيها و لسبقها للوحدة و الكثرة نزّهناها عنهما فقلنا هي منزهة عن الوحدة و الكثرة و المتقابلان لايكونان الاّ متكثرين فاثبتنا لها وحدة لايقابلها كثرة لا وحدة القديم تعالي شأنه بل امر اخر و وحدة حقيقية لاتعبير لنا عنها الاّ كما ذكرنا و هذه المراتب الاربع كل واحدة و هي اربعة:

الاولي النقطة لانها الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و هي اول مراتبها و الرحمة لانها السحاب من قوله تعالي هو الذي يرسل الرياح بشري بين يدي رحمته و السرّ المقنع بالسرّ و السرّ المجلل به و غيب الغيوب و سرّ المحبوب و الباطن المحض لا من حيث هو محض فلا ذكر لغيره فيه و قد مرت الاشارة الي معانيها و وجه تسميتها و هي القطب و المركز في الوجود المطلق و الامكان الراجح و هي الاصل الواحد لا من حيث تغييره الي الامثلة المختلفة و لا من حيث عدم تغييره و لا من حيث ذاك و حيث هذا.

الثانية الالف في الكلمة الكبري و النفس الرحماني الاولي بفتح الفاء في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 335 *»

التكلم بتلك الكلمة و الرياح المثار من شجر البحر في السحاب الشجر مبدء النسب و البحر بحر الامكان و لجة السرمد و السرّ المستسرّ بالسرّ و حق الحق و مثل المحبوب الي الحبيب الذي هو نفس المحبوب و الباطن من حيث هو باطن لانها مقام الظهور و التعين و الحضور و لو علي جهة البطون لذكر الغير و اضمحلاله و غيبوبته قال سيد الشهداء روحي له الفداء يا من استوي برحمانيته علي العرش فصار العرش غيباً في رحمانيته كما صارت العوالم غيباً في عرشه محقت الاثار بالاثار و محوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار و هي المحور و الوتر لتلك الدائرة العظيمة بل الكرة المستقيمة بل الفلك الاعظم و الدائر الاقدم استدار علي نفسه و فني في شهود و حيي عند حلول و هناك ظهور الاسم الحي من حيث الوجود و الشهود لا من حيث التعلق و الوقوع و هي اول المشتقات و اول مقام المقامات و العلامات و الايات في الذكر الاجمالي و الاّ فالرتبة الاولي منها لكن لا من حيث الاجمال و التفصيل و هي اول المشتقات و صرف الاصل الواحد الي الجهات لحصول الصيغ المختلف المقامات و هي الاصل القديم و الفرع الكريم و اصل الشجرة الكلية الزيتونة التي ليست بشرقية و لا غربية و هي الحلّ الاول كما ذكرنا لما ذكرنا و هي الهواء من العناصر الالهية عناصر الاخيار كما ان الاولي هي النار و هي الالف اللينية حرف العلة و هي اول الادبار في الكينونة الاولي التي هي عين الاقبال و هي مبدء الاذكار و سرّ الاسرار و نور الانوار و هيمنة الجبار و فيها ظهور قول سيدالشهداء روحي له الفداء أيكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتي يكون هو المظهر لك و ابنه السجاد و انّ كل معبود ممادون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماعدا وجهك الكريم علي اعلي الوجوه و المعاني و المقامات.

الثالثة الحروف في الكلمة الطيبة و التقطع في التكلم و السحاب المزجي و سرّ السرّ و باطن الظاهر و حق الحق و ذكر الحبيب عند المحبوب و الظاهر المحض اول مقام الظهور مبدء الظهور و الذكر التفصيلي و اول الكثرة و تحقق الاجزاء و العقد الاول للحلّ الاول و تمام العقد و تفصيل الاسم الواحد و ظهور

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 336 *»

حجاب الرحمانية في الامكان الراجح و اللوح المحفوظ الاول المصون عن التغير و التبدل و عنده جفّ القلم و لديه انتفي المحو و الاثبات و فيها صاحت الحمامة و ذكر الليل اي ليلة القدر و عندها مبدء الحلّ الثاني اي تحقق صحة الازدواج لظهور الفتاة الغربية لابسة اللباس الاخضر من السندس و الاستبرق و ظهور الفتي الكرشي لابساً القباء الاحمر ماشياً علي الارض بالتذلل و التكسر متردّياً بالرداء الاصفر ليشبه البرق و يأتي بالفرق و هي الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق سموات عالمها و ارض ساكنها في الوجود الراجح عند ظهور الزناد القادح بالمدد الغير المتناهية و الاوقات المتتالية المتوالية و هي الدائرة العظيمة المارّة علي القطب دون المركز و ان كان المركز في هذا المقام عين القطب الاّ ان المركز عندنا غير القطب و ليس هو القطب و القطب اثنان و هما طرفا خط المحور بل القطب هو الوسط و المركز هو المستمد الحامل و الساكن الدائر المائل كما سنزيد بيانه و توضيح برهانه في الباب الرابع في الوجود المقيد و هي تمام الصيغة الاولي في الاشتقاق الثاني و لذا قلنا انها عقد اول و حلّ ثانٍ و هي اغصان الشجرة الكلية الحقيقية و هي تمام الادبار في النزول الاول و مبدؤه في الثاني و هي ثاني المقامات الظاهرة في الكينونة الاولية و ثالث المقامات في الكينونة علي الحقيقة و فيها ظهور الاسم المحيي في التجلي الاول الظاهر باول الظهور في اول المظاهر و هي العماء الذي فوقه

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 337 *»

هواء و تحته هواء و قد كان الرب سبحانه و تعالي ظاهر تجليه عليه قبل خلق السموات و الارض كما عن النبي9 لمّاسئل اين كان اللّه قبل خلق السموات و الارض قال في عماء فوقه هواء و تحته هواء و العماء هو السحاب الرقيق و هي المزجي و الهواء عندهم: كل شي‏ء غائب عن الحواس و المدارك و المشاعر و كونه سبحانه عبارة عن ظهوره باثره علي التفصيل في هذه المرتبة لان مقام الالف اجمال محض فلا ظهور و مقام النقطة لا اجمال و لاتفصيل و مقام ماتحت هذه المرتبة مقام الاجتماع و زوال الاحكام التفصيلية و ظهور الحقيقة الاخري للغاية الاخري العظمي القصوي فكان هذا السحاب فوقه هواء و تحته هواء كما هو شأن السحب كلها الاتري السحاب الجسماني يكفهرّ في الجوّ و فوقه الهواء الصافي البارد المسمي بالكرة الزمهريرية و تحته الهواء المختلط الحافظ للحرارة النجومية في الجملة المسمي بالكرة البخارية و في اعلاها نشو السحب و الامطار و بوقوعها علي الارض يتولد النبات و المعدن و الحيوان و كذلك هذا العماء فوقه الهواء الصافي الغير المشوب بكدر الاغيار الاّ انه ليس ببارد بل هو حارّ غايته و رطب نهايته لعدم الاعراض و الاغراض و المقارنات و الابدال و الاعواض و تحته الهواء المقتر المختلط بكثرة النسب و الروابط و التركيب و هو البخار و لطيف الغبار منه الامطار علي اراضي الاسرار فتفجر منها الانهار و ينبت علي حافّتيها الاشجار الحاملة لفنون الثمار.

الرابعة الكلمة التامه و الهيمنة العامة و الولاية المطلقة الخاصة و السحاب المتراكم و الطمطام المتلاطم و السرّ و الظاهر من حيث هو ظاهر لكونها تأكيداً للاولي لا علي معني الانفصال و تفصيلاً لها علي حقيقة الاتصال و الحق المخلوق به و فلك التدبير و التسخير و العنصر الاول الاعلي و لا ثاني بعدها من العناصر و هي النار في الشجرة و نفسها و لايقابلها ماء و لايتوسط هواء الاّ علي المعني الذي مضي تفسيره و هي النتيجة للصرف الي الامثلة المختلفة و هي الغيب و العرش و العقد الثاني بعد الحلّ الثاني و هو الوعاء الحاوي و هي الجامعة و منها و عنها و اليها تنتهي الحوادث و الكائنات و هي المثل الاعلي و مبرء الاسماء الحسني و مركز الصفات العليا و هي اخر المقامات و الايات الكبري و الغيب الذي لايعلمه الاّ اللّه و السرّ الذي منه البيان و المعاني قد بدا و العلم الذي عنه البداء و منه و اليه الملأ و الحكم الذي به قضي اللّه ماقضي و امضي و به دار الكون و الامكان و الاعيان و مايري و مالايري و هي الذات التي بها اقام اللّه الاشياء و الامر الذي به قامت الارض و السماء و عنده العلم الامكاني الذي هو الاعيان الثابتة عند اهل اللّه و هي القدرة المستطيلة علي العباد و العلم النافذ في البلاد و السلطان الساري حتي في القلب و الفؤاد مسبب الاسباب و مربي الارباب و مالك الرقاب و منشئ السحاب الذي هو نفسه في المبدء و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 338 *»

المعاد و منه البدء و اليه الاياب اقامه اللّه في الوجود الراجح و جعله الزناد القادح فاوري النار و ازال الاغيار و اظهر سطوة الجبار و هي نار الشجرة الزيتونة لا شرقية و لا غربية و القادح تلك النار و الزناد و نفسها التأكيدية لا القيومية و الشجرة تمامها اي الكلمة فغابت النار في لبّها و سرت في طيّها ثم ظهرت معلنةً يحمد ربها حاكيةً عن باريها اني انا اللّه الواحد القهار او قل ان القادح هو النقطة في الرتبة العليا و الزناد هو الالف و الحجر هو الحروف و الحرارة الحاصلة هي الشجرة و هي خضراء المزج صفرة المرتبة الثالثة مع سواد الكثرة بتراكم النسب في نفسها و هي الزيتونة لاعتدال النضج في الحلّ و العقد فصارت الاجزاء متلززة متلاصقة غير منفكة و غير ممكنة لحلول الاغيار فاذا حلّت احترقت بالنار و هي الدهن الصافي و الحبّ الوافي يستحيل انفكاك محبه عن محبوبه فلاتزال النار متعلقة بالدهن و السراج الوهاج يضي‏ء بالانوار و يظهر خفايا الاسرار و لذا قال7 شئون يبديها لايبتديها ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار فالنار هي الشجرة و هي الدهن و الدهن و النار و الشجرة هي القادح و الزناد و القدح و الحجر بلاتكثر و لا اختلاف فقد طويت بظهور سلطان الوحدة و خفيت حقيقة الكثرة و نحن لم‏نزل نثبتها و ننفيها فالنفي شي‏ء و الاثبات اخر و هي شي‏ء و الكل عند مبدئها منقطع الاول و الاخر فان قلنا وحدة و سكتنا توهم فيه القدم و هو عبد خاضع و ان قلنا كثيرة و اثبتنا مقتضاها توهم ان الاحوال الجارية في الاكوان تجري عليه مع انها به تكوّنت و تحصّلت و تشيّئت و لايجري عليه ما هو اجراه فيجب نفي الكثرة عنه و ان قلنا كثرة في وحدة قال اصحاب وحدة الوجود و هذا هو الذي قلنا و انكرتموه و نزّهتم الحق عنه و ان قلنا لا وحدة و لا كثرة فلم‏يكن امر اللّه واحداً فجاء الاختلاف و ارتفع الايتلاف و قدنزّه اللّه سبحانه نفسه عن الاختلاف و قال انه ليس من عنده بعد دلالة العقل الصريح عليه لانه نقص و فعله متعال عنه و هذا هو الداء العضال و محنة الرجال و علي ما شرحنا و بيّنّا ارتفع الاشكال و لم‏يبق مجال للمقال لمن عرف حقيقة الحال و الاّ فلايسبح في لجة لاتساحل و طمطام لايطاول و لايروم

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 339 *»

مقصداً هو عنه بمراحل ٭ فدع عنك بحراً ضل فيه السوابح ٭.

الاشراق الثالث: اذا احطت خبراً بالمراتب الاربع علي الوجه الارفع فاعلم انه له ثلث مراتب اخر هي مقتضي الامكان و الحدوث و لايمكن خلوّ حادث ممكن عنها و الاّ كان قديماً. الاولي وجهه الي مبدئه و هو المثال الملقي و الوجه الاعلي و الاية الكبري و به يعرف باريه و صانعه و به يظهر التوحيد و يلوح التفريد علي هيكل التجريد و هو الاية و العلامة و الدلالة للشي‏ء نفسه و ماذكرنا سابقاً من انه الاية الكبري فانما هي لغيره و اثره. الثانية وجهه الي نفسه و هي الحجاب بالمعني الثاني و هي سكون الحركة و عندها صلوح ذكر الكثرة و لديها النفي و الاثبات و السلب و الايجاب و هي ماشمّت رائحة الوجود و لا بمعني العدم المقابل و النفي الحامل بل بمعني الليس و العدم المدركين و بها يتحقق الاولي و بنفيها يظهر و بالاولي تتحقق و بنفيها تعدم و كل منهما متعاضدان مترافعان متساوقان و الفرق ماذكرنا. الثالثة جمع و ايتلاف و رفع للاختلاف و ظهور الوحدة في الكون الثاني و خفاء الكثرة في الكون الاول و هي وحدة تحت الاولي و تظهر عند بروز محلها و هو التركيب و حصول المودة بين المحبوب و الحبيب فسري في غيبه و مات في حبّه و استجنّ في لبّه و هكذا في كل تأليف فلايقال ان الكل اعظم من الجزء فيكون اشرف منه فيكون اقدم و حصوله بعده ضروري و هو لاجله نظري فان الاجزاء جاذبة للمحبة و هي حجاب بين المحب و المحبوب فاذا ارتفع الحجاب ارتفع الطالب و المحتجب لرفع المنتسبين عند رفع النسبة من البين فاذا تمّت هذه المراتب الثلث مبدء الفرد و اجتمعت مع الاربعة مبدء الزوج فقامت السبعة معلنةً بالثناء علي الوجه الاكمل لخالق الاشياء و اذا لوحظت هذه الثلثة في تلك الاربعة اذ لاريب ان كل مرتبة منها اذا فرضتها متميزة مختلفة تستدعي الشيئية و الجوهرية و العرضية فكل واحدة اذن ثلثة فكان الجميع اثني‏عشر عدد الزايد فكان هو الجاري الحامد و المثني لتامّ العدد و اذا ثنيت حالة الاجتماع في

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 340 *»

عالمي الجمع و الفرق الذي هو الذكر لا الكون العيني الذي جمعه الكون الذكري كما هو المعلوم عند اهل الرسوم ظهر العدد الاربعة عشر النجوم الزهر الحروف النورانية بالاقلام اليونانية في الكتابة السرمدية فجاء الايس و انتفي الليس فملأ الوجود بالغيب و الشهود و ظهرت كلمة الاخلاص لاهل الاختصاص و لات حين مناص فبسطت اليد بالجزر و المد و ظهر الجواد بصفة الوهاب ناب ماغاب و انفتح الباب فجري السيل من عالم الميلا و انبسط علي اراضي الامكان فسالت اودية بقدرها من فيض المنان فانتشر الحمد باللواء و الحمد للّه الذي ذي الالاء و النعماء و الفيض و العطاء فاشتق له الاسم من الحمد لانه مبدء الثناء و المجد فهو الحمد و الحامد و الحميد و المحمود و احمد و محمّد.

تحقيق الهـي: و هذه الاربعة عشر هي بعينها الاثني‏عشر و هي بعينها السبعة و هي بعينها الاربعة و هي بعينها الثلثة و هي بعينها الواحد بلا اختلاف و لاتعدد بعين ماذكرنا في الحلّ و العقد و شرحنا ان الرطوبة هي عين اليبوسة و الاربعة هي عين الواحدة فاذا جاز لك في الاربعة جاز في الاربعة عشر و حيث قلنا انه الحق المخلوق به فكان هو اليد الباسطة بالانفاق و العطية و وجهه الناظرة اليها ساير الخليقة و هما في اللفظ اربعة عشر بحكم المعني عليه غير مرة الاّ انها قدغلبت عليه الوحدة الحقيقية بحيث ارتفع حكم البينونة فصارت واحدة في عين الكثرة و مايقوله اهل الوحدة من طي الكثرة فيها ان كان كل العالم فغلط لكونه نقصاً في التدبير و دالاً علي ضعف الصانع تعالي العليم القدير و ان كان في كثرة العدد المخصوص اي الاربعة عشر التي هي اقصي مايفرض كونه في الكثرة لما ذكرنا في الحكمة لا في القدرة في الصادر الاول فصحيح لاغبار عليه لما عرفت.

الاشراق الرابع: الصادر الاول من حيث نسبته الي غيره و صدور الاشياء باللّه سبحانه عنه فعل و مشية و ارادة و اختراع و ابتداع و اصل و محبة و صبح

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 341 *»

الازل و فلك الولاية المطلقة و الازلية الثانية و الكاف المستديرة علي نفسها و الملك المستعلي علي كل شي‏ء الذي لم‏يبلغ ادني مااستأثر منه اقصي نعت الناعتين و الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و الامر القائم به كل شي‏ء و الرحمة الواسعة و الحكمة البالغة و السلطان الدائم و الملك الفاخر و القدرة المستطيلة علي كل شي‏ء و العلم النافذ في كل شي‏ء و المشية الماضية و البهاء البهي و الجلال الاجل و الجمال الاجمل و النور الاسني و امثالها من الاسماء و الصفات مما عبّر عنه به الوحي الالهي في التنزيل و التأويل بالكتاب الناطق و الصامت و من حيث نفسه خلق و انخلاق و وجود و انوجاد و فعل و انفعال فمن حيث صدوره من حيث انه انما اصدره اللّه بنفسه لا بغيره فهو فعل لنفسه بنفسه باللّه سبحانه و من حيث نفس صدوره من حيث هو مصدر و من حيث انصداره قابل و من حيث ان اصداره به اسم فاعل بالاضافة البيانية فهو اسم فاعل و هو اسم و هو صفة استدلال علي الدالّ لا صفة تكشف لتعاليها عن ان‏تناله ايدي الامكان و من حيث وقوع الصدور علي القابل الحاصل عند القبول و قبوله اي اوجده فانوجد و خلقه فانخلق مفعول مطلق منزه عن جميع ماسوي جهة كونه اثراً مخلوقاً و من حيث امكانه مفعول‏به و من حيث انه خلق للتجلي و ظهور القدرة مفعول‏له و من حيث مصاحبته للسرمد و الامكان مفعول‏معه و من حيث انه صفة استدلال حال و من حيث حدوثه و امكانه و تطرّق الغناء و الفقر و الاستغناء فيه تمييز يميّز حال التمويه عن الصحيح و يظهر ما هو الحق الصريح و لذا لمّا عاينت الملائكة ماعاينت فظنّت ماظنّت قيل لا اله الاّ اللّه و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم فالعلي العظيم يقعان صفة للّه لا ذاتان ليكون صفة لهما فان الذات محال ان‏تقع صفة و الصفة من حيث هي محال ان‏تقع ذاتاً يا ايها الذين امنوا لاتغلوا في دينكم و لاتقولوا علي اللّه الاّ الحق انما المسيح عيسي ابن مريم رسول اللّه و كلمته القيها الي مريم و روح منه و التميز ايضاً بالقاء المثال و اشتقاق الاسم الفاعل و لذا قلنا في تعريف الاسم انه حكاية الفعل للمفعول عدم استقلالية نفسه فاتي بمكنسة لغبار الاوهام و نار محرقة لصداء اغاليط

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 342 *»

الاحلام و الاّ فلا جمع و لا اشتراك ليحتاج الي الفصل و الامتياز و من حيث القابل و المقبول و النسبة اجزاء و من حيث الربط و التأليف تركيب و مركب و من حيث ربط المقبول الي القابل و العالي الي الداني و الاصل الي الفرع حلّ و عقد اول و من حيث ربط القابل الي المقبول و السافل الي العالي حلّ و عقد ثانٍ و من حيث العالي و السافل و ظهور مقتضياتهما عناصر و من حيث انه نفس ذلك الربط و الاتصال طبايع و من حيث حالة الاجزاء لان اقلها جزءان و التركيب مثلث و من حيث الحلّين و العقدين مربع و من حيث المجموع مسبّع و من حيث التفصيل الاول عند الربط مسدّس و من حيث ملاحظة النسبة في التركيب مع الثلثة و اجتماع الحلّين و العقدين مثمّن و من حيث حصول الهيئة التأليفية في الثمانية او مجذور الثلثة متسّع و من حيث ظهور الاصل الواحد في التسعة معشّر و من حيث ظهور الخمسة اي الحلّين و العقدين و الهيئة الوحدانية الجامعة مع الستة التي بها كان مسدّساً احدعشر و من حيث تثنية العدد التامّ اثني‏عشر و من حيث تثنية العدد الكامل اربعة عشر و للدلالة علي ان الحقيقة المذكورة بها الافاضة في الاكوان و الامكان و بهما تمّت فيها نهاية العدد اذ ماسويها نقص لايليق به فعل الواحد الاحد و من حيث غلبة سلطان الوحدة و تلاشي الكثرة لجميع جهاتها بحيث انمحقت اثارها و انتفت اثارها بسيط و من حيث ان الواحد هو المقصود للايجاد لان الواجب الحق سبحانه لاينبغي ان‏يصدر منه الاّ الواحد الامكاني لكمال شرفه و كماله و انه فوق الكمالات الامكانية لانها منه نشأت و اليه عادت كما انه عنه بدءت واحد قد اذهب سبحانه عنه لوازم الكثرات و لواحق الانيات لانه تعالي اذهب الرجس عن اهل‏البيت و طهّرهم تطهيراً فالصادر الاول هو البيت و اهله ماذكرنا مفصلاً من التثليث و التربيع الي اربعة عشر و الرجس في ذلك المكان عوارض الامكان فقد اذهب اللّه تعالي الكثرة التي هي هي تلك العوارض عنهم فقدحلاّهم بتحليته و علاّهم بتعليته و سما بهم الي رتبته في الوصف الفهواني و الخطاب الشفاهي و الوحدة الحقيقية تخلّقوا باخلاق اللّه. اطعني اجعلك مثلي. لا فرق بينك و بينها الاّ انهم

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 343 *»

 عبادك و خلقك فالصادر الاول واحد قدزال عنه عوارض الكثرة و لواحق الفترة و طهّره عن ذلك تطهيراً فكان ممكناً قدزال عنه احكام الامكان في المبدء الاول لم‏يزل في القديم الاول و واجباً في الامكان لا ان الممكن صار واجباً او العكس او الامكان حدود قدزالت فبقي الواجب تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً بل الممكن لايزال ممكناً و الواجب كذلك لكن الممكن اذا تمحّض في النظر الي الواجب و لم‏ينظر الي الجهات الامكانية فلم‏يبق لها تأثير و يظهر فيه صفات الربوبية في المقامات الفعلية فطهّره اللّه سبحانه عنه بذلك النظر مقتضي الجهات الامكانية و حلاّه بصفة القيومية فاقامه مقامه و اظهر عنه افعاله و لمّا كان في الصادر الاول ليس الاّ ذكر الكثرة فاذهبها عنه و طهّره منها فجعله واحداً بلا كيف و لا اشارة و لا اسم و لا مسمي و هو قوله7 انا الذي لايقع عليه اسم و لا صفة فكان بذلك الاسم الفاعل مرفوعاً اذا كان معرباً و المضموم بعالم الصفة اذا كان مبنياً فحالة كونه مبنياً اعلي من حالة كونه معرباً فهو المرفوع و المضموم و قديكون رفعه بالواو لبيان المراد و نفي الاضداد و اثبات الوحدانية للحق المنزة عن الانداد و قديكون رفعه بالالف اللينية لبيان سرّ الوحدة التي حلاّه اللّه تعالي اياها فقال عزّ من قائل قل انما اعظكم بواحدة و اتيان التاء للمبالغة في الوحدة و اثبات الانفعال و الحدوث في الامر دفعاً لتوهم الغلو و الاستقلال بالامر فالصادر الاول اذن واحد وحدة حقيقية الهية اعلي مايمكن في الامكان.

تبييـن و تفصيـل: وحدته ليست عددية لا التي بعدها الثاني اي التي من الاعداد و تعدّ و تقول واحد اثنان ثلثة و هكذا و لا التي هي محصلة الاعداد و محققها و ليست منها الاّ بمعني انتهائها و رجوعها اليها و نسبتها بها كالالف اللينية في الحروف و هي منها و ليست منها و ليست نوعية و لا شخصية و لا جنسية و لا انبساطية لانها كلها بالصادر الاول تحققت و بها وجدت و لايجري عليه ما هو اجراه لانه قدسبقه و كان متحققاً دونه و الاثر يحكي صفة المؤثر من الوجه المتعلق بالاثر من حيث الوجه الاسفل فلايحكي ذاته فلايوصف ذات

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 344 *»

المؤثر بما وصف به ذات الاثر فالصفات بطريق اولي و ليست وحدته حقيقة لانها وحدة الازل القديم لم‏يزل سبحانه و تعالي فلايوصف بها الحادث و ان كان الصادر الاول لتعاليه عن ذلك فكانت وحدته حقيقة لاتشبه الوحدات التي في المخلوقين و لا الخالق فبالاضافة الي الممكن في اقصي المراتب من الوحدة و بالاضافة الي القديم و لا اضافة فيها كثرة و هي كما قال تعالي لا شرقية و لا غربية غير محدودة الجهات فضاها و ماذكرنا فيه من الكثرات قدطوتها وحدة الواحد طي.

الاشراق الخامس: لمّا كان كل ممكن لابد له من وقت هو استمرار وجوده و استدامة شهوده و لابد له من مكان و هو الفراغ الذي يشغله بالكون فيه و به يمتاز في الجملة عن غيره و لكل اجل كتاب كما يأتي ان‏شاءاللّه تعالي في الباب الرابع في الوجود المقيد مفصلاً كان للصادر الاول وقت و مكان اما الوقت فهو السرمد استمرار منزه عن الحدود و القبلية و البعدية و النهاية و البداية و الاولية و الاخرية فهو قبل بلا قبل في عين كونه بعداً بلا بعد و هو الغير المتناهي في جهة الاستمرار و لايلزم من ذلك قدمه لانه تعالي وراء مالايتناهي بما لايتناهي فالسرمد اذن نسبة الثابت الي الثابت فهو وقت الفعل كما ان الدهر وقت المجردات و الزمان وقت الماديات و انما قلنا لا نهاية له بدواً فلما تحقق عند العقلاء كافة ان ما لا اخر له لا اول له و كل‏ما لحقه العدم سبقه العدم و كل‏ما لم‏يسبقه العدم لم‏يلحقه العدم و قددلّ الدليل العقلي و الشرعي ان اثار الفعل التي منها الجنة و النار لم‏يلحقهما العدم فهما باقيتان مستمرتان ابدالابد و دهر السرمد بلاانقطاع و لا انقضاء فوجب ان‏لايسبقهما العدم لانهما صاعدتان الي ما منه خلقتا فلو كان في نزولهما لهما اول وقتي لكانتا في صعودهما واقفتين اليه فلانهاية في الطرفتين و المثال التقريبي العدد الغير المنتهي الي حدّ فكلما فرضت له مبتدأً تري قبله حدّاً من العدد و كلما فرضت له منتهي تجد بعده حدّاً منه و لا فرق بين عدّ الكسور و الصحاح فان الكسر عدد كما ان الصحيح كذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 345 *»

و الحدّ الفاصل بينهما الواحد فمافوقه كسر و مابعده صحيح و الكسر جزء للصحيح و الواحد اول صحيح قام مثنياً علي اللّه تعالي بعد تمام اجزائه و متمماته و كذلك الجنة و النار باقيتان بلانهاية بدواً و عوداً اما الاول فللصعود و لا شك ان الصاعد انما يصعد الي مامنه بدء لا عنه فان ذلك محال و عدم الوقوف دليل عدم الوصول و الوصول مستحيل و اما النهاية للشي‏ء في مقام الحدود فلاينافي عدم التناهي من حيث الذات في الوجود الراجح فان النزول لا ريب ان له اولاً و هو اول الحدّ في مقام العقل المرتفع بل اعلي مقامات الفؤاد من حيث هو المقابل للقلب و العقل و بذلك يتحقق النزول و لم‏يزل يتكرر و يتكثر الحدود الي تمام مقام الخفاء و موت المبادي الاّ علي مقام التراب مظهر اسم اللّه المميت فالنزول في مقابلة الصعود و تمام حدّه الي التراب و الصعود منه باظهار المستجنات و ابداء الشؤن المكنونات فالحدّ و النهاية لكل مرتبة و اما الاستمرار في الجميع فمداره الفيض و هو غير منقطع فاستمرار الحدود بالحدود الشهودية الجسمانية يسمي زماناً و المحدود بالحدود الغيبية المعنوية او الصورية يسمي دهراً و الغير المحدود سرمداً و الكل لا نهاية له كالعدد الاّ ان الحدّ يوجب النهاية في مقام الحدّ و اما الشي‏ء من حيث هو فلا فاذا وجد الشي‏ء فالحدود في مقامات اعراضه و رسومه فالشي‏ء لا نهاية لاستمراره علي كل حال و تبدلّ الصور لاينافي الاستمرار مع ان تلك الصورة المتبدلة موجودة في وقت شهودها و رتبة حدودها فاذا كان هذا حال المفعولات و اثار الفعل في البقاء و الاستمرار و الوقت فماظنّك بالمؤثر الاول الذي هو الفعل الصادر الاول فهو قبل القبل بلا قبل و بعد البعد بلا بعد لان الوقت و الاولية و الاخرية به وجدت و عنه صدرت و اليه عادت انا للّه و انا اليه راجعون فالصادر الاول اذن سرمدي و وقته السرمد فاذا وصف اللّه سبحانه به فانما هو للصفات الفعلية كما تقول انه سرمدي كل ذلك لاجل الظهورات الفعلية و الذات غيبت الصفات فلايلحظ الفعل حين الاتصاف و الاّ فهو سبحانه في ذاته منزه لانها توجب الاقتران و النسبة و تكثّر الجهات و هو سبحانه متعالٍ عنها و اما الصفات الذاتية فهي واحدة علي كل حال

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 346 *»

و التعدد لمحض التعبير و التفهيم لمحض الكمال لا اثبات تلك المفاهيم و تحقيق تلك المناطيق فالسرمد وقت مساوق للصادر الاول و الامكان مكان له فهما متساوقان و مع الفعل متحدان و اليه ينتهيان و عنه يصدران و به متصلان و كل واحد حاوٍ للاخر و مساوق له فلا امكان الاّ بالفعل و لا فعل الاّ في الامكان فلايخرج الفعل الي الازل و لايخرج الامكان عنه كالسرمد فالامكان حوّاؤه و هو ادم الاول و الشي‏ء مركب مما من الاب و مما من الامّ بل منهما و الاب و الامّ الحقيقيين فالمادة هو الاب و الصورة هي الامّ و لايمكن انفكاك الشي‏ء منهما و هكذا الامكان و الصادر الاول في التحاوي و التساوق و كل منهما حاوٍ للاخر و منتهٍ اليه و مساوق معه كما ذكرنا لماذكرنا فمكانه الامكان و وقته السرمد و هما من حدوده الذاتية علي جهة الوحدة بلا كيف و لا اشارة.

تمثيل عرشـي: مثاله في العالم السفلي الجسمي الزمان و المكان الذي هو البعد المجرد الموجود و كل جسم لايخلو منهما كما يأتي ان‏شاءاللّه تعالي و لمّا كان الاجسام تنتهي الي الفلك الاطلس و هو ينتهي الي محدبه كذلك الزمان و المكان ينتهيان اليه مادام الجسم موجوداً فلايكون الجسم الاّ في الزمان و المكان و لايكونان الاّ بالجسم و كل واحد من الثلثة ينتهي الي الاخر و حاوٍ له و لايتحقق احدها الاّ بصاحبه الاّ انهما علي حسب الجسم فكلما غلظ الجسم غلظ المكان و الزمان الي ان‏تري في الاجسام الارضية و المتولدات ماتري في غاية الكثافة و الغلظة في نفس جسمها و سعتها و ضيقها و سرعة حركتها و بطؤها فان سريعها بطي‏ء و متحركها ساكن بالنسبة الي الافلاك السبعة و كلما رقّ الجسم رقّ الزمان و المكان الي ان‏تري في العرش الذي هو الفلك الاطلس ماتري من السرعة و اللطافة الي ان‏يقطع الدورة بتلك السعة في اربعة و عشرين ساعة زمانية.

تطبيـق فيه تحقيـق: الصادر الاول في اعلي درجة الامكان و كالمحدد في الاجسام فالامكان ينتهي اليه كانتهائه اليه و كذلك السرمد و ليس فوق محدد الجهات شي‏ء من الجسم كما ان فوق الصادر الاول ليس من الامكان شي‏ء و

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 347 *»

ليس فوقه الاّ الوجوب الازل و حضرة الحق لم‏تزل و لا اسم هناك و لا رسم و لا اشارة و لا عبارة و لمّا ان الصادر الاول انما وجد بنفسه فاعتبار نفسه اعتبار علّية و اعتباره اعتبار معلولية في مقام الاقتران اي تعبير لانتهاء المخلوق الي مثله و التجاء طلبه الي شكله فحينئذ نقول تعبيراً و تفهيماً و بياناً لوحدة امر اللّه تعالي و عدم اختلاف حكمه في العالمين عالم الامر و عالم الخلق و عالم التكوين و عالم التشريع و عالم التدوين انه كلما قرب الفعل الذي هو الصادر الاول من نفسه و الامكان و السرمد لطف و رقّ حتي لايكاد يظهر و لايكاد يخفي فيظهر في كل شي‏ء أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبّك نصيباً تعرّفت الي في كل شي‏ء فرأيتك ظاهراً في كل شي‏ء فانت الظاهر لكل شي‏ء بكل شي‏ء و هو7 و ان اراد به الحق من باب ان الذات غيّبت الصفات الاّ ان الحكم جارٍ في كل اثر مع مؤثره لانه اقرب اليه منه و اظهر له منه و به لان وجوده و ظهوره بفاضل ظهور المؤثر فاذن هو اقرب اليه منه و هذا المعني في الممكن لايمكن الاّ بسبب اعتباره من نفسه و توجهه الي باريه و صانعه لا بالاقتران و الاتصال و الانفصال فان ذلك يوجب الذهول و هو عين الخفاء و الافول و لهذا قلنا كلما قرب الفعل من نفسه لطف و رقّ لان نفسه جهة مبدئه و ظهور ربه بلا كيف و لا اشارة و القرب اليه عزل النظر الاّ اليه من حيث انه اية و علامة و دلالة في السفر الثاني للصادر الاول و هو السفر في الحق بالحق من عرف نفسه فقدعرف ربه. اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه و علي هذا كلما بعد عن نفسه و الامكان و السرمد كثف و غلظ حتي يكاد يخفي عن نفسه و يكاد يظهر في المفعولات و يكون كاحدها و لذا افردناه بالذكر و اثبتنا له جميع مااثبتنا لجميع مراتب الوجود علي جهة الوحدة و الاتحاد و علي مايعرفه الفؤاد فهو عالم مستقل ذو اعاجيب فيه اصول الخيرات و فروعها و اليه مبدؤها و منتهاها ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و اشهد

 

«* جواهر الحکم جلد 1 صفحه 348 *»

ان الحق لكم و فيكم و منكم و اليكم و انتم اهله و معدنه و مأويه و المخاطب اهل‏بيت وجود المطلق من المقامات و المراتب التي ذكرناها لك الاّ انها تظهر في كل عالم علي حسب ذلك العالم من الوحدة و الكثرة ففي عالم الوجود المطلق و التعين الاول و النفس الرحماني الاولي هي واحدة انما اعظكم بواحدة. و ما امرنا الاّ واحدة قدانطوت كثرة الاربعة عشر في طي وحدة المبدء الاول و في العالم الثاني اي عالم المعاني ظهر منها اثنان و انطوت الكثرة في الباقين نبي و ولي جمع و جمع الجمع لان الجمع تفصيل جمع الجمع و في العالم الثالث عالم الجبروت ظهر منها خمسة بطي الباقين فيها اي في الخامس منها و هي تمام الكلمة و الهيئة التركيبية و الطبيعة الخامسة و الخمسة كفّ الحكيم و قبضة القدير العليم و الارض جميعاً قبضته اي ارض الامكان و السموات و هو الصادر الاول لكثرته في وحدته و قدمرّ منا في التمثيل انه عالم الامكان و عرش محدّد لجهاته و هذه السموات مطويات بيمينه و هي اليد و السرمد و هي نفسه الوجه الاعلي منه سبحانه و تعالي عما يشركون سبحانه باقترانه بمفعولاته بلسان اعمالهم و احوالهم و ان كان بلسان مقالهم ينزهونه سبحانه عن الاقتران يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب و يفترون علي اللّه الكذب و هم يعلمون و في العالم الرابع عالم الرقايق ظهر منها سبعة قصبة الياقوت و باب الملك و الملكوت و هي الكمال بتمام ايام الاسبوع فالاحد رسول‏اللّه9 و الاثنين اميرالمؤمنين7 و الثلثاء الحسن7 و الاربعاء الحسين7 و الخميس القائم المهدي عجل اللّه فرجه و الجمعة الائمة الثمانية: و السبت الزهراء3لانها بها الكمال و التمام و قد روي . . . . . . .

مع الأسف الي هنا انتهت هذه الرسالة المباركة، المطبوعة الحجريّة منها و المخطوطة المستنسخة الموجودة عندنا و جعلنا مواضع الاختلاف بينهما بين (  ) و اخترنا في بعض المواضع ما هو اقرب الي الصواب منهما. فجزي اللّه مصنّفها اعلي اللّه مقامه خير الجزاء.